المَكتَبَةُ الشَّامِلَةُ السُّنِّيَّةُ

الرئيسية

أقسام المكتبة

المؤلفين

القرآن

البحث 📚

‌[باب الوكالة وما يتعلق بها] - شرح ميارة = الإتقان والإحكام في شرح تحفة الحكام - جـ ١

[ميارة]

فهرس الكتاب

- ‌[مُقَدِّمَةُ الْكِتَابِ]

- ‌[بَابُ الْقَضَاءِ وَمَا يَتَعَلَّقُ بِهِ]

- ‌[فَصْلٌ فِي مَعْرِفَةِ أَرْكَانِ الْقَضَاءِ]

- ‌[فَصْلٌ فِي رَفْعِ الْمُدَّعَى عَلَيْهِ وَمَا يُلْحَقُ بِذَلِكَ]

- ‌[فَصْلٌ فِي مَسَائِلَ مِنْ الْقَضَاءِ]

- ‌[فَصْلٌ فِي الْمَقَالِ وَالْجَوَابِ]

- ‌[فَصْلٌ فِي الْآجَالِ]

- ‌[فَصْلٌ فِي الْإِعْذَارِ]

- ‌[فَصْلٌ فِي خِطَابِ الْقُضَاةِ وَمَا يَتَّصِلُ بِهِ]

- ‌[بَابُ الشُّهُودِ وَأَنْوَاعِ الشَّهَادَاتِ وَمَا يَتَعَلَّقُ بِذَلِكَ]

- ‌[فَصْلٌ مَسَائِلُ مِنْ بَابِ الشَّهَادَةِ مِمَّا يَتَكَرَّرُ وُقُوعُهُ غَالِبًا]

- ‌[فَصْلٌ فِي أَنْوَاعِ الشَّهَادَاتِ]

- ‌[فَصْلٌ الشَّهَادَةُ الَّتِي تُوجِبُ الْحَقَّ مَعَ الْيَمِينِ]

- ‌[فَصْلٌ مِنْ أَقْسَامِ الشَّهَادَةِ وَهِيَ الَّتِي تُوجِبُ الْحَقَّ مِنْ غَيْرِ يَمِينٍ]

- ‌[فَصْلٌ مَا يُوجِبُ الْيَمِينَ لَا عَلَى الطَّالِبِ بَلْ عَلَى الْمَطْلُوبِ]

- ‌[فَصْلٌ الشَّهَادَةُ الَّتِي لَا عَمَلَ لَهَا]

- ‌[فَصْلٌ فِي شَهَادَةِ السَّمَاعِ]

- ‌[فَصْلٌ فِي مَسَائِلَ مِنْ الشَّهَادَةِ]

- ‌[بَابُ الْيَمِينِ وَمَا يَتَعَلَّقُ بِهَا]

- ‌[بَابُ الرَّهْنِ وَمَا يَتَعَلَّقُ بِهِ]

- ‌[فَصْلٌ فِي اخْتِلَافِ الْمُتَرَاهِنَيْنِ]

- ‌[بَابُ الضَّمَانِ وَمَا يَتَعَلَّقُ بِهِ]

- ‌[بَابُ الْوَكَالَةِ وَمَا يَتَعَلَّقُ بِهَا]

- ‌[فَصْلٌ فِي تَدَاعِي الْمُوَكِّلِ وَالْوَكِيلِ]

- ‌[بَابُ الصُّلْحِ وَمَا يَتَعَلَّقُ بِهِ]

- ‌[فَصْلٌ وَلِلْأَبِ الصُّلْحُ عَلَى الْمَحْجُورِ]

- ‌[بَابُ النِّكَاحِ وَمَا يَتَعَلَّقُ بِهِ]

- ‌[فَصْلٌ فِي الْأَوْلِيَاءِ وَمَا يَتَرَتَّبُ فِي الْوِلَايَةِ]

- ‌[فَصْلٌ فِيمَنْ لَهُ الْإِجْبَارُ وَمَا يَتَعَلَّقُ بِهِ]

- ‌[فَصْلٌ فِي حُكْمِ فَاسِدِ النِّكَاحِ وَمَا يَتَعَلَّقُ بِهِ]

- ‌[فَصْلٌ فِي مَسَائِلَ مِنْ النِّكَاحِ]

- ‌[فَصْلٌ فِي تَدَاعِي الزَّوْجَيْنِ وَمَا يَلْحَقُ بِهِ]

- ‌[فَصْلٌ فِي الِاخْتِلَافِ فِي الْقَبْضِ]

- ‌[فَصْلٌ فِيمَا يُهْدِيهِ الزَّوْجُ ثُمَّ يَقَعُ الطَّلَاقُ]

- ‌[فَصْلٌ فِي الِاخْتِلَافِ فِي الشُّوَارِ الْمُورَدِ بَيْتَ الْبِنَاءِ]

- ‌[فَصْلٌ فِي الِاخْتِلَافِ فِي مَتَاعِ الْبَيْتِ]

- ‌[فَصْلٌ فِي إثْبَاتِ الضَّرَرِ وَالْقِيَامِ بِهِ وَبَعْثِ الْحَكَمَيْنِ]

- ‌[فَصْلٌ فِي الرَّضَاعِ]

- ‌[فَصْلٌ فِي عُيُوبِ الزَّوْجَيْنِ وَمَا يُرَدَّانِ بِهِ مِنْهَا]

- ‌[فَصْلٌ فِي الْإِيلَاءِ وَالظِّهَارِ]

- ‌[فَصْلٌ فِي اللِّعَانِ]

- ‌[بَابُ الطَّلَاقِ وَالرَّجْعَةِ وَمَا يَتَعَلَّقُ بِهِمَا]

- ‌[فَصْلٌ الْخُلْع]

- ‌[فَصْلٌ فِي الْأَيْمَانِ اللَّازِمَةِ]

- ‌[فَصْلٌ فِي التَّدَاعِي فِي الطَّلَاقِ]

- ‌[فَصْلٌ مَنْ طَلَّقَ زَوْجَتَهُ طَلَاقًا رَجْعِيًّا ثُمَّ أَرَادَ الْعَوْدَ لِلزَّوْجِيَّةِ]

- ‌[فَصْلٌ فِي الرَّجْعَةِ]

- ‌[فَصْلٌ فِي الْفَسْخِ]

- ‌[بَابُ النَّفَقَةِ وَمَا يَتَعَلَّقُ بِهَا]

- ‌[فَصْلٌ فِي التَّدَاعِي فِي النَّفَقَةِ]

- ‌[فَصْلٌ فِيمَا يَجِبُ لِلْمُطَلَّقَاتِ وَغَيْرِهِنَّ مِنْ النَّفَقَةِ وَمَا يُلْحَقُ بِهَا]

- ‌[فَصْلٌ فِي الطَّلَاقِ بِالْإِعْسَارِ بِالنَّفَقَةِ وَمَا يُلْحَقُ بِهَا]

- ‌[فَصْلٌ فِي أَحْكَامِ الْمَفْقُودِينَ]

- ‌[فَصْلٌ فِي الْحَضَانَةِ]

- ‌[بَابٌ فِي الْبُيُوعِ وَمَا شَاكَلَهَا]

- ‌[فَصْلٌ فِي بَيْعِ الْأُصُولِ]

- ‌[فَصْلٌ فِي بَيْعِ الْعُرُوضِ مِنْ الثِّيَابِ وَسَائِرِ السِّلَعِ]

- ‌[فَصْلٌ فِي بَيْعِ الطَّعَامِ]

- ‌[فَصْلٌ فِي بَيْعِ النَّقْدَيْنِ وَالْحُلِيِّ وَشِبْهِهِ]

- ‌[فَصْلٌ فِي بَيْعِ الثِّمَارِ وَمَا يُلْحَقُ بِهَا]

- ‌[فَصْلٌ فِي الْجَائِحَةِ فِي الثِّمَارِ]

- ‌[فَصْلٌ فِي بَيْعِ الرَّقِيقِ وَسَائِرِ الْحَيَوَانِ]

- ‌[فَصْلٌ كِلَابَ الْمَاشِيَةِ يَجُوزُ بَيْعُهَا]

- ‌[فَصْلٌ فِي بَيْعِ الدَّيْنِ وَالْمُقَاصَّةِ فِيهِ]

- ‌[فَصْلٌ فِي الْحَوَالَةِ]

- ‌[فَصْلٌ فِي بَيْعِ الْخِيَارِ وَالثُّنْيَا]

الفصل: ‌[باب الوكالة وما يتعلق بها]

فَإِنَّهُ لَا يَبْرَأُ بِذَلِكَ وَهُوَ كَذَلِكَ. .

وَأَخَّرُوا السَّائِلَ لِلْإِرْجَاءِ

كَالْيَوْمِ عِنْدَ الْحُكْمِ لِلْأَدَاءِ

إنْ جَاءَ فِي الْحَالِ بِضَامِنٍ وَإِنْ

لَمْ يَأْتِ بِالْحَمِيلِ بِالْمَالِ سُجِنْ

هَذِهِ الْمَسْأَلَةُ مِنْ بَابِ الْمِدْيَانِ، وَإِنَّمَا ذَكَرَهَا هُنَا لِمُنَاسَبَتِهَا بِالْبَابِ فِي مُطْلَقِ إعْطَاءِ الضَّامِنِ، وَ (الْإِرْجَاءُ) التَّأْخِيرُ، يَعْنِي أَنَّ الْمِدْيَانَ إذَا حُكِمَ عَلَيْهِ بِأَدَاءِ الدَّيْنِ وَسَأَلَ أَنْ يُؤَخَّرَ الزَّمَانَ الْيَسِيرَ كَالْيَوْمِ وَشِبْهِهِ فَإِنَّهُ يُجَابُ إلَى مَا سَأَلَ لَكِنْ إنْ جَاءَ بِضَامِنٍ يَضْمَنُ الْمَالَ لِصَاحِبِهِ يَعْنِي أَوْ جَاءَ بِرَهْنٍ فَإِنْ لَمْ يَأْتِ بِوَاحِدٍ مِنْهُمَا فَإِنَّهُ يُسْجَنُ.

(فَفِي أَحْكَامِ ابْنِ سَهْلٍ)" سُئِلَ سَحْنُونٌ عَمَّنْ عَلَيْهِ دَيْنٌ فَسَأَلَ أَنْ يُؤَخَّرَ يَوْمًا أَوْ نَحْوَهُ قَالَ: يُؤَخَّرُ وَيُعْطِي حَمِيلًا بِالْمَالِ فَإِنْ لَمْ يَجِدْ حَمِيلًا بِالْمَالِ إلَى يَوْمٍ وَلَا وَجَدَ الْمَالَ سُجِنَ ". (وَفِي مُخْتَصَرِ الشَّيْخِ خَلِيلٍ) وَإِنْ وَعَدَ بِقَضَاءِ دَيْنٍ وَسَأَلَ تَأْخِيرَهُ كَالْيَوْمِ أَعْطَى حَمِيلًا بِالْمَالِ وَإِلَّا سُجِنَ. .

[بَابُ الْوَكَالَةِ وَمَا يَتَعَلَّقُ بِهَا]

(ابْنُ عَرَفَةَ) . الْوَكَالَةُ نِيَابَةُ ذِي حَقٍّ غَيْرِ ذِي امْرَأَةٍ وَلَا عِبَادَةٍ لِغَيْرِهِ فِيهِ غَيْرِ مَشْرُوطَةٍ بِمَوْتِهِ. (قَوْلُهُ ذِي حَقٍّ) أَخْرَجَ بِهِ مَنْ لَا حَقَّ لَهُ فَإِنَّهُ لَا نِيَابَةَ لَهُ، (وَقَوْلُهُ غَيْرِ ذِي امْرَأَةٍ) أَخْرَجَ بِهِ الْوِلَايَةَ الْعَامَّةَ وَالْخَاصَّةَ، (وَقَوْلُهُ وَلَا عِبَادَةَ لِغَيْرِهِ فِيهِ) أَخْرَجَ بِهِ إمَامَةَ الصَّلَاةِ (وَقَوْلُهُ لِغَيْرِهِ) مُتَعَلِّقٌ بِنِيَابَةٍ، وَالضَّمِيرُ عَائِدٌ عَلَى الْمُضَافِ إلَيْهِ الَّذِي هُوَ صَاحِبُ الْحَقِّ، (وَقَوْلُهُ غَيْرِ مَشْرُوطَةٍ بِمَوْتِهِ) أَخْرَجَ بِهِ الْمُوصِي؛ لِأَنَّهُ لَا يُقَالُ فِيهِ عُرْفًا: وَكِيلٌ، وَلِذَا فَرَّقُوا بَيْنَ (فُلَانٍ وَكِيلِي وَوَصِيِّي) . اهـ وَقَدْ عَقَدَ النَّاظِمُ فِي هَذَا الْبَابِ الْكَلَامَ عَلَى الْوَكَالَةِ بِقِسْمَيْهَا مِنْ تَعْمِيمٍ وَتَخْصِيصٍ. وَمَسَائِلُهَا مِمَّا يَكْثُرُ وُقُوعُهَا بَيْنَ يَدَيْ الْقُضَاةِ. هَذَا مَعَ أَنَّ الْوَارِدَ عَنْ أَهْلِ الْعِلْمِ رضي الله عنهم فِي ذَمِّ الْخُصُومَةِ عَلَى الْجُمْلَةِ وَفِيمَا يَخُصُّ عَيْنَ الْمَسْأَلَةِ مِمَّا لَا يُحْصَى كَثْرَةً، فَمِنْ ذَلِكَ مَا حَكَاهُ الْمُتَيْطِيُّ قَالَ: وَكَرِهَ مَالِكٌ الْخُصُومَاتِ لِذَوِي الْهَيْئَاتِ. وَحُكِيَ عَنْ ابْنِ شَعْبَانَ " قَالَ مَالِكٌ: أُرَى الْمُخَاصِمَ رَجُلَ سَوْءٍ ". وَقَالَتْ عَائِشَةُ رضي الله عنها: قَالَ النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم: «أَبْغَضُ الرِّجَالِ إلَى اللَّهِ الْأَلَدُّ الْخَصِمُ» .

(وَفِي جَامِعِ الْبَيَانِ) عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عُمَرَ أَنَّهُ قَالَ: " مَنْ حَالَتْ شَفَاعَتُهُ دُونَ حَدٍّ مِنْ حُدُودِ اللَّهِ فَقَدْ حَادَّ اللَّهَ، وَمَنْ تَكَلَّمَ فِي خُصُومَةٍ لَا عِلْمَ لَهُ بِهَا لَمْ يَزَلْ فِي مَعْصِيَةِ اللَّهِ حَتَّى يَنْزِعَ "

يَجُوزُ تَوْكِيلٌ لِمَنْ تَصَرَّفَا

فِي مَالِهِ لِمَنْ بِذَاكَ اتَّصَفَا

يَعْنِي أَنَّهُ يَجُوزُ لِلْإِنْسَانِ أَنْ يُوَكِّلَ عَلَى قَبْضِ حُقُوقِهِ وَاقْتِضَاءِ دُيُونِهِ وَغَيْرِ ذَلِكَ مِنْ أُمُورِهِ لَكِنْ إنَّمَا لَهُ ذَلِكَ إذَا كَانَ رَشِيدًا لَا حَجْرَ عَلَيْهِ لِأَحَدٍ، وَعَلَى ذَلِكَ نَبَّهَ بِقَوْلِهِ (لِمَنْ تَصَرَّفَا فِي مَالِهِ) فَالرُّشْدُ شَرْطٌ فِي الْمُوَكِّلِ بِالْكَسْرِ، وَكَذَلِكَ يُشْتَرَطُ فِي الْمُوَكَّلِ الرُّشْدُ أَيْضًا، وَعَلَى ذَلِكَ نَبَّهَ بِقَوْلِهِ (لِمَنْ بِذَاكَ اتَّصَفَا) فَيُشْتَرَطُ فِي الْمُوَكَّلِ بِالْفَتْحِ الرُّشْدُ أَيْضًا، وَفُهِمَ مِنْ ذَلِكَ أَنَّ الْمَحْجُورَ لَا يُوَكِّلُ غَيْرَهُ عَلَى حُقُوقِهِ، وَلَا يَكُونُ وَكِيلًا لِغَيْرِهِ.

(ابْنُ عَرَفَةَ) . " قَالَ ابْنُ شَاسٍ كُلُّ مَنْ جَازَ تَصَرُّفُهُ لِنَفْسِهِ جَازَ تَوْكِيلُهُ، وَمَنْ جَازَ تَصَرُّفُهُ لِنَفْسِهِ جَازَ كَوْنُهُ وَكِيلًا إلَّا لِمَانِعٍ.

وَمَسَائِلُ الْمَذْهَبِ وَاضِحَةٌ بِهِ وَبِامْتِنَاعِ تَوْكِيلِ مَنْ لَيْسَ لَهُ جَائِزُ الْأَمْرِ ".

(وَفِي سَمَاعِ يَحْيَى) فِي تَوْكِيلِ بِكْرٍ مَنْ يُخَاصِمُ لَهَا، تَوْكِيلُهَا غَيْرُ جَائِزٍ لَهَا؛ لِأَنَّهَا لَا تَلِي هَذَا مِنْ أَمْرِهَا إنَّمَا يَلِيهِ وَصِيُّهَا وَمَنْ يُوَكِّلُهُ السُّلْطَانُ. وَوَقَعَ فِي الْمُدَوَّنَةِ مَا يُوهِمُ صِحَّةَ وَكَالَةِ الْمَحْجُورِ عَلَيْهِ فِي عِتْقِهَا. الثَّانِي إنْ دَفَعَ الْعَبْدُ مَالًا لِرَجُلٍ عَلَى أَنْ يَشْتَرِيَهُ وَيُعْتِقَهُ فَفَعَلَ فَالْبَيْعُ لَازِمٌ، فَإِنْ اسْتَثْنَى مَالَهُ لَمْ يَغْرَمْ الْمَالَ ثَانِيًا وَإِلَّا غَرِمَهُ وَيُعْتَقُ الْعَبْدُ وَلَا يُتْبَعُ بِشَيْءٍ.

(ثُمَّ قَالَ الشَّارِحُ) : وَأَمَّا مَنْعُ كَوْنِ الْوَكِيلِ مَحْجُورًا عَلَيْهِ فَقَالَ اللَّخْمِيُّ: لَا يَجُوزُ؛ لِأَنَّهُ تَضْيِيعٌ لِلْمَالِ (قُلْتُ) : وَعَلَيْهِ عَمَلُ أَهْلِ بَلَدِنَا.

وَظَاهِرُ كِتَابِ الْمِدْيَانِ جَوَازُهُ، فَفِيهَا مَا نَصُّهُ (قُلْتُ) : إنْ دَفَعْتُ إلَى عَبْدٍ أَجْنَبِيٍّ مَحْجُورٍ عَلَيْهِ مَالًا يَتَّجِرُ لِي بِهِ أَوْ لِيَتِيمٍ مَحْجُورٍ عَلَيْهِ ثُمَّ لَحِقَهُمَا دَيْنٌ يَكُونُ فِي ذِمَّتِهِمَا؟ قَالَ: قَالَ مَالِكٌ: " يَكُونُ فِي الْمَالِ الَّذِي دُفِعَ إلَيْهِمَا وَمَا زَادَ فَهُوَ سَاقِطٌ عَنْهُمَا ".

(قُلْتُ) : ظَاهِرُهُ جَوَازُ تَوْكِيلِهِمَا إلَّا أَنْ يُقَالَ: إنَّمَا تَكَلَّمَ عَلَيْهِ بَعْدَ وُقُوعِهِ.

ص: 129

وَالْأَوَّلُ أَظْهَرُ وَهُوَ الْأَكْثَرُ مِنْ أَخْذِ الشُّيُوخِ الْأَحْكَامَ مِنْ مَفْرُوضَاتِ الْمُدَوَّنَةِ اهـ فَقِفْ عَلَى أَنَّ مَسَائِلَ الْمُدَوَّنَةِ تُؤْخَذُ مِنْهَا الْأَحْكَامُ، وَلَا يُقَالُ إنَّ تِلْكَ الْأَحْكَامَ هِيَ بَعْدَ الْوُقُوعِ وَالنُّزُولِ لَا ابْتِدَاءً وَاَللَّهُ أَعْلَمُ. وَفِي شَرْحِ الْحَطَّابِ لِقَوْلِ الشَّيْخِ خَلِيلٍ فِي بَابِ الشَّرِكَةِ " وَإِنَّمَا تَصِحُّ مِنْ أَهْلِ التَّوْكِيلِ " بَعْدَ أَنْ أَطَالَ الْكَلَامَ عَلَى تَوْكِيلِ الْمَحْجُورِ وَتَوَكُّلِهِ ذَكَرًا كَانَ أَوْ أُنْثَى بِكْرًا أَوْ غَيْرَهَا. ثُمَّ قَالَ:" فَتَحَصَّلَ مِنْ هَذِهِ النُّقُولِ أَنَّ تَوْكِيلَ الْمَحْجُورِ عَلَيْهِ فِي الْخِصَامِ فِي تَخْلِيصِ مَالِهِ وَطَلَبِ حُقُوقِهِ لَا يَجُوزُ عَلَى ظَاهِرِ الْمَذْهَبِ "، وَيَصِحُّ عَلَى مَا قَالَهُ فِي اللُّبَابِ وَنَقَلَهُ فِي مُعِينِ الْحُكَّامِ عَنْ أَبِي بَكْرِ بْنِ عَبْدِ الرَّحْمَنِ. وَتَقَدَّمَ أَنَّ غَيْرَهُ خَالَفَهُ. فِيهِ وَأَمَّا تَوْكِيلُهُ عَلَى الْبَيْعِ وَالشِّرَاءِ فِي مَالِهِ فَلَا يَجُوزُ وَلَمْ أَرَ فِيهِ خِلَافًا بَعْدَ الْبَحْثِ إلَّا مَا يُؤْخَذُ مِنْ مَسْأَلَةِ الْعِتْقِ الَّتِي فِي الْمُدَوَّنَةِ وَالْعُتْبِيَّةِ الْمُتَقَدِّمِ ذِكْرُهَا.

وَأَمَّا تَوْكِيلُ الْمَرْأَةِ الْمَحْجُورِ عَلَيْهَا فِي لَوَازِمِ عِصْمَتِهَا فَيَجُوزُ كَمَا صَرَّحَ بِهِ فِي التَّوْضِيحِ بَلْ لَيْسَ لِوَلِيِّهَا الْقِيَامُ بِذَلِكَ إلَّا بِتَوْكِيلٍ مِنْهَا كَمَا تَقَدَّمَ. وَأَمَّا كَوْنُ الْمَحْجُورِ عَلَيْهَا وَكِيلًا فَيَجُوزُ عَلَى مَا صَرَّحَ بِهِ فِي الْعُتْبِيَّةِ وَصَرَّحَ بِهِ ابْنُ رُشْدٍ مِنْ أَنَّهُ يَجُوزُ بِلَا خِلَافٍ وَصَرَّحَ بِهِ ابْنُ رَاشِدٍ فِي اللُّبَابِ وَأَفْتَى بِهِ ابْنُ الْحَاجِّ. وَيُؤْخَذُ مِنْ مَسْأَلَةِ الْعِتْقِ الثَّانِي مِنْ الْمُدَوَّنَةِ وَمِنْ مَسْأَلَةِ كِتَابِ الْمِدْيَانِ مِنْهَا وَلَا يَجُوزُ عَلَى مَا قَالَهُ اللَّخْمِيُّ.

(وَقَالَ ابْنُ عَرَفَةَ) : عَلَيْهِ عَمَلُ أَهْلِ بَلَدِنَا، وَمَشَى عَلَيْهِ صَاحِبُ الْجَوَاهِرِ وَتَابِعُوهُ كَالْقَرَافِيِّ وَابْنِ الْحَاجِبِ وَقَبْلَهُ ابْنُ عَبْدِ السَّلَامِ وَالْمُؤَلِّفُ فِي تَوْضِيحِهِ وَغَيْرُهُمْ، فَتَحَصَّلَ فِي ذَلِكَ طَرِيقَانِ. قَالَ: وَإِنَّمَا أَطَلْت الْكَلَامَ فِي هَذَا؛ لِأَنَّ الْمُصَنِّفَ لَمْ يَتَكَلَّمُ عَلَيْهِ فِي الْوَكَالَةِ، وَيُؤْخَذُ مِنْ كَلَامِهِ هُنَا الْمَنْعُ مِنْ تَوْكِيلِهِ وَتَوَكُّلِهِ وَهِيَ إحْدَى الطَّرِيقَيْنِ كَمَا عَمِلْتَ وَلَكِنْ يُقَيَّدُ ذَلِكَ فِيمَا عَدَا تَوْكِيلَ الْمَحْجُورِ عَلَيْهَا فِي لَوَازِمِ الْعِصْمَةِ وَاَللَّهُ تَعَالَى أَعْلَمُ اهـ.

(وَلِمَنْ تَصَرَّفَا) يُحْتَمَلُ أَنْ يَتَعَلَّقَ بِتَوْكِيلٌ أَوْ بِيَجُوزُ (لِمَنْ بِذَاكَ اتَّصَفَا) يَتَعَلَّقُ بِتَوْكِيلٌ وَ (بِذَاكَ اتَّصَفَا) وَالْإِشَارَةُ لِلتَّصَرُّفِ فِي الْمَالِ.

وَمَنَعُوا التَّوْكِيلَ لِلذِّمِّيِّ

وَلَيْسَ إنْ وَكَّلَ بِالْمَرْضِيِّ

يَعْنِي أَنَّ الْفُقَهَاءَ مَنَعُوا أَنْ يُوَكِّلَ الْمُسْلِمُ ذِمِّيًّا؛ لِكَوْنِهِ لَا يَتَّقِي الْحَرَامَ فِي مُعَامَلَاتِهِ، وَكَذَلِكَ لَمْ يَرْتَضُوا أَنْ يَكُونَ الْمُسْلِمُ وَكِيلًا لِذِمِّيٍّ لِمَا فِي ذَلِكَ مِنْ إهَانَتِهِ وَالِاعْتِذَارِ عَلَيْهِ.

(قَالَ الشَّارِحُ) : وَكَأَنَّ الْحُكْمَ بِعَدَمِ الْجَوَازِ فِي الصُّورَةِ الْأُولَى أَشَدُّ وَلِذَلِكَ عَبَّرَ عَنْهُ الشَّيْخُ بِلَفْظِ الْمَنْعِ، وَفِي الصُّورَةِ الثَّانِيَةِ بِنَفْيِ الرِّضَا اهـ.

(قَالَ فِي الْمُدَوَّنَةِ) : " قَالَ مَالِكٌ: " لَا يَجُوزُ لِلْمُسْلِمِ أَنْ يَسْتَأْجِرَ نَصْرَانِيًّا إلَّا لِخِدْمَةٍ فَأَمَّا لِبَيْعٍ أَوْ شِرَاءٍ أَوْ تَقَاضٍ أَوْ لِيُبْضِعَ مَعَهُ فَلَا يَجُوزُ لِعَمَلِهِمْ بِالرِّبَا وَاسْتِحْلَالِهِمْ لَهُ ".

(قَالَ مَالِكٌ) : " وَكَذَا عَبْدُهُ النَّصْرَانِيُّ لَا يَجُوزُ أَنْ يَأْمُرَهُ بِبَيْعِ شَيْءٍ وَلَا شِرَائِهِ وَلَا اقْتِضَائِهِ، وَلَا يَمْنَعُ الْمُسْلِمُ عَبْدَهُ النَّصْرَانِيَّ أَنْ يَأْتِيَ الْكَنِيسَةَ وَلَا مِنْ شُرْبِ الْخَمْرِ وَأَكْلِ الْخِنْزِيرِ ".

(قَالَ ابْنُ الْقَاسِمِ) : " وَلَا يُشَارِكُ الْمُسْلِمُ ذِمِّيًّا إلَّا أَنْ لَا يَغِيبَ عَلَى بَيْعٍ أَوْ شِرَاءٍ إلَّا بِحَضْرَةِ الْمُسْلِمِ ". قَالَ: " وَلَا بَأْسَ أَنْ يُسَاقِيَهُ إذَا كَانَ الذِّمِّيُّ لَا يَعْصِرُ حِصَّتَهُ خَمْرًا ". قَالَ: " وَلَا أُحِبُّ لِمُسْلِمٍ أَنْ يَدْفَعَ لِذِمِّيٍّ قِرَاضًا لِعَمَلِهِ بِالرِّبَا وَلَا يَأْخُذُ مِنْهُ قِرَاضًا لِئَلَّا يُذِلَّ نَفْسَهُ ".

يُرِيدُ: " وَإِنْ وَقَعَ لَمْ يُفْسَخْ " اهـ. وَهَذَا النَّصُّ كُلُّهُ فِي الْفَرْعِ الْأَوَّلِ أَعْنِي تَوْكِيلَ الْمُسْلِمِ الذِّمِّيَّ إلَّا قَوْلَهُ آخِرًا وَلَا يَأْخُذُ مِنْهُ قِرَاضًا لِئَلَّا

ص: 130

يُذِلَّ نَفْسَهُ فَإِنَّهُ شَاهِدٌ لِلْفَرْعِ الثَّانِي وَهُوَ كَوْنُ الْمُسْلِمِ وَكِيلًا لِلذِّمِّيِّ، وَالْمُرَادُ بِالذِّمِّيِّ وَاَللَّهُ أَعْلَمِ الْكَافِرُ مِنْ حَيْثُ هُوَ ذِمِّيًّا كَانَ أَوْ حَرْبِيًّا. (وَفِي طُرَرِ ابْنِ عَاتٍ) قَالَ الشَّعْبَانِيُّ: الْوَكَالَاتُ أَمَانَاتٌ وَيَنْبَغِي لِأُولِي الْأَمَانَاتِ أَنْ لَا يُوَكِّلُوا أُولِي الْخِيَانَاتِ. (قَالَ مَالِكُ بْنُ دِينَارٍ) : كَفَى بِالْمَرْءِ خِيَانَةً أَنْ يَكُونَ أَمِينًا لِلْخَوَنَةِ.

وَمَنْ عَلَى قَبْضٍ صَبِيًّا قَدَّمَا

فَقَبْضُهُ بَرَاءَةٌ لِلْغُرَمَا

تَقَدَّمَ أَنَّ مِنْ شَرْطِ الْوَكِيلِ أَنْ يَكُونَ رَشِيدًا لِقَوْلِهِ فِي الشَّطْرِ الثَّانِي مِنْ الْبَيْتِ الْأَوَّلِ (لِمَنْ بِذَاكَ اتَّصَفَا) وَذَكَرَ هُنَا أَنَّ مَنْ قَدَّمَ أَيْ وَكَّلَ صَبِيًّا عَلَى قَبْضِ دَيْنٍ فَقَبَضَهُ فَإِنَّ الْغَرِيمَ يَبْرَأُ بِالدَّفْعِ لَهُ.

(قَالَ فِي نَوَازِلِ ابْنِ الْحَاجِّ) : " مَنْ وَكَّلَ عَلَى قَبْضِ دَيْنٍ لَهُ صَبِيًّا قَبْلَ الْبُلُوغِ فَقَبْضُهُ بَرَاءَةٌ لِلْغُرَمَاءِ؛ لِأَنَّ صَاحِبَ الْحَقِّ قَدْ رَضِيَ بِهِ وَأَنْزَلَهُ مَنْزِلَتَهُ ". وَظَاهِرُ كَلَامِ اللَّخْمِيِّ كَالْمُخَالِفِ لِهَذِهِ الْفَتْوَى مِنْ كَوْنِهِ عَلَّلَ الْمَنْعَ مِنْ تَوْكِيلِ مَنْ لَيْسَ لَهُ بِجَائِزِ الْأَمْرِ بِأَنَّهُ تَضْيِيعٌ لِلْمَالِ، فَعَلَى ذَلِكَ كَانَ النَّظَرُ هُنَا أَنْ تُمْنَعَ هَذِهِ الْوَكَالَةُ فَتَأَمَّلْهُ.

(وَفِي طُرَرِ ابْنِ عَاتٍ)" وَلَا يُوَكِّلُ مُسْلِمٌ لِكَافِرٍ، وَلَا كَبِيرٌ لِطِفْلٍ، وَلَا طِفْلٌ لِكَبِيرٍ مِنْ الِاسْتِغْنَاءِ " فَمَنْ مَوْصُولَةٌ مُبْتَدَأٌ صِلَتُهُ قَدَّمَا، (وَصَبِيًّا) مَفْعُولُهُ (وَعَلَى قَبْضٍ) يَتَعَلَّقُ بِقَدِمَ، وَجُمْلَةُ (فَقَبْضُهُ بَرَاءَةٌ) خَبَرُ مَنْ، (وَلِلْغُرَمَاءِ) يَتَعَلَّقُ بِبَرَاءَةٍ انْتَهَى.

وَجَازَ لِلْمَطْلُوبِ أَنْ يُوَكِّلَا

وَمَنْعُ سَحْنُونٍ لَهُ قَدْ نُقِلَا

يَعْنِي أَنَّهُ يَجُوزُ لِلْمَطْلُوبِ أَنْ يُوَكِّلَ مَنْ يُخَاصِمُ عَنْهُ وَيَدْفَعُ حُجَّةَ طَالِبِهِ، كَمَا يَجُوزُ لِلْمَطْلُوبِ عِنْدَ سَائِرِ الْفُقَهَاءِ إلَّا سَحْنُونًا؛ فَإِنَّهُ أَبَاحَ ذَلِكَ لِلطَّالِبِ وِفَاقًا لِغَيْرِهِ مِنْ أَهْلِ الْمَذْهَبِ، وَمَنَعَ ذَلِكَ لِلْمَطْلُوبِ.

(قَالَ الْمُتَيْطِيُّ) : فَإِذَا أَرَادَ الرَّجُلُ التَّوْكِيلَ جَازَ ذَلِكَ لَهُ طَالِبًا كَانَ أَوْ مَطْلُوبًا هَذَا هُوَ الْقَوْلُ الْمَشْهُورُ الَّذِي جَرَى عَلَيْهِ الْعَمَلُ. وَكَانَ سَحْنُونٌ لَا يَقْبَلُ مِنْ الْمَطْلُوبِ وَكِيلًا إلَّا مِنْ امْرَأَةٍ لَا يَخْرُجُ مِثْلُهَا أَوْ مَرِيضٍ أَوْ مُرِيدِ سَفَرٍ أَوْ مَنْ تَبَيَّنَ عُذْرُهُ أَوْ مَنْ كَانَ فِي شُغْلِ الْأَمِيرِ أَوْ عَلَى خُطَّةٍ لَا يَسْتَطِيعُ مُفَارَقَتَهَا كَالْحِجَابَةِ وَغَيْرِهَا، وَكَانَ يَقْبَلُ التَّوْكِيلَ مِنْ كُلِّ طَالِبٍ.

وَحَيْثُمَا التَّوْكِيلُ بِالْإِطْلَاقِ

فَذَلِكَ التَّفْوِيضُ بِاتِّفَاقِ

يَعْنِي أَنَّ الْوَكَالَةَ عَلَى وَجْهَيْنِ تَكُونُ مُفَوَّضَةً أَيْ عَامَّةً فِي كُلِّ شَيْءٍ فَلَا تُخَصُّ بِشَيْءٍ مِنْ الْأَشْيَاءِ، وَتَكُونُ مُقَيَّدَةً كَوَكَّلْتُكَ عَلَى كَذَا فَتَخْتَصُّ بِذَلِكَ فَإِذَا وَرَدَ لَفْظُ التَّوْكِيلِ مُطْلَقًا غَيْرَ مُقَيَّدٍ بِشَيْءٍ فَيُحْمَلُ عَلَى الْوَكَالَةِ الْمُفَوَّضَةِ الْعَامَّةِ فِي جَمِيعِ الْأَشْيَاءِ. وَعَلَى ذَلِكَ نَبَّهَ بِالْبَيْتِ، وَفُهِمَ مِنْهُ أَنَّ لَفْظَ التَّوْكِيلِ إذَا كَانَ مُقَيَّدًا بِشَيْءٍ فَإِنَّهُ يَتَقَيَّدُ بِهِ وَلَا يَتَعَدَّاهُ لِغَيْرِهِ (ابْنُ عَرَفَةَ) شَرْطُ صِحَّتِهَا عِلْمُ مُتَعَلَّقِهَا خَاصًّا أَوْ عَامًّا بِلَفْظٍ أَوْ قَرِينَةٍ أَوْ عُرْفٍ خَاصٍّ أَوْ عَامٍّ، فَلَوْ أَتَى لَفْظُ التَّوْكِيلِ مُطْلَقًا كَأَنْتَ وَكِيلِي أَوْ وَكَّلْتُكَ فَطَرِيقَانِ (فَقَالَ ابْنُ بَشِيرٍ) وَابْنُ شَاسٍ:" لَغْوٌ "، وَهُوَ قَوْلُ ابْنِ الْحَاجِبِ:" لَمْ يُفِدْ. " وَقَالَ ابْن رُشْدٍ: إنَّمَا

ص: 131

تَكُونُ الْوَكَالَةُ مُفَوَّضَةً فِي كُلِّ شَيْءٍ إذَا لَمْ يُسَمَّ فِيهَا شَيْءٌ، وَلِهَذَا قَالُوا فِي الْوَكَالَةِ إذَا طَالَتْ قَصُرَتْ وَإِذَا قَصُرَتْ طَالَتْ وَكَذَلِكَ الْوَصِيَّةُ إذَا قَالَ الرَّجُلُ فُلَانٌ وَصِيِّي وَلَمْ يَزِدْ عَلَى ذَلِكَ كَانَ وَصِيًّا لَهُ فِي كُلِّ شَيْءٍ فِي مَالِهِ وَبُضْعِ بَنَاتِهِ وَإِنْكَاحِ بَنِيهِ الصِّغَارِ، وَهَذَا قَوْلُهُ فِي الْمُدَوَّنَةِ.

وَلَيْسَ يَمْضِي غَيْرُ مَا فِيهِ نَظَرْ

إلَّا بِنَصٍّ فِي الْعُمُومِ مُعْتَبَرْ

يَعْنِي أَنَّ فِعْلَ الْوَكِيلِ مَاضٍ لَا يُرَدُّ إلَّا مَا كَانَ مِنْهُ غَيْرَ نَظَرٍ وَغَيْرَ سَدَادٍ فَيُرَدُّ، وَلَا يَمْضِي إلَّا أَنْ يَنُصَّ لَهُ الْمُوَكِّلُ عَلَى الْعُمُومِ وَالِاسْتِغْرَاقِ، وَأَنَّ فِعْلَهُ مَاضٍ نَظَرًا كَانَ أَوْ غَيْرَ نَظَرٍ فَيَمْضِي وَلَوْ كَانَ غَيْرَ نَظَرٍ إلَّا فِي أَرْبَعَةِ أَشْيَاءَ: طَلَاقِ زَوْجَتِهِ،، وَإِنْكَاحِ أَبْكَارِ بَنَاتِهِ، وَبَيْعِ دَارِ سُكْنَاهُ، وَعِتْقِ عَبْدِهِ، فَلَا يَمْضِي فِي هَذِهِ الْأَشْيَاءِ وَلَوْ فُوِّضَ لَهُ فِي النَّظَرِ وَغَيْرِهِ. (قَالَ فِي التَّوْضِيحِ)" وَشَرَطَ الْمُصَنِّفُ أَنْ يَكُونَ تَصَرُّفُهُ نَظَرًا؛ لِأَنَّهُ مَعْزُولٌ عَنْ غَيْرِهِ بِالْعَادَةِ إلَّا أَنْ يُصَرِّحَ لَهُ بِذَلِكَ فَيَقُولُ نَظَرًا وَغَيْرَ نَظَرٍ "" وَفِيهِ نَظَرٌ إذْ لَا يَأْذَنُ الشَّرْعُ فِي السَّفَهِ، فَيَنْبَغِي أَنْ يَضْمَنَ الْوَكِيلُ إذْ لَا يَحِلُّ لَهُمَا ذَلِكَ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ ".

(ابْنُ رَاشِدٍ) . وَذَكَرَ غَيْرُ الْمُصَنِّفِ وَابْنُ شَاسٍ وَابْنُ رُشْدٍ أَنَّهُ يُسْتَثْنَى مِنْ ذَلِكَ بَيْعُ دَارِ السُّكْنَى، وَبَيْعُ الْعَبْدِ، وَزَوَاجُ الْبِكْرِ، وَطَلَاقُ الزَّوْجَةِ. إذْ الْعُرْفُ قَاضٍ بِأَنَّ ذَلِكَ لَا يَنْدَرِجُ تَحْتَ عُمُومِ التَّفْوِيضِ، وَإِنَّمَا يَفْعَلُهُ الْوَكِيلُ إذَا وَقَعَ النَّصُّ عَلَيْهِ اهـ (الْحَطَّابُ) . فَقَوْله إلَّا الطَّلَاقَ وَإِنْكَاحَ بِكْرِهِ. . إلَخْ مُسْتَثْنًى مِنْ قَوْلِهِ " وَغَيْرُ نَظَرٍ " وَإِذَا اُسْتُثْنِيَتْ هَذِهِ مَعَ وُجُودِ هَذَا الْقَيْدِ فَأَحْرَى أَنْ تُسْتَثْنَى فِي عَدَمِهِ. ثُمَّ قَالَ الْحَطَّابُ:" وَفَهِمَ ابْنُ فَرْحُونٍ كَلَامَ ابْنِ الْحَاجِبِ عَلَى خِلَافِ مَا فَهِمَهُ الْمُصَنِّفُ وَابْنُ عَرَفَةَ فَقَالَ هَذَا مِثَالٌ لِوَكَالَةِ التَّفْوِيضِ وَلَفْظُ مَا يَقْتَضِي الْعُمُومَ وَمَعْنَاهُ، فَلَوْ قَالَ لَهُ وَكَّلْتُكَ بِمَا تُعَاطِيهِ مِنْ بَيْعٍ وَشِرَاءٍ وَطَلَاقٍ وَعِتْقٍ وَقَلِيلِ الْأَشْيَاءِ وَكَثِيرِهَا جَازَ فِعْلُ الْوَكِيلِ فِي ذَلِكَ كُلِّهِ بِشَرْطِ أَنْ يَكُونَ عَلَى وَجْهِ النَّظَرِ، وَعَكْسُهُ هُوَ مَعْزُولٌ عَنْهُ بِالْعَادَةِ إلَّا أَنْ يَقُولَ لَهُ افْعَلْ مَا رَأَيْتَ كَانَ نَظَرًا عِنْدَ أَهْلِ الْبَصَرِ وَالْمَعْرِفَةِ أَوْ غَيْرَ نَظَرٍ، وَلَيْسَ مُرَادُهُ افْعَلْ مَا شِئْتَ وَإِنْ كَانَ سَفَهًا كَمَا فَهِمَهُ صَاحِبُ التَّوْضِيحِ "(ثُمَّ قَالَ ح) : وَيُمْكِنُ أَنْ يُقَالَ مَعْنَى قَوْلِهِمْ: " وَيَمْضِي النَّظَرُ أَيْ " مَا فِيهِ مَصْلَحَةٌ تَعُودُ بِتَنْمِيَةِ الْمَالِ لَا التَّبَرُّعَاتِ كَالْعِتْقِ وَالْهِبَةِ وَالصَّدَقَةِ إلَّا أَنْ يَقُولَ: وَكَّلْتُكَ وَكَالَةً مُفَوَّضَةً وَأَذِنْتُ لَك أَنْ تَفْعَلَ جَمِيعَ مَا تَرَاهُ. وَإِنْ كَانَ غَيْرَ نَظَرٍ أَيْ لَيْسَ فِيهِ مَصْلَحَةٌ تَعُودُ بِتَنْمِيَةِ الْمَالِ، وَإِنْ كَانَ فِيهِ مَصْلَحَةٌ فِي نَفْسِ الْأَمْرِ فَتَمْضِي التَّبَرُّعَاتُ، وَلَا يُقَالُ فِي هَذِهِ الْأَشْيَاءِ: إنَّهَا سَفَهٌ أَوْ فَسَادٌ إلَّا مَا تَفَاحَشَ مِنْ ذَلِكَ وَخَرَجَ عَنْ الْحَدِّ وَلَمْ يَكُنْ فَاعِلُهُ مِنْ أَهْلِ الْيَقِينِ وَالتَّوَكُّلِ، فَتَأَمَّلْهُ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ. .

وَذَا لَهُ تَقْدِيمُ مَنْ يَرَاهُ

بِمِثْلِهِ أَوْ بَعْضِ مَا اقْتَضَاهُ

وَمَنْ عَلَى مُخَصَّصٍ وُكِّلَ لَمْ

يُقَدِّمْ إلَّا إنْ بِهِ الْجَعْلُ حَكَمْ

الْإِشَارَةُ إلَى الْوَكِيلِ الْمُفَوَّضِ لَهُ يَعْنِي أَنَّ الْوَكِيلَ الْمُفَوَّضَ إلَيْهِ لَهُ أَنْ يُوَكِّلَ عَلَى مِثْلِ مَا وُكِّلَ عَلَيْهِ أَوْ عَلَى بَعْضِهِ، وَعَلَى ذَلِكَ نَبَّهَ بِالْبَيْتِ الْأَوَّلِ، وَأَمَّا الْوَكِيلُ الْمَخْصُوصُ فَلَيْسَ لَهُ أَنْ يُوَكِّلَ إلَّا إنْ جُعِلَ لَهُ ذَلِكَ، وَعَلَى ذَلِكَ نَبَّهَ بِالْبَيْتِ الثَّانِي.

(قَالَ الْمُتَيْطِيُّ) : " وَذَكَرْنَا فِي هَذَا النَّصِّ أَنَّهُ: إنْ أَذِنَ لَهُ أَنْ يُوَكِّلَ عَنْهُ

ص: 132

مَنْ شَاءَ إلَخْ هُوَ أَحْسَنُ مِنْ إسْقَاطِ ذِكْرِهِ لِاخْتِلَافِ الشُّيُوخِ الْمُتَقَدِّمِينَ فِي ذَلِكَ، فَمِنْهُمْ مَنْ كَانَ يَقُولُ: إذَا وَكَّلَهُ تَوْكِيلًا مُفَوَّضًا فَلَهُ أَنْ يُوَكِّلَ غَيْرَهُ وَإِنْ لَمْ يَنُصَّ عَلَيْهِ الْمُوَكِّلُ، وَمِنْهُمْ مَنْ كَانَ يَقُولُ: لَيْسَ لِلْوَكِيلِ ذَلِكَ إلَّا أَنْ يَنُصَّ فِي تَوْكِيلِهِ عَلَى ذَلِكَ ".

(قَالَ بَعْضُ الشُّيُوخِ) : " وَلَا أَحْفَظُ فِي ذَلِكَ قَوْلًا مَنْصُوصًا لِأَحَدٍ مِنْ الْعُلَمَاءِ الْمُتَقَدِّمِينَ ". وَالْأَظْهَرُ أَنَّ لَهُ أَنْ يُوَكِّلَ؛ لِأَنَّ الْمُوَكِّلَ قَدْ أَنْزَلَهُ مَنْزِلَتَهُ وَجَعَلَهُ عِوَضَهُ فَلَهُ أَنْ يَفْعَلَ مَا كَانَ لِمُوَكِّلِهِ أَنْ يَفْعَلَهُ اهـ.

(وَفِي ابْنِ سَلْمُونٍ) : " وَلِلْمُفَوَّضِ إلَيْهِ أَنْ يُقَدِّمَ عَنْ مُوَكِّلِهِ غَيْرَهُ بِمِثْلِ ذَلِكَ أَوْ بِمَا يَقْتَضِيهِ رَأْيُهُ مِنْ مَعَانِي التَّفْوِيضِ الْمَذْكُورَةِ، وَقِيلَ: لَيْسَ لَهُ أَنْ يَفْعَلَ ذَلِكَ حَتَّى يُنَصَّ لَهُ عَلَيْهِ ".

(قَالَ ابْنُ رُشْدٍ) : " وَلَا أَعْلَمُ لِلْمُتَقَدِّمِينَ فِي ذَلِكَ نَصًّا، وَاخْتَلَفَ أَصْحَابُنَا الْمُتَأَخِّرُونَ فِي ذَلِكَ ". وَالْأَظْهَرُ أَنَّ لَهُ أَنْ يُوَكِّلَ وَإِنْ لَمْ يَجْعَلْ لَهُ الْمُوَكِّلُ ذَلِكَ. فَمَنْ أَرَادَ الْخُرُوجَ مِنْ الْخِلَافِ فَلْيَكْتُبْ فِي الْعَقْدِ مَا نَصُّهُ: " وَجَعَلَ لَهُ أَنْ يُفَوِّضَ عَنْهُ إلَى مَنْ شَاءَ بِمِثْلِ ذَلِكَ ". أَوْ بِمَا شَاءَ مِنْ الْفُصُولِ الْمُنْدَرِجَةِ تَحْتَ عُمُومِهِ، وَالْعَزْلُ وَالتَّبْدِيلُ مَا أَحَبَّ. وَأَمَّا الْوَكِيلُ الْمَخْصُوصُ فَلَيْسَ لَهُ أَنْ يُوَكِّلَ بِاتِّفَاقٍ إلَّا أَنْ يَجْعَلَ لَهُ ذَلِكَ الْمُوَكِّلُ اهـ.

(تَنْبِيهٌ) اسْتَثْنَى ابْنُ الْحَاجِبِ مِنْ الْوَكِيلِ الْمَخْصُوصِ مَسْأَلَتَيْنِ: (الْأُولَى) أَنْ يَكُونَ الْوَكِيلُ لَا يَلِيقُ بِهِ تَوَلِّي الْمُوَكَّلِ فِيهِ كَمَنْ وَكَّلَ رَجُلًا شَرِيفًا مَعْرُوفًا بِالْجَلَالَةِ عَلَى بَيْعِ ثَوْبٍ أَوْ دَابَّةٍ؛ لِأَنَّ الْوَكِيلَ لَمَّا كَانَ لَا يَتَصَرَّفُ فِي هَذَا لِنَفْسِهِ كَانَ ذَلِكَ قَرِينَةً فِي إجَازَةِ تَوْكِيلِهِ غَيْرَهُ فَكَانَ ذَلِكَ كَالتَّصْرِيحِ بِإِجَازَةِ التَّوْكِيلِ.

(وَالثَّانِيَةُ) أَنْ يُوَكِّلَهُ عَلَى أُمُورٍ كَثِيرَةٍ لَا يُمْكِنُ الْوَكِيلُ أَنْ يَسْتَقِلَّ بِهَا؛ لِأَنَّهُ بِالْعَادَةِ قَدْ أَذِنَ لَهُ فِي التَّوْكِيلِ اُنْظُرْ التَّوْضِيحَ.

(وَمُخَصَّصٍ) فِي الْبَيْتِ الثَّانِي بِفَتْحِ الصَّادِ اسْمُ مَفْعُولٍ نَعْتٌ لِمَحْذُوفٍ أَيْ وَوُكِّلَ عَلَى شَيْءٍ مَخْصُوصٍ، وَالْمُخَصِّصُ لَهُ الْمُوَكِّلُ؛ (وَالْجَعْلُ) بِفَتْحِ الْجِيمِ فَاعِلٌ بِفِعْلٍ يُفَسِّرُهُ حُكِمَ، فَهُوَ إمَّا بِمَعْنَى اسْمِ الْفَاعِلِ أَيْ الْجَاعِلِ وَإِمَّا عَلَى حَذْفِ مُضَافٍ أَيْ ذُو الْجَعْلِ، وَالْمُرَادُ بِهِ الْمُوَكِّلُ عَلَى كُلِّ تَقْدِيرٍ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ، وَمَعْنَى (لَمْ يُقَدِّمْ) أَيْ لَمْ يُوَكِّلْ، وَمَعْنَى (حُكِمَ بِهِ) أَيْ جُعِلَ لَهُ أَنْ يُوَكِّلَ لَهُ، وَضَمِيرُ بِهِ لِلتَّقْدِيمِ الْمَفْهُومِ مِنْ قَوْلِهِ لَمْ يُقَدِّمْ.

وَمَا مِنْ التَّوْكِيلِ لِاثْنَيْنِ فَمَا

زَادَ مِنْ الْمَمْنُوعِ عِنْدَ الْعُلَمَا

يَعْنِي أَنَّ الْعُلَمَاءَ أَيْ الْفُقَهَاءَ مَنَعُوا مِنْ تَوْكِيلِ وَكِيلَيْنِ اثْنَيْنِ أَوْ أَكْثَرَ؛ لِأَنَّ فِي ذَلِكَ ضَرَرًا عَلَى الْمُوَكَّلِ عَلَيْهِ.

(قَالَ الْمُتَيْطِيُّ) : " وَلَا يَجُوزُ لِرَجُلٍ وَلَا امْرَأَةٍ أَنْ يُوَكِّلَ فِي الْخِصَامِ أَكْثَرَ مِنْ وَكِيلٍ وَاحِدٍ، وَلَا يَجُوزُ تَوْكِيلُ وَكِيلَيْنِ " اهـ. وَهَذَا فِي التَّوْكِيلِ عَلَى الْخُصُومَةِ، وَأَمَّا بَيْعٌ أَوْ شِرَاءٌ أَوْ نِكَاحٌ وَنَحْوُهَا فَيَجُوزُ تَوْكِيلُ أَكْثَرَ مِنْ وَاحِدٍ. (وَمَا) مُبْتَدَأٌ مَوْصُولٌ، وَ (مِنْ التَّوْكِيلِ) يَتَعَلَّقُ بِفِعْلٍ مَحْذُوفٍ أَيْ مَا يَقَعُ صِلَةَ مَا، (وَلِاثْنَيْنِ) يَتَعَلَّقُ بِتَوْكِيلٍ، وَ (مَا) عَطْفٌ عَلَى اثْنَيْنِ، (وَزَادَ) صِلَةُ مَا الثَّانِيَةِ، وَ (مِنْ الْمَمْنُوعِ) خَبَرُ مَا الْأُولَى وَ (عِنْدَ) يَتَعَلَّقُ بِالْمَمْنُوعِ.

وَالنَّقْصُ لِلْإِقْرَارِ وَالْإِنْكَارِ مِنْ

تَوْكِيلِ الِاخْتِصَامِ بِالرَّدِّ قَمِنْ

وَحَيْثُ الْإِقْرَارُ أَتَى بِمَعْزِلِ

مِنْ الْخِصَامِ فَهُوَ غَيْرُ مُعْمَلِ

يَعْنِي أَنَّ التَّوْكِيلَ عَلَى الْخُصُومَةِ إذَا لَمْ يَكُنْ فِيهِ الْإِقْرَارُ وَالْإِنْكَارُ أَيْ لَمْ يَجْعَلْ الْمُوَكِّلُ لِلْوَكِيلِ أَنْ يُقِرَّ عَنْهُ أَوْ يُنْكِرَ، وَعَنْ عَدَمِ فِعْلِ ذَلِكَ عَبَّرَ بِالنَّقْصِ، فَرَدَّ الْمُوَكَّلُ عَلَيْهِ التَّوْكِيلَ؛ لَمَّا انْتَقَصَ مِنْهُ مِنْ الْإِقْرَارِ وَالْإِنْكَارِ. قَالَ: لَا أُخَاصِمُكَ حَتَّى يَجْعَلَ لَك الْإِقْرَارَ وَالْإِنْكَارَ، فَإِنَّ ذَلِكَ التَّوْكِيلَ الْمَنْقُوصَ مِنْهُ ذَلِكَ حَقِيقٌ بِأَنْ يُرَدَّ؛ لِمَا لِخَصْمِهِ فِي ذَلِكَ مِنْ الْحَقِّ.

(وَقَمِنْ) بِفَتْحِ الْقَافِ وَكَسْرِ الْمِيمِ أَيْ حَقِيقٌ وَهُوَ خَبَرُ النَّقْصِ وَلِلْإِقْرَارِ، وَ (مِنْ تَوْكِيلِ) يَتَعَلَّقَانِ بِالنَّقْصِ، وَكَانَ الْمُرَادُ أَنَّ التَّوْكِيلَ عَلَى الْخِصَامِ الْمَنْقُوصِ مِنْهُ الْإِقْرَارُ وَالْإِنْكَارُ إذَا رَدَّهُ الْخَصْمُ فَهُوَ حَقِيقٌ بِأَنْ يُرَدَّ، وَأَشَارَ بِذَلِكَ إلَى قَوْلِ الْمُتَيْطِيِّ " وَقَوْلُنَا فِي النَّقْصِ وَعَلَى الْإِقْرَارِ عَلَيْهِ وَالْإِنْكَارِ عَنْهُ هُوَ مِمَّا لَا بُدَّ مِنْهُ وَلَا يَتِمُّ التَّوْكِيلُ عَلَى

ص: 133

الْمُخَاصَمَةِ إلَّا بِهِ فَإِنْ لَمْ يُذْكَرْ فِيهِ الْإِقْرَارُ وَالْإِنْكَارُ كَانَ لِخَصْمِهِ أَنْ يَضْطَرَّهُ إلَى التَّوْكِيلِ عَلَى هَذَيْنِ الْفَصْلَيْنِ هَذَا، هُوَ الْقَوْلُ الْمَشْهُورُ الْمَعْلُومُ، وَبِهِ جَرَى الْعَمَلُ عِنْدَ الْقُضَاةِ وَالْحُكَّامِ " اهـ. وَهَذَا هُوَ قَوْلُ ابْنِ الْعَطَّارِ وَبِهِ جَرَى الْعَمَلُ، فَلِذَلِكَ اعْتَمَدَهُ النَّاظِمُ. وَفِي نَوَازِلِ أَصْبَغَ خِلَافُهُ ثُمَّ قَالَ ابْنُ رُشْدٍ: وَقَدْ نَزَلَتْ فَقَضَى فِيهَا بِأَنْ لَا يُقْبَلَ إلَّا أَنْ يَحْضُرَ مَعَ وَكِيلِهِ لِيُقِرَّ بِمَا يُوقَفُ عَلَيْهِ خَصْمُهُ أَوْ يَكُونَ فِي وَقْتِ الْحُكْمِ قَرِيبًا مِنْ مَجْلِسِ الْقَاضِي اهـ.

(ابْنُ عَرَفَةَ) وَفِي (نَوَازِلِ أَصْبَغَ) : " وَهِيَ عَلَى الْخِصَامِ فَقَطْ لَا تَشْمَلُ صُلْحًا وَلَا إقْرَارًا وَلَا يَصِحُّ مِنْ الْوَكِيلِ أَحَدُهُمَا إلَّا أَنْ يَنُصَّ مُوَكِّلُهُ عَلَيْهِ. "(وَفِي التَّوْضِيحِ)" وَلَا خِلَافَ أَنَّهُ لَا يَكُونُ لِلْوَكِيلِ الْإِقْرَارُ إنْ نَهَاهُ مُوَكِّلُهُ عَنْهُ، وَأَمَّا إنْ أَطْلَقَ الْوَكَالَةَ فَالْمَعْرُوفُ مِنْ الْمَذْهَبِ أَنَّ الْوَكَالَةَ عَلَى الْخِصَامِ لَا تَسْتَلْزِمُ الْوَكَالَةَ عَلَى الْإِقْرَارِ إذَا لَمْ يَجْعَلْهُ إلَيْهِ، وَلَوْ أَقَرَّ لَمْ يَلْزَمْ. " وَرُوِيَ عَنْ مَالِكٍ لُزُومُ مَا أَقَرَّ بِهِ، وَعَلَى الْأَوَّلِ فَقَالَ ابْنُ الْعَطَّارِ وَجَمَاعَةٌ مِنْ الْأَنْدَلُسِيِّينَ وَغَيْرِهِمْ: إنَّ مِنْ حَقِّ الْخَصْمِ أَنْ لَا يُخَاصِمَ الْوَكِيلَ حَتَّى يَجْعَل لَهُ الْإِقْرَارَ.

(قَالَ فِي الْبَيَانِ) : " وَنَزَلَتْ عِنْدِنَا فَقَضَى فِيهَا بِأَنَّهُ لَا تُقْبَلُ مِنْهُ الْوَكَالَةُ إلَّا أَنْ يَحْضُرَ الْمُوَكِّلُ مَعَ وَكِيلِهِ فِي وَقْتِ الْحُكْمِ أَوْ يَكُونَ قَرِيبًا مِنْ مَجْلِسِ الْقَاضِي، وَأَمَّا إنْ جَعَلَ لَهُ الْإِقْرَارَ فَفِي الْمُتَيْطِيَّةِ يَلْزَمُهُ مَا أَقَرَّ بِهِ الْوَكِيلُ. "(قَالَ فِي الْكَافِي) : وَبِهِ جَرَى الْعَمَلُ عِنْدَنَا. وَزَعَمَ ابْنُ خُوَيْزِ مَنْدَادٍ أَنَّ تَحْصِيلَ الْمَذْهَبِ أَنَّهُ لَا يَلْزَمُهُ إقْرَارُهُ.

(قَالَ فِي الْكَافِي) : وَهَذَا غَيْرُ الْمُفَوَّضِ. قَالَ: وَاتَّفَقَ الْعُلَمَاءُ فِيمَنْ قَالَ: مَا أَقَرَّ بِهِ عَلَيَّ فُلَانٌ فَهُوَ لَازِمٌ لِي أَنْ لَا يَلْزَمَهُ. وَاخْتَلَفَ أَصْحَابُ الشَّافِعِيِّ إذَا قَالَ الْمُوَكِّلُ لِوَكِيلِهِ: أَقِرَّ عَنِّي لِفُلَانٍ بِأَلْفٍ هَلْ يَكُونُ ذَلِكَ إقْرَارًا بِالْأَلْفِ لِفُلَانٍ أَوْ لَا؟ وَاخْتَارَ الْمَازِرِيُّ أَنَّهُ إقْرَارٌ لَهُ وَقَدْ اشْتَمَلَ الْبَيْتُ الْأَوَّلُ عَلَى مَسْأَلَةٍ وَهِيَ أَنَّ نَقْصَ الْإِقْرَارِ وَالْإِنْكَارِ مِنْ وَكَالَةِ الْخِصَامِ يُوجِبُ رَدَّ الْوَكَالَةِ، وَقَدْ تَقَدَّمَ ذَلِكَ فِي كَلَامِ الْمُتَيْطِيِّ، وَفِي قَوْلِ التَّوْضِيحِ. وَعَلَى الْأَوَّلِ فَقَالَ ابْنُ الْعَطَّارِ إلَى قَوْلِهِ مِنْ مَجْلِسِ الْقَاضِي: وَفُهِمَ مِنْ قَوْلِهِ (تَوْكِيلُ الِاخْتِصَامِ) أَنَّ الْوَكَالَةَ الْمُفَوَّضَةَ لَا تُرَدُّ بِعَدَمِ النَّصِّ عَلَى الْإِقْرَارِ وَالْإِنْكَارِ بَلْ إنْ نَصَّ عَلَيْهِ فَلَا إشْكَالَ، وَإِنْ سَكَتَ عَنْهُ شَمِلَهُ التَّفْوِيضُ وَصَحَّ إقْرَارُ الْوَكِيلِ عَنْ مُوَكِّلِهِ. وَاشْتَمَلَ الْبَيْتُ الثَّانِي عَلَى مَسْأَلَةٍ أُخْرَى وَهِيَ أَنَّ وَكَالَةَ الْخِصَامِ إذَا لَمْ يُذْكَرْ فِيهَا الْإِقْرَارُ ثُمَّ أَقَرَّ الْوَكِيلُ فَإِنَّ إقْرَارَهُ لَا يَلْزَمُ الْمُوَكِّلَ، وَقَدْ تَقَدَّمَ هَذَا فِي كَلَامِ ابْنِ عَرَفَةَ، وَفِي قَوْلِ صَاحِبِ التَّوْضِيحِ. وَأَمَّا إنْ أَطْلَقَ الْوَكَالَةَ إلَى قَوْلِهِ (مَا أَقَرَّ بِهِ) وَإِذَا لَمْ يَصِحَّ الْإِقْرَارُ حَيْثُ لَمْ يَنُصَّ عَلَيْهِ فَأَحْرَى إنْ نَهَاهُ عَنْهُ كَمَا تَقَدَّمَ فِي أَوَّلِ كَلَامِ التَّوْضِيحِ.

وَمَنْ عَلَى خُصُومَةٍ مُعَيَّنَهْ

تَوْكِيلُهُ فَالطُّولُ لَنْ يُوَهِّنَهْ

يَعْنِي أَنَّ مَنْ وُكِّلَ عَلَى الْخِصَامِ فِي شَيْءٍ مُعَيَّنٍ ثُمَّ طَالَ الزَّمَانُ قَبْلَ كَمَالِ تِلْكَ الْخُصُومَةِ سَوَاءٌ ابْتَدَأَهَا ثُمَّ حَصَلَ الطُّولُ أَوْ حَصَلَ قَبْلَ ابْتِدَائِهَا فَإِنَّ لِلْوَكِيلِ تَمَامَ تِلْكَ الْخُصُومَةِ، وَلَا يُوهِنُ تَوْكِيلَهُ أَوْ

ص: 134

يُضْعِفُهُ ذَلِكَ الطُّولُ. فَفِي مَسَائِلِ ابْنِ حَبِيبٍ قَالَ سَحْنُونٌ فِيمَنْ وُكِّلَ عَلَى خُصُومَةٍ فَلَمْ يَقُمْ الْوَكِيلُ بِذَلِكَ إلَّا بَعْدَ سِنِينَ إمَّا أَنْشَبَ الْخُصُومَةَ قَبْلَ ذَلِكَ أَوْ لَمْ يَتَعَرَّضْ لِشَيْءٍ ثُمَّ قَامَ يَطْلُبُ بِتِلْكَ الْوَكَالَةِ الْقَدِيمَةِ فَقَالَ: " يَبْعَثُ الْقَاضِي إلَى الْمُوَكِّلِ يَسْأَلُ أَهُوَ عَلَى وَكَالَتِهِ أَمْ خَلَعَهُ؟ فَإِنْ كَانَ غَائِبًا فَالْوَكِيلُ عَلَى وَكَالَتِهِ ".

(قَالَ الشَّارِحُ) : " وَيَأْتِي بَعْدَ هَذَا مَا يَشْهَدُ لِهَذَا ". وَ (مَنْ) مَوْصُولَةٌ مُبْتَدَأٌ وَجُمْلَةُ تَوْكِيلُهُ عَلَى خُصُومَةٍ فِي الْمُبْتَدَأِ، وَالْخَبَرُ صِلَةُ (مَنْ) وَجُمْلَةُ (فَالطُّولُ لَنْ يُوَهِّنَهْ) خَبَرُ (مَنْ) .

وَإِنْ يَكُنْ قَدَّمَ لِلْمُخَاصَمَهْ

وَتَمَّ مَا أَرَادَ مَعَ مَنْ خَاصَمَهْ

وَرَامَ أَنْ يُنْشِئَ أُخْرَى فَلَهُ

ذَاكَ إذَا أَطْلَقَ مَنْ وَكَّلَهُ

وَلَمْ يَجُزْ عَلَيْهِ نِصْفُ عَامِ

مِنْ زَمَنِ التَّوْكِيلِ لِلْخِصَامِ

يَعْنِي أَنَّ مَنْ قُدِّمَ أَيْ وُكِّلَ عَلَى الْخُصُومَةِ فَخَاصَمَ وَتَمَّ خِصَامُهُ ثُمَّ أَرَادَ أَنْ يُنْشِئَ خُصُومَةً أُخْرَى عَنْ مُوَكِّلِهِ الْأَوَّلِ فَلَهُ ذَلِكَ بِشَرْطَيْنِ: أَحَدُهُمَا أَنْ تَكُونَ وَكَالَةً مُطْلَقَةً غَيْرَ مُقَيَّدَةٍ بِخُصُومَةٍ بِعَيْنِهَا، وَعَلَى ذَلِكَ نَبَّهَ بِقَوْلِهِ (إذَا أَطْلَقَ مَنْ وَكَّلَهُ) الثَّانِي أَنْ لَا يَبْعُدَ مَا بَيْنَ التَّوْكِيلِ وَالْخُصُومَةِ الثَّانِيَةِ بِسِتَّةِ أَشْهُرٍ فَأَكْثَرَ، وَعَلَى ذَلِكَ نَبَّهَ بِقَوْلِهِ

وَلَمْ يَجُزْ عَلَيْهِ نِصْفُ عَامٍ

إلَخْ (قَالَ فِي الْمَقْصِدِ الْمَحْمُودِ) : " وَإِنْ كَانَتْ الْوَكَالَةُ مُبْهَمَةً، لِلْوَكِيلِ أَنْ يُخَاصِمَ عَنْهُ فِي قَضِيَّةٍ أُخْرَى يُحْدِثَانِ الْقَضِيَّةَ الْأُولَى، وَلَيْسَ ذَلِكَ فِي قَضِيَّةٍ مُفَسَّرَةٍ بِمُطَالَبَةِ فُلَانٍ وَلَا فِي الْمُبْهَمَةِ إذَا طَالَ الزَّمَانُ نَحْوَ سِتَّةِ أَشْهُرٍ، وَأَمَّا إذَا اتَّصَلَ الْخِصَامُ فِيهَا فَلَهُ التَّكَلُّمُ عَنْهُ وَإِنْ طَالَ الْأَمَدُ اهـ.

(وَسُئِلَ) الْإِمَامُ أَبُو إِسْحَاقَ الشَّاطِبِيُّ عَمَّنْ قَامَ وَكَالَةً عَنْ غَائِبٍ بَعْدَ نَحْوِ ثَلَاثِينَ سَنَةً وَلَمْ يَكُنْ أَشْهَدَ بِقَبُولِ الْوَكَالَةِ وَقَدْ تَعَلَّقَ الْآنَ لِوَلَدِ الْقَائِمِ بِالْوَكَالَةِ حَقٌّ فِي مَالِ الْغَائِبِ (فَأَجَابَ) بِأَنَّ عَدَمَ الْإِشْهَادِ بِقَبُولِ الْوَكَالَةِ مَعَ تَرْكِهِ النَّظَرَ فِيمَا وُكِّلَ عَلَيْهِ الثَّلَاثِينَ سَنَةً وَنَحْوَهَا مِمَّا يَدُلُّ عَلَى أَنَّهُ لَمْ يَقْبَلْهَا وَلَا الْتَفَتَ إلَى قَبُولِهَا فَلَا يَصِحُّ الْآنَ الْقِيَامُ بِهَا إلَّا بِتَجْدِيدِ وَكَالَةٍ أُخْرَى مِنْ الْمُوَكِّلِ الْغَائِبِ، أَوْ يَنْظُرُ الْقَاضِي فِي ذَلِكَ فَيُقَدِّمُ لِلنَّظَرِ فِي مَالِ الْغَائِبِ مَنْ يَرْتَضِيهِ، وَلَا حُجَّةَ لَهُ مِنْ دَعْوَى عَدَمِ الْعِلْمِ بِالْوَكَالَةِ حَتَّى الْآنَ إذَا كَانَ حَاضِرًا بِالْبَلَدِ الَّذِي وُكِّلَ فِيهِ؛ لِأَنَّهُ يَدَّعِي مَا لَا يُشْبِهُ؛ وَلِأَنَّهُ يُتَّهَمُ حِينَ تَعَلَّقَ لِابْنِهِ حَقٌّ فِي مَالِ الْغَائِبِ اهـ.

(فَرْعٌ) مِمَّا يَدْخُلُ فِي الْإِطْلَاقِ فِي التَّوْكِيلِ قِيَامُ الْوَكِيلِ عِنْدَ مَنْ شَاءَ مِنْ الْقُضَاةِ بِخِلَافِ مَا إذَا خَصَّهُ بِقَاضٍ بِعَيْنِهِ، وَنَصَّ عَلَى ذَلِكَ الْمُوَثِّقُونَ. (قَالَ ابْنُ فَتُّوحٍ) : وَإِذَا وَكَّلَهُ عَلَى الْخِصَامِ عِنْدَ حَاكِمٍ بِعَيْنِهِ قَدْ صَرَّحَ بِاسْمِهِ فَلَيْسَ لَهُ أَنْ يُخَاصِمَ عِنْدَ غَيْرِهِ إذَا لَمْ يَكُنِ التَّوْكِيلُ مُجْمَلًا، وَإِذَا كَانَ التَّوْكِيلُ مُجْمَلًا وَلَمْ يُذْكَرْ فِيهِ عِنْدَ حَاكِمِ كَذَا فَلَهُ أَنْ يُنَاظِرَ عَنْهُ حَيْثُ شَاءَ اهـ.

وَمَوْتُ مَنْ وَكَّلَ أَوْ وَكِيلِ

يَبُتُّ مَا كَانَ مِنْ التَّوْكِيلِ

وَلَيْسَ مَنْ وَكَّلَهُ مُوَكَّلُ

بِمَوْتِ مَنْ وَكَّلَهُ يَنْعَزِلُ

وَالْعَزْلُ لِلْوَكِيلِ وَالْمُوَكَّلِ

مِنْهُ يَحِقُّ بِوَفَاةِ الْأَوَّلِ

ص: 135

اشْتَمَلَ كُلُّ بَيْتٍ مِنْ الْأَبْيَاتِ الثَّلَاثَةِ عَلَى مَسْأَلَةٍ، فَمَسْأَلَةُ الْبَيْتِ الْأَوَّلِ هِيَ أَنَّ مَنْ وَكَّلَ وَكِيلًا فَمَاتَ الْمُوَكِّلُ وَالْوَكِيلُ فَإِنَّ التَّوْكِيلَ يَبْطُلُ بِمَوْتِ الْمُوَكِّلِ؛ لِأَنَّ الْحَقَّ انْتَقَلَ لِغَيْرِهِ مِنْ الْوَرَثَةِ وَلَا إشْكَالَ فِي بُطْلَانِهِ بِمَوْتِ الْوَكِيلِ؛ إذْ لَيْسَتْ الْوَكَالَةُ حَقًّا لِلْوَكِيلِ فَتُورَثُ عَنْهُ. وَمَسْأَلَةُ الْبَيْتِ الثَّانِي هِيَ أَنَّ مَنْ وَكَّلَ وَكِيلًا فَوَكَّلَ الْوَكِيلُ وَكِيلًا آخَرَ مِنْ تَحْتِهِ لِكَوْنِ الْمُوَكَّلِ جَعَلَ لَهُ ذَلِكَ، أَوْ كَانَ وَكِيلًا مُفَوَّضًا فَمَاتَ الْوَكِيلُ الْأَوَّلُ فَإِنَّ الْوَكِيلَ الثَّانِي لَا يَنْعَزِلُ بِمَوْتِ الْوَكِيلِ الْأَوَّلِ، لِأَنَّ الثَّانِيَ وَكِيلٌ عَنْ الْمُوَكِّلِ أَيْضًا كَالْأَوَّلِ لَا عَنْ الثَّانِي، فَمِنْ قَوْلِهِ (وَلَيْسَ مَنْ وَكَّلَهُ) وَاقِعَةٌ عَلَى الْوَكِيلِ الثَّانِي (وَمَنْ) الثَّانِيَةُ وَاقِعَةٌ عَلَى الْوَكِيلِ الْأَوَّلِ.

وَمَسْأَلَةُ الْبَيْتِ الثَّالِثِ هِيَ أَنَّ مَنْ وَكَّلَ وَكِيلًا فَوَكَّلَ الْوَكِيلُ وَكِيلًا آخَرَ مِنْ تَحْتِهِ ثُمَّ مَاتَ الْمُوَكِّلُ فَإِنَّ الْوَكِيلَيْنِ مَعًا يَنْعَزِلَانِ، فَهِيَ كَالثَّانِيَةِ إلَّا أَنَّ الْمَيِّتَ فِي الثَّانِيَةِ هُوَ الْوَكِيلُ الْأَوَّلُ وَالْمَيِّتُ فِي الثَّالِثَةِ هُوَ الْمُوَكِّلُ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ.

(قَالَ ابْنُ يُونُسَ) : " قَالَ ابْنُ الْقَاسِمِ: " مَنْ أَمَرَ رَجُلًا يَشْتَرِي لَهُ سِلْعَةً وَلَمْ يَدْفَعْ لَهُ ثَمَنَهَا أَوْ دَفَعَهُ إلَيْهِ وَاشْتَرَاهَا الْوَكِيلُ بَعْدَ مَوْتِ الْآمِرِ وَلَمْ يَعْلَمْ بِمَوْتِهِ أَوْ اشْتَرَاهَا ثُمَّ مَاتَ الْآمِرُ فَذَلِكَ لَازِمٌ لِلْوَرَثَةِ، إلَّا أَنْ يَشْتَرِيَهَا وَهُوَ يَعْلَمُ بِمَوْتِ الْآمِرِ فَلَا يَلْزَمُ الْوَرَثَةَ ذَلِكَ وَعَلَيْهِ غُرْمُ الثَّمَنِ؛ لِأَنَّ وَكَالَتَهُ قَدْ انْفَسَخَتْ ". وَقَالَهُ مَالِكٌ فِيمَنْ لَهُ وَكِيلٌ بِبَلَدٍ يُجَهِّزُ إلَيْهِ الْمَتَاعَ:" إنَّ مَا بَاعَ أَوْ اشْتَرَى بَعْدَ مَوْتِ الْآمِرِ وَلَمْ يَعْلَمْ بِمَوْتِهِ فَهُوَ لَازِمٌ لِلْوَرَثَةِ، وَمَا بَاعَ أَوْ اشْتَرَى بَعْدِ عِلْمِهِ بِمَوْتِهِ لَمْ يَلْزَمْهُمْ؛ لِأَنَّ وَكَالَتَهُ قَدْ انْفَسَخَتْ ".

ثُمَّ قَالَ: " إلَّا أَنْ يَمُوتَ عِنْدَمَا أَشْرَفَ الْوَكِيلُ عَلَى تَمَامِ الْخُصُومَةِ، وَبِحَيْثُ لَوْ أَرَادَ الْمَيِّتُ فَسْخَ وَكَالَتِهِ وَيُخَاصِمُ هُوَ أَوْ يُوَكِّلُ غَيْرَهُ لَمْ يَكُنْ لَهُ ذَلِكَ فَحِينَئِذٍ لَا تَنْفَسِخُ وَكَالَتُهُ بِمَوْتِ الْآمِرِ، قَالَ: " وَمَا كَانَ مِنْ يَمِينٍ يَحْلِفُهَا الْآمِرُ حَلَفَهَا الْوَرَثَةُ إنْ كَانَ فِيهِمْ مَنْ بَلَغَهُ عِلْمُ ذَلِكَ " اهـ. وَهَذَا فِقْهُ مَوْتِ الْمُوَكِّلِ وَهُوَ أَحَدُ طَرَفَيْ الْمَسْأَلَةِ الْأُولَى.

(وَقَالَ الْمَازِرِيُّ مَا مَعْنَاهُ) : إذَا وَكَّلَ الْوَكِيلُ فِي الْمَوْضِعِ الَّذِي يَصِحُّ لَهُ التَّوْكِيلُ ثُمَّ مَاتَ الْوَكِيلُ الْأَوَّلُ فَالْأَظْهَرُ أَنَّ الْوَكِيلَ الثَّانِي لَا يَنْعَزِلُ بِمَوْتِ الْأَوَّلِ بِخِلَافِ انْعِزَالِ الْوَكِيلِ الْأَوَّلِ بِمَوْتِ مَنْ وَكَّلَهُ؛ لِأَنَّ الْوَكِيلَ الْأَوَّلَ إذَا وَكَّلَ رَجُلًا بِإِذْنِ رَبِّ الْمَالِ فَكَأَنَّ رَبَّ الْمَالِ وَكَّلَهُ وَنَابَ عَنْهُ هُوَ فِي هَذَا، فَيَكُونُ تَصَرُّفُ هَذَا الْوَكِيلِ الثَّانِي فِيمَا يَكُونُ فِيهِ تَصَرُّفَ الْوَكِيلِ الْأَوَّلِ لَازِمًا لِرَبِّ الْمَالِ كَتَصَرُّفِ رَبِّ الْمَالِ نَفْسِهِ اهـ وَهَذَا فِقْهُ مَوْتِ الْوَكِيلِ الْأَوَّلِ مِنْ الْعُتْبِيَّةِ. قَالَ يَحْيَى عَنْ ابْنِ وَهْبٍ: وَإِذَا مَاتَ الْوَكِيلُ فَلَيْسَ وَلَدُهُ بِمَثَابَتِهِ. اهـ وَهَذَا فِقْهُ مَوْتِ الْوَكِيلِ. وَإِنَّ الْوَكَالَةَ تَنْفَسِخُ أَيْضًا وَهُوَ الطَّرَفُ الثَّانِي لِلْمَسْأَلَةِ الْأُولَى. وَلَمْ يَنْقُلْ الشَّارِحُ عَلَى فَسْخِ وَكَالَةِ الْوَكِيلِ الْأَوَّلِ وَالثَّانِي بِمَوْتِ الْمُوَكِّلِ فِقْهًا صَرِيحًا، وَلَكِنَّهُ ظَاهِرٌ مِمَّا تَقَدَّمَ مِنْ فَسْخِهَا بِمَوْتِ الْمُوَكِّلِ إذْ ظَاهِرُهُ كَانَ الْوَكِيلُ وَاحِدًا أَوْ مُتَعَدِّدًا بِسَبَبِ تَوْكِيلِ الْوَكِيلِ وَكِيلًا آخَرَ مِنْ تَحْتِهِ.

وَمَا لِمَنْ حَضَرَ فِي الْجِدَالِ

ثَلَاثَ مَرَّاتٍ مِنْ انْعِزَالِ

إلَّا لِعُذْرِ مَرَضٍ أَوْ لِسَفَرْ

وَمِثْلُهُ مُوَكِّلٌ ذَاكَ حَضَرْ

اشْتَمَلَ الْبَيْتَانِ عَلَى مَسْأَلَتَيْنِ: إحْدَاهُمَا الْوَكِيلُ إذَا جَالَسَ خَصْمَهُ عِنْدَ الْقَاضِي ثَلَاثًا فَأَكْثَرَ فَلَيْسَ

ص: 136

لِمُوَكِّلِهِ عَزْلُهُ وَلَا لَهُ هُوَ أَنْ يَعْزِلَ نَفْسَهُ، وَيَنْحَلَّ مِنْ التَّوْكِيلِ لِمَا يَلْحَقُ خَصْمَهُ فِي ذَلِكَ مِنْ الضَّرَرِ إلَّا لِعُذْرٍ يَحْدُثُ لِلْوَكِيلِ مِنْ مَرَضٍ أَوْ سَفْرٍ فَيَنْعَزِلَ إذْ ذَاكَ. وَعَلَى هَذَا نَبَّهَ بِالْبَيْتِ الْأَوَّلِ وَشَطْرِ الثَّانِي. الثَّانِيَةُ: أَنَّ صَاحِبَ الْحَقِّ إذَا قَاعَدَ خَصْمَهُ ثَلَاثَ مَرَّاتٍ أَيْ فَأَكْثَرَ ثُمَّ أَرَادَ أَنْ يُوَكِّلَ فَلَيْسَ لَهُ ذَلِكَ أَيْضًا، وَعَلَى ذَلِكَ نَبَّهَ بِقَوْلِهِ:

وَمِثْلُهُ مُوَكِّلٌ ذَاكَ حَضَرَ

وَسَمَّاهُ مُوَكِّلًا بِالْكَسْرِ بِاعْتِبَارِ الْمَآلِ وَهَذَا مَا لَمْ يَرْضَ الْمُوَكَّلُ عَلَيْهِ بِعَزْلِ الْوَكِيلِ فِي الْأُولَى وَبِالتَّوْكِيلِ فِي الثَّانِيَةِ فَلَهُ ذَلِكَ.

(قَالَ الْمُتَيْطِيُّ) : " وَلِلْمُوَكِّلِ عَزْلُ الْوَكِيلِ مَا لَمْ يُنَاشِبْ الْخُصُومَةَ فَإِنْ كَانَ الْوَكِيلُ قَدْ نَازَعَ خَصْمَهُ وَجَالَسَهُ عِنْدَ الْحَاكِمِ ثَلَاثَ مَرَّاتٍ فَأَكْثَرَ لَمْ يَكُنْ لَهُ عَزْلُهُ ". قَالَ: " وَفِي الْمَكَانِ الَّذِي لَا يَكُونُ لِلْمُوَكِّلِ أَنْ يَعْزِلَهُ عَنْ الْخِصَامِ لَا يَكُونُ لَهُ هُوَ أَنْ يَنْحَلَّ عَنْهُ إذَا قَبِلَ الْوَكَالَةَ " قَالَ: " وَإِنْ خَاصَمَ الرَّجُلُ عَنْ نَفْسِهِ وَقَاعَدَ خَصْمَهُ أَيْضًا ثَلَاثَ مَجَالِسَ وَانْعَقَدَتْ الْمَقَالَاتُ بَيْنَهُمَا لَمْ يَكُنْ لَهُ بَعْدَ ذَلِكَ أَنْ يُوَكِّلَ خَصْمًا يَتَكَلَّمَ عَنْهُ إذَا مَنَعَهُ صَاحِبُهُ مِنْ ذَلِكَ، إلَّا أَنْ يَمْرَضَ أَوْ يُرِيدَ سَفَرًا، وَيُعَرِّفُ ذَلِكَ وَلَا يُمْنَعُ الْخَصْمَانِ مِنْ السَّفَرِ، وَلَا مَنْ أَرَادَهُ مِنْهُمَا وَيَكُونُ لَهُ أَنْ يُوَكِّلَ عَنْهُ عِنْدَ ذَلِكَ.

(قَالَ مُحَمَّدُ بْنُ أَحْمَدَ الْقَطَّانُ) : وَيَلْزَمُهُ فِي السَّفَرِ الْيَمِينُ أَنَّهُ مَا اسْتَعْمَلَ السَّفَرَ لِيُوَكِّلَ غَيْرَهُ فَإِنْ نَكَلَ عَنْ الْيَمِينِ لَمْ يُبَحْ لَهُ تَوْكِيلُ غَيْرِهِ إلَّا أَنْ يَشَاءَ خَصْمُهُ.

(وَقَالَ مُحَمَّدُ بْنُ عُمَرَ بْنِ الْفَخَّارِ) لَا يَمِينَ عَلَيْهِ اهـ.

(وَمَا) نَافِيَةٌ، (وَمَنْ) مَوْصُولَةٌ وَاقِعَةٌ عَلَى الْوَكِيلِ، وَجُمْلَةُ (حَضَرْ) صِلَةُ مَنْ، (وَانْعِزَالِ) مُبْتَدَأٌ جُرَّ بِمِنْ الزَّائِدَةِ، وَالْجَارُّ وَالْمَجْرُورُ وَهُوَ (لِمَنْ حَضَرَ) خَبَرُ (انْعِزَالِ) ، مُوَكِّلٌ بِالْكَسْرِ مُبْتَدَأٌ، (وَذَاكَ حَضَرَ) صِفَتُهُ، وَهُوَ الْمُسَوِّغُ، (وَمِثْلُهُ) خَبَرٌ مُقَدَّمٌ، وَالْإِشَارَةُ لِمُقَاعَدَةِ الْخَصْمِ ثَلَاثَ مَرَّاتٍ.

وَمَنْ لَهُ مُوَكَّلٌ وَعَزَلَهْ

لِخَصْمِهِ إنْ شَاءَ أَنْ يُوَكِّلَهْ

يَعْنِي أَنَّ مَنْ وَكَّلَ وَكِيلًا ثُمَّ عَزَلَهُ - حَيْثُ يَجُوزُ لَهُ - فَأَرَادَ خَصْمُهُ أَنْ يُوَكِّلَ ذَلِكَ الْوَكِيلَ الْمَعْزُولَ فَإِنَّ ذَلِكَ لَهُ وَلَا حُجَّةَ لِمَنْ عَزَلَهُ أَنْ يَقُولَ: إنَّهُ قَدْ اطَّلَعَ عَلَى خُصُومَتِي وَعَلِمَ كُنْهَ حُجَّتِي فَلَا يَتَوَكَّلُ عَلَيَّ. (قَالَ فِي الِاسْتِغْنَاءِ) : " مَنْ عَزَلَ وَكِيلَهُ فَأَرَادَ خَصْمُهُ تَوْكِيلَهُ فَأَبَى الْأَوَّلُ وَذَلِكَ لِمَا اطَّلَعَ عَلَيْهِ مِنْ عَوْرَاتِهِ وَوُجُوهِ

ص: 137

خُصُومَاتِهِ فَإِنَّهُ لَا يُقْبَلُ قَوْلُهُ وَلَهُ أَنْ يُوَكِّلَهُ إنْ شَاءَ " اهـ. .

وَكُلُّ مَنْ عَلَى مَبِيعٍ وُكِّلَا

كَانَ لَهُ الْقَبْضُ إذَا مَا أَغْفَلَا

يَعْنِي أَنَّ مَنْ وَكَّلَ وَكِيلًا عَلَى بَيْعِ شَيْءٍ فَبَاعَهُ فَإِنَّ لِلْوَكِيلِ مُطَالَبَةَ الْمُشْتَرِي بِدَفْعِهِ الثَّمَنَ سَوَاءٌ نَصَّ لَهُ الْمُوَكِّلُ عَلَى قَبْضِ الثَّمَنِ أَوْ لَمْ يَنُصَّ لَهُ عَلَيْهِ، وَعَلَى ذَلِكَ نَبَّهَ بِقَوْلِهِ (إذَا مَا أَغْفَلَا) فَمَا زَائِدَةٌ وَفُهِمَ مِنْ قَوْلِهِ (إذَا مَا أَغْفَلَا) أَنَّ لَهُ أَنْ يَقْبِضَ إذَا نَصَّ عَلَيْهِ مِنْ بَابِ أَوْلَى وَهُوَ كَذَلِكَ.

(قَالَ الْمُتَيْطِيُّ) : " وَلَيْسَ لِلْوَكِيلِ أَنْ يَنْتَهِيَ مِنْ وَكَالَتِهِ إلَى أَكْثَرَ مِمَّا جَعَلَهُ إلَيْهِ مُوَكِّلُهُ بِإِفْصَاحٍ أَوْ تَبْيِينٍ إلَّا الْمَأْمُورَ بِالْبَيْعِ فَلَهُ قَبْضُ الثَّمَنِ فَإِنْ لَمْ يَقْبِضْ الثَّمَنَ ضَمِنَهُ إنْ مَاتَ مُبْتَاعُ ذَلِكَ الشَّيْءِ ".

(قَالَ ابْنُ فَتُّوحٍ) : " وَمَنْ وُكِّلَ عَلَى بَيْعِ سِلْعَةٍ وَلَمْ يُوَكَّلْ عَلَى قَبْضِ الثَّمَنِ فَإِنَّ لِلْوَكِيلِ قَبْضُهُ دُونَ تَوْكِيلٍ " اهـ.

(قَالَ الشَّارِحُ) : " وَمِمَّا يُشْبِهُ قَبْضَ ثَمَنِ الْمَبِيعِ لِلْوَكِيلِ عَلَى الْبَيْعِ قَبْضُ الْمَبِيعِ لِلْوَكِيلِ عَلَى الشِّرَاءِ ".

وَظَاهِرُ إطْلَاقَاتِهِمْ لَا فَرْقَ بَيْنَهُمَا.

(وَفِي ابْنِ الْحَاجِبِ)" وَيَمْلِكُ الْوَكِيلُ عَلَى الْمُطَالَبَةِ بِالثَّمَنِ وَقَبْضِهِ وَقَبْضِ الْمَبِيعِ وَالرَّدِّ بِالْعَيْبِ "(قَالَ فِي التَّوْضِيحِ) : " يَعْنِي أَنَّ التَّوْكِيلَ عَلَى الْمَبِيعِ يَسْتَلْزِمُ أَنْ يَكُونَ لِلْوَكِيلِ الْمُطَالَبَةُ بِالثَّمَنِ وَقَبْضُ الثَّمَنِ، وَلِذَلِكَ لَمْ يَكُنْ لَهُ أَنْ يُسَلِّمَ الْمَبِيعَ وَهُوَ لَمْ يَقْبِضْ ثَمَنَهُ، وَهَذَا مُقَيَّدٌ بِمَا إذَا لَمْ تَكُنِ الْعَادَةُ التَّرْكَ فَقَدْ نَصَّ أَبُو عِمْرَانَ عَلَى أَنَّهُ لَوْ كَانَتْ الْعَادَةُ فِي الرِّبَاعِ أَنَّ وَكِيلَ الْبَيْعِ لَا يَقْبِضُ الثَّمَنَ فَإِنَّ الْمُشْتَرِيَ لَا يَبْرَأُ بِالدَّفْعِ إلَيْهِ ". وَقَوْلُهُ (وَقَبْضُ الْمَبِيعِ) أَيْ وَالْوَكَالَةُ عَلَى الشِّرَاءِ تَسْتَلْزِمُ قَبْضَ مَا اشْتَرَاهُ، وَتَسْتَلْزِمُ الرَّدَّ بِالْعَيْبِ. وَلِهَذَا قَالَ ابْنُ الْهِنْدِيِّ: كُلُّ مَنْ نُصَّ لَهُ فِي الْوَكَالَةِ عَلَى شَيْءٍ فَلَا يَتَعَدَّاهُ إلَّا هُنَا، وَأَمَّا لَوْ وَكَّلَهُ عَلَى الْبَيْعِ وَصَرَّحَ بِأَنْ لَا يَقْبِضَ الثَّمَنَ فَلَا يَكُونُ لَهُ الْقَبْضُ وَقَوْلُهُ (وَالرَّدِّ بِالْعَيْبِ) يُرِيدُ وَلَمْ يَعْلَمْ الْوَكِيلُ بِالْعَيْبِ قَبْلَ شِرَائِهِ، وَدَلَّ عَلَى ذَلِكَ قَوْلُهُ (فَإِنْ عَلِمَ بِالْعَيْبِ كَانَ لَهُ أَيْ كَانَ الْمَبِيعُ لِلْوَكِيلِ) وَلَا يَرُدُّهُ إلَّا أَنْ يَكُونَ الْعَيْبُ يَسِيرًا أَوْ فِي شِرَائِهِ غِبْطَةٌ وَنَظَرٌ فَيَلْزَمُ الْمُوَكِّلَ صَحَّ وَآخِرُهُ بِالْمَعْنَى وَقَوْلُهُ (عَلَى مَبِيعٍ) أَيْ عَلَى بَيْعِ مَبِيعٍ أَيْ بَيْعِ مَا يُبَاعُ.

ص: 138

وَغَائِبٌ يَنُوبُ فِي الْقِيَامِ

عَنْهُ أَبٌ وَابْنٌ وَفِي الْخِصَامِ

وَجَائِزٌ إثْبَاتُ غَيْرِ الْأَجْنَبِي

لِمَنْ يَغِيبُ وَاخْتِصَامُهُ أَبِي

يَعْنِي أَنَّ الْغَائِبَ إذَا ظَهَرَ لَهُ حَقٌّ كَظُهُورِ دَابَّةٍ أَوْ عَبْدٍ سُرِقَ لَهُ أَوْ أُخِذَ شَيْءٌ مِنْ مَالِهِ أَوْ أُحْدِثَ عَلَيْهِ ضَرَرٌ فِي دَارِهِ مَثَلًا أَوْ أَرْضِهِ وَلَمْ يَتْرُكْ وَكِيلًا يَقُومُ بِأُمُورِهِ فَإِنَّهُ يَجُوزُ لِأَبِيهِ أَوْ ابْنِهِ أَنْ يَقُومَ عَنْهُ، وَيُخَاصِمَ عَنْهُ وَعَلَى ذَلِكَ نَبَّهَ بِالْبَيْتِ الْأَوَّلِ فَقَوْلُهُ (وَفِي الْخِصَامِ) عَطْفٌ عَلَى (الْقِيَامِ) ، وَأَمَّا غَيْرُ الْأَبِ وَالِابْنِ فَإِنْ كَانَ أَجْنَبِيًّا فَلَا كَلَامَ لَهُ وَلَا يُمَكَّنُ مِنْ الْقِيَامِ، وَلَا مِنْ الْخِصَامِ، وَإِنْ كَانَ غَيْرَ أَجْنَبِيٍّ يُمَكَّنُ مِنْ الْقِيَامِ وَالْإِثْبَاتِ وَلَا يُمَكَّنُ مِنْ الْخِصَامِ، وَعَلَى ذَلِكَ نَبَّهَ بِالْبَيْتِ الثَّانِي فَظَاهِرُ الْبَيْتَيْنِ أَنَّ هَذَا قَوْلٌ وَاحِدٌ بِالتَّفْصِيلِ بَيْنَ الْقَرِيبِ جِدًّا وَهُوَ الْأَبُ فِي مَالِ ابْنِهِ وَالِابْنُ فِي مَالِ أَبِيهِ، وَالْقَرِيبِ لِأَحَدٍ، وَبَيْنَ الْأَجْنَبِيِّ، وَكَذَا قَرَّرَهُ الشَّارِحُ قَائِلًا:" الْأَصْلُ أَنْ لَا يَنُوبَ أَحَدٌ عَنْ أَحَدٍ إلَّا بِاسْتِخْلَافِهِ إيَّاهُ وَاسْتِنَابَتِهِ لَهُ إلَّا أَنَّهُمْ اسْتَثْنَوْا مِنْ ذَلِكَ قِيَامَ الْأَبِ عَنْ ابْنِهِ وَقِيَامَ الِابْنِ عَنْ أَبِيهِ مِنْ غَيْرِ اسْتِخْلَافِ أَحَدِهِمَا لِلْآخَرِ. وَإِنَّمَا ذَلِكَ لِلْخُصُوصِيَّةِ الَّتِي اقْتَضَتْهَا نِسْبَةُ الْأُبُوَّةِ مِنْ الْبُنُوَّةِ وَنِسْبَةُ الْبُنُوَّةِ مِنْ الْأُبُوَّةِ، فَلِذَلِكَ أُنْزِلَ أَحَدُهُمَا لِلْآخَرِ مَنْزِلَةَ الْوَكِيلِ وَإِنْ لَمْ يُوجَدْ مِنْهُ النَّصُّ عَلَى تَوْكِيلِهِ فَأَبَاحُوا لِكُلِّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا الْقِيَامَ عَنْ صَاحِبِهِ، وَلَمَّا كَانَ مَنْ سِوَاهُمَا مِنْ الْأَقَارِبِ لَا تُوجَدُ فِيهِ هَذِهِ الْخُصُوصِيَّةُ أَبَاحُوا لَهُ إثْبَاتَ حَقِّ الْغَائِبِ خِيفَةَ ضَيَاعِهِ بِمَوْتِ مَنْ يَشْهَدُ لَهُ أَوْ بِغَيْبَتِهِ، وَلِكَوْنِهِ لَا ضَرَرَ عَلَيْهِ فِي إثْبَاتِ حَقِّهِ لَهُ، وَمَنَعُوا مِنْ الْخُصُومَةِ وَمَا أَشْبَهَهَا لِعَدَمِ فَوْتِ ذَلِكَ عَلَيْهِ وَلِاتِّقَاءِ الْمَضَرَّةِ الدَّاخِلَةِ عَلَيْهِ مِنْ قِبَلِ مَنْ يَخْتَصِمُ عَنْهُ مِمَّنْ يُمْكِنُ أَنْ لَا يَكُونَ اسْتَوْفَى حُجَّتَهُ اهـ بِبَعْضِ اخْتِصَارٍ. ثُمَّ جَلَبَ الشَّارِحُ كَلَامَ الْعُتْبِيَّةِ وَابْنِ رُشْدٍ قَائِلًا: " أَجَازَ فِي هَذِهِ الرِّوَايَةِ لِلِابْنِ أَنْ يُخَاصِمَ عَنْ أَبِيهِ الْغَائِبِ فِي رِبَاعِهِ وَحَيَوَانِهِ وَجَمِيعِ مَالِهِ دُونَ الْوَكِيلِ وَكَذَلِكَ الْأَبُ فِيمَا ادَّعَى لِابْنِهِ ".

(وَقَالَ فِي الْوَاضِحَةِ) : " إنَّ ذَلِكَ فِي الْأَبِ أَبْيَنُ مِنْهُ فِي الِابْنِ. " وَلَمْ يُرْوَ ذَلِكَ لِمَنْ سِوَى الْأَبِ وَالِابْنِ مِنْ الْقَرَابَةِ وَالْعَشِيرَةِ، وَيُمَكَّنُ مِنْ إقَامَةِ الْبَيِّنَةِ وَإِثْبَاتِ الْحَقِّ لَا أَكْثَرَ. ثُمَّ قَالَ: " وَالصَّوَابُ أَنَّ الْأَبَ وَالِابْنَ يُمَكَّنَانِ مِنْ الْإِثْبَاتِ وَالْخُصُومَةِ عَنْ الْغَائِبِ، وَمَنْ عَدَاهُمَا مِنْ الْقَرَابَةِ لَا يُمَكَّنُونَ إلَّا مِنْ الْإِثْبَاتِ لَا غَيْرُ، وَلَا يُمَكَّنُونَ مِنْ الْخُصُومَةِ. وَظَاهِرُ الرِّوَايَةِ أَنَّ الْأَجْنَبِيَّ لَا يُمَكَّنُ مِنْ شَيْءٍ. وَاَلَّذِي فِي التَّوْضِيحِ قَبْلَ بَابِ الْعَدَالَةِ مُتَّصِلًا بِهِ إذَا قَامَ عَنْ الْغَائِبِ مُحْتَسِبٌ فِي شَيْءٍ تُسُوِّرَ فِيهِ عَلَى الْغَائِبِ، أَوْ أُخِذَ لَهُ، أَوْ فِي عَيْبٍ أُحْدِثَ عَلَيْهِ فِي دَارِهِ أَوْ أَرْضِهِ فَهَلْ يُمَكِّنُ الْقَاضِي هَذَا الْقَائِمَ مِنْ مُخَاصِمَةِ ذَلِكَ الْمُتَعَدِّي أَمْ لَا؟ خَمْسَةُ أَقْوَالٍ: أَحَدُهَا: أَنَّهُ لَا يُمَكَّنُ مِنْ ذَلِكَ إلَّا الْأَبُ وَالِابْنُ وَمَنْ لَهُ قَرَابَةٌ قَرِيبَةٌ، ثُمَّ إذَا مَكَّنَهُ مِنْ الْمُخَاصَمَةِ فَلَا يُخْرِجُ الْمِلْكَ مِنْ يَدِ حَائِزِهِ، وَلَا يُزِيلُ الْعَيْبَ الَّذِي أُحْدِثَ لِاحْتِمَالِ أَنْ يُقِرَّ بِهِ الْغَائِبُ أَوْ يُقِرَّ أَنَّهُ أُعْلِمَ بِمَا أُحْدِثَ، وَإِنَّمَا يَشْهَدُ بِذَلِكَ خَوْفًا مِنْ مَوْتِ الشُّهُودِ ثُمَّ يُنْظَرُ الْغَائِبُ، وَلَوْ أَقَرَّ مَنْ بِيَدِهِ الْعَقَارُ أَوْ غَيْرُهُ أَنَّهُ لِغَائِبٍ أَخْرَجَهُ عَنْهُ وَجَعَلَهُ بِيَدِ ثِقَةٍ، وَيَقْطَعُ الْعَيْبَ إنْ اعْتَرَفَ بِإِحْدَاثِهِ.

وَثَانِيهَا: أَنَّهُ يُمَكَّنُ مِنْ ذَلِكَ الْقَرِيبُ وَالْأَجْنَبِيُّ قَالَهُ ابْنُ الْقَاسِمِ أَيْضًا، وَذَهَبَ سَحْنُونٌ إلَى أَنَّ الْقَاضِيَ يُوَكِّلُ عَنْ الْغَائِبِ وَهُوَ أَحَدُ قَوْلَيْ ابْنِ الْمَاجِشُونِ، وَقَالَهُ أَصْبَغُ. وَثَالِثُهَا: أَنَّهُ يُمَكَّنُ مِنْ إقَامَةِ الْبَيِّنَةِ وَلَا يُمَكَّنُ مِنْ الْخُصُومَةِ، وَرَابِعُهَا: أَنَّهُ لَا يُمَكَّنُ مِنْ إقَامَةِ الْبَيِّنَةِ وَلَا مِنْ الْخُصُومَةِ إلَّا بِتَوْكِيلِ الْغَائِبِ قَالَهُ ابْنُ الْمَاجِشُونِ وَمُطَرِّفٌ فِي الْوَاضِحَةِ، خَامِسُهَا: أَنَّ الْقَرِيبَ وَالْأَجْنَبِيَّ يُمَكَّنُ مِنْ الْخُصُومَةِ فِي الْعَبْدِ وَالدَّابَّةِ وَالثَّوْبِ دُونَ تَوْكِيلٍ، لِأَنَّ هَذِهِ الْأَشْيَاءَ تَفُوتُ وَتَحُولُ وَتَغِيبُ، وَلَا يُمَكَّنُ مِنْ الْخُصُومَةِ فِي غَيْرِ ذَلِكَ إلَّا الْأَبُ وَالِابْنُ، حَكَاهُ ابْنُ حَبِيبٍ وَمُطَرِّفٌ. وَعَلَى الْقَوْلِ بِالتَّمْكِينِ فَهَلْ هَذَا فِي الْقَرِيبِ وَالْبَعِيدِ، أَوْ فِي الْبَعِيدِ خَاصَّةً؟ قَوْلَانِ قَالَ سَحْنُونٌ: فِي الْقَرِيبِ الْغَيْبَةِ دُونَ بِعِيدِهَا، وَقِيلَ: فِي الْبَعِيدِ، وَهُوَ الظَّاهِرُ مِنْ رِوَايَةِ أَشْهَبَ، وَقَوْلِ ابْنِ الْمَاجِشُونِ اهـ (وَفِي مُخْتَصَرِ الشَّيْخِ خَلِيلٍ)، وَفِي تَمْكِينِ الدَّعْوَى لِغَائِبٍ بِلَا وَكَالَة تَرَدُّدٌ (تَنْبِيهٌ) : يُسْتَثْنَى مِنْ هَذَا الْخِلَافِ مَسْأَلَتَانِ: الْأُولَى مَنْ تَعَلَّقَ بِهِ ضَمَانُ مَالِ الْغَائِبِ الْمُدَّعَى فِيهِ كَالْمُسْتَعِيرِ وَالْمُرْتَهِنِ إذَا كَانَ الشَّيْءُ مِمَّا يُغَابُ عَلَيْهِ، فَإِنَّ لِهَذَا الْمُسْتَعِيرِ وَالْمُرْتَهِنِ الْمُخَاصَمَةُ وَالدَّعْوَى، وَإِثْبَاتَ مِلْكِ الْغَائِبِ وَتَسَلُّمَهُ. الثَّانِيَةُ: مَنْ أَرَادَ أَنْ يَسْتَوْفِيَ مِنْ ذَلِكَ الْمُدَّعَى فِيهِ شَيْئًا لَهُ فِي ذِمَّةِ الْمَالِكِ الْغَائِبِ وَذَلِكَ الْمُرْتَهَنِ، لَهُ أَنْ يُثْبِتَ مِلْكَ الرَّاهِنِ لِيَبِيعَهُ، وَيَسْتَوْفِيَ مِنْهُ حَقَّهُ. وَزَوْجَةُ الْغَائِبِ وَغُرَمَاؤُهُ يُثْبِتُونَ مَا لَهُ

ص: 139