الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
اتَّقِ اللَّهَ فِي أَمْرِي فَلْيَرْفُقْ بِهِ.
وَمَنْ أَلَدَّ فِي الْخِصَامِ وَانْتَهَجْ
…
نَهْجَ الْفِرَارِ بَعْدَ إتْمَامِ الْحُجَجْ
يُنَفِّذُ الْحُكْمَ عَلَيْهِ الْحَكَمْ
…
قَطْعًا لِكُلِّ مَا بِهِ يُخْتَصَمْ
وَغَيْرُ مُسْتَوْفٍ لَهَا إنْ اسْتَتَرْ
…
لَمْ تَنْقَطِعْ حُجَّتُهُ إذَا ظَهَرْ
لَكِنَّمَا الْحُكْمَ عَلَيْهِ يُمْضِي
…
بَعْدَ تَلَوُّمٍ لَهُ مَنْ يَقْضِي
يَعْنِي أَنَّ الْخَصْمَ إذَا أَلَدَّ فِي الْخِصَامِ أَيْ أَكْثَرَ الْخُصُومَةَ وَسَلَكَ طَرِيقَ الْفِرَارِ، وَفَرَّ مِنْ الْقَضَاءِ وَالْحُكْمِ عَلَيْهِ وَتَغَيَّبَ عَنْ مَجْلِسِ الْحُكْمِ، فَإِنْ كَانَ ذَلِكَ بَعْدَ أَنْ أَتَمَّ حُجَّتَهُ وَاسْتَوْفَى مِنْ الْآجَالِ مَعْذِرَتَهُ، فَإِنَّ الْقَاضِيَ يُنَفِّذُ الْحُكْمَ عَلَيْهِ وَيُمْضِيه وَيَقْطَعُ خُصُومَتَهُ وَلَا تُرْجَى لَهُ حُجَّةٌ، وَلَا تُسْمَعُ لَهُ بَعْدَ ذَلِكَ بَيِّنَةٌ.
وَإِنْ كَانَ فِرَارُهُ وَتَغَيُّبُهُ قَبْلَ أَنْ يَسْتَوْفِيَ حُجَّتَهُ وَيَسْتَقْصِيَ فِي إبْطَالِ دَعْوَى خَصْمِهِ مَنْفَعَتَهُ، فَإِنَّ الْقَاضِيَ يُنَفِّذُ الْحُكْمَ عَلَيْهِ أَيْضًا لَكِنْ بَعْدَ التَّلَوُّمِ لَهُ وَالتَّأَنِّي لَهُ مِنْ غَيْرِ قَطْعٍ لِمَا يَأْتِي بِهِ مِنْ الْحُجَّةِ بِهَذَا جَرَى الْعَمَلُ وَاقْتَضَاهُ عِنْدَ الْفُقَهَاءِ النَّظَرُ.
(فَفِي سَمَاعِ أَشْهَبَ) قَالَ: كَتَبَ ابْنُ غَانِمٍ إلَى مَالِكِ بْنِ أَنَسٍ يَسْأَلُهُ عَنْ الْخَصْمَيْنِ يَخْتَصِمَانِ إلَيْهِ فِي الْأَرْضِ فَيُقِيمُ أَحَدُهُمَا عَلَى الْآخَرِ بَيِّنَةً بِأَنَّهَا لَهُ فَإِذَا عَلِمَ بِذَلِكَ الَّذِي قَامَتْ عَلَيْهِ الْبَيِّنَةُ هَرَبَ وَتَغَيَّبَ فَطُلِبَ فَلَمْ يُوجَدْ أَيُقْضَى عَلَيْهِ - وَهُوَ غَائِبٌ - فَقَالَ مَالِكٌ لِكَاتِبِهِ اُكْتُبْ إلَيْهِ إذَا ثَبَتَتْ عِنْدَك الْحُجَجُ وَسَأَلْته عَمَّا تُرِيدُ أَنْ تَسْأَلَهُ عَنْهُ عِنْدَك فَلَمْ تَبْقَ لَهُ حُجَّةٌ بِنَعَمْ فَاقْضِ عَلَيْهِ - وَهُوَ غَائِبٌ - (قَالَ ابْنُ رُشْدٍ) هَذَا كَمَا قَالَ إنَّهُ إنْ تَغَيَّبَ بَعْدَ أَنْ اسْتَوْفَى جَمِيعَ حُجَجِهِ وَهَرَبَ فِرَارًا مِنْ الْقَضَاءِ عَلَيْهِ إنَّهُ يَقْضِي عَلَيْهِ وَيُعْجِزُهُ وَلَا يَكُونُ لَهُ إذَا قَدِمَ أَنْ يَقُومَ بِحُجَّتِهِ بِمَنْزِلَةِ أَنْ لَوْ قُضِيَ عَلَيْهِ - وَهُوَ حَاضِرٌ - قَالَ وَأَمَّا إنْ هَرَبَ وَتَغَيَّبَ قَبْلَ أَنْ يَسْتَوْفِيَ جَمِيعَ حُجَجِهِ، فَالْوَاجِبُ فِي ذَلِكَ أَنْ يَتَلَوَّمَ لَهُ فَإِنْ لَمْ يَخْرُجْ وَتَمَادَى عَلَى تَغَيُّبِهِ وَاخْتِفَائِهِ قَضَى عَلَيْهِ مِنْ غَيْرِ أَنْ يَقْطَعَ حُجَّتَهُ وَبِاَللَّهِ التَّوْفِيقُ.
(قَالَ الشَّارِحُ) مَا مَعْنَاهُ إنَّ الْهَارِبَ مِنْ الْقَضَاءِ وَالْحُكْمِ عَلَيْهِ إمَّا قَبْلَ حُضُورِهِ مَجْلِسَ الْحُكْمِ وَهُوَ الْمُتَقَدِّمُ فِي قَوْلِهِ:
وَمَنْ عَصَى الْأَمْرَ وَلَمْ يَحْضُرْ طَبَعَ
إلَخْ وَإِمَّا بَعْدَ حُضُورِهِ مَجْلِسَ الْحُكْمِ فَفِي ذَلِكَ وَجْهَانِ: قَبْلَ تَمَامِ حُجَّتِهِ أَوْ بَعْدَ تَمَامِهَا وَهَذَا الَّذِي تَكَلَّمَ عَلَيْهِ فِي هَذِهِ الْأَبْيَاتِ.
(وَأَلَدَّ) أَكْثَرَ الْخُصُومَةَ (وَالْمُلِدُّ) شَدِيدُ الْخُصُومَةِ وَتَقَدَّمَ الْكَلَامُ عَلَيْهِ عِنْدَ قَوْلِهِ: (وَأُجْرَةُ الْعَوْنِ. . . إلَخْ) مَعْنَى (انْتَهَجْ) نَهَجَ الْفِرَارَ سَلَكَ طَرِيقَ الْفِرَارِ أَيْ فَرَّ وَهَرَبَ.
(قَالَ فِي الصِّحَاحِ) النَّهْجُ الطَّرِيقُ الْوَاضِحُ وَنَهَجْت الطَّرِيقَ إذَا سَلَكْته وَفُلَانٌ يَنْهَجُ سَبِيلَ فُلَانٍ أَيْ يَسْلُكُ مَسْلَكَهُ اهـ. (وَالْحُجَجْ) جَمْعُ حُجَّةٍ وَهُوَ مَا يَدْفَعُ بِهِ عَنْ نَفْسِهِ أَوْ يُثْبِتُ بِهِ لَهَا (وَالْحُكْمَ) بِضَمٍّ فَسُكُونٍ مَفْعُولُ يُنَفِّذُ، (وَالْحَكَمُ) فَاعِلُ يُنَفِّذُ وَهُوَ بِفَتْحَتَيْنِ الْقَاضِي، (وَقَطْعًا) مَصْدَرٌ فِي مَوْضِعِ الْحَالِ مِنْ (الْحُكْمَ) . وَقَوْلُهُ وَغَيْرُ مُسْتَوْفٍ هُوَ مُقَابِلُ قَوْلِهِ:. (بَعْدَ إتْمَامِ الْحُجَجِ)(وَالْحُكْمَ) مَفْعُولُ يُمْضِي وَهُوَ مُضَارِعُ أَمْضَى. (وَبَعْدَ تَلَوُّمٍ) يَتَعَلَّقُ بِيُمْضِي (وَلَهُ) فِي مَوْضِعِ الصِّفَةِ. (لِتَلَوُّمِ) وَالضَّمِيرُ فِي لَهُ وَعَلَيْهِ لِغَيْرِ الْمُسْتَوْفِي حُجَّتَهُ (وَمَنْ يَقْضِي) فَاعِلُ يُمْضِي. (فَرْعٌ) فِي طُرُرِ ابْنِ عَاتٍ مَنْ وَجَبَتْ لَهُ يَمِينٌ وَتَغَيَّبَ عَنْ قَبْضِهَا فَإِنَّ الْقَاضِيَ يُوَكِّلُ مَنْ يَتَقَاضَى لَهُ يَمِينَهُ إذَا ثَبَتَ عِنْدَهُ غَيْبَةُ الَّذِي وَجَبَتْ لَهُ الْيَمِينُ، وَيُشْهِدُ عَلَى ذَلِكَ
[فَصْلٌ فِي الْمَقَالِ وَالْجَوَابِ]
ِ الْمُرَادُ بِالْمَقَالِ دَعْوَى الْمُدَّعِي، وَبِالْجَوَابِ مَا يُجِيبُ بِهِ الْمُدَّعَى عَلَيْهِ فَإِنْ قُيِّدَتْ الدَّعْوَى فِي كِتَابٍ فَهِيَ التَّوْقِيفُ الْآتِي ذِكْرُهُ وَمِنْ الدَّعْوَى مَا يَجِبُ كَتْبُهُ وَتَقْيِيدُهُ، وَمِنْهَا مَا يَحْسُنُ تَرْكُ تَقْيِيدِهِ، وَمِنْهَا مَا يَجُوزُ فِيهِ الْأَمْرَانِ وَالتَّقْيِيدُ أَحْسَنُ كَمَا يَأْتِي ذَلِكَ كُلِّهِ إنْ شَاءَ اللَّهُ
وَمَنْ أَبَى إقْرَارًا أَوْ إنْكَارَا
…
لِخَصْمِهِ كُلِّفَهُ إجْبَارًا
فَإِنْ تَمَادَى فَلِطَالِبٍ قُضِيَ
…
دُونَ يَمِينٍ أَوْ بِهَا وَذَا اُرْتُضِيَ
تَقَدَّمَ أَنَّ الْخَصْمَيْنِ إذَا جَلَسَا بَيْنَ يَدَيْ الْقَاضِي وَعَرَفَ الْمُدَّعِيَ مِنْ الْمُدَّعَى عَلَيْهِ فَإِنَّهُ يَأْمُرُ الْمُدَّعِيَ بِالْكَلَامِ، فَإِنْ ذَكَرَ دَعْوَى صَحِيحَةً لَمْ يَخْتَلَّ فِيهَا شَرْطٌ مِنْ شُرُوطِهَا الْمُتَقَدِّمَةِ أَمَرَ الْمُدَّعَى عَلَيْهِ بِالْجَوَابِ فَإِنْ أَجَابَ بِالْإِقْرَارِ ارْتَفَعَ النِّزَاعُ. وَإِنْ أَنْكَرَ طُولِبَ الْمُدَّعِي بِالْبَيِّنَةِ فَإِنْ عَجَزَ عَنْهَا حَلَفَ الْمُدَّعَى عَلَيْهِ وَبُرِّئَ وَتَقَدَّمَ هَذَا كُلُّهُ، وَكَلَامُ النَّاظِمِ هُنَا حَيْثُ يَمْتَنِعُ الْمُدَّعَى عَلَيْهِ مِنْ الْجَوَابِ بِإِقْرَارٍ أَوْ إنْكَارٍ فَأَخْبَرَ فِي الْبَيْتَيْنِ أَنَّهُ إذَا لَمْ يُجِبْ بِإِقْرَارٍ وَلَا بِإِنْكَارٍ فَإِنَّهُ يُكَلَّفُ الْجَوَاب وَيُجْبَرُ عَلَيْهِ يَعْنِي بِالضَّرْبِ وَالسِّجْنِ، فَإِنْ لَمْ يُجِبْ بِشَيْءٍ - قَضَى لِلطَّالِبِ دُونَ يَمِينٍ تَلْزَمُهُ، وَقِيلَ: بَعْدَ أَنْ يَحْلِفَ وَهُوَ الْمُرْتَضَى عِنْدَ النَّاظِمِ، وَأَفْتَى الشَّيْخُ بِعَدَمِ الْيَمِينِ فَقَالَ وَإِنْ لَمْ يُجِبْ حُبِسَ وَأُدِّبَ ثُمَّ حَكَمَ بِلَا يَمِينٍ. (قَالَ الشَّارِحُ) فَإِنْ أَبَى الْمُدَّعَى عَلَيْهِ مِنْ الْإِقْرَارِ أَوْ الْإِنْكَارِ أُجْبِرَ عَلَى ذَلِكَ بِالسِّجْنِ وَالضَّرْبِ فَإِنْ تَمَادَى عَلَى إبَايَتِهِ بَعْدَ السِّجْنِ وَالضَّرْبِ فَقَالَ ابْنُ الْمَوَّازِ: يَقْضِي عَلَيْهِ بِمَا ادَّعَاهُ عَلَيْهِ خَصْمُهُ مِنْ غَيْرِ يَمِينٍ وَقَالَ أَصْبَغُ بَعْدَ الْيَمِينِ وَهَذَا إذَا كَانَتْ الدَّعْوَى تَثْبُتُ بِالشَّاهِدِ وَالْيَمِينِ وَقَالَ إنَّهُ الَّذِي ارْتَضَاهُ أَهْلُ الْعِلْمِ. (وَقَالَ فِي الْمُقَرِّبِ) وَقَدْ سَأَلَ ابْنُ كِنَانَةَ مَالِكًا عَنْ رَجُلٍ بِيَدِهِ دُورٌ فَأَتَى رَجُلٌ فَقَالَ: إنَّ هَذِهِ الدُّورَ بِحَدِّي فَقَالَ الَّذِي بِيَدِهِ الدُّورُ: أَقِمْ الْبَيِّنَةَ عَلَى مَا قُلْت، وَأَمَّا أَنَا فَلَا أُقِرُّ وَلَا أُنْكِرُ فَقَالَ مَالِكٌ لَا يُتْرَكُ عَلَى ذَلِكَ وَيُجْبَرُ حَتَّى يُقِرَّ أَوْ يُنْكِرَ.
(وَقَالَ الْمُقْرِي فِي كُلِّيَّاتِهِ الْفِقْهِيَّةِ) كُلُّ مَنْ لَا يَدْفَعُ الدَّعْوَى فَإِنَّهُ يُحْكَمُ عَلَيْهِ بِلَا يَمِينٍ وَلَوْ كَانَ الْمُدَّعَى فِيهِ فِي يَدِهِ (قَالَ الشَّارِحُ) ظَاهِرُ هَذِهِ الْكُلِّيَّةِ مُوَافَقَةُ مَا صَدَّرَ بِهِ الشَّيْخُ أَوَّلًا مِنْ عَدَمِ الْيَمِينِ، وَهُوَ قَوْلُ ابْنِ الْمَوَّازِ اهـ. وَهُوَ الَّذِي فِي الْمُخْتَصَرِ كَمَا تَقَدَّمَ وَجُمْلَةُ كُلِّفَهُ جَوَابُ مَنْ أَبَى، وَهُوَ بِضَمِّ الْكَافِ وَكَسْرِ اللَّامِ مُشَدَّدَةً مَبْنِيٌّ لِلنَّائِبِ مَحْذُوفُ الْفَاعِلِ لِلْعِلْمِ بِهِ أَنَّهُ الْقَاضِي وَالنَّائِبُ ضَمِيرٌ مُسْتَتِرٌ يَعُودُ عَلَى مَنْ أَبَى وَالضَّمِيرُ الْبَارِزُ مَفْعُولٌ ثَانٍ لِكُلِّفَ يَعُودُ عَلَى الْإِقْرَارِ وَالْإِنْكَارِ وَأَفْرَدَ الضَّمِيرَ لِلْعَطْفِ بِأَوْ، وَيُحْتَمَلُ أَنْ يُقْرَأَ كَلَّفَ بِفَتْحِ الْكَافِ وَاللَّامِ مَبْنِيًّا لِلْفَاعِلِ وَإِجْبَارًا مَفْعُولٌ مُطْلَقٌ مِنْ مَعْنَى كَلَّفَ لَا مِنْ لَفْظِهِ وَهُوَ مَصْدَرُ أَجْبَرَ الرُّبَاعِيُّ، وَيُقَالُ جَبَرَهُ جَبْرًا قَالَ فِي الْقَامُوسِ جَبَرَهُ عَلَى الْأَمْرِ أَيْ أَكْرَهَهُ كَأُجْبِرُهُ اهـ. (فَرْعٌ) قَالَ الْمُتَيْطِيُّ: وَإِنْ كَانَ جَوَابُ الْمَطْلُوبِ عَلَى التَّوْقِيفِ: لَا حَقَّ لَهُ عِنْدِي وَلَمْ يَرُدَّ عَلَى ذَلِكَ فَرَوَى ابْنُ الْقَاسِمِ عَنْ مَالِكٍ أَنَّهُ لَا يُقْنَعُ مِنْهُ بِذَلِكَ حَتَّى يُقِرَّ بِالسَّلَفِ أَوْ يُنْكِرَهُ (ابْنُ عَرَفَةَ) وَإِذَا ذَكَرَ الْمُدَّعِي دَعْوَاهُ فَمُقْتَضَى الْمَذْهَبِ أَمْرُ الْقَاضِي خَصْمَهُ بِجَوَابِهِ إنْ اسْتَحَقَّتْ الدَّعْوَى جَوَابًا وَإِلَّا فَلَا، كَقَوْلِ الْمُدَّعِي: هَذَا أَخْبَرَنِي أَنَّهُ رَأَى هِلَالَ الشَّهْرِ أَوْ سَمِعَ مَنْ يُعَرِّفُ بِلُقَطَةٍ، وَلَا يَتَوَقَّفُ أَمْرُهُ بِالْجَوَابِ عَلَى طَلَبِ الْمُدَّعِي لِذَلِكَ لِدَلَالَةِ حَالِ التَّدَاعِي عَلَيْهِ (ابْنُ عَرَفَةَ) وَظَاهِرُهُ إيجَابُ جَوَابِهِ بِمُجَرَّدِ قَوْلِهِ: لِي عِنْدَهُ كَذَا وَلَيْسَ كَذَلِكَ بَلْ لَا بُدَّ مِنْ بَيَانِ السَّبَبِ مِنْ سَلَفٍ أَوْ مُعَاوَضَةٍ أَوْ عَطِيَّةٍ وَنَحْوِهَا؛ لِجَوَازِ كَوْنِهَا مِنْ أَمْرٍ لَا يُوجِبُ وُجُوبَهَا عَلَيْهِ كَعِدَّةٍ أَوْ عَطِيَّةٍ مِنْ مَالِ أَجْنَبِيٍّ اهـ
وَالْكَتْبُ يَقْتَضِي عَلَيْهِ الْمُدَّعِي
…
مِنْ خَصْمِهِ الْجَوَابَ تَوْقِيفًا دُعِي
الْكَتْبُ مَصْدَرٌ وَهُوَ هُنَا بِمَعْنَى الْمَفْعُولِ يَعْنِي أَنَّ الْمَكْتُوبَ الَّذِي يَطْلُبُ الْمُدَّعِي مِنْ خَصْمِهِ الْجَوَابَ عَنْهُ؛ لِاشْتِمَالِهِ عَلَى دَعْوَاهُ وَتَضَمُّنِهِ إيَّاهَا يُدْعَى وَيُسَمَّى عِنْدَ الْمُوَثِّقِينَ بِالتَّوْقِيفِ لِكَوْنِ الطَّالِبِ الَّذِي أَمْلَاهُ عَلَى كِتَابِهِ يُوقِفُ عَلَيْهِ الْمَطْلُوبَ وَيَطْلُبُهُ بِالْجَوَابِ عَنْهُ بَيْنَ يَدَيْ الْقَاضِي، وَهَذَا هُوَ الْمُسَمَّى بِالْمَقَالِ أَيْضًا وَالْكَتْبُ مُبْتَدَأٌ وَجُمْلَةُ يَقْتَضِي بِمَعْنَى يَطْلُبُ صِفَتُهُ وَفَاعِلُ يَقْتَضِي هُوَ الْمُدَّعِي وَمِنْ خَصْمِهِ يَتَعَلَّق بِيَقْتَضِي.
(وَالْجَوَابَ) مَفْعُولُهُ وَعَلَيْهِ يَتَعَلَّقُ بِالْجَوَابِ وَيُحْتَمَلُ أَنْ تَكُونَ عَلَى بِمَعْنَى عَنْ، وَهُوَ الْمُنَاسِبُ وَتَوْقِيفًا مَفْعُولٌ ثَانٍ لِدُعِيَ وَالْأَوَّلُ ضَمِيرُ (الْكَتْبُ) وَجُمْلَةُ (دُعِي) خَبَرُ (الْكَتْبُ) وَالرَّابِطُ لِجُمْلَةِ الصِّفَةِ بِمَوْصُوفِهَا هُوَ ضَمِيرُ عَلَيْهِ وَلِجُمْلَةِ الْخَبَرِ بِالْمُبْتَدَأِ، وَهُوَ نَائِبُ. (دُعِي) الْعَائِدُ عَلَى (الْكَتْبُ) وَاَللَّهُ أَعْلَمُ.
وَمَا يَكُونُ بَيِّنًا إنْ لَمْ يُجِبْ
…
عَلَيْهِ فِي الْحِينِ فَالْإِجْبَارُ يَجِبْ
وَكُلُّ مَا افْتَقَرَ لِلتَّأَمُّلِ
…
فَالْحُكْمُ نَسْخُهُ وَضَرْبُ الْأَجَلِ
وَطَالِبُ التَّأْخِيرِ فِيمَا سَهُلَا
…
لِمَقْصِدٍ يُمْنَعُهُ وَقِيلَ لَا
يَعْنِي أَنَّ الْمَقَالَ الْمُسَمَّى بِالتَّوْقِيفِ إنْ كَانَ سَهْلًا بَيِّنًا لِلتَّأَمُّلِ قَلِيلَ الْفُصُولِ قَرِيبَ الْمَعْنَى، فَإِنَّ الْمَطْلُوبَ يُجْبَرُ عَلَى الْجَوَابِ عَنْهُ فِي الْحِينِ مِنْ غَيْرِ تَرَاخٍ، وَإِنْ كَانَ بِعَكْسِ ذَلِكَ مِنْ كَثْرَةِ الْفُصُولِ وَاخْتِلَافِ الْمَعَانِي وَالِافْتِقَارِ إلَى النَّظَرِ وَالتَّأَمُّلِ فَإِنَّهُ يَحْكُمُ لِلْمَطْلُوبِ بِأَخْذِ نُسْخَةٍ مِنْهُ وَيُؤَجَّلُ فِي جَوَابِهِ بِقَدْرِ اجْتِهَادِ الْقَاضِي. (قَالَ الشَّارِحُ) وَذَلِكَ مُقْتَضَى مَا نَقَلَهُ الْمَازِرِيُّ عَنْ ابْنِ أَبِي زَيْدٍ قَالَ: وَبِهِ الْعَمَلُ وَإِلَى هَذَا أَشَارَ بِالْبَيْتَيْنِ الْأَوَّلَيْنِ فَإِنْ طَلَبَ الْمَطْلُوبُ التَّأْخِيرَ بِالْجَوَابِ فِي الْمَقَالِ الْقَلِيلِ الْفُصُولِ الْقَرِيبِ الْمَعَانِي لِمَقْصِدٍ يُبَيِّنُهُ كَتَوْكِيلِ مَنْ يُجِيبُ عَنْهُ وَمَا أَشْبَهَهُ فَقِيلَ: يُمْنَعُ مِنْهُ وَقِيلَ: لَا يُمْنَعُ قَالَ الشَّارِحُ وَالْأَظْهَرُ أَنَّهُ يُمْنَعُ مِنْهُ وَلِذَلِكَ قَدَّمَهُ الشَّيْخُ رحمه الله فِي هَذَا الْبَيْتِ، وَلَفْظُ الْإِجْبَارِ يُقْرَأُ بِنَقْلِ حَرَكَةِ الْهَمْزَةِ لِلسَّاكِنِ قَبْلَهَا، وَجُمْلَةُ يُمْنَعُهُ بِالْبِنَاءِ لِلنَّائِبِ خَبَرُ (طَالِبُ) - وَالضَّمِيرُ الْبَارِزُ - لِلتَّأْخِيرِ، وَالنَّائِبُ يَعُودُ عَلَى الطَّالِبِ.
(فَرْعٌ) وَفِي الْوَثَائِقِ الْمَجْمُوعَةِ قَالَ أَحْمَدُ بْنُ سَعِيدٍ وَإِذَا دُعِيَ الْخَصْمُ إلَى انْتِسَاخِ وَثِيقَةٍ وَقَفَ عَلَيْهَا لِيَقِفَ عَلَى فُصُولِهَا فَإِنَّهُ إنْ كَانَتْ الْوَثِيقَةُ مُخْتَصَرَةً لِلْفَهْمِ لِمَعَانِيهَا، وَيُوقَفُ عَلَيْهَا لِلسَّمَاعِ لَهَا لَمْ يُعْطَ نُسْخَتَهَا فَإِنْ كَانَتْ طَوِيلَةً كَثِيرَةَ الْمَعَانِي لَا يُحَاطُ بِفَهْمِ مَعَانِيهَا، وَيَحْتَاجُ إلَى التَّثَبُّتِ فِيهَا أُعْطِيَ نُسْخَتَهَا اهـ. (وَفِي ابْنِ عَرَفَةَ) وَفِي تَمْكِينِ الْمَطْلُوبِ مِنْ نُسْخَةٍ بِمَا شُهِدَ بِهِ عَلَيْهِ مُطْلَقًا، أَوْ إنْ كَانَتْ فِيمَا يُشْكِلُ وَيَحْتَاجُ الْمَطْلُوبُ فِيهِ إلَى تَدْبِيرٍ وَتَأَمُّلٍ نَقَلَ الْمَازِرِيُّ عَنْ الْقَاضِي أَبِي طَالِبٍ وَالشَّيْخِ الْمَازِرِيِّ وَعَلَيْهِ الْعَمَلُ اهـ. وَنَحْوُهُ فِي ابْنِ سَلْمُونٍ وَمِنْ نَوَازِل الْأَيْمَانِ وَالدَّعَاوَى مِنْ الْمِعْيَارِ سُئِلَ ابْنُ أَبِي زَيْدٍ عَنْ مُتَخَاصِمَيْنِ طَلَبَ أَحَدُهُمَا صَاحِبَهُ أَنْ يُوقِفَهُ عَلَى