المَكتَبَةُ الشَّامِلَةُ السُّنِّيَّةُ

الرئيسية

أقسام المكتبة

المؤلفين

القرآن

البحث 📚

‌[فصل في معرفة أركان القضاء] - شرح ميارة = الإتقان والإحكام في شرح تحفة الحكام - جـ ١

[ميارة]

فهرس الكتاب

- ‌[مُقَدِّمَةُ الْكِتَابِ]

- ‌[بَابُ الْقَضَاءِ وَمَا يَتَعَلَّقُ بِهِ]

- ‌[فَصْلٌ فِي مَعْرِفَةِ أَرْكَانِ الْقَضَاءِ]

- ‌[فَصْلٌ فِي رَفْعِ الْمُدَّعَى عَلَيْهِ وَمَا يُلْحَقُ بِذَلِكَ]

- ‌[فَصْلٌ فِي مَسَائِلَ مِنْ الْقَضَاءِ]

- ‌[فَصْلٌ فِي الْمَقَالِ وَالْجَوَابِ]

- ‌[فَصْلٌ فِي الْآجَالِ]

- ‌[فَصْلٌ فِي الْإِعْذَارِ]

- ‌[فَصْلٌ فِي خِطَابِ الْقُضَاةِ وَمَا يَتَّصِلُ بِهِ]

- ‌[بَابُ الشُّهُودِ وَأَنْوَاعِ الشَّهَادَاتِ وَمَا يَتَعَلَّقُ بِذَلِكَ]

- ‌[فَصْلٌ مَسَائِلُ مِنْ بَابِ الشَّهَادَةِ مِمَّا يَتَكَرَّرُ وُقُوعُهُ غَالِبًا]

- ‌[فَصْلٌ فِي أَنْوَاعِ الشَّهَادَاتِ]

- ‌[فَصْلٌ الشَّهَادَةُ الَّتِي تُوجِبُ الْحَقَّ مَعَ الْيَمِينِ]

- ‌[فَصْلٌ مِنْ أَقْسَامِ الشَّهَادَةِ وَهِيَ الَّتِي تُوجِبُ الْحَقَّ مِنْ غَيْرِ يَمِينٍ]

- ‌[فَصْلٌ مَا يُوجِبُ الْيَمِينَ لَا عَلَى الطَّالِبِ بَلْ عَلَى الْمَطْلُوبِ]

- ‌[فَصْلٌ الشَّهَادَةُ الَّتِي لَا عَمَلَ لَهَا]

- ‌[فَصْلٌ فِي شَهَادَةِ السَّمَاعِ]

- ‌[فَصْلٌ فِي مَسَائِلَ مِنْ الشَّهَادَةِ]

- ‌[بَابُ الْيَمِينِ وَمَا يَتَعَلَّقُ بِهَا]

- ‌[بَابُ الرَّهْنِ وَمَا يَتَعَلَّقُ بِهِ]

- ‌[فَصْلٌ فِي اخْتِلَافِ الْمُتَرَاهِنَيْنِ]

- ‌[بَابُ الضَّمَانِ وَمَا يَتَعَلَّقُ بِهِ]

- ‌[بَابُ الْوَكَالَةِ وَمَا يَتَعَلَّقُ بِهَا]

- ‌[فَصْلٌ فِي تَدَاعِي الْمُوَكِّلِ وَالْوَكِيلِ]

- ‌[بَابُ الصُّلْحِ وَمَا يَتَعَلَّقُ بِهِ]

- ‌[فَصْلٌ وَلِلْأَبِ الصُّلْحُ عَلَى الْمَحْجُورِ]

- ‌[بَابُ النِّكَاحِ وَمَا يَتَعَلَّقُ بِهِ]

- ‌[فَصْلٌ فِي الْأَوْلِيَاءِ وَمَا يَتَرَتَّبُ فِي الْوِلَايَةِ]

- ‌[فَصْلٌ فِيمَنْ لَهُ الْإِجْبَارُ وَمَا يَتَعَلَّقُ بِهِ]

- ‌[فَصْلٌ فِي حُكْمِ فَاسِدِ النِّكَاحِ وَمَا يَتَعَلَّقُ بِهِ]

- ‌[فَصْلٌ فِي مَسَائِلَ مِنْ النِّكَاحِ]

- ‌[فَصْلٌ فِي تَدَاعِي الزَّوْجَيْنِ وَمَا يَلْحَقُ بِهِ]

- ‌[فَصْلٌ فِي الِاخْتِلَافِ فِي الْقَبْضِ]

- ‌[فَصْلٌ فِيمَا يُهْدِيهِ الزَّوْجُ ثُمَّ يَقَعُ الطَّلَاقُ]

- ‌[فَصْلٌ فِي الِاخْتِلَافِ فِي الشُّوَارِ الْمُورَدِ بَيْتَ الْبِنَاءِ]

- ‌[فَصْلٌ فِي الِاخْتِلَافِ فِي مَتَاعِ الْبَيْتِ]

- ‌[فَصْلٌ فِي إثْبَاتِ الضَّرَرِ وَالْقِيَامِ بِهِ وَبَعْثِ الْحَكَمَيْنِ]

- ‌[فَصْلٌ فِي الرَّضَاعِ]

- ‌[فَصْلٌ فِي عُيُوبِ الزَّوْجَيْنِ وَمَا يُرَدَّانِ بِهِ مِنْهَا]

- ‌[فَصْلٌ فِي الْإِيلَاءِ وَالظِّهَارِ]

- ‌[فَصْلٌ فِي اللِّعَانِ]

- ‌[بَابُ الطَّلَاقِ وَالرَّجْعَةِ وَمَا يَتَعَلَّقُ بِهِمَا]

- ‌[فَصْلٌ الْخُلْع]

- ‌[فَصْلٌ فِي الْأَيْمَانِ اللَّازِمَةِ]

- ‌[فَصْلٌ فِي التَّدَاعِي فِي الطَّلَاقِ]

- ‌[فَصْلٌ مَنْ طَلَّقَ زَوْجَتَهُ طَلَاقًا رَجْعِيًّا ثُمَّ أَرَادَ الْعَوْدَ لِلزَّوْجِيَّةِ]

- ‌[فَصْلٌ فِي الرَّجْعَةِ]

- ‌[فَصْلٌ فِي الْفَسْخِ]

- ‌[بَابُ النَّفَقَةِ وَمَا يَتَعَلَّقُ بِهَا]

- ‌[فَصْلٌ فِي التَّدَاعِي فِي النَّفَقَةِ]

- ‌[فَصْلٌ فِيمَا يَجِبُ لِلْمُطَلَّقَاتِ وَغَيْرِهِنَّ مِنْ النَّفَقَةِ وَمَا يُلْحَقُ بِهَا]

- ‌[فَصْلٌ فِي الطَّلَاقِ بِالْإِعْسَارِ بِالنَّفَقَةِ وَمَا يُلْحَقُ بِهَا]

- ‌[فَصْلٌ فِي أَحْكَامِ الْمَفْقُودِينَ]

- ‌[فَصْلٌ فِي الْحَضَانَةِ]

- ‌[بَابٌ فِي الْبُيُوعِ وَمَا شَاكَلَهَا]

- ‌[فَصْلٌ فِي بَيْعِ الْأُصُولِ]

- ‌[فَصْلٌ فِي بَيْعِ الْعُرُوضِ مِنْ الثِّيَابِ وَسَائِرِ السِّلَعِ]

- ‌[فَصْلٌ فِي بَيْعِ الطَّعَامِ]

- ‌[فَصْلٌ فِي بَيْعِ النَّقْدَيْنِ وَالْحُلِيِّ وَشِبْهِهِ]

- ‌[فَصْلٌ فِي بَيْعِ الثِّمَارِ وَمَا يُلْحَقُ بِهَا]

- ‌[فَصْلٌ فِي الْجَائِحَةِ فِي الثِّمَارِ]

- ‌[فَصْلٌ فِي بَيْعِ الرَّقِيقِ وَسَائِرِ الْحَيَوَانِ]

- ‌[فَصْلٌ كِلَابَ الْمَاشِيَةِ يَجُوزُ بَيْعُهَا]

- ‌[فَصْلٌ فِي بَيْعِ الدَّيْنِ وَالْمُقَاصَّةِ فِيهِ]

- ‌[فَصْلٌ فِي الْحَوَالَةِ]

- ‌[فَصْلٌ فِي بَيْعِ الْخِيَارِ وَالثُّنْيَا]

الفصل: ‌[فصل في معرفة أركان القضاء]

لِلْقَاضِي أَنْ يَتَضَاحَكَ مَعَ النَّاسِ وَيُسْتَحَبُّ أَنْ تَكُونَ فِيهِ عَبُوسَةٌ مِنْ غَيْرِ غَضَبٍ وَأَنْ يَلْزَمَ التَّوَاضُعَ وَالنُّسُكَ فِي غَيْرِ وَهَنٍ وَلَا ضَعْفٍ وَلَا تَرْكِ شَيْءٍ مِنْ الْحَقِّ (رَابِعُهَا) أَنْ يَجْتَنِبَ كُلَّ مَا فِيهِ إخْلَالٌ بِالْمَرْتَبَةِ وَإِنْ كَانَ مُبَاحًا فِي أَصْلِهِ كَالْبَيْعِ وَالشِّرَاءِ لِنَفْسِهِ فِي مَجْلِسِ قَضَائِهِ إلَّا مَا خَفَّ وَعَنْ طَلَبِ الْعَوَارِيّ وَالْتِمَاسِ الْحَوَائِجِ وَقَبُولِ الْهَدَايَا مِنْ أَحَدٍ وَعَنْ إجَابَةِ الدَّعْوَةِ إلَّا لِلْوَلِيمَةِ وَحْدَهَا لِمَا جَاءَ فِي ذَلِكَ مِنْ الْحَدِيثِ ثُمَّ إنْ شَاءَ أَكَلَ وَإِنْ شَاءَ تَرَكَ وَلَهُ عِيَادَةُ الْمَرْضَى وَشُهُودُ الْجَنَائِزِ وَالتَّسْلِيمُ عَلَى النَّاسِ وَالرَّدُّ عَلَيْهِمْ إذَا بَدَءُوهُ وَيَتَأَكَّدُ عَلَيْهِ أَنْ يَعْتَمِدَ عَلَى مَنْ يَثِقُ بِهِ فِي إخْبَارِهِ بِأَحْوَالِهِ وَتَعْرِيفِهِ بِسِيرَتِهِ لِيَجْتَنِبَ بِذَلِكَ مَا يَنْبَغِي اجْتِنَابُهُ اهـ. مِنْ الشَّارِحِ لَكِنْ بِاخْتِصَارٍ ثُمَّ قَالَ

[فَصْلٌ فِي مَعْرِفَةِ أَرْكَانِ الْقَضَاءِ]

ِ

تَمْيِيزُ حَالِ الْمُدَّعِي وَالْمُدَّعَى

عَلَيْهِ جُمْلَةَ الْقَضَاءِ جَمَعَا

فَالْمُدَّعِي مَنْ قَوْلُهُ مُجَرَّدٌ

مِنْ أَصْلٍ أَوْ عُرْفٍ بِصِدْقٍ يَشْهَدُ

وَالْمُدَّعَى عَلَيْهِ مَنْ قَدْ عَضَّدَا

مَقَالَهُ عُرْفٌ أَوْ أَصْلٌ شَهِدَا

(الْأَرْكَانُ) جَمْعُ رُكْنٍ وَهِيَ أَجْزَاءُ الْمَاهِيَّةِ الَّتِي تَخْتَلُّ بِاخْتِلَالِ بَعْضِهَا وَالْقَضَاءُ الْحُكْمُ وَالْفَصْلُ بَيْنَ الْمُتَخَاصِمَيْنِ، وَأَرْكَانُهُ عَلَى مَا ذَكَرَ النَّاظِمُ ثَلَاثَةٌ الْمُدَّعِي وَالْمُدَّعَى عَلَيْهِ وَالدَّعْوَى وَقَدْ ذَكَرَ فِي التَّرْجَمَةِ الثَّلَاثَةَ الْمَذْكُورَةَ وَمَا يُطْلَبُ بِهِ كُلٌّ مِنْ الْمُدَّعِي وَالْمُدَّعَى عَلَيْهِ وَمَحَلُّ الْحُكْمِ إذَا كَانَ كُلٌّ مِنْ الْمُتَخَاصِمَيْنِ فِي بَلَدٍ وَمَنْ يُقَدَّمُ عِنْدَ اجْتِمَاعِ الْخُصُومِ وَمَنْ يُقَدَّمُ بِالْكَلَامِ مِنْ الْمُتَخَاصِمَيْنِ.

وَحُكْمُ مَا إذَا جَهِلَ الْمُدَّعَى عَلَيْهِ مِنْ الْمُدَّعِي مُقَدِّمًا جَمِيعَ ذَلِكَ بِفَذْلَكَةٍ قَرِيبَةٍ وَهِيَ أَنَّ تَمْيِيزَ الْقَاضِي بَيْنَ الْمُدَّعِي وَالْمُدَّعَى عَلَيْهِ، عَلَيْهِ يُبْنَى جَمِيعُ مَسَائِلِ الْقَضَاءِ، وَذَلِكَ أَنَّ الْمَاهِيَّةَ إذَا عُرِفَتْ أَرْكَانُهَا عَلَى التَّفْصِيلِ فَقَدْ عُرِفَتْ حَقِيقَتُهَا. وَالْمُدَّعِي وَالْمُدَّعَى عَلَيْهِ رُكْنَانِ فَإِذَا تَمَيَّزَ لِلْقَاضِي كُلٌّ مِنْهُمَا مَعَ مَعْرِفَتِهِ بِالدَّعْوَى فَقَدْ عَرَفَ الطَّالِبَ مِنْ الْمَطْلُوبِ وَمَنْ يُطَالَبُ بِالْبَيِّنَةِ أَوْ بِالْيَمِينِ وَالدَّعْوَى الَّتِي يُطَالَبُ الْمُدَّعَى عَلَيْهِ بِجَوَابِهَا وَغَيْرُهَا إلَى غَيْرِ ذَلِكَ قَالُوا وَذَلِكَ كَالطَّبِيبِ وَالْمَرِيضِ فَإِنَّ الطَّبِيبَ إذَا عَرَفَ عِلَّةَ الْمَرِيضِ سَهُلَ عَلَيْهِ مَعْرِفَةُ الدَّوَاءِ الْمُوَافِقِ لِذَلِكَ الْمَرَضِ وَإِذَا جَهِلَ الْعِلَّةَ لَا يَهْتَدِي إلَى دَوَاءٍ؛ وَلِذَلِكَ قَالَ سَعِيدُ بْنُ الْمُسَيِّبِ مَنْ عَرَفَ الْمُدَّعِيَ مِنْ الْمُدَّعَى عَلَيْهِ فَقَدْ عَرَفَ وَجْهَ الْقَضَاءِ وَهَذَا هُوَ الَّذِي عِنْدَ النَّاظِمِ فِي الْبَيْتِ الْأَوَّلِ.

فَقَوْلُهُ: (تَمْيِيزُ حَالِ) مُرَادُهُ تَمْيِيزُ الْمُدَّعِي مِنْ الْمُدَّعَى عَلَيْهِ فَلَفْظَةُ (حَالِ) مَقْحَمَةٌ وَلَعَلَّ وَجْهَ الْإِتْيَانِ بِهَا أَنَّهُ لَمَّا كَانَ التَّمْيِيزُ بَيْنَهُمَا يَحْصُلُ بِالنَّظَرِ لِحَالِهِمَا مِنْ كَوْنِ أَحَدِهِمَا دَاعِيًا وَالْآخَرُ مَدْعُوًّا أَوْ طَالِبًا وَالْآخَرُ مَطْلُوبًا أَتَى بِهَذِهِ اللَّفْظَةِ إشَارَةً إلَى ذَلِكَ وَأَيْضًا فَإِنَّ مَنْ مُيِّزَ حَالُهُ وَوَصْفُهُ فَقَدْ مُيِّزَ وَعُرِفَ (وَتَمْيِيزٌ) مُبْتَدَأٌ وَجُمْلَةُ (جَمَعَ جُمْلَةَ الْقَضَاءِ) خَبَرُهُ وَفَاعِلُ (جَمَعَ) ضَمِيرُ تَمْيِيزٍ وَهُوَ الرَّابِطُ لِجُمْلَةِ الْخَبَرِ بِالْمُبْتَدَأِ.

وَالْقَضَاءُ عَلَى حَذْفِ مُضَافٍ أَيْ جُمْلَةُ أَحْكَامِ الْقَضَاءِ ثُمَّ شَرَعَ فِي بَيَانِهَا فَقَالَ فَالْمُدَّعِي مِنْ قَوْلِهِ مُجَرَّدٌ. الْبَيْتَيْنِ يَعْنِي أَنَّ الْمُدَّعِيَ هُوَ الَّذِي تَجَرَّدَ قَوْلُهُ عَنْ أَصْلٍ أَوْ عُرْفٍ شُهِدَ لَهُ بِصِدْقِهِ بِمَعْنَى أَنَّ دَعْوَاهُ مُخَالِفَةٌ لِلْأَصْلِ وَالْعُرْفِ مَعًا فَلَمْ يُوَافِقْهَا وَاحِدٌ مِنْهُمَا وَأَنَّ الْمُدَّعَى عَلَيْهِ مَنْ قَدْ عَضَّدَ قَوْلَهُ أَيْ قَوَّاهُ إمَّا أَصْلٌ أَوْ عُرْفٌ فَأَحَدُهُمَا كَافٍ (فَمِثَالُ شَهَادَةِ الْأَصْلِ) مَنْ ادَّعَى دَيْنًا قِبَلِ رَجُلٍ فَأَنْكَرَهُ وَادَّعَى بَرَاءَةَ ذِمَّتِهِ أَوْ ادَّعَى مِلْكِيَّةَ شَخْصٍ لَيْسَ فِي حَوْزِهِ فَأَنْكَرَهُ وَادَّعَى الْحُرِّيَّةَ فَالْمُدَّعِي لِبَرَاءَةِ ذِمَّتِهِ وَلِلْحُرِّيَّةِ مُدَّعًى عَلَيْهِ لِأَنَّ الْأَصْلَ بَرَاءَةُ الذِّمَّةِ وَالْأَصْلُ الْحُرِّيَّةُ وَمَنْ شَهِدَ لَهُ الْأَصْلُ فَهُوَ مُدَّعًى عَلَيْهِ وَمُدَّعِي عِمَارَةِ ذِمَّةِ غَيْرِهِ وَمِلْكِيَّةِ مَنْ لَيْسَ تَحْتَ يَدِهِ مُدَّعٍ لِأَنَّهُ لَمْ يَشْهَدْ لَهُ عُرْفٌ وَلَا أَصْلٌ فَإِنْ أَقَامَ بَيِّنَةً عَلَى دَعْوَاهُ وَإِلَّا حَلَفَ الْمُدَّعَى عَلَيْهِ وَبَرِئَ.

(وَمِثَالُ شَهَادَةِ الْعُرْفِ) اخْتِلَافُ الزَّوْجَيْنِ فِي مَتَاعِ الْبَيْتِ فَإِذَا ادَّعَتْ الْمَرْأَةُ مِنْ ذَلِكَ مَا يُعْرَفُ لِلنِّسَاءِ دُونَ الرِّجَالِ، وَادَّعَاهُ الرَّجُلُ فَهِيَ مُدَّعًى عَلَيْهَا لِأَنَّ الْعُرْفَ يَشْهَدُ لَهَا وَالزَّوْجُ مُدَّعٍ لَمْ يَشْهَدْ

ص: 15

لَهُ عُرْفٌ وَكَذَلِكَ مَنْ ادَّعَى الْأَشْبَهَ فِي مَسَائِلِ النِّزَاعِ فَإِنَّهُ مُدَّعًى عَلَيْهِ لِأَنَّ الْعُرْفَ يَشْهَدُ بِصِدْقِهِ وَعَلَى هَذَا فَقِسْ.

(قَالَ الْقَاضِي أَبُو عَبْدِ اللَّهِ الْمُقْرِي فِي كُلِّيَّاتِهِ الْفِقْهِيَّةِ) : (كُلُّ مَنْ عَضَّدَ قَوْلَهُ عُرْفٌ أَوْ أَصْلٌ فَهُوَ مُدَّعًى عَلَيْهِ، وَكُلُّ مَنْ خَالَفَ قَوْلُهُ أَحَدَهُمَا فَهُوَ مُدَّعٍ فَالْمُدَّعَى عَلَيْهِ أَقْوَى الْمُتَدَاعِيَيْنِ سَبَبًا وَالْمُدَّعِي أَضْعَفُهُمَا) اهـ. وَهُوَ كَبَيْتَيْ النَّاظِمِ وَفِي مِثْلِ ذَلِكَ يَقُولُ بَعْضُهُمْ الْمُدَّعِي كُلُّ مَنْ أَرَادَ أَنْ يَشْغَلَ ذِمَّةً بَرِيَّةً أَوْ يُبَرِّئَ ذِمَّةً مَشْغُولَةً أَوْ ادَّعَى غَيْرَ الْعُرْفِ وَالْمُدَّعَى عَلَيْهِ عَكْسُهُ اهـ.

(وَاعْلَمْ) أَنَّ الْمُدَّعَى عَلَيْهِ وَالْمُدَّعِيَ هُوَ الْمَقْضِيُّ لَهُ أَوْ عَلَيْهِ الْمَعْدُودِينَ فِي أَرْكَانِ الْقَضَاءِ السِّتِّ عَلَى مَا ذَكَرَ ابْنُ فَرْحُونَ فِي تَبْصِرَتِهِ حَيْثُ قَالَ وَأَرْكَانُ الْقَضَاءِ سِتَّةٌ الْقَاضِي وَالْمَقْضِيُّ بِهِ وَالْمَقْضِيُّ لَهُ وَالْمَقْضِيُّ فِيهِ وَالْمَقْضِيُّ عَلَيْهِ وَكَيْفِيَّةُ الْقَضَاءِ (فَالرُّكْنُ الْأَوَّلُ) فِي شُرُوطِ الْقَضَاءِ وَآدَابِ الْقَاضِي وَاسْتِخْلَافِهِ وَذِكْرِ التَّحْكِيمِ وَفِي الْأَوْصَافِ الْمُشْتَرَطَةِ فِي صِحَّةِ وِلَايَةِ الْقَضَاءِ وَمَا هُوَ غَيْرُ شَرْطٍ لَكِنْ عَدَمُهَا يُوجِبُ الْعَزْلَ وَمَا هُوَ مِنْ شُرُوطِ الْكَمَالِ.

وَيُسْتَحَبُّ الْعَزْلُ عِنْدَ عَدَمِهَا وَفِي الْأَحْكَامِ اللَّازِمَةِ لِلْقَاضِي فِي سِيرَتِهِ وَالْآدَابِ الَّتِي لَا يَسَعُهُ تَرْكُهَا وَمَا جَرَى عَمَلُ الْحُكَّامِ مِنْ الْأَخْذِ بِهِ وَفِي سِيرَتِهِ فِي الْأَحْكَامِ كَأَنْ لَا يَحْكُمَ حَتَّى لَا يَشُكَّ أَنْ قَدْ فَهِمَ وَيَكْشِفَ عَنْ حَقِيقَةِ الْقَضِيَّةِ فِي الْبَاطِنِ لِيَسْتَعِينَ بِذَلِكَ عَلَى الْوُصُولِ إلَى الْحَقِّ وَلَا يُفْتِي فِي مَسَائِلِ الْقَضَاءِ وَيُحْضِرُ الْعُدُولَ فِي مَجْلِسِ قَضَائِهِ لِيَشْهَدُوا عَلَى إقْرَارِ الْخَصْمِ إنْ أَقَرَّ؛ لِأَنَّهُ لَا يَحْكُمُ بِعِلْمِهِ وَيُحْضِرُ أَهْلَ الْعِلْمِ لِلْمُشَاوَرَةِ وَفِيمَا يَبْتَدِئُ بِالنَّظَرِ فِيهِ كَالنَّظَرِ فِي الشُّهُودِ.

وَيَفْحَصُ عَنْ عَدَالَتِهِمْ وَالْكَشْفِ عَنْ الْمَحْبُوسِينَ وَفِي الْأَوْصِيَاءِ وَأَمْوَالِ الْيَتَامَى وَفِي سِيرَتِهِ مَعَ الْخُصُومِ كَالتَّسْوِيَةِ بَيْنَهُمَا فِي النَّظَرِ وَالتَّكَلُّمِ وَتَلْقِينِ حُجَّةٍ عَمِيَ عَنْهَا وَتَقْدِيمِ الْأَوَّلِ فَالْأَوَّلِ فِي الْخُصُومِ وَتَقْدِيمِ الْمُدَّعِي لِيَبْدَأَ بِالْكَلَامِ.

وَفِي اسْتِخْلَافِ الْقَاضِي وَالتَّحْكِيمِ وَنَحْوِ ذَلِكَ

(وَأَمَّا الرُّكْنُ الثَّانِي) وَهُوَ الْمَقْضِيُّ بِهِ فَهُوَ الْحُكْمُ مِنْ كِتَابِ اللَّهِ عز وجل فَإِنْ لَمْ يَجِدْ فَسُنَّةُ نَبِيِّهِ صلى الله عليه وسلم الَّتِي صَحِبَهَا عَمَلٌ فَإِنْ لَمْ يَجِدْ فِي السُّنَّةِ نَظَرَ فِي أَقْوَالِ الصَّحَابَةِ فَقَضَى بِمَا اتَّفَقُوا عَلَيْهِ فَإِنْ اخْتَلَفُوا قَضَى بِمَا صَحِبَهُ الْعَمَلُ أَوْ مَا أُجْمِعَ عَلَيْهِ فَإِنْ لَمْ يَجِدْ إجْمَاعًا قَضَى بِاجْتِهَادِهِ بَعْدَ مَشُورَةِ أَهْلِ الْعِلْمِ.

(وَأَمَّا الرُّكْنُ الثَّالِثُ) وَهُوَ الْمَقْضِيُّ لَهُ فَهُوَ كُلُّ مَنْ تَجُوزُ شَهَادَتُهُ لَهُ وَفِي حُكْمِهِ لِأَقَارِبِهِ الَّذِينَ لَا تَجُوزُ شَهَادَتُهُ لَهُمْ أَرْبَعَةُ أَقْوَالٍ

(وَأَمَّا الرُّكْنُ الرَّابِعُ) وَهُوَ الْمَقْضِيُّ فِيهِ فَهُوَ جَمِيعُ الْحُقُوقِ بِخِلَافِ غَيْرِ الْقَاضِي فَهُوَ مَقْصُورٌ عَلَى مَا قَدِمَ عَلَيْهِ وَهُنَا ذَكَرُوا إذَا كَانَ الْمُدَّعَى فِيهِ فِي غَيْرِ بَلَدِ الْمُدَّعَى عَلَيْهِ

(وَأَمَّا الرُّكْنُ الْخَامِسُ) وَهُوَ الْمَقْضِيُّ عَلَيْهِ فَهُوَ كُلُّ مَنْ تَوَجَّهَ عَلَيْهِ حَقٌّ إمَّا بِإِقْرَارِهِ إنْ كَانَ مِمَّنْ يَصِحُّ إقْرَارُهُ وَإِمَّا بِالشَّهَادَةِ عَلَيْهِ بَعْدَ الْعَجْزِ عَنْ الدَّفْعِ وَالْإِعْذَارِ إنْ كَانَ مِمَّنْ تَجُوزُ شَهَادَتُهُ عَلَيْهِ.

(وَأَمَّا الرُّكْنُ السَّادِسُ) وَهُوَ كَيْفِيَّةُ الْقَضَاءِ وَتَتَوَقَّفُ عَلَى الْعِلْمِ بِأَشْيَاءَ كَمَعْرِفَةِ مَا هُوَ حُكْمٌ وَمَا لَيْسَ بِحُكْمٍ فَلَا يُتَعَقَّبُ مَا هُوَ حُكْمٌ وَيُتَعَقَّبُ مَا لَيْسَ بِحُكْمٍ وَمَعْرِفَةِ مَا يَفْتَقِرُ لِحُكْمِ الْحَاكِمِ وَمَا لَا يَفْتَقِرُ وَمَا اُخْتُلِفَ فِيهِ، وَفِي أَبْوَابِ الْفِقْهِ الَّتِي يَدْخُلُهَا الْحُكْمُ وَمَعْرِفَةِ الْفَرْقِ بَيْنَ أَلْفَاظِ الْحُكْمِ الَّتِي جَرَتْ بِهَا عَادَةُ الْحُكَّامِ فِي التَّسْجِيلَاتِ وَفِي الْفَرْقِ بَيْن الثُّبُوتِ وَالْحُكْمِ وَفِي تَنْفِيذِهِ حُكْمَ نَفْسِهِ وَحُكْمَ غَيْرِهِ وَفِيمَا يَنْبَغِي لِلْقَاضِي أَنْ يُنَبَّهَ عَلَيْهِ فِيمَا يَشْهَدُ بِهِ عَلَى نَفْسِهِ فِي التَّسْجِيلَاتِ مِنْ التَّبْصِرَةِ بِاخْتِصَارِ كَثِيرٍ

وَقَوْلُهُ فِي الرُّكْنِ الثَّالِثِ وَهُوَ الْمَقْضِيُّ لَهُ وَهُوَ كُلُّ مَنْ تَجُوزُ شَهَادَتُهُ لَهُ صَوَابُهُ كُلُّ مَنْ ثَبَتَ لَهُ حَقٌّ وَيُشْتَرَطُ فِيهِ أَنْ يَكُونَ مِمَّنْ تَجُوزُ شَهَادَتُهُ لَهُ وَكَذَا يُشْتَرَطُ فِي الْمَقْضِيِّ عَلَيْهِ أَنْ يَكُونَ مِمَّنْ تَجُوزُ شَهَادَتُهُ عَلَيْهِ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ

وَقِيلَ مَنْ يَقُولُ قَدْ كَانَ ادَّعَى

وَلَمْ يَكُنْ لِمَنْ عَلَيْهِ يُدَّعَى

لَمَّا قَدَّمَ أَنَّ الْمُدَّعِي مَنْ لَمْ يَشْهَدْ لَهُ أَصْلٌ وَلَا عُرْفٌ وَأَنَّ الْمُدَّعَى عَلَيْهِ مَنْ شَهِدَ لَهُ أَحَدُهُمَا ذَكَرَ هُنَا تَعْرِيفًا آخَرَ وَهُوَ أَنَّ مَنْ أَثْبَتَ مِنْ الْمُتَدَاعِيَيْنِ فَقَالَ كَانَ كَذَا فَهُوَ الْمُدَّعِي وَأَنَّ مَنْ أَنْكَرَ ذَلِكَ وَنَفَاهُ وَقَالَ لَمْ يَكُنْ فَهُوَ الْمُدَّعَى عَلَيْهِ وَهَذَا التَّعْرِيفُ فِي الْمُقَدِّمَاتِ عَنْ سَعِيدِ بْنِ الْمُسَيِّبِ قَالَ: كُلُّ مَنْ قَالَ

ص: 16

كَانَ كَذَا فَهُوَ مُدَّعٍ وَكُلُّ مَنْ قَالَ لَمْ يَكُنْ فَهُوَ مُدَّعًى عَلَيْهِ ا. هـ. وَهَذَا التَّعْرِيفُ جَارٍ فِي غَالِبِ الصُّوَرِ وَإِلَّا فَقَدْ يَكُونُ الْمُثْبِتُ مُدَّعًى عَلَيْهِ وَالنَّافِي مُدَّعِيًا وَذَلِكَ كَدَعْوَى الْمَرْأَةِ عَلَى زَوْجِهَا الْحَاضِرِ مَعَهَا أَنَّهُ لَمْ يُنْفِقْ عَلَيْهَا وَادَّعَى هُوَ الْإِنْفَاقَ فَعَلَى التَّعْرِيفِ الْأَوَّلِ الزَّوْجُ مُدَّعًى عَلَيْهِ لِأَنَّ الْعُرْفَ يَشْهَدُ لَهُ وَالزَّوْجَةُ مُدَّعِيَةٌ إذْ لَا يَشْهَدُ لَهَا عُرْفٌ وَلَا أَصْلٌ وَلَا يَجْرِي عَلَى الثَّانِي؛ لِأَنَّ الزَّوْجَ مُثْبِتٌ وَهُوَ مُدَّعًى عَلَيْهِ وَالزَّوْجَةُ نَافِيَةٌ وَهِيَ مُدَّعِيَةٌ.

(وَقَالَ بَعْضُهُمْ فِي تَعْرِيفِ الْمُتَدَاعِيَيْنِ) كُلُّ طَالِبٍ فَهُوَ مُدَّعٍ وَكُلُّ مَطْلُوبٍ فَهُوَ مُدَّعًى عَلَيْهِ وَهَذَا أَيْضًا فِي الْغَالِبِ فَقَطْ وَقَدْ يَكُونُ الطَّالِبُ مُدَّعًى عَلَيْهِ وَالْمَطْلُوبُ مُدَّعِيًا، وَذَلِكَ كَالْيَتِيمِ إذَا بَلَغَ وَطَلَبَ مِنْ وَصِيِّهِ أَنْ يَدْفَعَ إلَيْهِ مَالَهُ الَّذِي تَحْتَ يَدَيْهِ فَزَعَمَ الْوَصِيُّ أَنَّهُ دَفَعَهُ لَهُ وَأَنْكَرَ الْيَتِيمُ فَعَلَى التَّعْرِيفِ الْأَوَّلِ الْوَصِيُّ مُدَّعٍ لِأَنَّهُ لَمْ يَشْهَدْ لَهُ عُرْفٌ وَلَا أَصْلٌ وَالْيَتِيمُ مُدَّعًى عَلَيْهِ لِأَنَّهُ شَهِدَ لَهُ الْأَصْلُ وَهُوَ وُجُوبُ الْإِشْهَادِ لِقَوْلِهِ تَعَالَى {فَإِذَا دَفَعْتُمْ إِلَيْهِمْ أَمْوَالَهُمْ} [النساء: 6] الْآيَةَ.

وَكَذَا عَلَى التَّعْرِيفِ الثَّانِي لِأَنَّ الْوَصِيَّ مُثْبِتٌ وَالْيَتِيمُ نَافٍ وَلَا يَجْرِي عَلَى الثَّالِثِ لِأَنَّ الْوَصِيَّ مَطْلُوبٌ وَهُوَ مُدَّعٍ وَالْيَتِيمُ طَالِبٌ وَهُوَ مُدَّعًى عَلَيْهِ وَهُوَ لَا يُوجَدُ فِي وَاحِدٍ مِنْ هَذَيْنِ التَّعْرِيفَيْنِ الْأَخِيرَيْنِ. وَذَلِكَ كَمَا إذَا خَلَا الزَّوْجُ بِزَوْجَتِهِ خَلْوَةَ اهْتِدَاءٍ وَادَّعَى عَدَمَ الْمَسِيسِ وَادَّعَتْهُ الزَّوْجَةُ فَالزَّوْجُ مُدَّعٍ لِأَنَّهُ لَمْ يَشْهَدْ لَهُ عُرْفٌ وَلَا أَصْلٌ.

وَالزَّوْجَةُ مُدَّعًى عَلَيْهَا لِأَنَّ الْعُرْفَ يَشْهَدُ لَهَا فَالْقَوْلُ قَوْلُهَا وَلَهَا الصَّدَاقُ كَامِلًا فَالزَّوْجُ مُدَّعٍ وَهُوَ نَافٍ مَطْلُوبٌ وَالزَّوْجَةُ مُدَّعًى عَلَيْهَا وَهِيَ مُثْبِتَةٌ طَالِبَةٌ فَلَمْ يَصْدُقْ عَلَى الْمِثَالِ إلَّا الْحَدُّ الْأَوَّلُ دُونَ الثَّانِي وَالثَّالِثِ وَقَدْ أَشْبَعَ فِي التَّبْصِرَةِ الْكَلَامَ عَلَى الْمُدَّعِي وَالْمُدَّعَى عَلَيْهِ وَأَكْثَرَ مِنْ الْأَمْثِلَةِ فَعَلَيْكَ بِهِ.

(تَنْبِيهٌ) هَذَا كُلُّهُ إنْ قُلْنَا إنَّ مَنْ شَهِدَ لَهُ عُرْفٌ أَوْ أَصْلٌ مُدَّعًى عَلَيْهِ، وَأَمَّا إنْ قُلْنَا إنَّهُ مُدَّعٍ قَامَ لَهُ شَاهِدٌ فَلَا فَرْقَ بَيْنَ الْعِبَارَاتِ الثَّلَاثَةِ الَّتِي تَقَدَّمَتْ فِي تَعْرِيفِ الْمُدَّعِي مِنْ الْمُدَّعَى عَلَيْهِ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ.

وَقَدْ ذَكَرَ الشَّارِحُ هَذَيْنِ الْوَجْهَيْنِ قَبْلَ قَوْلِهِ فِيمَا يَأْتِي (وَالْقَوْلُ عَلَى الْمَشْهُورِ قَوْلُ الْمُدَّعِي) الْبَيْتَ وَيَنْبَنِي عَلَى كَوْنِهِ مُدَّعًى عَلَيْهِ أَنَّ الْيَمِينَ عَلَيْهِ بِحُكْمِ الْأَصَالَةِ لِقَوْلِهِ عليه الصلاة والسلام «الْبَيِّنَةُ عَلَى الْمُدَّعِي وَالْيَمِينُ عَلَى مَنْ أَنْكَرَ» فَيَمِينُهُ يَمِينُ مُنْكِرٍ أَوْ إمَّا عَلَى كَوْنِهِ مُدَّعِيًا قَامَ لَهُ شَاهِدٌ فَيَمِينُهُ لِكَمَالِ النِّصَابِ كَالْيَمِينِ مَعَ الشَّاهِدِ وَيَأْتِي لِلنَّظْمِ فِي بَابِ الْيَمِينِ تَقْسِيمُهَا إلَى أَرْبَعَةِ أَقْسَامٍ هَذَانِ اثْنَانِ مِنْهَا أَعْنِي يَمِينَ الْمُنْكِرِ وَالْيَمِينَ مَعَ الشَّاهِدِ.

(وَمَنْ يَقُولُ) مُبْتَدَأٌ مَوْصُولٌ صِلَتُهُ جُمْلَةُ يَقُولُ فَلَا مَحَلَّ لَهَا مِنْ الْإِعْرَابِ وَفَاعِلُ يَقُولُ يَعُودُ عَلَى مَنْ وَهُوَ الرَّابِطُ لِلصِّلَةِ وَجُمْلَةُ قَدْ كَانَ فِي مَحَلِّ نَصْبٍ مَحْكِيَّةٌ لِلْقَوْلِ.

وَجُمْلَةُ ادَّعَى خَبَرُ مَنْ الْمَوْصُولَةِ (وَلَمْ يَكُنْ) مُبْتَدَأٌ أَيْ هَذَا اللَّفْظُ (وَلِمَنْ) خَبَرُهُ وَمَنْ مَوْصُولَةٌ صِلَتُهَا يُدَّعَى عَلَيْهِ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ

وَالْمُدَّعَى فِيهِ لَهُ شَرْطَانِ

تَحَقُّقُ الدَّعْوَى مَعَ الْبَيَانِ

ذَكَرَ فِي هَذَا الْبَيْتِ الرُّكْنَ الثَّالِثَ مِنْ أَرْكَانِ الْقَضَاءِ وَهُوَ الْمُدَّعَى فِيهِ أَيْ الشَّيْءُ الْمُتَنَازَعُ فِيهِ بَيْنَ الْخَصْمَيْنِ وَأَخْبَرَ أَنَّ لَهُ شَرْطَيْنِ: أَحَدُهُمَا تَحَقُّقُ الدَّعْوَى وَهُوَ شَامِلٌ لِتَحَقُّقِ عِمَارَةِ ذِمَّةِ الْمُدَّعَى عَلَيْهِ كَأَنْ يَقُولَ لِي عَلَيْهِ مِائَةٌ مَثَلًا وَاحْتَرَزُوا بِذَلِكَ عَنْ أَنْ يَقُولَ لِي عَلَيْهِ شَيْءٌ أَوْ أَتَحَقَّقُ عِمَارَةَ ذِمَّةِ فُلَانٍ بِشَيْءٍ أَجْهَلُ مَبْلَغَهُ وَنَحْوَ ذَلِكَ. الشَّرْطُ الثَّانِي: بَيَانُ السَّبَبِ الَّذِي تَرَتَّبَ لَهُ بِهِ قِبَلَ خَصْمِهِ مَا ادَّعَاهُ كَأَنْ

ص: 17

يَقُولَ بِعْت لَهُ أَوْ سَلَّفْته أَوْ نَحْوَ ذَلِكَ لِاحْتِمَالِ أَنْ يَكُونَ ذَلِكَ تَرَتَّبَ مِنْ قِمَارٍ وَنَحْوِهِ مِمَّا لَا عِبْرَةَ بِهِ شَرْعًا فَإِنْ لَمْ يَذْكُرْهُ الْمُدَّعِي فَلِلْمُدَّعَى عَلَيْهِ أَنْ يَسْأَلَهُ عَنْ ذَلِكَ فَإِنْ جَهِلَ أَوْ غَفَلَ عَنْهُ فَيَنْبَغِي لِلْقَاضِي أَنْ يَسْأَلَهُ عَنْهُ لِئَلَّا يَكُونَ ثَمَنَ مَبِيعٍ غَيْرَ جَائِزٍ كَالْخَمْرِ (قَالَ الشَّيْخُ خَلِيلٌ فِي مُخْتَصَرِهِ) فَيَدَّعِي بِمَعْلُومٍ مُحَقَّقٍ قَالَ وَكَذَا شَيْءٌ وَإِلَّا لَمْ يُسْمَعْ كَأَظُنُّ وَكَفَاهُ بِعْت وَتَزَوَّجْت وَحُمِلَ عَلَى الصَّحِيحِ وَإِلَّا فَلْيَسْأَلْهُ الْحَاكِمُ عَنْ السَّبَبِ ثُمَّ قَالَ وَلِمُدَّعًى عَلَيْهِ السُّؤَالُ عَنْ السَّبَبِ وَقَبْلَ نِسْيَانِهِ بِلَا يَمِينٍ ا. هـ.

فَسُؤَالُ الْحَاكِمِ عَنْ السَّبَبِ إنَّمَا هُوَ إذَا غَفَلَ الْمَطْلُوبُ أَوْ جَهِلَ كَمَا تَقَدَّمَ. (قَالَ مُحَمَّدُ بْنُ حَارِثٍ) يَجِبُ عَلَى الْقَاضِي أَنْ يَقُولَ لِلطَّالِبِ مِنْ أَيْنَ وَجَبَ لَك مَا ادَّعَيْتَهُ فَإِنْ قَالَ مِنْ سَلَفٍ أَوْ بَيْعٍ أَوْ ضَمَانٍ أَوْ تَعَدٍّ أَوْ شُبْهَةٍ لَمْ يُكَلَّفْ أَكْثَرَ مِنْ ذَلِكَ ثُمَّ يَقُولَ لِلْمَطْلُوبِ أَجِبْهُ فَإِنْ أَبِي أَنْ يُجِيبَهُ جَوَابًا مُفَسِّرًا اضْطَرَّهُ إلَى ذَلِكَ فَإِنْ قَالَ دَعْنِي أَتَثَبَّتْ وَأَتَفَكَّرْ فَمِنْ حَقِّهِ أَنْ يَضْرِبَ لَهُ فِي ذَلِكَ أَجَلًا غَيْرَ بَعِيدٍ اهـ. وَيَأْتِي حُكْمُ مَا إذَا أَجَابَ الْمُدَّعَى عَلَيْهِ بِإِقْرَارٍ أَوْ إنْكَارٍ أَوْ لَمْ يُجِبْ رَأْسًا عِنْدَ قَوْلِهِ:

وَمَنْ أَبَى إقْرَارًا أَوْ إنْكَارًا

الْبَيْتَيْنِ.

قَالَ ابْنُ عَبْدِ السَّلَامِ فِي قَوْلِ ابْنِ الْحَاجِبِ فَيَدَّعِي بِمَعْلُومٍ مُحَقَّقٍ لَا يُقَالُ إنَّ الْعِلْمَ وَالتَّحْقِيقَ مُتَرَادِفَانِ أَوْ كَالْمُتَرَادَفِينَ فَالْإِتْيَانُ بِقَوْلٍ مَعْلُومٍ يُغْنِي عَنْ قَوْلِهِ مُحَقَّقٍ لِأَنَّا نَقُولُ الْمَعْلُومُ رَاجِعٌ إلَى تَصَوُّرِ الْمُدَّعَى فِيهِ فَلَا بُدَّ أَنْ يَكُونَ مُتَمَيِّزًا فِي ذِهْنِ الْمُدَّعِي وَالْمُدَّعَى عَلَيْهِ وَفِي ذِهْنِ الْقَاضِي. وَالْمُحَقَّقُ رَاجِعٌ إلَى جَزْمِ الْمُدَّعِي بِأَنَّهُ مَالِكٌ لِمَا وَقَعَ النِّزَاعُ فِيهِ فَهُوَ مِنْ نَوْعِ التَّصْدِيقِ فَقَدْ رَجَعَ كُلُّ وَاحِدٍ مِنْ اللَّفْظَيْنِ لِمَعْنًى غَيْرِ الَّذِي رَجَعَ إلَيْهِ الْآخَرُ فَلِاشْتِرَاطِ الْعِلْمِ لَا يُسْمَعُ: لِي عَلَيْهِ شَيْءٌ، وَلِاشْتِرَاطِ التَّحْقِيقِ لَا يُسْمَعُ: أَشُكُّ أَنَّ لِي عَلَيْك كَذَا وَأَظُنُّ وَمَا أَشْبَهَهُ اهـ.

(قَالَ فِي شِفَاءِ الْغَلِيلِ) وَأَصْلُ هَذِهِ الْعِبَارَةِ لِابْنِ شَاسٍ قَالَ أَوَّلًا وَالدَّعْوَى الْمَسْمُوعَةُ هِيَ الصَّحِيحَةُ وَهِيَ أَنْ تَكُونَ مَعْلُومَةً مُحَقَّقَةً فَلَوْ قَالَ لِي عَلَيْك شَيْءٌ لَمْ تُسْمَعْ دَعْوَاهُ اُنْظُرْ تَمَامَ كَلَامِهِ إنْ شِئْت وَمَسْأَلَةُ مَا إذَا لَمْ تُحَقَّقْ الدَّعْوَى كَأَظُنُّ أَوْ أَحْسَبُ أَنَّ لِي عَلَيْكَ كَذَا، وَهِيَ مَسْأَلَةُ يَمِينِ التُّهْمَةِ، وَتَوَجُّهُهَا لَهُ عَلَى كُلٍّ وَعَدَمُ تَوَجُّهِهَا ثَالِثُهَا عَلَى الْمُتَّهَمِ دُونَ غَيْرِهِ، وَرَابِعُهَا إنْ قَوِيَتْ التُّهْمَةُ أَقْوَالٌ وَإِذَا لَمْ تُسْمَعْ الدَّعْوَى إذَا اخْتَلَّ أَحَدُ الْوَصْفَيْنِ أَمَّا التَّحَقُّقُ عَلَى قَوْلِ مَنْ لَا يُوجِبُ يَمِينَ التُّهْمَةِ أَوْ عَلِمَ الْمُدَّعَى فِيهِ فَأَحْرَى أَنْ لَا تُسْمَعَ إذَا اخْتَلَّا مَعًا كَقَوْلِهِ أَظُنُّ أَنَّ لِي عَلَيْهِ شَيْئًا.

(تَنْبِيهَاتٌ الْأَوَّلُ) قَوْلُ النَّاظِمِ

تَحَقُّقُ الدَّعْوَى مَعَ الْبَيَانِ

يَحْتَمِلُ أَنْ يُرِيدَ بِالتَّحَقُّقِ أَمْرَيْنِ: تَحَقُّقُ عِمَارَةِ ذِمَّةِ الْمَطْلُوبِ وَمَعْرِفَةُ الْمُدَّعَى فِيهِ وَبِالْبَيَانِ بَيَانَ السَّبَبِ الَّذِي مِنْ أَجْلِهِ تَرَتَّبَ الْحَقُّ وَعَلَى هَذَا قَرَّرْنَاهُ أَوَّلًا وَهُوَ ظَاهِرُ تَقْرِيرِ الشَّارِحِ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ. وَيَحْتَمِلُ أَنْ يُرِيدَ بِالتَّحَقُّقِ أَمْرًا وَاحِدًا وَهُوَ الْجَزْمُ بِعِمَارَةِ ذِمَّةِ الْمَطْلُوبِ فَقَطْ وَبِالْبَيَانِ أَمْرَيْنِ بَيَانَ مَعْرِفَةِ الْمُدَّعَى فِيهِ إذْ لَا بُدَّ مِنْ بَيَانِهِ وَكَشْفِهِ عَنْ حَقِيقَتِهِ وَبَيَانَ السَّبَبِ الَّذِي مِنْ أَجْلِهِ تَرَتَّبَ الْحَقُّ وَالْكُلُّ صَحِيحٌ مَعْنًى وَاَللَّهُ أَعْلَمُ.

(الثَّانِي) اعْلَمْ أَنَّ كُلَّ مَا ذَكَرَهُ النَّاظِمُ فِي هَذَا الْبَيْتِ ذَكَرَهُ ابْنُ فَرْحُونٍ فِي بَيَانِ الدَّعْوَى الصَّحِيحَةِ مِنْ غَيْرِهَا وَزَادَ ثَلَاثَةَ شُرُوطٍ فَمَجْمُوعُهَا خَمْسَةُ شُرُوطٍ وَلَفْظُهُ فِي شَرْطِ الدَّعْوَى وَلِلدَّعْوَى الصَّحِيحَةِ خَمْسَةُ شُرُوطٍ: (الْأَوَّلُ) أَنْ تَكُونَ مَعْلُومَةً فَلَوْ قَالَ لِي عَلَيْهِ شَيْءٌ لَمْ تُسْمَعْ دَعْوَاهُ؛ لِأَنَّهَا مَجْهُولَةٌ اهـ.

(قُلْت) وَقَدْ تَقَدَّمَ الْكَلَامُ عَلَى هَذَا الشَّرْطِ فِي شَرْحِ الْبَيْتِ ثُمَّ قَالَ: (الشَّرْطُ الثَّانِي) أَنْ تَكُونَ مِمَّا لَوْ أَقَرَّ بِهَا الْمُدَّعَى عَلَيْهِ لَزِمَتْهُ فَإِنَّهُ لَوْ ادَّعَى رَجُلٌ عَلَى رَجُلٍ هِبَةً وَقُلْنَا إنَّ الْهِبَةَ تَلْزَمُ بِالْقَوْلِ فَيُلْزَمُ الْمُدَّعَى عَلَيْهِ بِالْجَوَابِ بِإِقْرَارٍ أَوْ إنْكَارٍ، وَإِنْ قُلْنَا بِالْقَوْلِ الْمُخَالِفِ الشَّاذِّ عِنْدَنَا أَنَّ الْهِبَةَ لَا تَلْزَمُ بِالْقَوْلِ وَلِلْوَاهِبِ الرُّجُوعُ عَنْهَا مَا لَمْ تُقْبَضْ فَإِنَّ بَعْضَ النَّاسِ ذَهَبَ إلَى أَنَّ الْجَوَابَ فِيهِ لَا يَلْزَمُ؛ لِأَنَّ الْمَسْئُولَ عَنْ هَذَا لَوْ أَقَرَّ بِذَلِكَ وَقَالَ رَجَعْت عَنْهُ فَإِنَّهُ لَا يَلْزَمُهُ مُطَالَبَتُهُ بِشَيْءٍ وَلَا فَائِدَةَ فِي إلْزَامِهِ مَا لَوْ أَقَرَّ بِهِ لَا يَلْزَمُهُ إذَا رَجَعَ عَنْهُ وَكَذَا فِي دَعْوَى الْعِدَّةِ عَلَى الْقَوْلِ بِأَنَّهُ لَا يَجِبُ الْوَفَاءُ بِهَا وَالْوَصَايَا الَّتِي لَهُ الرُّجُوعُ فِيهَا.

(الشَّرْطُ الثَّالِثُ) أَنْ تَكُونَ مِمَّا يَتَعَلَّقُ بِهَا حُكْمٌ أَوْ غَرَضٌ صَحِيحٌ فَمِثَالُ مَا يَتَعَلَّقُ بِهَا حُكْمٌ إذَا طَلَبَ الْمُدَّعِي يَمِينَ الْمُدَّعَى عَلَيْهِ فَقَالَ لَهُ: الْمَطْلُوبُ كُنْت اسْتَحْلَفْتنِي فَاحْلِفْ لِي أَنَّك لَمْ تَسْتَحْلِفْنِي عَلَى هَذَا الْحَقِّ فِيمَا مَضَى لَمْ يَكُنْ لِلْمُدَّعِي أَنْ يُحَلِّفَهُ يَمِينًا ثَانِيَةً حَتَّى يَحْلِفَ وَبِهَذَا

ص: 18

الْقَضَاءُ اهـ.

وَفِي هَذَا قَالَ الشَّيْخُ خَلِيلٌ وَلَهُ يَمِينُهُ أَنَّهُ لَمْ يُحَلِّفْهُ أَوَّلًا قَالَ وَكَذَا أَنَّهُ غَيْرُ عَالِمٍ بِفِسْقِ شُهُودِهِ وَاحْتَرَزُوا بِالْغَرَضِ الصَّحِيحِ مِنْ الدَّعْوَى مِنْ عُشْرِ سِمْسِمَةٍ فَإِنَّهُ لَا يَنْبَغِي لِحَاكِمٍ سَمَاعُ مِثْلِ هَذِهِ الدَّعْوَى لِأَنَّهُ لَا يَتَرَتَّبُ عَلَيْهَا نَفْعٌ شَرْعِيٌّ، وَالظَّاهِرُ أَنَّهُ يُكْتَفَى عَنْ هَذَا الشَّرْطِ بِوَجْهَيْهِ بِالشَّرْطِ الَّذِي قَبْلَهُ.

(الشَّرْطُ الرَّابِعُ) أَنْ تَكُونَ الدَّعْوَى مُحَقَّقَةً فَلَوْ قَالَ: أَظُنُّ أَنَّ لِي عَلَيْهِ أَلْفًا، وَقَالَ الْمُدَّعَى عَلَيْهِ فِي الْجَوَابِ: أَظُنُّ أَنِّي قَدْ قَضَيْته لَمْ تُسْمَعْ الدَّعْوَى لِتَعَذُّرِ الْحُكْمِ بِالْمَجْهُولِ وَقَدْ تَقَدَّمَ هَذَا (الشَّرْطُ الْخَامِسُ) أَنْ تَكُونَ الدَّعْوَى مِمَّا لَا تَشْهَدُ الْعَادَةُ بِكَذِبِهَا كَدَعْوَى الْحَاضِرِ الْأَجْنَبِيِّ مِلْكَ دَارٍ بِيَدِ رَجُلٍ وَهُوَ يَرَاهُ يَهْدِمُ وَيَبْنِي وَيُؤَجِّرُ طُولَ الزَّمَانِ مِنْ غَيْرِ مَانِعٍ يَمْنَعُهُ مِنْ الطَّلَبِ مِنْ غَيْرِ تَوْقِيعِ رَهْبَةٍ أَوْ رَغْبَةٍ وَهُوَ مَعَ ذَلِكَ لَا يُعَارِضُهُ فِيهَا وَلَا يَدَّعِي أَنَّ لَهُ فِيهَا حَقًّا وَلَيْسَ بَيْنَهُمَا شَرِكَةٌ ثُمَّ قَامَ يَدَّعِي أَنَّهَا لَهُ وَيُرِيدُ أَنْ يُقِيمَ الْبَيِّنَةَ عَلَى دَعْوَاهُ، فَهَذَا لَا تُسْمَعُ دَعْوَاهُ أَصْلًا فَضْلًا عَنْ بَيِّنَتِهِ لِتَكْذِيبِ الْعُرْفِ.

(الثَّالِثُ) تَقَدَّمَ أَنَّ النَّاظِمَ ذَكَرَ فِي هَذَا الْبَيْتِ بَعْضَ شُرُوطِ الدَّعْوَى الصَّحِيحَةِ وَقَدْ قَدَّمْنَا الْكَلَامَ عَلَى بَقِيَّتِهَا وَأَمَّا الدَّعْوَى نَفْسُهَا فَهِيَ كَمَا قَالَ الْقَرَافِيُّ طَلَبٌ مُعَيَّنٌ أَوْ فِي ذِمَّةِ الْمُعَيَّنِ أَوْ ادِّعَاءُ مَا يَتَرَتَّبُ عَلَيْهِ أَحَدُهُمَا بِطَلَبِ الْمُعَيَّنِ كَدَعْوَى أَنَّ هَذَا الثَّوْبَ، أَوْ هَذِهِ السِّلْعَةَ كُلٌّ مِنْهُمَا مِلْكٌ لَهُ وَغُصِبَ مِنْهُ أَوْ سُرِقَ لَهُ وَمَا فِي ذِمَّةِ الْمُعَيَّنِ كَالدَّيْنِ وَالسَّلَمِ وَنَحْوِهِمَا ثُمَّ الْمُعَيَّنُ الْمُدَّعِي عِمَارَةَ ذِمَّتِهِ إمَّا مُعَيَّنٌ بِالشَّخْصِ كَزَيْدٍ أَوْ بِالصِّفَةِ كَدَعْوَى الدِّيَةِ عَلَى الْعَاقِلَةِ أَوْ الْقَتْلِ عَلَى جَمَاعَةٍ أَوْ إنَّهُمْ أَتْلَفُوا لَهُ مَالًا، وَادِّعَاءُ مَا يَتَرَتَّبُ عَلَيْهِ أَحَدُهُمَا إمَّا مُعَيَّنٌ، كَدَعْوَى الْمَرْأَةِ الطَّلَاقَ أَوْ رِدَّةَ زَوْجِهَا، فَيَتَرَتَّبُ عَلَيْهِ أَنْ تَطْلُبَ حَوْزَ نَفْسِهَا وَهِيَ مُعَيَّنَةٌ أَوْ مَا فِي ذِمَّةِ الْمُعَيَّنِ، كَدَعْوَى الْمَرْأَةِ الْمَسِيسَ وَدَعْوَى الْمَقْتُولِ أَنَّ فُلَانًا قَتَلَهُ خَطَأً، فَيَتَرَتَّبُ عَلَى الدَّعْوَى فِي الْمِثَالَيْنِ طَلَبُ مَا فِي ذِمَّةِ الْمُعَيَّنِ، وَهُوَ كَمَالُ الصَّدَاقِ وَالدِّيَةِ، وَالتَّعْيِينُ أَيْضًا إمَّا بِالشَّخْصِ، كَالزَّوْجِ فِي الْمِثَالِ الْأَوَّلِ أَوْ بِالصِّفَةِ كَالْعَاقِلَةِ فِي الْمِثَالِ الثَّانِي، وَاَللَّهُ أَعْلَمُ.

(الرَّابِعُ) جَعَلَ النَّاظِمُ الْمُدَّعِيَ وَالْمُدَّعَى عَلَيْهِ وَالْمُدَّعَى فِيهِ أَرْكَانًا لِلْقَضَاءِ، وَهُوَ ظَاهِرٌ وَعَدَّ فِي التَّبْصِرَةِ أَرْكَانَ الْقَضَاءِ سِتَّةً كَمَا تَقَدَّمَ عَنْهُ قَبْلَ هَذَا الْبَيْتِ وَلَمْ يَعُدَّ مِنْهَا وَاحِدًا مِنْ الثَّلَاثَةِ الَّتِي فِي الْبَيْتِ، وَالظَّاهِرُ انْدِرَاجُ الْمُدَّعِي وَالْمُدَّعَى عَلَيْهِ فِي الْمَقْضِيِّ لَهُ أَوْ عَلَيْهِ، وَانْدِرَاجُ الْمُدَّعَى فِيهِ فِي الْمَقْضِيِّ فِيهِ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ. وَانْظُرْ كَيْفَ جَعَلَ النَّاظِمُ تَحَقُّقَ الدَّعْوَى وَالْبَيَانِ شَرْطَيْنِ فِي الْمُدَّعَى بِهِ وَجَعَلَهُمَا ابْنُ فَرْحُونٍ شَرْطَيْنِ فِي الدَّعْوَى فَتَأَمَّلْ ذَلِكَ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ

وَالْمُدَّعِي مُطَالَبٌ بِالْبَيِّنَةِ

وَحَالَةُ الْعُمُوم فِيهِ بَيِّنَهْ

وَالْمُدَّعَى عَلَيْهِ بِالْيَمِينِ

فِي عَجْزِ مُدَّعٍ عَنْ التَّبْيِينِ

الْأَصْلُ فِيمَا ذَكَرَ قَوْلُهُ عليه الصلاة والسلام

«الْبَيِّنَةُ عَلَى الْمُدَّعِي وَالْيَمِينُ عَلَى مَنْ أَنْكَرَ.» فَقَوْلُ النَّاظِمِ:

ص: 19

وَالْمُدَّعِي مُطَالَبٌ بِالْبَيِّنَةِ) هُوَ مَعْنَى الْجُمْلَةِ الْأُولَى مِنْ الْحَدِيثِ الْكَرِيمِ وَهُوَ قَوْلُهُ " الْبَيِّنَةُ عَلَى الْمُدَّعِي " ثُمَّ أَفَادَ بِقَوْلِهِ:

وَحَالَةُ الْعُمُومِ فِيهِ بَيِّنَهْ

أَنَّ الْمُدَّعِيَ مُطَالَبٌ بِالْبَيِّنَةِ كَيْفَ كَانَ صَالِحًا أَوْ فَاسِقًا تَقِيًّا أَوْ فَاجِرًا.

(قَالَ الْمَازِرِيُّ) جَعَلَ حُجَّةَ الْمُدَّعِي الْبَيِّنَةَ وَهِيَ لِكُلِّ مُدَّعٍ عُمُومًا، وَقَوْلُ النَّاظِمِ وَالْمُدَّعَى عَلَيْهِ بِالْيَمِينِ هُوَ مَعْنَى قَوْلِهِ فِي الْحَدِيثِ وَالْيَمِينُ عَلَى مَنْ أَنْكَرَ وَأَفَادَ النَّاظِمُ بِقَوْلِهِ:(فِي عَجْزِ مُدَّعٍ) أَنَّ الْمُدَّعَى عَلَيْهِ إنَّمَا يُطَالَبُ بِالْيَمِينِ فِي حَالَةِ عَجْزِ الْمُدَّعِي عَنْ إقَامَةِ الْبَيِّنَةِ عَلَى دَعْوَاهُ وَأَمَّا إنْ أَقَامَهَا فَإِنَّ الْحَقَّ يَثْبُتُ وَلَا يَمِينَ عَلَى الْمُدَّعَى عَلَيْهِ. (وَاعْلَمْ) أَنَّ مُطَالَبَةَ الْمُدَّعِي بِالْبَيِّنَةِ وَالْمُدَّعَى عَلَيْهِ بِالْيَمِينِ مُقَيَّدٌ بِإِنْكَارِ الْمُدَّعَى عَلَيْهِ، وَأَمَّا إنْ أَقَرَّ فَلَا يَفْتَقِرُ إلَى إقَامَةِ الْبَيِّنَةِ وَلَا إلَى الْيَمِينِ، وَفِي مِثْلِ هَذَا يَقُولُ الْفُقَهَاءُ: أَقَرَّ الْخَصْمُ فَارْتَفَعَ النِّزَاعُ.

(تَنْبِيهٌ) ظَاهِرُ كَلَامِ النَّاظِمِ أَنَّ الْيَمِينَ تَتَوَجَّهُ عَلَى الْمُدَّعَى عَلَيْهِ الْمُنْكِرِ بِمُجَرَّدِ الدَّعْوَى وَإِنْ لَمْ تَثْبُتْ خُلْطَةٌ بَيْنَهُ وَبَيْنَ الْمُدَّعِي، وَبِهِ الْعَمَلُ عِنْدَنَا (ابْنُ عَرَفَةَ) قَطَعَ ابْنُ رُشْدٍ فِي سَمَاعِ أَصْبَغَ أَنَّ مَذْهَبَ مَالِكٍ وَكَافَّةِ أَصْحَابِهِ الْحُكْمُ بِالْخُلْطَةِ وَمِثْلُهُ لِابْنِ حَارِثٍ وَنَقَلَ ابْنُ زَرْقُونَ عَنْ ابْنِ نَافِعٍ: لَا تُعْتَبَرُ الْخُلْطَةُ (ابْنُ عَرَفَةَ) وَمَضَى عَمَلُ الْقُضَاةِ عِنْدَنَا عَلَيْهِ وَنَقَلَ لِي شَيْخُنَا ابْنُ عَبْدِ السَّلَامِ عَنْ بَعْضِ الْقُضَاةِ أَنَّهُ كَانَ لَا يَحْكُمُ بِهَا إلَّا إنْ طَلَبَهَا مِنْهُ الْمُدَّعَى عَلَيْهِ اهـ.

(وَقَالَ الْمُتَيْطِيُّ) قَالَ مُحَمَّدُ بْنُ عَبْدِ الْحَكَمِ: تَجِبُ الْيَمِينُ عَلَى الْمُدَّعَى عَلَيْهِ دُونَ خُلْطَةٍ وَبِهِ أَخَذَ ابْنُ لُبَابَةَ وَغَيْرُهُ. (وَقَالَ ابْنُ الْهِنْدِيِّ) كَانَ بَعْضُ مَنْ يُقْتَدَى بِهِ يَتَوَسَّطُ فِي مِثْلِ هَذَا إنْ ادَّعَى قَوْمٌ عَلَى أَشْكَالِهِمْ بِمَا يُوجِبُ الْيَمِينَ أَوْجَبَهَا دُونَ إثْبَاتِ الْخُلْطَةِ وَإِنْ ادَّعَى عَلَى الرَّجُلِ الْعَدْلِ مَنْ لَيْسَ مِنْ شَكْلِهِ لَمْ يُوجِبْ عَلَيْهِ الْيَمِينَ إلَّا بِإِثْبَاتِ الْخُلْطَةِ.

(قَالَ أَبُو الْحَسَنِ الصَّغِيرُ) : هَذِهِ مِنْ الْمَسَائِلِ الَّتِي خَالَفَ فِيهَا الْأَنْدَلُسِيُّونَ مَذْهَبَ مَالِكٍ؛ لِأَنَّهُمْ لَا يَعْتَبِرُونَ خُلْطَةً وَيُوجِبُونَ الْيَمِينَ بِمُجَرَّدِ الدَّعْوَى وَعَلَيْهِ الْعَمَلُ الْيَوْمَ اهـ. وَفِي هَذِهِ النَّظَائِرِ قَالَ الشَّيْخُ ابْنُ غَازِيٍّ فِي بَابِ الْجِهَادِ مِنْ تَكْمِيلِ التَّقْيِيدِ

ص: 20

قَدْ خُولِفَ الْمَذْهَبُ بِالْأَنْدَلُسِ

فِي سِتَّةٍ مِنْهُنَّ سَهْمُ الْفَرَسْ

وَغَرْسُ الْأَشْجَارِ لَدَى الْمَسَاجِدِ

وَالْحُكْمُ بِالْيَمِينِ قُلْ وَالشَّاهِدِ

وَخُلْطَةٌ وَالْأَرْضُ بِالْجُزْءِ تَلِي

وَرَفْعُ تَكْبِيرِ الْأَذَانِ الْأَوَّلِ

وَقَدْ ذَكَرَ الْقَاضِي الْمِكْنَاسِيُّ فِي آخِرِ مَجَالِسِهِ: أَنَّ أَهْلَ الْأَنْدَلُسِ خَالَفُوا مَذْهَبَ ابْنِ الْقَاسِمِ فِي ثَمَانِ عَشْرَةَ مَسْأَلَةً وَعَدَّهَا، فَانْظُرْهَا فِيهِ إنْ شِئْت

ص: 21

وَالْحُكْمُ فِي الْمَشْهُورِ حَيْثُ الْمُدَّعَى

عَلَيْهِ فِي الْأُصُولِ وَالْمَالِ مَعَا

وَحَيْثُ يُلْفِيهِ بِمَا فِي الذِّمَّهْ

يَطْلُبُهُ وَحَيْثُ أَصْلٌ ثَمَّهْ

تَكَلَّمَ فِي الْبَيْتَيْنِ عَلَى مَا إذَا كَانَ الْمُدَّعِي فِي بَلَدٍ وَالْمُدَّعَى عَلَيْهِ فِي بَلَدٍ آخَرَ أَيْنَ يَكُونُ الْحُكْمُ بَيْنَهُمَا؟ فَأَخْبَرَ أَنَّ الْحُكْمَ بَيْنَهُمَا يَكُونُ فِي بَلَدِ الْمُدَّعَى عَلَيْهِ سَوَاءٌ كَانَ الْخِصَامُ فِي أَصْلٍ أَوْ دَيْنٍ فِي الذِّمَّةِ، وَإِلَى هَذَا أَشَارَ فِي الْبَيْتِ الْأَوَّلِ لَكِنَّهُ مُقَيَّدٌ بِمَا إذَا كَانَ الْمُدَّعَى عَلَيْهِ مُقِيمًا لَمْ يَخْرُجْ عَنْهُ فَإِنْ خَرَجَ عَنْ بَلَدِهِ فَيُفْصَلُ فِي الْمُدَّعَى فِيهِ، فَإِنْ كَانَ دَيْنًا فِي الذِّمَّةِ طَلَبَهُ بِهِ حَيْثُ وَجَدَهُ، وَإِلَيْهِ أَشَارَ بِقَوْلِهِ:(وَحَيْثُ يُلْفِيهِ بِمَا فِي الذِّمَّهْ) يَطْلُبهُ وَإِنْ كَانَ أَصْلًا فَلَا يُحْبَسُ الْمُطَالِبُ بِهِ إلَّا إذَا كَانَ الْأَصْلُ فِي الْمَوْضِعِ الَّذِي أَلْفَاهُ فِيهِ الْمُدَّعِي، وَإِلَيْهِ أَشَارَ بِقَوْلِهِ:(وَحَيْثُ أَصْلٌ ثَمَّهْ)(قَالَ الشَّارِحُ) الْبَيْتُ الْأَوَّلُ تَضَمَّنَ مَعْنَى مَا فِي كِتَابِ الْجِدَارِ وَنَصُّهُ سُئِلَ عِيسَى عَنْ الرَّجُلِ مِنْ أَهْلِ قُرْطُبَةَ تَكُونُ لَهُ الدَّارُ، أَوْ أُلْحِقَ بِجَيَّانَ فَيُدْعَى ذَلِكَ رَجُلٌ مِنْ أَهْلِ جَيَّانَ فَيُرِيدُ الْجَيَّانِيُّ مُخَاصَمَةَ الْقُرْطُبِيِّ عِنْدَ قَاضِي جَيَّانَ حَيْثُ الشَّيْءِ الْمُدَّعَى فِيهِ أَيُرْفَعُ مَعَهُ الْقُرْطُبِيُّ إلَى هُنَالِكَ؟ قَالَ: لَا يُرْفَعُ مَعَهُ، وَلَكِنْ لَا يَكُونُ الْحُكْمُ بَيْنَهُمَا حَيْثُ الْمُدَّعَى عَلَيْهِ بِقُرْطُبَةَ، وَرَوَى ابْنُ حَبِيبٍ عَنْ مُطَرِّفٍ مِثْلَهُ. (قَالَ مُطَرِّفٌ) وَلَا يُلْتَفَتُ إلَى حَيْثُ الْمُدَّعِي وَلَا إلَى حَيْثُ الدَّارُ الَّتِي اُدُّعِيَتْ اهـ.

وَنَقَلَ الشَّارِحُ أَيْضًا مَا نَصُّهُ. وَقَالَ: فَضْلٌ إنَّ قَوْلَ ابْنِ الْقَاسِمِ مِثْلُهُ، وَذَلِكَ فِيمَا يَخْتَصُّ بِالْأُصُولِ، وَزَادَ النَّاظِمُ الْمَالَ تَبَعًا لِأَهْلِ الْأَحْكَامِ بِأَنَّهُ مِنْ بَابِ الْقِيَاسِ الْجَلِيِّ، فَإِنَّ الْمُدَّعَى عَلَيْهِ أَيْ الْقُرْطُبِيَّ إذَا كَانَ لَا يُرْفَعُ إلَى حَيْثُ الْمُدَّعِي وَالْمُدَّعَى فِيهِ - وَهُوَ جَيَّانُ - فَأَحْرَى أَنْ لَا يُرْفَعَ إلَى حَيْثُ الْمُدَّعِي وَحْدَهُ؛ لِأَنَّ الْمُدَّعَى فِيهِ فِي ذِمَّةِ الْمُدَّعَى عَلَيْهِ فَهُوَ مَعَهُ، وَهُوَ ظَاهِرٌ اهـ.

(قَالَ الشَّارِحُ) وَالْبَيْتُ الثَّانِي تَضَمَّنَ مَعْنَى قَوْلِ ابْنِ حَبِيبٍ: وَإِنْ كَانَتْ الدَّعْوَى فِي حَقٍّ مِنْ الْحُقُوقِ الَّتِي تَكُونُ فِي ذِمَّةِ الرَّجُلِ كَالدَّيْنِ وَمَا أَشْبَهَهُ فَإِنَّمَا يُخَاصِمُهُ حَيْثُ تَعَلَّقَ بِهِ وَكَذَلِكَ إنْ كَانَ الْعَقَارُ أَيْضًا بِالْمَوْضِعِ الَّذِي تَعَلَّقَ بِهِ فَيَحْبِسُهُ؛ لِمُخَاصَمَتِهِ فِي ذَلِكَ الْمَوْضِعِ وَإِنْ كَانَ الْمُدَّعَى فِيهِ فِي غَيْرِ الْمَوْضِعِ الَّذِي تَعَلَّقَ بِهِ فَلَيْسَ لِلْمُدَّعِي أَنْ يَحْبِسَهُ لِمُخَاصَمَتِهِ حَيْثُ تَعَلَّقَ بِهِ اهـ. فَقَوْلُهُ: بِالْمَوْضِعِ الَّذِي تَعَلَّقَ بِهِ ظَاهِرٌ فِي كَوْنِ الْمُدَّعِي الطَّالِبِ وَجَدَ الْمُدَّعَى عَلَيْهِ الْمَطْلُوبَ بِبَلَدٍ غَيْرِ بَلَدِهِ، وَفِيهَا الْعَقَارُ الَّذِي يُتَنَازَعُ فِيهِ فَيَتَحَاكَمَانِ هُنَالِكَ، وَهُوَ قَوْلُهُ:(وَحَيْثُ أَصْلٌ ثَمَّهْ) وَهَذَا النَّقْلُ هُوَ الْمُوجِبُ لِتَقْيِيدِ قَوْلِهِ حَيْثُ الْمُدَّعَى عَلَيْهِ بِالْأُصُولِ بِمَا إذَا كَانَ الْمُدَّعَى عَلَيْهِ بِبَلَدِهِ لَمْ يَخْرُجْ عَنْهُ، وَأَمَّا إنْ وَجَدَ الطَّالِبُ الْمُدَّعَى عَلَيْهِ بِبَلَدٍ غَيْرِ بَلَدِهِ، وَلَيْسَ فِيهَا الْأَصْلُ الْمُتَنَازَعُ فِيهِ، فَلَا يَحْبِسُهُ إلَّا فِي بَلَدِ الْأَصْلِ، وَإِلَيْهِ أَشَارَ ابْنُ حَبِيبٍ بِقَوْلِهِ وَإِنْ كَانَ الْمُدَّعَى فِيهِ فِي غَيْرِ الْمَوْضِعِ إلَخْ، وَهُوَ مَفْهُومُ قَوْلِ النَّاظِمِ:(وَحَيْثُ أَصْلٌ ثَمَّهْ) هَذَا حَاصِلُ الْبَيْتَيْنِ. (وَفِي مُخْتَصَرِ الشَّيْخِ خَلِيلٍ) وَهَلْ يُرَاعَى حَيْثُ الْمُدَّعَى عَلَيْهِ وَبِهِ عُمِلَ أَوْ الْمُدَّعِي وَأُقِيمَ مِنْهَا؟ وَنَحْوُهُ فِي تَوْضِيحِهِ. (وَفِي ابْنِ عَرَفَةَ) الْخُصُومَةُ فِي مُعَيَّنٍ دَارٍ أَوْ غَيْرِهَا فِي كَوْنِهَا بِبَلَدِ الْمُدَّعَى فِيهِ قَالَهُ ابْنُ الْمَاجِشُونِ وَسَحْنُونٌ أَوْ بِبَلَدِ الْمُدَّعَى عَلَيْهِ، وَلَوْ كَانَ بِغَيْرِ بَلَدِ الْمُدَّعَى فِيهِ قَالَهُ مُطَرِّفٌ ثَالِثُهَا هَذَا، وَحَيْثُ اجْتِمَاعُهُمَا وَلَوْ بِغَيْرِ بَلَدِ الْمُدَّعَى فِيهِ قَالَهُ أَصْبَغُ، (وَقَالَ: كُلُّ مَنْ تَعَلَّقَ بِخَصْمٍ فِي حَقٍّ فَلَهُ مُخَاصَمَتُهُ حَيْثُ تَعَلَّقَ بِالذِّمَّةِ مِنْ دَيْنٍ وَحَقٍّ لَا فِي الْعَقَارِ) اهـ. عَنْ نَقْلِ الْمَوَّاقِ.

وَقَدِّمْ السَّابِقَ لِلْخِصَامِ

وَالْمُدَّعِيَ لِلْبَدْءِ بِالْكَلَامِ

اشْتَمَلَ الْبَيْتُ عَلَى مَسْأَلَتَيْنِ كُلُّ شَطْرٍ مِنْهُ عَلَى مَسْأَلَةٍ (الْأُولَى) إذَا تَعَدَّدَتْ الْخُصُومُ عِنْدَ الْقَاضِي، فَإِنَّهُ يُقَدِّمُ الْأَوَّلَ فَالْأَوَّلَ فَإِنْ جَهِلَ السَّابِقَ فَيَأْتِي حُكْمُهُ لِلنَّاظِمِ. (قَالَ اللَّخْمِيُّ) :(وَيُقَدِّمُ الْقَاضِي الْخُصُومَ الْأَوَّلَ فَالْأَوَّلَ إلَّا فِي الْمُسَافِرِ أَوْ مَا يُخْشَى فَوَاتُهُ) اهـ.

وَفُهِمَ مِنْ قَوْلِهِ: (وَقَدِّمْ السَّابِقَ) أَنَّ غَيْرَ السَّابِقِ لَا يُقَدَّمُ، وَلَكِنَّهُ مُقَيَّدٌ بِمَا فِي كَلَامِ اللَّخْمِيِّ بِغَيْرِ الْمُسَافِرِ، وَمَا يُخْشَى فَوَاتُهُ أَمَّا هُمَا فَيُقَدَّمَانِ، وَلَوْ تَأَخَّرَا (وَفِي ابْنِ الْحَاجِبِ) وَإِذَا تَزَاحَمَ الْمُدَّعُونَ فَالسَّابِقُ ثُمَّ الْقُرْعَةُ إلَّا فِي الْمُسَافِرِ، وَمَا يُخْشَى فَوَاتُهُ. (التَّوْضِيحُ) قِيلَ:(وَيَنْبَغِي أَنْ يُوَكِّلَ مَنْ يَعْرِفُ الْأَوَّلَ فَالْأَوَّلَ، فَإِنْ لَمْ يَعْرِفْ الْأَوَّلَ أَقْرَعَ) اهـ

ص: 22