الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
فِي الْغَائِبِ بِغَيْرِ شَرْطٍ جَائِزٌ، فَإِنْ شُرِطَ فِي الْعَقَارِ وَشِبْهِهِ جَازَ، وَإِنْ بَعُدَ خِلَافًا لِأَشْهَبَ (التَّوْضِيحُ) ، وَنَقَلَ الْبَاجِيُّ عَنْ أَشَهَبَ مَنْعَ اشْتِرَاطِ النَّقْدِ مَعَ الْبُعْدِ، وَإِنَّمَا يَجُوزُ اشْتِرَاطُ النَّقْدِ عَلَى الْمَذْهَبِ إذَا لَمْ يَشْتَرِهَا عَلَى صِفَةِ صَاحِبِهَا، كَذَا رَوَى أَشْهَبُ عَنْ مَالِكٍ، ثُمَّ قَالَ: وَهَذَا الْخِلَافُ إنَّمَا هُوَ إذَا بِيعَ الْعَقَارُ جُزَافًا، وَأَمَّا إذَا بِيعَ مُذَارَعَةً، فَلَا يَصِحُّ النَّقْدُ فِيهِ، وَضَمَانُهُ مِنْ بَائِعِهِ اهـ. فَمُقَابِلُ الْمَشْهُورِ فِي اشْتِرَاطِ النَّقْدِ هُوَ لِأَشْهَبَ فِي الْبَعِيدِ، وَأَمَّا كَوْنُ ضَمَانِ الْعَقَارِ مِنْ الْمُشْتَرِي، فَقَالَ فِي التَّوْضِيحِ: الَّذِي حَكَاهُ النَّاسُ أَنَّ مَالِكًا إنَّمَا قَالَ: أَوَّلًا الضَّمَانُ مِنْ الْمُشْتَرِي إلَّا أَنْ يَشْتَرِطَهُ عَلَى الْبَائِعِ، ثُمَّ رَجَعَ إلَى الْعَكْسِ أَنَّهُ مِنْ الْبَائِعِ إلَّا أَنْ يَشْتَرِطَهُ مِنْ الْمُشْتَرِي، وَهُوَ الَّذِي فِي الْمُدَوَّنَةِ، ثُمَّ هَلْ الْقَوْلَانِ فِي الرِّبَاعِ، أَوْ الرِّبَاعُ مِنْ الْمُشْتَرِي اتِّفَاقًا طَرِيقَانِ اهـ. (وَفِي الْمَوَّاقِ) عَنْ الْمُدَوَّنَةِ لَمْ يَخْتَلِفْ قَوْلُ مَالِكٍ فِي الرَّبْعِ وَالدُّورِ وَالْأَرَضِينَ وَالْعَقَارِ أَنَّ ضَمَانَهَا مِنْ الْمُبْتَاعِ مِنْ يَوْمِ الْعَقْدِ، وَإِنَّ بَعُدَتْ اهـ.
وَالْأَجْنَبِيُّ جَائِزٌ مِنْهُ الشِّرَا
…
مُلْتَزِمَ الْعُهْدَةِ فِيمَا يُشْتَرَى
مَنْ اشْتَرَى شَيْئًا، فَوَجَدَ بِهِ عَيْبًا، أَوْ اُسْتُحِقَّ مِنْ يَدِهِ، فَإِنَّهُ يَرْجِعُ عَلَى الَّذِي بَاعَ لَهُ، سَوَاءٌ كَانَ ذَلِكَ الْبَائِعُ هُوَ الْمَالِكُ لِلشَّيْءِ الْمَبِيعِ، وَلَا إشْكَالَ، أَوْ كَانَ نَائِبًا وَوَكِيلًا عَنْ مَالِكِهِ، وَإِنَّمَا تَكُونُ عُهْدَتُهُ عَلَى الْوَكِيلِ إذَا لَمْ يَعْلَمْ بِذَلِكَ الْمُشْتَرِي، فَإِنْ عَلِمَ الْمُشْتَرِي بَعْدَ الشِّرَاءِ أَنَّ مُتَوَلِّيَ الْبَيْعِ نَائِبٌ عَنْ غَيْرِهِ فَإِنَّهُ يُخَيَّرُ بَيْنَ إمْضَاءِ الْبَيْعِ.
وَتَكُونُ عُهْدَتُهُ عَلَى الْمَالِكِ وَرَدِّهِ؛ لِأَنَّ مِنْ حُجَّتِهِ أَنْ يَقُولَ إنَّمَا رَضِيتُ أَنْ تَكُونَ عُهْدَتِي عَلَيْك يَا مُتَوَلِّيَ الْبَيْعِ لِمُلَائِكَ وَلَا أَرْضَى أَنْ تَكُونَ عَلَى الْمَنُوبِ عَنْهُ لِعُسْرِهِ وَقِلَّةِ ذَاتِ يَدِهِ وَمَحَلُّ هَذَا التَّخْيِيرِ إذَا لَمْ يَرْضَ هَذَا الْوَكِيلُ بِكَوْنِ الْعُهْدَةِ عَلَيْهِ فَإِنْ الْتَزَمَ كَوْنَهَا عَلَيْهِ فَلَا حُجَّةَ لِلْمُشْتَرِي؛ لِأَنَّهُ عَلَى ذَلِكَ دَخَلَ، وَهَذَا مَقْصُودُ النَّاظِمِ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ.
فَالْمُرَادُ بِالْأَجْنَبِيِّ فِي الْبَيْتِ وَكِيلُ الْمَالِكِ لِلشَّيْءِ الْمَبِيعِ النَّائِبُ هُوَ عَنْهُ فَهُوَ بَائِعٌ وَسَمَّاهُ أَجْنَبِيًّا لِكَوْنِهِ غَيْرَ مَالِكٍ لِلشَّيْءِ الْمَبِيعِ، يَعْنِي أَنَّهُ يَجُوزُ لِلْإِنْسَانِ أَنْ يَشْتَرِيَ الشَّيْءَ مِنْ النَّائِبِ عَنْ مَالِكِ ذَلِكَ الشَّيْءِ وَعَنْهُ عَبَّرَ بِالْأَجْنَبِيِّ، يَعْنِي وَتَكُونُ عُهْدَةُ الْعَيْبِ وَالِاسْتِحْقَاقُ عَلَى ذَلِكَ الْأَجْنَبِيِّ إذَا لَمْ يَعْلَمْ الْمُشْتَرِي بِكَوْنِهِ وَكِيلًا وَاعْتَقَدَ أَنَّهُ الْمَالِكُ لِلشَّيْءِ الْمَبِيعِ، فَإِنْ عَلِمَ الْمُشْتَرِي بِذَلِكَ بَعْدَ انْعِقَادِ الْبَيْعِ فَلَهُ الْخِيَارُ فِي رَدِّ الْبَيْعِ وَلَا إشْكَالَ وَفِي إمْضَائِهِ وَتَكُونُ الْعُهْدَةُ عَلَى الْمَالِكِ لَا عَلَى الْأَجْنَبِيِّ.
وَمَحَلُّ هَذَا التَّخْيِيرِ إذَا لَمْ يَلْتَزِمْ الْوَكِيلُ الْعُهْدَةَ فَإِنْ الْتَزَمَهَا فَيَلْزَمُ الْبَيْعُ وَلَا كَلَامَ لِلْمُشْتَرِي لِأَنَّهُ عَلَى ذَلِكَ دَخَلَ كَمَا تَقَدَّمَ، وَهَذَا مُرَادُ النَّاظِمِ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ " فَالْأَجْنَبِيُّ " فِي الْبَيْتِ مُبْتَدَأٌ " وَجَائِزٌ " خَبَرُهُ وَلَوْ قَالَ لَازِمٌ لَكَانَ أَبَيْنَ " وَالشِّرَا " فَاعِلٌ لِجَائِزٍ وَمِنْهُ يَتَعَلَّقُ بِالشِّرَاءِ وَضَمِيرُهُ لِلْأَجْنَبِيِّ " وَمُلْتَزِمَ " حَالٌ مِنْ الضَّمِيرِ الْمَجْرُورِ بِمِنْ.
(قَالَ فِي التَّوْضِيحِ) آخِرَ الْكَلَامِ عَلَى الرَّدِّ بِالْعَيْبِ فِي شَرْحِ قَوْلِ ابْنِ الْحَاجِبِ، وَإِذَا صَرَّحَ الْوَكِيلُ، أَوْ عَلِمَ فَالْعُهْدَةُ عَلَى الْمُوَكِّلِ مَا نَصُّهُ. فَرْعٌ، فَإِنْ عَلِمَ الْمُبْتَاعُ بَعْدَ الْبَيْعِ أَنَّ الْمَبِيعَ لِغَيْرِ الْمُتَوَلِّي فَخَيَّرَهُ مَالِكٌ، فِي الرَّدِّ، أَوْ التَّمَاسُكِ عَلَى أَنَّ عُهْدَتَهُ عَلَى الْآمِرِ إلَّا أَنْ يَرْضَى الرَّسُولُ أَنْ يَكْتُبَهَا عَلَى نَفْسِهِ، فَلَا حُجَّةَ لِلْمُشْتَرِي (ابْنُ الْمَوَّازِ) ، وَكَذَلِكَ إذَا ثَبَتَ أَنَّهُ لِغَيْرِهِ اهـ.
وَإِنَّمَا قَيَّدَ ابْنُ الْمَوَّازِ الْمَسْأَلَةَ بِثُبُوتِ كَوْنِ الْمَبِيعِ لِغَيْرِ الْبَائِعِ؛ لِكَوْنِهِ إذَا لَمْ يَثْبُتْ ذَلِكَ، يُتَّهَمُ الْبَائِعُ أَنْ يَكُونَ هُوَ الْمَالِكَ لِلْمَبِيعِ لَكِنْ حَصَلَ لَهُ نَدَمٌ، فَادَّعَى أَنَّ الشَّيْءَ لِغَيْرِهِ لَعَلَّ الْمُشْتَرِيَ لَا يَرْضَى، وَيَفْسَخُ الْبَيْعَ وَوَجَدَ الشَّارِحُ فِي مَعْنَى الْبَيْتِ وَجْهَيْنِ بِسَبَبِ احْتِمَالِ لَفْظِ الشِّرَاءِ لِمَعْنَاهُ الْمُتَبَادِرِ عُرْفًا، وَلِكَوْنِهِ بِمَعْنَى بَاعَ عَلَى حَدِّ {وَشَرَوْهُ بِثَمَنٍ بَخْسٍ} [يوسف: 20] ، أَيْ بَاعُوهُ وَالْأَجْنَبِيُّ مُشْتَرٍ عَلَى الِاحْتِمَالَيْنِ عِنْدَهُ لَا بَائِعٌ، كَمَا قَرَّرْنَا، وَالْمَعْنَى عَلَى مَا قَالَ إنَّهُ يَجُوزُ لِلْإِنْسَانِ أَنْ يَنُوبَ عَنْ غَيْرِهِ فِي الشِّرَاءِ، وَيَلْتَزِمَ لَهُ عُهْدَةَ الْعَيْبِ وَالِاسْتِحْقَاقِ، وَإِنَّهُ إنْ حَصَلَ أَحَدُهُمَا غَرِمَ لِلْمُشْتَرِي الثَّمَنَ، وَلَمْ يَدْعَمْ ذَلِكَ بِنَقْلٍ فَتَطْلُبَ نَصَّهُ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ
[فَصْلٌ فِي بَيْعِ الْعُرُوضِ مِنْ الثِّيَابِ وَسَائِرِ السِّلَعِ]
ِ
بَيْعُ الْعُرُوضِ بِالْعُرُوضِ إنْ قُصِدْ
…
تَعَاوُضٌ وَحُكْمُهُ بَعْدُ يَرِدْ
الْعَرْضُ فِي اصْطِلَاحِ الْفُقَهَاءِ: هُوَ مَا عَدَا الْعَيْنِ وَالطَّعَامِ مِنْ الْأَشْيَاءِ كُلِّهَا وَأَخْبَرَ النَّاظِمُ فِي الْبَيْتِ
أَنَّ بَيْعَ الْعُرُوضِ بِالْعُرُوضِ وَيُسَمَّى فِي اصْطِلَاحِ الْفُقَهَاءِ مُعَاوَضَةً، وَفِي حُكْمِهِ تَفْصِيلٌ يَأْتِي فِي الْأَبْيَاتِ بَعْدَ هَذَا تَلِيه، فَبَيْعُ الْعُرُوضِ: مُبْتَدَأٌ وَمُضَافٌ إلَيْهِ، وَبِالْعُرُوضِ: يَتَعَلَّقُ بِبَيْعٍ، وَنَائِبُ " قُصِدَ " يَعُودُ عَلَى بَيْعٍ، وَتَعَاوُضٌ: خَبَرُ مُبْتَدَأٍ مُضْمَرٍ، أَيْ هُوَ تَعَاوُضٌ، وَالْجُمْلَةُ جَوَابُ الشَّرْطِ الَّذِي هُوَ إنْ قُصِدَ، وَالشَّرْطُ وَجَوَابُهُ خَبَرُ بَيْعُ، وَاَللَّهُ أَعْلَمُ.
وَيَأْتِي لِلنَّاظِمِ إنْ شَاءَ اللَّهُ تَعَالَى بَعْدَ بَابِ الْقِسْمَةِ بَعْضُ مَسَائِلَ مِنْ بَابِ الْمُعَاوَضَةِ
فَإِنْ يَكُنْ مَبِيعُهَا يَدًا بِيَدْ
…
فَإِنَّ ذَاكَ جَائِزٌ كَيْفَ انْعَقَدْ
وَإِنْ يَكُنْ مُؤَجَّلًا وَتَخْتَلِفْ
…
أَجْنَاسُهُ فَمَا تَفَاضَلَ أُلِفْ
وَالْجِنْسُ مِنْ ذَاكَ بِجِنْسٍ لِأَمَدْ
…
مُمْتَنِعٌ فِيهِ تَفَاضُلٌ فَقَدْ
إلَّا إذَا تَخْتَلِفُ الْمَنَافِعُ
…
وَمَا لِبَيْعٍ قَبْلَ قَبْضٍ مَانِعُ
وَبَيْعُ كُلٍّ جَائِزٌ بِالْمَالِ
…
عَلَى الْحُلُولِ أَوَّلَ الْآجَالِ
أَشَارَ بِالْأَبْيَاتِ الثَّلَاثَةِ الْأُوَلِ وَشَطْرِ الرَّابِعِ أَنَّ بَيْعَ الْعَرْضِ بِالْعَرْضِ يُتَصَوَّرُ فِيهِ ثَمَانِيَةُ أَوْجُهٍ.
لِأَنَّهُ إمَّا أَنْ يُبَاعَ الْعَرْضَانِ يَدًا بِيَدٍ، أَوْ يَتَأَخَّرَ أَحَدُهُمَا، فَهَاتَانِ صُورَتَانِ، وَفِي كُلٍّ مِنْهُمَا إمَّا أَنْ يُبَاعَ أَحَدُهُمَا بِالْآخَرِ مُتَمَاثِلًا، أَوْ مُتَفَاضِلًا، فَهَذِهِ أَرْبَعَةُ أَوْجُهٍ، وَفِي كُلٍّ مِنْ الْأَرْبَعَةِ إمَّا أَنْ يُبَاعَ بِجِنْسِهِ، أَوْ بِغَيْرِ جِنْسِهِ، وَمَعْنَى التَّفَاضُلِ فِي الْجِنْسَيْنِ الْمُخْتَلِفَيْنِ أَنْ يُبَاعَ وَاحِدٌ بِاثْنَيْنِ مَثَلًا كَثَوْبَيْنِ بِفَرَسٍ، فَأَشَارَ بِالْبَيْتِ الْأَوَّلِ إلَى أَرْبَعَةٍ مِنْهَا فَأَخْبَرَ أَنَّهُ إذَا بِيعَ الْعَرْضُ بِالْعَرْضِ يَدًا بِيَدٍ، فَإِنَّ ذَلِكَ جَائِزٌ مُطْلَقًا، سَوَاءٌ بِيعَ الْجِنْسُ بِجِنْسِهِ مُتَمَاثِلًا، أَوْ مُتَفَاضِلًا، فَهَاتَانِ صُورَتَانِ، أَوْ بِيعَ الْجِنْسُ بِغَيْرِ جِنْسِهِ مُتَمَاثِلًا، أَيْ وَاحِدًا بِوَاحِدٍ، أَوْ مُتَفَاضِلًا، أَيْ وَاحِدًا بِاثْنَيْنِ مَثَلًا، فَهَاتَانِ صُورَتَانِ أُخْرَيَانِ، وَإِلَى هَذَا الْإِطْلَاقِ أَشَارَ بِقَوْلِهِ:" كَيْفَ انْعَقَدْ " وَأَشَارَ بِقَوْلِهِ: " وَإِنْ يَكُنْ مُؤَجَّلًا " الْبَيْت إلَى مَفْهُومِ قَوْلِهِ: " يَدًا بِيَدْ "، وَأَخْبَرَ أَنَّهُ إذَا تَأَخَّرَ أَحَدُ الْعَرْضَيْنِ، وَاخْتَلَفَ الْجِنْسَانِ، فَلَا يُمْنَعُ التَّفَاضُلُ.
وَأَحْرَى فِي الْجَوَازِ صُورَةُ التَّمَاثُلِ، وَالْمَسْأَلَةُ بِحَالِهَا مِنْ اخْتِلَافِ الْجِنْسَيْنِ إذْ لَا مُوجِبَ لِلْمَنْعِ فِي ذَلِكَ، فَهَاتَانِ صُورَتَانِ، ثُمَّ أَشَارَ إلَى مَفْهُومِ قَوْلِهِ:" يَدًا بِيَدْ " وَإِلَى مَفْهُومِ قَوْلِهِ: " وَتَخْتَلِفُ أَجْنَاسُهُ " بِقَوْلِهِ:
وَالْجِنْسُ مِنْ ذَاكَ بِجِنْسٍ لِأَمَدْ
الْبَيْتَ فَأَخْبَرَ أَنَّ الْعَرْضَ إذَا بِيعَ بِعَرْضٍ وَهُمَا مِنْ جِنْسٍ وَاحِدٍ وَتَأَخَّرَ أَحَدُهُمَا فَإِنَّهُ يُمْنَعُ فِيهِ التَّفَاضُلُ فَقَطْ دُونَ التَّمَاثُلِ فَلَا يُمْنَعُ، وَهَاتَانِ صُورَتَانِ أَيْضًا وَبِهِمَا كَمُلَتْ الثَّمَانِ، وَوَجْهُ الْمَنْعِ فِي التَّفَاضُلِ أَنَّهُ إذَا عُجِّلَ الْأَقَلُّ كَانَ سَلَفًا جَرَّ نَفْعًا؛ لِأَنَّ الْمُعَجِّلَ لِلْعَرْضِ الْقَلِيلِ مُسَلِّفٌ يَأْخُذُ عَنْهُ أَكْثَرَ مِنْهُ، وَإِنْ عَجَّلَ الْأَكْثَرَ كَانَ ضَمَانًا بِجُعْلٍ؛ لِأَنَّ مَنْ دَفَعَ كَثِيرًا ثُمَّ يَأْخُذُ أَقَلَّ تَرَكَ بَعْضَ مَا دَفَعَ فِي مُقَابَلَةِ بَقَاءِ ذَلِكَ فِي ضَمَانِ مُشْتَرِيه إلَى أَجَلٍ.
وَوَجْهُ الْجَوَازِ فِي التَّمَاثُلِ أَنَّهُ سَلَفٌ مَحْضٌ وَلَمْ يَجُرَّ نَفْعًا لِمُسَلِّفِهِ لِكَوْنِهِ أَخَذَ مِثْلَ مَا أَعْطَى قَدْرًا وَجِنْسًا، ثُمَّ اسْتَثْنَى مِنْ مَنْعِ التَّفَاضُلِ فِي الْجِنْسِ الْوَاحِدِ مَا اخْتَلَفَتْ مَنَافِعُهُ فَقَالَ:
إلَّا إذَا تَخْتَلِفُ الْمَنَافِعُ
أَيْ فَإِنَّ اخْتِلَافَ الْمَنَافِعِ يُصَيِّرُ الْجِنْسَ الْوَاحِدَ كَالْجِنْسَيْنِ.
وَالْجِنْسَانِ يَجُوزُ التَّفَاضُلُ بَيْنَهُمَا كَمَا تَقَدَّمَ فِي قَوْلِهِ:
وَإِنْ يَكُنْ مُؤَجَّلًا وَتَخْتَلِفْ
أَجْنَاسُهُ الْبَيْتَ وَقَدْ مَثَّلُوا لِمَا اخْتَلَفَتْ مَنَافِعُهُ مِنْ الْجِنْسِ الْوَاحِدِ فِي بَابِ السَّلَمِ بِالْحِمَارِ الْفَأْرَةِ أَيْ السَّرِيعِ السَّيْرِ يُدْفَعُ فِي اثْنَيْنِ لَيْسَا كَذَلِكَ، وَبِالْفَرَسِ الْجَوَادِ أَيْ السَّابِقِ يُدْفَعُ فِي اثْنَيْنِ مِنْ حَوَاشِي الْخَيْلِ، وَكَذَلِكَ كَبِيرٌ فِي صَغِيرٍ وَصَغِيرٌ فِي كَبِيرٍ عَلَى الْأَصَحِّ.
قَالَهُ ابْنُ الْحَاجِبِ (التَّوْضِيحُ) يُحْتَمَلُ أَنْ يُرِيدَ الْجِنْسَ فَيَصْدُقُ عَلَى كَبِيرٍ فِي صَغِيرٍ وَعَكْسِهِ، وَعَلَى كَبِيرَيْنِ فِي صَغِيرَيْنِ وَعَكْسِهِ، وَعَلَى كَبِيرٍ فِي صَغِيرَيْنِ وَعَكْسِهِ وَعَلَى صَغِيرٍ فِي كَبِيرَيْنِ وَعَكْسِهِ، وَيُحْتَمَلُ أَنْ يُرِيدَ الْوَاحِدَ وَيَكُونَ التَّعَدُّدُ مَأْخُوذًا مِنْهُ مِنْ بَابِ أَوْلَى؛ لِأَنَّ كُلَّ مَنْ أَجَازَ مَعَ الْوَاحِدَةِ أَجَازَ مَعَ التَّعَدُّدِ وَالْأَصَحُّ ظَاهِرُ الْمُدَوَّنَةِ اهـ. وَقَالَ قَبْلَ هَذَا وَضَابِطُ هَذَا أَنَّ اخْتِلَافَ الْمَنْفَعَةِ يُصَيِّرُ الْجِنْسَ الْوَاحِدَ جِنْسَيْنِ اهـ. وَأَشَارَ بِقَوْلِهِ:
وَمَا لِبَيْعٍ قَبْلَ قَبْضٍ مَانِعُ
إلَى أَنَّهُ يَجُوزُ فِي الْعُرُوضِ كُلِّهَا بَيْعُهَا قَبْلَ قَبْضِهَا وَلَيْسَتْ كَالطَّعَامِ الَّذِي لَا يَجُوزُ بَيْعُهُ قَبْلَ قَبْضِهِ، وَأَشَارَ بِقَوْلِهِ:
وَبَيْعُ كُلٍّ جَائِزٌ بِالْمَالِ
الْبَيْتَ إلَى أَنَّهُ يَجُوزُ بَيْعُ الْعُرُوضِ كُلِّهَا بِالْعَيْنِ مِنْ الذَّهَبِ وَالْفِضَّةِ وَذَلِكَ الَّذِي يَعْنِي بِالْمَالِ وَسَوَاءٌ كَانَ ذَلِكَ الْعَيْنُ حَالًّا، أَوْ مُؤَجَّلًا، إذْ لَا مَحْذُورَ فِي بَيْعِ الْعَرْضِ قَبْلَ قَبْضِهِ وَلَا فِي بَيْعِهِ بِالْعَيْنِ حَالًّا، أَوْ إلَى أَجَلٍ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ.
وَمَنْ يُقَلِّبْ مَا يُفِيتُ شَكْلَهُ
…
لَمْ يَضْمَنْ إلَّا حَيْثُ لَمْ يُؤْذَنْ لَهُ
يَعْنِي أَنَّ مَنْ أَخَذَ آنِيَةَ فَخَارٍ، أَوْ زُجَاجًا لِيُقَلِّبَهَا وَيَتَأَمَّلَهَا فَسَقَطَتْ مِنْ يَدِهِ مِنْ غَيْرِ تَفْرِيطٍ وَلَا عَمْدٍ فَانْكَسَرَتْ فَإِنَّهُ إنْ أَذِنَ لَهُ صَاحِبُهَا فِي التَّقْلِيبِ لَا ضَمَانَ عَلَيْهِ فِيهَا، وَإِنْ أَخَذَهَا مِنْ غَيْرِ إذْنِ صَاحِبِهَا ضَمِنَهَا، فَإِنْ وَقَعَتْ مِنْ يَدِهِ عَلَى آنِيَةٍ أُخْرَى فَانْكَسَرَتْ السُّفْلَى أَيْضًا فَإِنَّهُ يَضْمَنُهَا لَا مَحَالَةَ أَذِنَ لَهُ فِي تَقْلِيبِ الْأُولَى أَوْ لَمْ يَأْذَنْ، فَقَوْلُهُ:" يُفِيتُ " هُوَ بِضَمِّ الْيَاءِ مُضَارِعُ أَفَاتَ وَفَاعِلُهُ ضَمِيرُ التَّقْلِيبِ " وَشَكْلَهُ " مَفْعُولُهُ وَمَعْنَى إفَاتَتِهِ: اسْتِهْلَاكُهُ وَإِعْدَامُهُ، فَفِي سَمَاعِ سَحْنُونٍ.
وَسَأَلْت ابْنَ الْقَاسِمِ عَنْ رَجُلٍ يَأْتِي إلَى الزَّجَّاجِ، أَوْ الْقَلَّالِ، أَوْ الْعَطَّارِ يَسْتَقْرِضُ مِنْهُ قَارُورَةً، أَوْ قُلَّةً، أَوْ قَدَحًا لِيَنْظُرَ إلَى ذَلِكَ فَيَقَعُ ذَلِكَ مِنْهُ فَيَنْكَسِرُ وَيَنْكَسِرُ مَا تَحْتَهُ مِنْ الزُّجَاجِ، أَوْ الْقِلَالِ قَالَ: لَا أَرَى عَلَيْهِ ضَمَانَ مَا نَاوَلَهُ، وَيَضْمَنُ مَا انْكَسَرَ تَحْتَهُ، قُلْت: فَإِنْ تَنَاوَلَ ذَلِكَ بِغَيْرِ إذْنِهِ فَجَعَلَ يُسَاوِمُهُ وَلَمْ يُنَاوِلْهُ صَاحِبُ الْمَتَاعِ فَيَقَعُ مِنْهُ فَيَنْكَسِرُ؟ قَالَ: هُوَ ضَامِنٌ لِمَا أَخَذَ وَلِمَا انْكَسَرَ أَسْفَلَهُ.
قَالَ الْعُتْبِيُّ رَوَاهَا عِيسَى عَنْ ابْنِ الْقَاسِمِ وَزَادَ فِيهَا: وَكَذَلِكَ السَّيْفُ يَتَنَاوَلُهُ فَيَهُزُّهُ فَيَنْكَسِرُ، أَوْ الدَّابَّةُ يَرْكَبُهَا لِيَسْتَخْبِرَهَا فَتَمُوتُ تَحْتَهُ، أَوْ الْفَرَسُ، وَمَا أَشْبَهَ ذَلِكَ أَنَّهُ إنْ أَخَذَ ذَلِكَ مِنْهُ كَانَ ضَامِنًا، وَإِنْ كَانَ ضَامِنًا بِإِذْنِهِ فَلَا ضَمَانَ عَلَيْهِ. رَوَاهَا أَيْضًا أَصْبَغُ وَزَادَ فِيهَا: وَكَذَلِكَ قُلَلُ الْخَلِّ يَرْفَعُهَا لِيَرُوزَهَا لِيَعْرِفَ قَدْرَهَا وَمَلَاهَا فَتَنْكَسِرُ. قَالَ أَصْبَغُ هَذَا عِنْدِي فِي الْقَوَارِيرِ وَالْأَقْدَاحِ مَا لَمْ يُعَنِّفْ وَيَأْخُذْهُ بِغَيْرِ مَأْخَذِهِ مِثْلَ أَنْ يُعَلِّقَ الْقُلَّةَ الْكَبِيرَةَ بِأُذُنِهَا وَغَيْرِ ذَلِكَ مِنْ وُجُوهِ الْعُنْفِ فَيَضْمَنُ بِهِ (قَالَ أَصْبَغُ) وَإِذَا رَآهُ وَعَلِمَ بِهِ فَلَا ضَمَانَ عَلَيْهِ اهـ.
عَلَى نَقْلِ الشَّارِحِ. (فَرْعٌ) فَإِنْ رَفَعَ الْقَارُورَةَ وَصَاحِبُهَا سَاكِتٌ يُنْظَرُ لَمْ يَأْمُرْهُ وَلَمْ يَنْهَهُ فَانْكَسَرَتْ فَفِي ضَمَانِهِ قَوْلَانِ مَبْنِيَّانِ عَلَى أَنَّ السُّكُوتَ عَلَى الشَّيْءِ إذْنٌ فِيهِ فَلَا ضَمَانَ، أَوْ لَيْسَ إذْنًا فَيَضْمَنُ (فَرْعٌ) فَإِنْ ادَّعَى رَبُّ الْقَارُورَةِ حَيْثُ أَذِنَ لَهُ فِي التَّقْلِيبِ أَنَّهُ تَعَمَّدَ طَرْحَهَا أَوْ فَرَّطَ حَتَّى سَقَطَتْ فَعَلَيْهِ الْيَمِينُ، (قَالَ الشَّارِحُ) : وَذَلِكَ جَارٍ عَلَى قَاعِدَةِ التَّدَاعِي وَاَللَّهُ أَعْلَمُ.
وَالْبَيْعُ جَائِزٌ عَلَى أَنْ يُنْتَقَدْ
…
فِي مَوْضِعٍ آخَرَ إنْ حُدَّ الْأَمَدْ
يَعْنِي أَنَّهُ يَجُوزُ الْبَيْعُ عَلَى أَنْ يَنْتَقِدَ الْبَائِعُ الثَّمَنَ فِي مَوْضِعٍ آخَرَ غَيْرِ الْمَوْضِعِ الَّذِي فِيهِ الْبَيْعُ إذَا جَعَلَا لِذَلِكَ أَجَلًا مَعْلُومًا لِئَلَّا يَصِيرَ الْبَيْعُ إلَى أَجَلٍ مَجْهُولٍ. (قَالَ فِي التَّهْذِيبِ:) وَمَنْ بَاعَ سِلْعَةً بِعَيْنٍ عَلَى أَنْ يَأْخُذَهُ فِي بَلَدٍ آخَرَ فَإِنْ سَمَّيَا الْبَلَدَ وَلَمْ يَضْرِبَا لِذَلِكَ أَجَلًا لَمْ يَجُزْ، وَإِنْ ضَرَبَا لِذَلِكَ أَجَلًا جَازَ، سَمَّيَا الْبَلَدَ، أَوْ لَمْ يُسَمِّيَاهُ اهـ. " وَيُنْتَقَدُ " بِالْبِنَاءِ لِلْمَفْعُولِ وَنَائِبُهُ يَعُودُ عَلَى الثَّمَنِ الْمَدْلُولِ عَلَيْهِ بِالْبَيْعِ.
وَبَيْعُ مَا يُجْهَلُ ذَاتًا بِالرِّضَا
…
بِالثَّمَنِ الْبَخْسِ أَوْ الْغَالِي مَضَى
وَمَا يُبَاعُ أَنَّهُ يَاقُوتَهْ
…
أَوْ أَنَّهُ زُجَاجَةٌ مَنْحُوتَهْ
وَيَظْهَرُ الْعَكْسُ فَكُلٌّ مِنْهُمَا
…
جَازَ بِهِ قِيَامُ مَنْ تَظَلَّمَا
يَعْنِي أَنَّ بَيْعَ الشَّيْءِ الَّذِي يَجْهَلُ الْمُتَبَايِعَانِ أَوْ أَحَدُهُمَا ذَاتَه وَحَقِيقَتَهُ مَاضٍ لَا يُرَدُّ، سَوَاءٌ بِيعَ بِثَمَنٍ بَخْسٍ، أَوْ بِثَمَنٍ غَالٍ وَلَكِنَّ هَذَا إذَا سَمَّى الْمَبِيعَ بِاسْمِهِ كَقَوْلِهِ: مَنْ يَشْتَرِي مِنِّي هَذَا الْحَجَرَ؟ فَبَاعَهُ بِثَمَنٍ يَسِيرٍ فَظَهَرَ أَنَّهُ يَاقُوتَةٌ فَالْبَيْعُ لَازِمٌ، إذْ لَوْ شَاءَ تَثَبَّتَ قَبْلَ الْبَيْعِ؛ لِأَنَّ الْيَاقُوتَ يُسَمَّى حَجَرًا، وَسَوَاءٌ عَلِمَ الْمُبْتَاعُ حِينَ اشْتَرَى أَنَّهُ يَاقُوتٌ، أَوْ لَمْ يَعْلَمْ، وَكَذَلِكَ لَوْ ظَنّ الْمُبْتَاعُ أَنَّهُ يَاقُوتٌ فَرَفَعَ فِي ثَمَنِهِ فَأَخْطَأَ ظَنُّهُ فَلَا رَدَّ لَهُ،