الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
وَقَالَ أَشْهَبُ عِلْمُ الزَّوْجِ. وَقَالَ ابْنُ الْمَاجِشُونِ وَلَوْ كَانَا مَجْنُونَيْنِ حَلَّتْ. قَالَهُ ابْنُ الْحَاجِبِ (التَّوْضِيحَ) وَرَأَى اللَّخْمِيُّ أَنَّهَا لَا تَحِلُّ إلَّا بِأَنْ يَكُونَا عَالِمَيْنِ لِقَوْلِهِ صلى الله عليه وسلم «حَتَّى تَذُوقِي عُسَيْلَتَهُ وَيَذُوقَ عُسَيْلَتَكِ» السَّادِسُ: أَنْ يَكُونَ النِّكَاحُ صَحِيحًا (ابْنُ الْحَاجِبِ) وَلَا تَحِلُّ بِنِكَاحٍ غَيْرِ صَحِيحٍ كَنِكَاحِ الْمُحَلِّلِ، ثُمَّ قَالَ: وَلَا تَحِلُّ الذِّمِّيَّةُ بِنِكَاحِ الذِّمِّيِّ لِفَسَادِهِ عَلَى الْمَشْهُورِ. السَّابِعُ: أَنْ يَكُونَ النِّكَاحُ لَازِمًا (ابْنُ الْحَاجِبِ) وَلَا بِنِكَاحٍ غَيْرِ لَازِمٍ كَنِكَاحِ الْعَبْدِ الْمُتَعَدِّي وَنِكَاحِ ذَاتِ الْعَيْبِ أَوْ الْمَغْرُورَةِ أَوْ ذِي الْعَيْبِ أَوْ الْمَغْرُورِ إلَّا إذَا لَزِمَ بِإِجَازَةِ السَّيِّدِ وَرَضِيَ الزَّوْجُ أَوْ الزَّوْجَةُ وَوَطِئَ بَعْدَ اللُّزُومِ (التَّوْضِيحَ) قَوْلُهُ: " الْمَغْرُورِ أَوْ الْمَغْرُورَةِ " أَيْ بِالْحُرِّيَّةِ، وَقَوْلُهُ:" إلَّا إذَا لَزِمَ بِإِجَازَةِ السَّيِّدِ " رَاجِعٌ إلَى الْعَبْدِ، وَقَوْلُهُ:" وَرَضِيَ الزَّوْجُ أَوْ الزَّوْجَةُ " رَاجِعٌ إلَى صُورَتَيْ الْعَيْبِ وَالْغُرُورِ، وَقَوْلُهُ:" وَوَطِئَ بَعْدَ اللُّزُومِ " يَعْنِي فِي الْخَمْسَةِ. اهـ
(ابْنُ الْحَاجِبِ) وَلَا تَحِلُّ بِعَقْدٍ وَلَا بِوَطْءِ مِلْكٍ، قَوْلُهُ:" وَهِيَ لِحُرٍّ " أَيْ الثَّلَاثُ يَعْنِي وَأَمَّا الْعَبْدُ فَطَلْقَتَانِ، وَقَوْلُهُ:" وَحُكْمُهَا " أَيْ حُكْمُ الثَّلَاثِ، وَحُكْمُ الثَّلَاثِ هُوَ تَحْرِيمُ الزَّوْجَةِ إلَّا بَعْدَ زَوْجٍ، وَالْإِطْلَاقُ يُفَسِّرُهُ مَا فِي الْبَيْتِ بَعْدَهُ يَلِيَهُ وَهُوَ أَنَّهُ لَا فَرْقَ بَيْنَ أَنْ يُطَلِّقَهَا ثَلَاثًا فِي كَلِمَةٍ كَقَوْلِهِ: أَنْتِ طَالِقٌ ثَلَاثًا. أَوْ يُطَلِّقَهَا ثُمَّ يُرَاجِعَهَا ثُمَّ يُطَلِّقُهَا إلَى الثَّلَاثِ الْحُكْمُ وَاحِدٌ، إلَّا أَنَّهُ فِي ثَلَاثِ مَرَّاتٍ مُجْمَعٌ عَلَيْهِ، وَفِي كَلِمَةٍ فِيهِ خِلَافٌ ضَعِيفٌ. (ابْنُ نَاجِي) مَذْهَبُنَا لُزُومُ الثَّلَاثِ، وَقِيلَ بِلُزُومِ طَلْقَةٍ وَاحِدَةٍ اُنْظُرْ تَمَامَ كَلَامِهِ وَانْظُرْ الْفَائِقَ فِي أَحْكَامِ الْوَثَائِقِ لِسَيِّدِي أَحْمَدَ الْوَنْشَرِيسِيِّ فَقَدْ أَطَالَ فِي الْمَسْأَلَةِ بِنَحْوِ وَرَقَتَيْنِ وَذَلِكَ قَبْلَ تَرْجَمَةِ نَوَازِلِ الطَّلَاقِ وَفُرُوعِهِ. قَوْلُهُ " وَمَوْقِعُ مَا دُونَهَا " - الْبَيْتَ - وَالْمَعْنَى أَنَّ مَنْ أَوْقَعَ مِنْ الطَّلَاقِ مَا دُونَ الثَّلَاثِ مِنْ وَاحِدَةٍ أَوْ اثْنَتَيْنِ فَإِنَّ مَا أَوْقَعَهُ مَعْدُودٌ عَلَيْهِ وَمَحْسُوبٌ عَلَيْهِ إنْ قَضَى اللَّهُ تَعَالَى بِتَجْدِيدِ النِّكَاحِ بَيْنَهُمَا، فَإِذَا طَلَّقَهَا ثُمَّ رَاجَعَهَا فَتَبْقَى عِنْدَهُ عَلَى طَلْقَتَيْنِ، وَإِذَا طَلَّقَهَا طَلْقَتَيْنِ ثُمَّ رَاجَعَهَا فَتَبْقَى عِنْدَهُ عَلَى طَلْقَةٍ، وَلَوْ تَزَوَّجَتْ غَيْرَهُ فِي خِلَالِ ذَلِكَ ثُمَّ رَاجَعَهَا فَإِنَّهُ يُحْسَبُ عَلَيْهِ مَا كَانَ طَلَّقَهَا قَبْلَ تَزَوُّجِهَا لِغَيْرِهِ؛ لِأَنَّ النِّكَاحَ الْأَجْنَبِيَّ لَا يَهْدِمُ إلَّا الثَّلَاثَ، فَلَوْ زَادَ النَّاظِمُ بَعْدَ
وَمُوقِعُ مَا دُونَهَا مَعْدُودٌ
الْبَيْتَ قَوْلَهُ مَثَلًا
وَلَوْ تَزَوَّجَتْ لِغَيْرِهِ وَلَا
…
يَهْدِمُ ذَا إلَّا الثَّلَاثَ مُسَجَّلًا
وَمَعْنَى مُسْجَلًا مُطْلَقًا، وَمَعْنَاهُ أَنَّ نِكَاحَ الْأَجْنَبِيِّ يَهْدِمُ الثَّلَاثَ كَانَتْ فِي كَلِمَةٍ وَاحِدَةٍ أَوْ كَلِمَاتٍ.
[فَصْلٌ الْخُلْع]
فَصْلُ:
وَالْخُلْعُ سَائِغٌ وَالِافْتِدَاءُ
…
فَالِافْتِدَاءُ بِاَلَّذِي تَشَاءُ
وَالْخُلْعُ بِاللَّازِمِ فِي الصَّدَاقِ
…
أَوْ حَمْلٍ أَوْ عِدَّةٍ أَوْ إنْفَاقِ
وَلَيْسَ لِلْأَبِ إذَا مَاتَ الْوَلَدْ
…
شَيْءٌ وَذَا بِهِ الْقَضَاءُ فِي الْمَدَدْ
(الرَّصَّاعُ) لَمْ يُعَرِّفْ الشَّيْخُ الْخُلْعَ، وَوَقَعَ لِبَعْضِ الشُّيُوخِ مِنْ تَلَامِذَتِهِ أَنَّهُ عَرَّفَهُ بِقَوْلِهِ: عَقْدُ مُعَاوَضَةٍ عَلَى الْبُضْعِ تَمْلِكُ بِهِ الْمَرْأَةُ نَفْسَهَا وَيَمْلِكُ بِهِ الزَّوْجُ الْعِوَضَ. ثُمَّ قَالَ: وَالصَّوَابُ أَنْ يُقَالَ فِي رَسْمِهِ صِفَةٌ حُكْمِيَّةٌ تَرْفَعُ حِلِّيَّةَ مُتْعَةِ الزَّوْجِ بِسَبَبِ عِوَضٍ عَلَى التَّطْلِيقِ.
وَقَوْلُهُ: " وَالْخُلْعُ سَائِغٌ " إلَخْ يَعْنِي أَنَّ الْخُلْعَ جَائِزٌ وَالِافْتِدَاءُ بِهِ كَذَلِكَ جَائِزٌ، ثُمَّ فَسَّرَ كُلًّا مِنْهُمَا فَفَسَّرَ الِافْتِدَاءَ بِأَنَّهُ افْتِدَاءُ الزَّوْجَةِ بِبَعْضِ مَالِهَا، وَفَسَّرَ الْخُلْعَ بِأَنَّهُ الِافْتِدَاءُ بِاللَّازِمِ فِي الصَّدَاقِ وَبِمُؤْنَةِ حَمْلٍ وَخَرَاجِ عِدَّةٍ وَإِنْفَاقٍ عَلَى وَلَدٍ، وَهَذَا الْفَرْقُ مُجَرَّدُ اصْطِلَاحٍ لِأَهْلِ كُتُبِ الْأَحْكَامِ. وَمَعْنَى قَوْلِ الْمُوَثِّقِ فِي وَثِيقَةِ الطَّلَاقِ " وَتَحَمَّلَتْ لَهُ بِخَرَاجِ عِدَّتِهَا " يَعْنِي كِرَاءَ مَسْكَنِهَا مُدَّةَ الْعِدَّةِ فَيَلْزَمُهَا ذَلِكَ إنْ كَانَتْ الدَّارُ بِكِرَاءٍ أَوْ الْتَزَمَتْ غُرْمَ الْكِرَاءِ لَهُ إنْ كَانَتْ الدَّارُ لَهُ. قَالَهُ فِي وَثَائِقِ الْقَشْتَالِيِّ فَإِذَا مَاتَ الْوَلَدُ الَّذِي الْتَزَمَتْ الزَّوْجَةُ الْإِنْفَاقَ عَلَيْهِ فَلَا يَجِبُ عَلَيْهَا لِأَبِيهِ بَعْدَ مَوْتِهِ شَيْءٌ عَلَى مَا جَرَى بِهِ الْحُكْمُ وَالْقَضَاءُ فِي هَذِهِ الْأَزْمِنَة، وَعَلَى ذَلِكَ نَبَّهَ بِقَوْلِهِ:
وَلَيْسَ لِلْأَبِ إذَا مَاتَ الْوَلَدْ
الْبَيْتَ (قَالَ فِي الْمُقَرِّبِ) : قُلْتُ لَهُ: فَمَا الْمُبَارَأَةُ؟ وَمَا الْخُلْعُ؟ وَمَا الْفِدْيَةُ؟ قَالَ الْمُبَارَأَةُ أَنْ تَقُولَ
الْمَرْأَةُ لِزَوْجِهَا قَبْلَ الْبِنَاءِ: خُذْ مَا أَعْطَيْتَنِي وَاتْرُكْنِي. وَالْخُلْعُ أَنْ يَخْتَلِعَ بِاَلَّذِي لَهَا كُلِّهِ. وَالْفِدْيَةُ أَنْ تَفْتَدِيَ بِبَعْضٍ وَتُمْسِكَ بَعْضًا. قُلْتُ: أَفَيَحِلُّ لِلزَّوْجِ مَا أَعْطَتْهُ عَلَى ذَلِكَ قَالَ نَعَمْ إذَا لَمْ يَكُنْ عَنْ إضْرَارٍ مِنْهُ لَهَا (وَقَدْ قَالَ مَالِكٌ) مَا رَأَيْتُ أَحَدًا مِمَّنْ يُقْتَدَى بِهِ يَكْرَهُ أَنْ تَفْتَدِيَ الْمَرْأَةُ بِأَكْثَرَ مِنْ صَدَاقِهَا. وَقَالَ تَعَالَى {فَلا جُنَاحَ عَلَيْهِمَا فِيمَا افْتَدَتْ بِهِ} [البقرة: 229] وَهَذَا إذَا لَمْ يَكُنْ عَنْ إضْرَارٍ مِنْ الزَّوْجِ بِهَا وَلَا تَضْيِيقٍ عَلَيْهَا.
(قَالَ الشَّارِحُ رحمه الله) اخْتَصَرَ الشَّيْخُ رحمه الله ذِكْرَ الْمُبَارَأَةِ وَهِيَ فِي الْمُدَوَّنَةِ مَعَ الْخُلْعِ وَالْفِدْيَةِ فِي نَسَقٍ وَاحِدٍ.
(وَفِي الْمُقَرِّبِ) قُلْتُ لَهُ: فَإِنْ اخْتَلَعَتْ مِنْهُ عَلَى أَنَّهُ لَا سُكْنَى عَلَى الزَّوْجِ؟ فَقَالَ إنْ كَانَ إنَّمَا شَرَطَ عَلَيْهَا كِرَاءَ الْمَنْزِلِ الَّذِي تَعْتَدُّ فِيهِ فَذَلِكَ جَائِزٌ مِثْلُ أَنْ تَكُونَ فِي مَسْكَنِ الْكِرَاءِ، وَكَذَلِكَ إنْ كَانَتْ تَسْكُنُ فِي مَسْكَنِ الزَّوْجِ فَاشْتَرَطَ أَنَّ عَلَيْهَا كَذَا وَكَذَا دِرْهَمًا فِي كِرَاءِ الْمَسْكَنِ فَذَلِكَ جَائِزٌ أَيْضًا. وَإِنْ كَانَ إنَّمَا اشْتَرَطَ عَلَيْهَا أَنْ تَخْرُجَ مِنْ الْمَنْزِلِ الَّذِي تَعْتَدُّ فِيهِ فَهَذَا لَا يَجُوزُ فِي قَوْلِ مَالِكٍ وَتَسْكُنُ بِغَيْرِ شَرْطٍ وَالْخُلْعُ مَاضٍ. قُلْتُ لَهُ: فَإِنْ اخْتَلَعَتْ مِنْهُ عَلَى أَنَّ نَفَقَةَ الزَّوْجِ وَنَفَقَةَ الْوَلَدِ عَلَيْهَا إلَى فِطَامِهِ؟ فَقَالَ سَمِعْتُ مَالِكًا يَقُولُ: إذَا اخْتَلَعَتْ الْمَرْأَةُ مِنْ زَوْجِهَا عَلَى أَنْ تُرْضِعَ وَلَدَهُ وَتُنْفِقَ عَلَيْهِ إلَى فِطَامِهِ أَنَّ ذَلِكَ جَائِزٌ، وَإِنْ مَاتَتْ كَانَ الرَّضَاعُ وَالنَّفَقَةُ فِي مَالِهَا، وَفِيهِ قَالَ ابْنُ الْقَاسِمِ قُلْتُ لِمَالِكٍ فَإِنْ مَاتَ الْوَلَدُ قَبْلَ الْحَوْلَيْنِ أَيَكُونُ لِلزَّوْجِ عَلَى الْمَرْأَةِ شَيْءٌ؟ فَقَالَ: مَا رَأَيْتُ أَحَدًا طَلَبَ ذَلِكَ. وَكَأَنَّهُ ذَهَبَ إلَى أَنَّهَا إنَّمَا أَبْرَأَتْهُ مِنْ رَضَاعِ ابْنِهِ حَتَّى تَفْطِمَهُ، وَإِنْ ذَهَبَ قَبْلَ ذَلِكَ لَمْ يَكُنْ لِلزَّوْجِ عَلَيْهَا شَيْءٌ. اهـ
فَقَوْلُهُ:
فَالِافْتِدَاءُ بِاَلَّذِي تَشَاءُ
أَيْ بِمَا تُرِيدُهُ مِنْ مَالِهَا دُونَ مَا لَمْ تُرِدْهُ فَيُفْهَمُ مِنْهُ أَنَّ الِافْتِدَاءَ بِبَعْضِ مَالِهَا لَا بِكُلِّهِ، " فَالِافْتِدَاءُ " مُبْتَدَأٌ " وَبِاَلَّذِي " خَبَرُهُ لَا مُتَعَلِّقٌ بِهِ، وَقَوْلُهُ:" وَالْخُلْعُ بِاللَّازِمِ " إلَخْ " الْخُلْعُ " مُبْتَدَأٌ " وَبِاللَّازِمِ " خَبَرُهُ أَيْ بِاَلَّذِي هُوَ لَازِمٌ لَهَا عَلَيْهِ مِنْ صَدَاقٍ لَمْ تَقْبِضْهُ " أَوْ حَمْلٍ " عَطْفٌ عَلَى الصَّدَاقِ مَدْخُولٌ لَازِمٌ أَيْ بِاللَّازِمِ فِي الْحَمْلِ مِنْ النَّفَقَةِ عَلَيْهِ، وَاللَّازِمُ فِي الْعِدَّةِ أَيْ مِنْ كِرَاءِ الْمَسْكَنِ كَمَا تَقَدَّمَ عَنْ وَثَائِقِ الْقَشْتَالِيِّ وَبِاللَّازِمِ فِي الْإِنْفَاقِ عَلَى الْوَلَدِ بَعْدَ وَضْعِهِ. وَقَوْلُهُ:" وَلَيْسَ لِلْأَبِ " أَيْ لَيْسَ لِأَبِ الْوَلَدِ شَيْءٌ عَلَى الْمَرْأَةِ إذَا مَاتَ الْوَلَدُ قَبْلَ انْقِضَاءِ الْمُدَّةِ الَّتِي الْتَزَمَتْ نَفَقَتُهُ فِيهَا لِلْأَبِ.
وَالْخُلْعُ بِالْإِنْفَاقِ مَحْدُودُ الْأَجَلْ
…
بَعْدَ الرَّضَاعِ بِجَوَازِهِ الْعَمَلْ
وَجَازَ قَوْلًا وَاحِدًا حَيْثُ الْتُزِمْ
…
ذَاكَ وَإِنْ مُخَالِعٌ بِهِ عُدِمْ
يَعْنِي أَنَّ الْعَمَلَ عَلَى جَوَازِ الْخُلْعِ أَنْ تُنْفِقَ الْمَرْأَةُ عَلَى الْوَلَدِ أَجَلًا مَحْدُودًا بَعْدَ حَوْلَيْ الرَّضَاعِ يَلْزَمُهَا ذَلِكَ، وَمَذْهَبُ الْمُدَوَّنَةِ سُقُوطُ نَفَقَةِ الزَّائِدِ عَلَى الْحَوْلَيْنِ
(التَّوْضِيحَ) وَقَالَ الْمَخْزُومِيُّ وَالْمُغِيرَةُ وَابْنُ الْمَاجِشُونِ وَأَشْهَبُ وَابْنُ نَافِعٍ وَسَحْنُونٌ لَا تَسْقُطُ، وَهُوَ الصَّوَابُ عِنْدَ جَمَاعَةِ الشُّيُوخِ. حَتَّى قَالَ ابْنُ لُبَابَةَ الْخَلْقُ كُلُّهُمْ عَلَى خِلَافِ قَوْلِ ابْنِ الْقَاسِمِ وَرِوَايَتِهِ (الْمُتَيْطِيُّ) قَالَ غَيْرُ وَاحِدٍ مِنْ الْمُوَثِّقِينَ وَالْعَمَلُ عَلَى الْقَوْلِ، وَوَجْهُهُ ظَاهِرٌ، لِأَنَّ غَايَتَهُ غَرَرٌ، وَالْغَرَرُ جَائِزٌ هُنَا، وَفِي الْمَسْأَلَةِ قَوْلَانِ آخَرَانِ: الْأَوَّلُ: رِوَايَةُ ابْنِ زِيَادٍ عَنْ مَالِكٍ أَنَّهُ يَجُوزُ فِي الْعَامَيْنِ وَمَا قَارَبَهُمَا لَا أَكْثَرَ، وَالثَّانِي: قَالَ أَصْبَغُ أَكْرَهُهُ ابْتِدَاءً فَإِنْ وَقَعَ أَمْضَيْتُهُ اهـ.
قَوْلُهُ " وَجَازَ قَوْلًا وَاحِدًا " الْبَيْتُ مِنْهُ يُفْهَمُ أَنَّ مَا قَبْلَهُ مُخْتَلَفٌ فِيهِ وَهُوَ كَذَلِكَ، وَقَدْ تَقَدَّمَ قَرِيبًا أَنَّ فِيهِ أَرْبَعَةَ أَقْوَالٍ، وَأَشَارَ بِهَذَا الْبَيْتِ إلَى قَوْلِهِ فِي التَّوْضِيحِ إثْرَ مَا تَقَدَّمَ مُتَّصِلًا بِهِ. قَالَ اللَّخْمِيُّ وَغَيْرُهُ: وَهَذَا الْخِلَافُ إنَّمَا هُوَ إذَا وَقَعَ الْخُلْعُ عَلَى ذَلِكَ وَلَمْ يَشْتَرِطْ إثْبَاتَ ذَلِكَ - إنْ مَاتَ الْوَلَدُ - وَلَا سُقُوطَهُ. وَأَمَّا شَرْطُ الْأَبِ نَفَقَةَ الِابْنِ مُدَّةً مَعْلُومَةً - عَاشَ الْوَلَدُ أَوْ مَاتَ - فَيَجُوزُ عِنْدَ ابْنِ الْقَاسِمِ وَغَيْرِهِ فَلَوْ مَاتَ الْوَلَدُ أَخَذَ الْأَبُ ذَلِكَ مِنْهَا مُشَاهَرَةً حَتَّى يَتِمَّ الْأَجَلُ وَكَذَلِكَ الْأَبُ اهـ.
(وَفِي الْوَثَائِقِ الْمَجْمُوعَةِ) فَإِنْ مَاتَ الِابْنُ فِي الْمُدَّةِ لَمْ يَكُنْ لِلزَّوْجِ رُجُوعٌ فِيمَا بَقِيَ لِأَنَّهَا إنَّمَا تَحَمَّلَتْ عَنْهُ دَفْعَ مُؤْنَتِهِ، وَلَوْ مَاتَتْ هِيَ وَقَفَ مِنْ مَالِهَا قَدْرَ مُؤْنَةِ الِابْنِ إلَى انْقِضَاءِ الْمُدَّةِ، فَإِنْ مَاتَ الِابْنُ قَبْلَ انْقِضَائِهَا رَجَعَ مَا بَقِيَ مِمَّا وَقَفَ إلَى وَرَثَةِ الْمَرْأَةِ، وَأَمَّا إنْ أَفْلَسَتْ الْمَرْأَةُ رَجَعَ ذَلِكَ الْمَوْقُوفُ إلَى الْغُرَمَاءِ إنْ كَانَ بَقِيَ شَيْءٌ مِنْ دُيُونِهِمْ لِلزَّوْجِ مُحَاصَّةَ الْغُرَمَاءِ بِالنَّفَقَةِ، وَأَمَّا لَوْ اشْتَرَطَ الزَّوْجُ نَفَقَةَ الصَّبِيِّ مُدَّةً مَعْلُومَةً - عَاشَ أَوْ مَاتَ وَذَلِكَ لِلْأَبِ لَازِمٌ عَلَى الْأُمِّ - لَجَازَ ذَلِكَ عَلَى قَوْلِ
ابْنِ الْقَاسِمِ وَغَيْرِهِ، وَمُرَادُ النَّاظِمِ بِالْمُخَالَعِ بِهِ: الْوَلَدُ. مَعْنَى " عُدِمَ " مَاتَ، وَفَاعِلُ جَازَ يَعُودُ عَلَى الْخُلْعِ وَذَلِكَ إشَارَةٌ لِنَفَقَةِ الْوَلَدِ.
وَلِلْأَبِ التَّرْكُ مِنْ الصَّدَاقِ
…
أَوْ وَضْعُهُ لِلْبِكْرِ فِي الطَّلَاقِ
يَعْنِي أَنَّهُ يَجُوزُ لِلْأَبِ أَيْ دُونَ غَيْرِهِ مِنْ سَائِرِ الْأَوْلِيَاءِ إذَا زَوَّجَ بِنْتَهُ الْبِكْرَ أَنْ يَضَعَ مِنْ صَدَاقِهَا مَا يَرَاهُ سَدَادًا وَنَظَرًا لِاِبْنَتِهِ، وَلَهُ أَيْضًا أَنْ يَضَعَ جَمِيعَهُ فِي الطَّلَاقِ قَبْلَ الْمَسِيسِ (قَالَ فِي الْوَثَائِقِ الْمَجْمُوعَةِ) : قَالَ مُحَمَّدُ بْنُ أَحْمَدَ قَالَ ابْنُ الْقَاسِمِ: لِلْأَبِ أَنْ يَضَعَ عَنْ زَوْجِ ابْنَتِهِ الْبِكْرِ الَّتِي فِي حِجْرِهِ وَتَحْتَ وِلَايَةِ نَظَرِهِ مِنْ مُعَجَّلِ مَهْرِهَا وَمُؤَجَّلِهِ مَا يَرَاهُ سَدَادًا وَنَظَرًا لِاِبْنَتِهِ، وَلَهُ أَيْضًا أَنْ يُؤَخِّرَ بِهِ، وَلَيْسَ لَهُ أَنْ يَضَعَ جَمِيعَ الْمَهْرِ إلَّا عَلَى الطَّلَاقِ، وَلَيْسَ ذَلِكَ لِلْوَصِيِّ وَلَا لِلْوَلِيِّ.
(وَفِي النَّوَادِرِ مِنْ كِتَابِ مُحَمَّدٍ) قَالَ مَالِكٌ لِلْأَبِ أَنْ يُزَوِّجَ الْبِكْرَ بِأَقَلَّ مِنْ صَدَاقِ مِثْلِهَا عَلَى النَّظَرِ وَلَا يَحُطُّ مِنْ الصَّدَاقِ بَعْدَ الْعَقْدِ إلَّا عَلَى الطَّلَاقِ أَوْ بَعْدَ وُقُوعِ الطَّلَاقِ قَبْلَ الْبِنَاءِ يَهَبُهُ لِلزَّوْجِ، فَذَلِكَ جَائِزٌ عَلَيْهَا. (وَفِي ابْنِ الْحَاجِبِ) وَعَفْوُهُ فِي الْبِكْرِ عَنْ نِصْفِ الصَّدَاقِ بَعْدَ الطَّلَاقِ مَاضٍ لَا قَبْلَهُ. وَعَنْ ابْنِ الْقَاسِمِ إلَّا بِوَجْهِ نَظَرٍ (التَّوْضِيحُ) لِقَوْلِهِ تَعَالَى {وَإِنْ طَلَّقْتُمُوهُنَّ مِنْ قَبْلِ أَنْ تَمَسُّوهُنَّ وَقَدْ فَرَضْتُمْ لَهُنَّ فَرِيضَةً فَنِصْفُ مَا فَرَضْتُمْ إِلا أَنْ يَعْفُونَ} [البقرة: 237] أَيْ النِّسَاءُ الْمَالِكَاتُ لِأَمْرِهِنَّ عَنْ النِّصْفِ الَّذِي لَهُنَّ {أَوْ يَعْفُوَ الَّذِي بِيَدِهِ عُقْدَةُ النِّكَاحِ} [البقرة: 237] وَمَذْهَبُ مَالِكٍ أَنَّ الَّذِي بِيَدِهِ عُقْدَةُ النِّكَاحِ هُوَ الْأَبُ فِي ابْنَتِهِ وَالسَّيِّدُ فِي أَمَتِهِ، وَمَذْهَبُ أَبِي حَنِيفَةَ وَالشَّافِعِيِّ أَنَّهُ الزَّوْجُ يَنْبَغِي لَهُ أَنْ يُكَمِّلَ الصَّدَاقَ، وَقَالَ بِكُلٍّ مِنْ الْقَوْلَيْنِ جَمَاعَةٌ.
وَيَنْفُذُ الطَّلَاقُ بِالتَّصْرِيحِ
…
وَبِالْكِنَايَاتِ عَلَى الصَّحِيحِ
أَشَارَ بِالْبَيْتِ إلَى أَنَّ الطَّلَاقَ يَلْزَمُ بِاللَّفْظِ الصَّرِيحِ وَبِالْكِنَايَةِ، وَاللَّفْظُ أَحَدُ أَرْكَانِ الطَّلَاقِ، وَالطَّلَاقُ لَهُ أَرْكَانٌ أَرْبَعَةٌ: الْأَوَّلُ: وَهُوَ الزَّوْجُ، وَالْمَحَلُّ وَهُوَ الزَّوْجَةُ، وَالْقَصْدُ، وَاللَّفْظُ. فَالْأَهْلُ مُسْلِمٌ مُكَلَّفٌ فَلَا يَنْفُذُ طَلَاقُ الْكَافِرِ وَلَا الصَّبِيِّ وَلَا الْمَجْنُونِ، بِخِلَافِ السَّكْرَانِ فَيَمْضِي طَلَاقُهُ، وَالْمَحَلُّ شَرْطُهُ أَنْ يَمْلِكَهُ الزَّوْجُ قَبْلَ الطَّلَاقِ، وَالْمِلْكُ إمَّا تَحْقِيقًا أَوْ تَعْلِيقًا، فَلَوْ قَالَ لِأَجْنَبِيَّةٍ:" إنْ دَخَلْتِ الدَّارَ فَأَنْتِ طَالِقٌ " فَنَكَحَهَا فَدَخَلَتْ الدَّارَ فَلَا شَيْءَ عَلَيْهِ إلَّا أَنْ يَنْوِيَ إنْ نَكَحْتُك فَلَوْ قَالَ: " إنْ نَكَحْتُك
فَأَنْتِ طَالِقٌ " فَالْمَشْهُورُ اعْتِبَارُهُ وَتَطْلُقُ عَلَيْهِ عَقِبَ الْعَقْدِ عَلَيْهَا وَيَلْزَمُهُ نِصْفُ الصَّدَاقِ.
وَإِنْ دَخَلَ بِهَا فَالصَّدَاقُ كَامِلًا، وَالْقَصْدُ هُوَ الْقَصْدُ لِلطَّلَاقِ فَلَا أَثَرَ لِسَبْقِ اللِّسَانِ إذَا جَاءَ مُسْتَفْتِيًا، وَلَا أَثَرَ لِلَّفْظِ يَجْهَلُ مَعْنَاهُ كَمَا إذَا قِيلَ لِأَعْجَمِيٍّ قُلْ زَوْجَتِي طَالِقٌ فَقَالَهُ فَلَا يَلْزَمُهُ لِعَدَمِ الْقَصْدِ.
وَلَا أَثَرَ لِطَلَاقِ الْإِكْرَاهِ كَنِكَاحِهِ وَعِتْقِهِ وَغَيْرِهِ لِعَدَمِ الْقَصْدِ، وَاللَّفْظُ صَرِيحٌ وَكِنَايَةٌ وَغَيْرُهُمَا، فَالصَّرِيحُ مَا فِيهِ صِيغَةُ طَلَاقٍ مِثْلُ أَنْتِ طَالِقٌ أَوْ أَنَا طَالِقٌ فَلَا يُقْبَلُ قَوْلُهُ:" لَمْ أُرِدْ بِهِ الطَّلَاقَ " إذَا قَامَتْ عَلَيْهِ الْبَيِّنَةُ، وَكَذَلِكَ لَا يُقْبَلُ مِنْهُ فِي الْفَتْوَى إذَا أَقَرَّ عَلَى نَفْسِهِ أَنَّهُ أَتَى بِهَذَا اللَّفْظِ قَاصِدًا إلَى النُّطْقِ بِهِ وَقَالَ:" لَمْ أُرِدْ بِهِ الطَّلَاقَ " إذَا قَامَتْ عَلَيْهِ الْبَيِّنَةُ، وَيَلْزَمُهُ، وَالْكِنَايَةُ قِسْمَانِ: ظَاهِرٌ وَمُحْتَمَلٌ فَالظَّاهِرُ مَا هُوَ فِي الْعُرْفِ طَلَاقٌ مِثْلُ سَرَّحْتُك، وَفَارَقْتُك، وَأَنْتِ حَرَامٌ، وَبَتَّةٌ، وَبَتْلَةٌ، وَخَلِيَّةٌ، وَبَرِيَّةٌ، وَبَائِنٌ، وَحَبْلُك عَلَى غَارِبِك، وَنَحْوُ هَذَا.
وَهُوَ كَالصَّرِيحِ فِي أَنَّهُ لَا يُقْبَلُ مِنْهُ أَنَّهُ لَمْ يُرِدْ بِهِ الطَّلَاقَ وَاخْتُلِفَ فِي اللَّازِمِ فِي ذَلِكَ عَلَى سِتَّةِ أَقْوَالٍ حَكَاهَا ابْنُ الْحَاجِبِ (قَالَ فِي التَّوْضِيحِ) : وَهِيَ رَاجِعَةٌ إلَى ثَلَاثَةِ أَقْوَالٍ: الْأَوَّلُ: أَنَّهَا ثَلَاثٌ وَاخْتُلِفَ عَلَى هَذَا الْقَوْلِ هَلْ هِيَ الثَّلَاثُ فِي الْمَدْخُولِ بِهَا وَغَيْرِهَا وَلَا يَنْوِي، أَوْ الثَّلَاثُ وَيَنْوِي فِيهَا، أَوْ يَنْوِي فِي غَيْرِ الْمَدْخُولِ بِهَا فَقَطْ؟ . وَالْقَوْلُ الثَّانِي: أَنَّهَا طَلْقَةٌ. وَاخْتُلِفَ عَلَيْهِ، فَقِيلَ بَائِنَةٌ وَقِيلَ رَجْعِيَّةٌ. وَالْقَوْلُ الثَّالِثُ: أَنَّهَا ثَلَاثٌ فِي الْمَدْخُولِ بِهَا وَوَاحِدَةٌ فِي غَيْرِ الْمَدْخُولِ بِهَا. اهـ
وَالْكِنَايَةُ الْمُحْتَمَلَةُ مِثْلَ اذْهَبِي، وَانْصَرِفِي، وَاعْزُبِي، وَأَنْتِ حُرَّةٌ، وَمُعْتَقَةٌ، وَالْحَقِي بِأَهْلِك، وَلَسْتِ لِي بِامْرَأَةٍ، أَوْ لَا نِكَاحَ بَيْنِي وَبَيْنَكِ. فَتُقْبَلُ دَعْوَاهُ فِي أَنَّهُ لَمْ يُرِدْ بِهِ الطَّلَاقَ. وَفِي عَدَدِهِ إذَا قَالَ:" أَرَدْت الطَّلَاقَ وَقَصَدْت وَاحِدَةً أَوْ أَكْثَرَ " قُبِلَ ذَلِكَ مِنْهُ.
(قَالَ أَصْبَغُ) وَإِنْ نَوَى بِهِ الطَّلَاقَ وَلَمْ يَنْوِ عَدَدًا فَهُوَ الْبَتَّةُ مَدْخُولًا بِهَا أَمْ لَا؟ قَالَهُ فِي
التَّوْضِيحِ. وَالْقِسْمُ الثَّالِثُ: وَهُوَ مَا لَيْسَ بِصَرِيحٍ وَلَا كِنَايَةٍ فَذَلِكَ مِثْلَ اسْقِينِي الْمَاءَ فَإِنْ قَصَدَ بِهِ الطَّلَاقَ وَقَعَ عَلَى الْمَشْهُورِ، وَفِيهَا كُلُّ كَلَامٍ يَنْوِي بِهِ الطَّلَاقَ فَهُوَ طَلَاقٌ. اهـ
وَجَمِيعُ ذَلِكَ مِنْ ابْنِ الْحَاجِبِ وَجُلُّهُ بِاللَّفْظِ، وَقَدْ بَحَثَ فِي التَّوْضِيحِ فِي بَعْضِ الْأَلْفَاظِ الْمُمَثَّلِ بِهَا فَلْيُرَاجِعْهُ مَنْ أَرَادَهُ. وَنَقَلَ الشَّارِحُ عَنْ الْكَافِي أَنَّ صَرِيحَ الطَّلَاقِ مَا نَطَقَ بِهِ الْقُرْآنُ الْعَظِيمُ مِنْ الطَّلَاقِ وَالسَّرَاحِ وَالْفِرَاقِ قَالَ تَعَالَى {فَطَلِّقُوهُنَّ لِعِدَّتِهِنَّ} [الطلاق: 1] وَقَالَ {فَأَمْسِكُوهُنَّ بِمَعْرُوفٍ أَوْ سَرِّحُوهُنَّ بِمَعْرُوفٍ} [البقرة: 231] وَقَالَ فِي الْآيَة الْأُخْرَى {أَوْ فَارِقُوهُنَّ بِمَعْرُوفٍ} [الطلاق: 2] .
ثُمَّ قَالَ: قَالَ ابْنُ مَرْزُوقٍ فِي مَنْهَجِهِ السَّالِكِ: وَلَهُ يَعْنِي الطَّلَاقَ لَفْظَانِ: صَرِيحٌ وَكِنَايَةٌ، فَالصَّرِيحُ مَا جَاءَ فِيهِ لَفْظُ الطَّلَاقِ كَقَوْلِهِ: أَنْتِ طَالِقٌ وَشِبْهُ ذَلِكَ، وَالْكِنَايَةُ عَلَى ثَلَاثَةِ أَضْرُبٍ: كِنَايَةٌ ظَاهِرَةٌ: كَخَلِيَّةٍ، وَبَرِيَّةٍ، وَحَرَامٍ، وَحَبْلُك عَلَى غَارِبِك، وَهِيَ ثَلَاثَةٌ فِي الْمَدْخُولِ بِهَا وَيَنْوِي فِي أَقَلَّ فِي غَيْرِ الْمَدْخُولِ بِهَا. وَكِنَايَةٌ مُحْتَمَلَةٌ كَقَوْلِهِ: اذْهَبِي وَانْصَرِفِي وَشِبْهُ ذَلِكَ. وَكِنَايَةٌ لَا يَقْتَضِي لَفْظُهَا طَلَاقًا كَقَوْلِهِ: اسْقِينِي مَاءً أَوْ أَلْبِسِينِي ثِيَابَك فَلَا شَيْءَ عَلَيْهِ إلَّا أَنْ يَنْوِيَ الطَّلَاقَ اهـ.
فَجَعَلَ الْكِنَايَةَ ثَلَاثَةَ أَقْسَامٍ وَإِنْ قَصَدَ الطَّلَاقَ بِاسْقِينِي الْمَاءَ وَنَحْوِهِ مِنْ الْكِنَايَةِ، وَتَقَدَّمَ أَنَّ ابْنَ الْحَاجِبِ جَعَلَهُ قِسْمًا ثَالِثًا لَيْسَ مِنْ الصَّرِيحِ وَلَا مِنْ الْكِنَايَةِ، (قَالَ الشَّارِحُ) : قَوْلُ النَّاظِمِ " وَبِالْكِنَايَاتِ " بِلَفْظِ الْجَمْعِ يُرِيدُ أَضْرُبَهَا الثَّلَاثَةَ الَّتِي فَصَّلَهَا ابْنُ زَرْقُون إلَيْهَا إذَا أُرِيدَ بِهَا الطَّلَاقُ. اهـ
وَهُوَ ظَاهِرٌ إلَّا أَنَّهُ يَبْقَى النَّظَرُ فِي مُقَابِلِ الصَّحِيحِ مَا هُوَ؟ فَاَللَّهُ أَعْلَمُ.
قَالَ الرَّصَّاعُ فِي شَرْحِ النِّكَاحِ الَّذِي تَحِلُّ بِهِ الْمُطَلَّقَةُ ثَلَاثًا لِلَّذِي طَلَّقَهَا: وَالْفَرْقُ بَيْنَ التَّعْرِيضِ وَالْكِنَايَةِ أَنَّ الْكِنَايَةَ إنَّمَا يَذْكُرُ الشَّيْءَ بِذِكْرِ لَازِمِهِ كَقَوْلِنَا: فُلَانٌ طَوِيلُ النِّجَادِ. وَالتَّعْرِيضُ أَنْ يَذْكُرَ كَلَامًا يُحْتَمَلُ مَقْصُودُهُ وَغَيْرُ مَقْصُودِهِ. وَالْقَرَائِنُ تُفِيدُ الْمَقْصُودَ.
قَالَ رحمه الله:
وَيَنْفُذُ الْوَاقِعُ مِنْ سَكْرَانِ
…
مُخْتَلِطٍ كَالْعِتْقِ وَالْأَيْمَانِ
وَمِنْ مَرِيضٍ وَمَتَى مِنْ الْمَرَضْ
…
مَاتَ فَلِلزَّوْجَةِ الْإِرْثُ الْمُفْتَرَضْ
مَا لَمْ يَكُنْ بِخُلْعٍ أَوْ تَخْيِيرِ
…
أَوْ مَرَضٍ لَيْسَ مِنْ الْمَحْذُورِ
تَقَدَّمَ أَنَّ مِنْ أَرْكَانِ الطَّلَاقِ الزَّوْجَ وَأَنَّهُ يُشْتَرَطُ فِيهِ الْعَقْلُ، فَإِنْ فَقَدَ الْعَقْلَ بِسُكْرٍ وَكَانَ مُخْتَلِطًا غَيْرَ طَافِحٍ فَإِنَّ طَلَاقَهُ يَنْفُذُ، وَكَذَا عِتْقُهُ، وَأَيْمَانُهُ الَّتِي حَلَفَ بِهَا، جَمِيعُ ذَلِكَ يَلْزَمُهُ وَعَلَى ذَلِكَ نَبَّهَ بِالْبَيْتِ الْأَوَّلِ (التَّوْضِيحَ) قَالَ فِي الْجَوَاهِرِ: أَمَّا السَّكْرَانُ بِخَمْرٍ أَوْ نَبِيذٍ فَالْمَشْهُورُ نُفُوذُ طَلَاقِهِ قَالَهُ الْمَازِرِيُّ وَقَدْ رُوِيَتْ عِنْدَنَا رِوَايَةٌ شَاذَّةٌ أَنَّهُ لَا يَلْزَمُ، وَقَالَ: مُحَمَّدُ بْنُ عَبْدِ الْحَكَمِ لَا يَلْزَمُهُ طَلَاقٌ وَلَا عَتَاقٌ.
وَتَأَوَّلَ الشَّيْخُ أَبُو الْوَلِيدِ يَعْنِي ابْنَ رُشْدٍ الْخِلَافَ عَلَى الْمُخْتَلَطِ الَّذِي مَعَهُ بَقِيَّةٌ مِنْ عَقْلِهِ إلَّا أَنَّهُ لَا يَمْلِكُ الِاخْتِلَاطَ مِنْ نَفْسِهِ فَيُخْطِئُ وَيُصِيبُ، قَالَ: وَأَمَّا السَّكْرَانُ الَّذِي لَا يَعْرِفُ الْأَرْضَ مِنْ السَّمَاءِ وَلَا الرَّجُلَ مِنْ الْمَرْأَةِ فَلَا اخْتِلَافَ أَنَّهُ كَالْمَجْنُونِ فِي جَمِيعِ أَفْعَالِهِ وَأَحْوَالِهِ فِيمَا بَيْنَهُ وَبَيْنَ النَّاسِ وَفِيمَا بَيْنَهُ وَبَيْنَ اللَّهِ تَعَالَى إلَّا فِيمَا ذَهَبَ وَقْتُهُ مِنْ الصَّلَوَاتِ، فَقِيلَ إنَّهَا لَا تَسْقُطُ، بِخِلَافِ الْمَجْنُونِ مِنْ أَجْلِ أَنَّهُ بِإِدْخَالِهِ السُّكْرَ عَلَى نَفْسِهِ كَالْمُتَعَمِّدِ لِتَرْكِهَا حَتَّى خَرَجَ وَقْتُهَا اهـ.
(ابْنُ عَبْدِ السَّلَامِ) وَيَظْهَرُ مِنْ كَلَامِ غَيْرِ وَاحِدٍ مِنْ الشُّيُوخِ أَنَّ الصَّلَاةَ يَقْضِيهَا السَّكْرَانُ سَوَاءٌ كَانَ مُطْبِقًا أَمْ لَا، وَأَنَّهُ لَا يُخْتَلَفُ فِي ذَلِكَ وَتَحْصِيلُ الْقَوْلِ فِي السَّكْرَانِ أَنَّ الْمَشْهُورَ تَلْزَمُهُ الْجِنَايَاتُ وَالْعِتْقُ وَالطَّلَاقُ وَالْحُدُودُ وَلَا تَلْزَمُهُ الْإِقْرَارَاتُ وَالْعُقُودُ. (قَالَ فِي الْبَيَانِ) وَهُوَ قَوْلُ مَالِكٍ وَعَامَّةِ أَصْحَابِهِ وَأَظْهَرُ الْأَقْوَالِ. اهـ
كَلَامُ التَّوْضِيحِ وَعَلَى هَذَا التَّحْصِيلِ أَنْشَدَنَا شَيْخُنَا الْعَالِمُ الْمُتَفَنِّنُ أَبُو مُحَمَّدٍ سَيِّدِي عَبْدُ الْوَاحِدِ بْنُ عَاشِرٍ رحمه الله لِنَفْسِهِ:
لَا يَلْزَمُ السَّكْرَانَ إقْرَارٌ عُقُودْ
…
بَلْ مَا جَنَى عِتْقٌ طَلَاقٌ وَحُدُودْ
قَوْلُهُ " وَمِنْ مَرِيضٍ " يَعْنِي أَنَّ الطَّلَاقَ يَصِحُّ مِنْ الْمَرِيضِ.
(ابْنُ الْحَاجِبِ) وَطَلَاقُ الْمَرِيضِ وَإِقْرَارُهُ بِهِ كَالصَّحِيحِ فِي أَحْكَامِهِ، وَتَنَصُّفِ صَدَاقِهِ، وَعِدَّةِ الْمُطَلَّقَةِ، وَسُقُوطِهَا فِي غَيْرِ الْمَدْخُولِ بِهَا إلَّا أَنَّهُ لَا يَنْقَطِعُ مِيرَاثُهَا هِيَ خَاصَّةً إنْ كَانَ مَخُوفًا قَضَى بِهِ عُثْمَانُ لِامْرَأَةِ عَبْد الرَّحْمَنِ قَوْلُهُ:" وَمَتَى مِنْ الْمَرَضِ "
الْبَيْتَ - يَعْنِي أَنَّ مَنْ طَلَّقَ زَوْجَتَهُ وَهُوَ مَرِيضٌ يَعْنِي مَرَضًا مَخُوفًا فَإِنَّهُ مَتَى مَاتَ مِنْ مَرَضِهِ ذَلِكَ فَإِنَّ الزَّوْجَةَ تَرِثُهُ وَإِنْ انْقَضَتْ عِدَّتُهَا وَتَزَوَّجَتْ غَيْرَهُ وَلَا يَنْقَطِعُ مِيرَاثُهَا مِنْهُ إلَّا إذَا صَحَّ صِحَّةً بَيِّنَةً.
(التَّوْضِيحَ) قَوْلُ ابْنُ الْحَاجِبِ: " إلَّا أَنَّهُ لَا يَنْقَطِعُ مِيرَاثُهَا هِيَ خَاصَّةً " بَيَانٌ لِمَا يُخَالِفُ فِيهِ طَلَاقُ الْمَرِيضِ طَلَاقَ الصَّحِيحِ يَعْنِي أَنَّ الْمَرِيضَ إذَا طَلَّقَ زَوْجَتَهُ أَوْ أَقَرَّ بِطَلَاقِهَا لَا يَنْقَطِعُ بِذَلِكَ مِيرَاثُهَا مِنْهُ بَلْ تَرِثُهُ إنْ مَاتَ مِنْ مَرَضِهِ ذَلِكَ لِأَنَّهُ لَمَّا اُتُّهِمَ عَلَى حِرْمَانِهَا مِنْ الْمِيرَاثِ عُومِلَ بِنَقِيضِ قَصْدِهِ، وَإِنْ مَاتَتْ هِيَ قَبْلَهُ لَا يَرِثُهَا، وَأُخِذَ عَدَمُ إرْثِهِ مِنْهَا مِنْ قَوْلِ الْمُصَنِّفِ " خَاصَّةً " وَتَرِثُهُ سَوَاءٌ كَانَ طَلَاقًا بَائِنًا أَوْ رَجْعِيًّا، ثَلَاثًا أَوْ وَاحِدَةً، انْقَضَتْ عِدَّتُهَا أَمْ لَا. وَقَوْلُهُ إنْ كَانَ مَخُوفًا (ابْنُ عَبْدِ السَّلَامِ) لَا خِلَافَ فِي اشْتِرَاطِ ذَلِكَ عِنْدَ مَنْ أَثْبَتَ لَهَا الْمِيرَاثَ، وَاسْتَدَلَّ عَلَى وُجُوبِ إرْثِهَا بِمَا فِي الْمُوَطَّأِ أَنَّ عَبْدَ الرَّحْمَنِ طَلَّقَ زَوْجَتَهُ أَلْبَتَّةَ وَهُوَ مَرِيضٌ فَوَرَّثَهَا عُثْمَانُ بْنُ عَفَّانِ مِنْهُ بَعْدَ انْقِضَاءِ عِدَّتِهَا (وَفِي الْمُقَرِّبِ) قُلْت لَهُ أَرَأَيْت إنْ طَلَّقَ الْمَرِيضُ امْرَأَتَهُ قَبْلَ الْبِنَاءِ بِهَا ثُمَّ مَاتَ مِنْ مَرَضِهِ ذَلِكَ؟ قَالَ: قَالَ مَالِكٌ لَهَا نِصْفُ الصَّدَاقِ وَلَهَا الْمِيرَاثُ وَلَا عِدَّةَ عَلَيْهَا، فَإِنْ كَانَتْ مَدْخُولًا بِهَا كَانَ الْمِيرَاثُ وَاعْتَدَّتْ عِدَّةَ الطَّلَاقِ. وَإِنْ كَانَ طَلَاقًا يَمْلِكُ فِيهِ رَجْعَتَهَا فَمَاتَ وَهِيَ فِي عِدَّتِهَا انْتَقَلَتْ إلَى عِدَّةِ الْوَفَاةِ، وَإِنْ انْقَضَتْ عِدَّتُهَا مِنْ الطَّلَاقِ قَبْلَ أَنْ يَهْلَكَ ثُمَّ هَلَكَ فَلَا عِدَّةَ عَلَيْهَا وَلَهَا الْمِيرَاثُ، قُلْت وَهَلْ تَرِثُ الْمَرْأَةُ أَزْوَاجًا كُلَّهُمْ يُطَلِّقُونَهَا فِي مَرَضِهِمْ ثُمَّ مَاتُوا قَبْلَ أَنْ يَصِحُّوا وَهِيَ تَحْتَ زَوْجٍ؟ قَالَ: نَعَمْ.
(قَالَ الشَّارِحُ) رحمه الله: أَقُولُ: لَمْ يُفَصِّلْ الشَّيْخُ رحمه الله كَوْنَ الطَّلَاقِ قَبْلَ الْبِنَاءِ أَوْ بَعْدَهُ لِأَنَّهُ لَمْ يَقْصِد هُنَا إلَّا أَنْ يُعْلَمَ أَنَّ طَلَاقَ الْمَرِيضَ نَافِذٌ وَأَنَّ الْمِيرَاثَ لَازِمٌ سَوَاءٌ طَلَّقَ قَبْلَ الْبِنَاءِ أَوْ بَعْدَهُ، رَجْعِيًّا أَوْ بَائِنًا. وَقَدْ ذَكَرَ كُلَّ مَسْأَلَةٍ فِي مَحَلِّهَا فَاعْتَمِدْ عَلَى مُرَاجَعَتِهِ هُنَالِكَ اهـ وَقَدْ اشْتَمَلَ كَلَامُ صَاحِبِ الْمُقَرِّبِ عَلَى فَوَائِدَ، كُلُّهَا جَارِيَةٌ عَلَى الْقَوَاعِدِ.
قَوْلُهُ
مَا لَمْ يَكُنْ بِخُلْعٍ أَوْ تَخْيِيرِ
- الْبَيْتَ - يَعْنِي أَنَّ الْمُطَلَّقَةَ فِي الْمَرَضِ تَرِثُ زَوْجَهَا إذَا مَاتَ مِنْ مَرَضِهِ ذَلِكَ، إلَّا أَنْ يَكُونَ لَهَا تَسَبُّبٌ فِي الطَّلَاقِ كَمَا لَوْ بَذَلَتْ لَهُ مَالًا حَتَّى طَلَّقَهَا، وَكَمَا لَوْ خَيَّرَهَا أَوْ مَلَّكَهَا فَاخْتَارَتْ الْفِرَاقَ، أَوْ كَانَ الْمَرَضُ غَيْرَ مَخُوفٍ فَلَا تَرِثهُ، وَمَا ذَكَرَهُ مِنْ عَدَمِ إرْثِهَا مِنْهُ إنْ كَانَ الْمَرَضُ غَيْرَ مَخُوفٍ ظَاهِرٌ كَمَا تَقَدَّمَ فِي كَلَامِ التَّوْضِيحِ عَنْ ابْنِ عَبْدِ السَّلَامِ.
وَأَمَّا عَدَمُ إرْثِهَا مِنْهُ فِي مَسْأَلَتَيْ الْخُلْعِ وَالتَّخْيِيرِ فَهُوَ خِلَافُ الْمَعْرُوفِ عِنْدَ ابْنِ الْحَاجِبِ وَالْمَعْرُوفُ وَهُوَ مَذْهَبُ الْمُدَوَّنَةِ أَنَّهَا
تَرِثُهُ. (قَالَ فِي الْمُدَوَّنَةِ) : وَإِنْ مَلَكَهَا فِي مَرَضِهِ أَوْ خَيَّرَهَا فَاخْتَارَتْ نَفْسَهَا أَوْ طَلَّقَهَا طَلَاقًا بَائِنًا فِي مَرَضِهِ فَإِنَّهُ لَا يَرِثُهَا إنْ مَاتَتْ، وَتَرِثُهُ هِيَ إنْ مَاتَ مِنْ ذَلِكَ الْمَرَضِ اهـ لِأَنَّ الطَّلَاقَ جَاءَ مِنْ قِبَلِهِ (ابْنُ عَرَفَةَ) خُلْعُ الْمَرِيضِ تَامٌّ وَتَرِثُهُ إنْ مَاتَ.
قَالَ أَبُو عِمْرَان وَتَرِثُ مِنْ الْمَالِ الَّذِي أَعْطَتْهُ. اهـ
وَأَجَابَ الشَّارِحُ بِأَنَّ النَّاظِمَ اعْتَمَدَ فِي اسْتِثْنَاءِ طَلَاقِ الْخُلْعِ تَخْرِيجَ ابْنِ عَرَفَةَ وَفِي اسْتِثْنَاءِ التَّخْيِيرِ رِوَايَةَ زِيَادٍ فِي الْمُمَلَّكَةِ فِي الْمَرَضِ أَنَّهَا لَا تَرِثُهُ، وَاسْتَظْهَرَ تَخْرِيجَ ابْنِ عَرَفَةَ فِي الْخُلْعِ، قَالَ: لِأَنَّ الطَّلَاقَ مِنْ قِبَلِهَا فَكَأَنَّهَا اخْتَارَتْ أَنْ لَا تَرِثَ اهـ بِاخْتِصَارٍ: وَهَذَا الْجَوَابُ ضَعِيفٌ فَقَدْ نَصُّوا عَلَى أَنَّ الْقَوْلَ الْمُخَرَّجَ لَا يُعْمَلُ بِهِ فِي قَضَاءٍ وَلَا فَتْوَى، وَإِنَّمَا يُذْكَرُ تَفَقُّهًا وَتَفَنُّنًا فَقَطْ، وَأَضْعَفُ مِنْهُ مُخَالَفَةُ الْمُدَوَّنَةِ، وَالْعَمَلُ عَلَى رِوَايَةِ زِيَادٍ فِي مَسْأَلَةِ التَّخْيِيرِ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ.
قَوْلُهُ: " وَيَنْفُذُ الْوَاقِعُ " أَيْ الطَّلَاقُ الْوَاقِعُ وَقَوْلُهُ: " مُخْتَلَطٍ " هُوَ الَّذِي مَعَهُ بَقِيَّةٌ مِنْ عَقْلِهِ. هَذَا مَحَلُّ الْخِلَافِ عَلَى طَرِيقَةِ ابْنِ رُشْدٍ وَالْمَشْهُورُ لُزُومُ طَلَاقِهِ، وَمَفْهُومُ " مُخْتَلَطٍ " أَنَّ غَيْرَ الْمُخْتَلَطِ وَهُوَ الَّذِي لَا يَعْرِفُ الْأَرْضَ مِنْ السَّمَاءِ لَا يَلْزَمُهُ شَيْءٌ اتِّفَاقًا وَهُوَ كَذَلِكَ عَلَى هَذِهِ الطَّرِيقَةِ، وَطَرِيقَةُ ابْنُ بَشِيرٍ عَكْسُ هَذِهِ إنْ كَانَ فِي حَالِ تَمْيِيزِهِ لَزِمَهُ الطَّلَاقُ بِاتِّفَاقٍ، وَإِنْ كَانَ مَغْمُورًا فَالْمَشْهُورُ عَدَمُ اللُّزُومِ، وَنَقَلَ بَعْضُهُمْ ذَلِكَ عَنْ ابْنِ شَعْبَانَ وَعِيَاضٍ (التَّوْضِيحَ) وَظَاهِرُ كَلَامِ اللَّخْمِيِّ أَنَّ الْخِلَافَ فِي السَّكْرَانِ مُطْلَقًا سَوَاءٌ كَانَ مَعَهُ، مَيْزٌ أَمْ لَا. وَكَذَلِكَ حَكَى ابْنُ رُشْدٍ عَنْ الْمَازِرِيِّ أَنَّهُ قَالَ: الْمَشْهُورُ لُزُومُ طَلَاقِهِ وَالشَّاذُّ عَدَمُ لُزُومِ طَلَاقِهِ وَلَمْ يُفَصِّلْ اهـ
وَهَذِهِ طَرِيقَةٌ ثَالِثَةٌ (التَّوْضِيحَ) فَيَتَحَصَّلُ فِي الْمَسْأَلَةِ ثَلَاثَةُ طُرُقٍ. وَقَوْلُهُ: " فَلِلزَّوْجَةِ الْإِرْثُ الْمُفْتَرَضُ " أَيْ الْمُفْتَرَضُ لَهَا شَرْعًا مِنْ رُبْعٍ أَوْ ثُمُنٍ، وَقَوْلُهُ:" مَا لَمْ يَكُنْ " أَيْ الطَّلَاقُ " بِخُلْعٍ " إلَخْ أَيْ فَلَا تَرِثُهُ حِينَئِذٍ، وَتَقَدَّمَ أَنَّ هَذَا غَيْرُ مَعْرُوفٍ، وَالْمَعْرُوفُ وَهُوَ مَذْهَبُ الْمُدَوَّنَةِ أَنَّهَا تَرِثُهُ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ.
(تَنْبِيهٌ) تَقَدَّمَ أَنْ كَانَ مِنْ أَرْكَانِ الطَّلَاقِ الْقَصْدُ فَلِذَلِكَ لَا يَلْزَمُ الْمَجْنُونَ وَالْمُبَرْسَمَ الَّذِي لَا يَعْقِلُ وَالْمَرِيضَ الْمَغْلُوبَ عَلَى عَقْلِهِ، وَنَقَلَ الْقَاضِي عِيَاضٌ فِي مَدَارِكِهِ عَنْ بَعْضِ الْأَئِمَّةِ أَنَّهُ سُئِلَ عَنْ طَلَاقِ الذَّاهِلِ بِقَوْلِ السَّائِلِ:
أَيَا قَاضِيًا فَاقَ الْأَنَامَ بِعِلْمِهِ
…
وَأَرْبَى عَلَيْهِمْ بِالنُّهَى وَالْفَضَائِلِ
فَدَيْتُك هَلْ يَجْرِي الطَّلَاقُ لِذَاهِلٍ
…
فَرُدَّ فَأَنْتَ الْيَوْمَ قُطْبُ الْمَسَائِلِ
(فَأَجَابَ)
إذَا كَانَ ذَا عَقْلٍ فَطَلَّقَ زَوْجَهُ
…
فَقَدْ لَزِمَ التَّطْلِيقُ يَا خَيْرَ سَائِلِ
وَإِنْ كَانَ مَعْتُوهًا وَلَا عَقْلَ عِنْدَهُ
…
يَقِينًا فَلَا يَمْضِي طَلَاقٌ لِذَاهِلِ
اهـ مِنْ شَرْحِ الْقَلْشَانِيِّ عَلَى الرِّسَالَةِ، وَتَقَدَّمَ أَنَّهُ إنَّمَا لَزِمَ طَلَاقُ السَّكْرَانِ وَإِنْ اخْتَلَّ فِيهِ الْقَصْدُ؛ لِأَنَّهُ كَالْمُتَعَمِّدِ لِإِدْخَالِهِ ذَلِكَ عَلَى نَفْسِهِ اخْتِيَارًا.
وَالْخُلْفُ فِي مُطَلِّقٍ هَزْلًا وَضَحْ
…
ثَالِثُهَا إلَّا إنْ الْهَزْلُ اتَّضَحْ
يَعْنِي أَنَّهُ اُخْتُلِفَ فِيمَنْ طَلَّقَ عَلَى وَجْهِ الْهَزْلِ وَاللَّعِبِ عَلَى ثَلَاثَةِ أَقْوَالٍ: قِيلَ: يَلْزَمُهُ وَهُوَ الْمَشْهُورُ، وَقِيلَ: لَا يَلْزَمُهُ، ثَالِثُهَا: إنْ اتَّضَحَ الْهَزْلُ وَبَانَ لَمْ يَلْزَمْ وَإِنْ لَمْ يَتَّضِحْ وَلَمْ يَبِنْ فَيَلْزَمُ. (ابْنُ الْحَاجِبِ) وَفِي الْهَزْلِ فِي النِّكَاحِ وَالطَّلَاقِ وَالْعَتَاقِ ثَالِثُهَا: إنْ قَامَ عَلَيْهِ دَلِيلٌ لَمْ يَلْزَمْ (التَّوْضِيحَ) وَيَلْحَقُ بِالثَّلَاثِ الرَّجْعَةُ، وَالْمَشْهُورُ اللُّزُومُ لِمَا فِي التِّرْمِذِيِّ مِنْ حَدِيثِ أَبِي هُرَيْرَةَ قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم «ثَلَاثٌ جِدُّهُنَّ جِدٌّ وَهَزْلُهُنَّ جِدٌّ النِّكَاحُ وَالطَّلَاقُ وَالرَّجْعَةُ» قَالَ: وَهُوَ حَسَنٌ غَرِيبٌ وَالْقَوْلُ بِعَدَمِ اللُّزُومِ فِي السُّلَيْمَانِيَّةِ، لَكِنْ إنَّمَا ذَكَرَهُ فِي النِّكَاحِ، وَالْقَوْلُ الثَّالِثُ فِي كَلَامِ الْمُصَنِّفِ نَقَلَهُ ابْنُ شَاسٍ عَنْ اللَّخْمِيِّ (ابْنُ عَبْدِ السَّلَامِ) وَاَلَّذِي حَكَاهُ غَيْرُ وَاحِدٍ إنَّمَا هُمَا قَوْلَانِ، وَمَا ذَكَرَهُ مِنْ الْقَوْلِ الثَّالِثِ وَهُوَ شَرْطُ قِيَامِ الدَّلِيلِ عَلَى عَدَمِ اللُّزُومِ يَعُدُّونَهُ مِنْ تَمَامِ الْقَوْلِ الثَّانِي؛ لِأَنَّ الْهَزْلَ لَا يَثْبُتُ بِمُجَرَّدِ الدَّعْوَى اهـ وَكَلَامُ ابْنِ عَبْدِ السَّلَامِ ظَاهِرٌ بَلْ مُتَعَيِّنٌ لَا يُعْدَلُ عَنْهُ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ.
وَمَالِكٌ لَيْسَ لَهُ بِمُلْزِمِ
…
لِمُكْرَهٍ فِي الْفِعْلِ أَوْ فِي الْقَسَمِ
يَعْنِي أَنَّ مَنْ طَلَّقَ مُكْرَهًا عَلَيْهِ غَيْرَ طَائِعٍ بَلْ لِخَوْفِهِ عَلَى نَفْسِهِ أَوْ وَلَدِهِ أَوْ مَالِهِ أَوْ حَلَفَ بِالطَّلَاقِ كَذَلِكَ مُكْرَهًا ثُمَّ حَنِثَ فَإِنَّ الْإِمَام مَالِكًا رضي الله عنه لَا يُلْزِمُهُ طَلَاقًا فِي الْوَجْهَيْنِ فَضَمِيرُ " لَهُ " لِلطَّلَاقِ " وَلَهُ " يَتَعَلَّقُ بِمُلْزِمٍ، وَلَا يَخْتَصُّ هَذَا الْحُكْمُ بِالطَّلَاقِ وَالْيَمِينِ بَلْ وَكَذَلِكَ مَنْ أُكْرِهَ عَلَى بَيْعٍ أَوْ شِرَاءَ أَوْ نِكَاحٍ أَوْ عِتْقٍ أَوْ إقْرَارٍ أَوْ غَيْرِ ذَلِكَ كُلُّ ذَلِكَ لَا يَلْزَمُهُ هَذَا كُلُّهُ فِي الْإِكْرَاهِ عَلَى الْأَقْوَالِ، وَأَمَّا الْإِكْرَاهُ عَلَى الْأَفْعَالِ فَقَالَ الشَّيْخُ ابْن غَازِيٍّ وَالْأَفْعَالُ الَّتِي ذَكَرُوا فِي الْبَابِ ضَرْبَانِ:(أَحَدُهُمَا) : الْفِعْلُ الَّذِي يَقَعُ بِهِ الْحِنْثُ كَمَنْ حَلَفَ لَا أَفْعَلُ كَذَا فَأُكْرِهَ عَلَى فِعْلِهِ، أَوْ حَلَفَ لِيَفْعَلَنَّ كَذَا وَقْت كَذَا فَحِيلَ بَيْنَهُ وَبَيْنَ ذَلِكَ حَتَّى ذَهَبَ الْوَقْتُ، كَانَتْ يَمِينُهُ عَلَى بِرٍّ أَوْ حِنْثٍ.
وَفِيهِ طُرُقٌ الْأُولَى: طَرِيقَةُ اللَّخْمِيِّ قَالَ: إذَا حَلَفَ بِالطَّلَاقِ أَنْ لَا يَفْعَلَ شَيْئًا فَأُكْرِهَ عَلَى فِعْلِهِ مِثْلَ أَنْ يَحْلِفَ أَنْ لَا يَدْخُلَ دَارَ فُلَانٍ فَحُمِلَ حَتَّى أُدْخِلَهَا، أَوْ أُكْرِهَ حَتَّى دَخَلَ بِنَفْسِهِ، أَوْ حَلَفَ لَيَدْخُلَنَّهَا فِي وَقْتِ كَذَا فَحِيلَ بَيْنَهُ وَبَيْنَ ذَلِكَ حَتَّى ذَهَبَ الْوَقْتُ فَهُوَ فِي جَمِيعِ ذَلِكَ غَيْرُ حَانِثٍ. وَطَرِيقَةُ ابْنِ رُشْدٍ قَالَ فِي حِنْثِهِ ثَالِثُهَا: يَحْنَثُ فِي يَمِينِ الْحِنْثِ لَا الْبِرِّ وَهُوَ الْمَشْهُورُ.
وَعَلَيْهِ اقْتَصَرَ الشَّيْخُ خَلِيلٌ فِي بَابِ الْأَيْمَانِ حَيْثُ قَالَ: وَوَجَبَتْ بِهِ إنْ لَمْ يُكْرَهْ بِبِرٍّ وَهَذَا فِي الْحَالِفِ عَلَى فِعْلِ نَفْسِهِ لَا غَيْرُ. (الضَّرْبُ الثَّانِي) الْأَفْعَالُ الْمَمْنُوعَةُ شَرْعًا وَذَلِكَ مِثْلُ شُرْبِ الْخَمْرِ، وَأَكْلِ لَحْمِ الْخِنْزِيرِ، وَالسُّجُودِ لِغَيْرِ اللَّهِ تَعَالَى، وَالزِّنَا بِالْمَرْأَةِ الْمُخْتَارَةِ لِذَلِكَ، وَالْمُكْرَهَةِ عَلَى أَنْ يُزْنَى بِهَا وَلَا زَوْجَ لَهَا، وَمَا أَشْبَهَ ذَلِكَ مِمَّا يَتَعَلَّقُ بِهِ حَقُّ الْمَخْلُوقِ (قَالَ ابْنُ رُشْدٍ) : وَأَمَّا الْإِكْرَاهُ عَلَى الْأَفْعَالِ فَاخْتُلِفَ فِيهِ فِي الْمَذْهَبِ عَلَى قَوْلَيْنِ: أَحَدُهُمَا: أَنَّ الْإِكْرَاهَ فِي ذَلِكَ إكْرَاهٌ.
وَهُوَ قَوْلُ سَحْنُونٍ وَالثَّانِي: أَنَّ الْإِكْرَاهَ فِي ذَلِكَ لَا يَكُونُ إكْرَاهًا يُنْتَفَعُ بِهِ، وَإِلَى هَذَا ذَهَبَ ابْنُ حَبِيبٍ وَأَمَّا مَا يَتَعَلَّقُ بِهِ حَقٌّ لِمَخْلُوقٍ كَالْقَتْلِ وَالْغَصْبِ وَمَا أَشْبَهَ ذَلِكَ فَلَا اخْتِلَافَ فِي أَنَّ الْإِكْرَاهَ غَيْرُ نَافِعٍ فِي ذَلِكَ، وَفِي ذَلِكَ قَالَ الشَّيْخُ خَلِيلٌ لَا قَتْلَ مُسْلِمٍ، وَقَطْعِهِ، وَأَنْ يَزْنِيَ. وَإِذَا اُعْتُبِرَ الْإِكْرَاهُ فِي الْأَفْعَالِ فَأَحْرَى أَنْ يُعْتَبَرَ فِي الْأَقْوَالِ، قَالَ فِي الذَّخِيرَةِ: لِأَنَّ الْمَفَاسِدَ لَا تَتَحَقَّقُ فِي الْأَقْوَالِ لِأَنَّ الْمُكْرَهَ عَلَى كَلِمَةِ الْكُفْرِ مُعَظِّمٌ لِرَبِّهِ فِي قَلْبِهِ، وَالْأَيْمَانُ سَاقِطَةُ الِاعْتِبَارِ بِخِلَافِ شُرْبِ