المَكتَبَةُ الشَّامِلَةُ السُّنِّيَّةُ

الرئيسية

أقسام المكتبة

المؤلفين

القرآن

البحث 📚

‌[فصل في اللعان] - شرح ميارة = الإتقان والإحكام في شرح تحفة الحكام - جـ ١

[ميارة]

فهرس الكتاب

- ‌[مُقَدِّمَةُ الْكِتَابِ]

- ‌[بَابُ الْقَضَاءِ وَمَا يَتَعَلَّقُ بِهِ]

- ‌[فَصْلٌ فِي مَعْرِفَةِ أَرْكَانِ الْقَضَاءِ]

- ‌[فَصْلٌ فِي رَفْعِ الْمُدَّعَى عَلَيْهِ وَمَا يُلْحَقُ بِذَلِكَ]

- ‌[فَصْلٌ فِي مَسَائِلَ مِنْ الْقَضَاءِ]

- ‌[فَصْلٌ فِي الْمَقَالِ وَالْجَوَابِ]

- ‌[فَصْلٌ فِي الْآجَالِ]

- ‌[فَصْلٌ فِي الْإِعْذَارِ]

- ‌[فَصْلٌ فِي خِطَابِ الْقُضَاةِ وَمَا يَتَّصِلُ بِهِ]

- ‌[بَابُ الشُّهُودِ وَأَنْوَاعِ الشَّهَادَاتِ وَمَا يَتَعَلَّقُ بِذَلِكَ]

- ‌[فَصْلٌ مَسَائِلُ مِنْ بَابِ الشَّهَادَةِ مِمَّا يَتَكَرَّرُ وُقُوعُهُ غَالِبًا]

- ‌[فَصْلٌ فِي أَنْوَاعِ الشَّهَادَاتِ]

- ‌[فَصْلٌ الشَّهَادَةُ الَّتِي تُوجِبُ الْحَقَّ مَعَ الْيَمِينِ]

- ‌[فَصْلٌ مِنْ أَقْسَامِ الشَّهَادَةِ وَهِيَ الَّتِي تُوجِبُ الْحَقَّ مِنْ غَيْرِ يَمِينٍ]

- ‌[فَصْلٌ مَا يُوجِبُ الْيَمِينَ لَا عَلَى الطَّالِبِ بَلْ عَلَى الْمَطْلُوبِ]

- ‌[فَصْلٌ الشَّهَادَةُ الَّتِي لَا عَمَلَ لَهَا]

- ‌[فَصْلٌ فِي شَهَادَةِ السَّمَاعِ]

- ‌[فَصْلٌ فِي مَسَائِلَ مِنْ الشَّهَادَةِ]

- ‌[بَابُ الْيَمِينِ وَمَا يَتَعَلَّقُ بِهَا]

- ‌[بَابُ الرَّهْنِ وَمَا يَتَعَلَّقُ بِهِ]

- ‌[فَصْلٌ فِي اخْتِلَافِ الْمُتَرَاهِنَيْنِ]

- ‌[بَابُ الضَّمَانِ وَمَا يَتَعَلَّقُ بِهِ]

- ‌[بَابُ الْوَكَالَةِ وَمَا يَتَعَلَّقُ بِهَا]

- ‌[فَصْلٌ فِي تَدَاعِي الْمُوَكِّلِ وَالْوَكِيلِ]

- ‌[بَابُ الصُّلْحِ وَمَا يَتَعَلَّقُ بِهِ]

- ‌[فَصْلٌ وَلِلْأَبِ الصُّلْحُ عَلَى الْمَحْجُورِ]

- ‌[بَابُ النِّكَاحِ وَمَا يَتَعَلَّقُ بِهِ]

- ‌[فَصْلٌ فِي الْأَوْلِيَاءِ وَمَا يَتَرَتَّبُ فِي الْوِلَايَةِ]

- ‌[فَصْلٌ فِيمَنْ لَهُ الْإِجْبَارُ وَمَا يَتَعَلَّقُ بِهِ]

- ‌[فَصْلٌ فِي حُكْمِ فَاسِدِ النِّكَاحِ وَمَا يَتَعَلَّقُ بِهِ]

- ‌[فَصْلٌ فِي مَسَائِلَ مِنْ النِّكَاحِ]

- ‌[فَصْلٌ فِي تَدَاعِي الزَّوْجَيْنِ وَمَا يَلْحَقُ بِهِ]

- ‌[فَصْلٌ فِي الِاخْتِلَافِ فِي الْقَبْضِ]

- ‌[فَصْلٌ فِيمَا يُهْدِيهِ الزَّوْجُ ثُمَّ يَقَعُ الطَّلَاقُ]

- ‌[فَصْلٌ فِي الِاخْتِلَافِ فِي الشُّوَارِ الْمُورَدِ بَيْتَ الْبِنَاءِ]

- ‌[فَصْلٌ فِي الِاخْتِلَافِ فِي مَتَاعِ الْبَيْتِ]

- ‌[فَصْلٌ فِي إثْبَاتِ الضَّرَرِ وَالْقِيَامِ بِهِ وَبَعْثِ الْحَكَمَيْنِ]

- ‌[فَصْلٌ فِي الرَّضَاعِ]

- ‌[فَصْلٌ فِي عُيُوبِ الزَّوْجَيْنِ وَمَا يُرَدَّانِ بِهِ مِنْهَا]

- ‌[فَصْلٌ فِي الْإِيلَاءِ وَالظِّهَارِ]

- ‌[فَصْلٌ فِي اللِّعَانِ]

- ‌[بَابُ الطَّلَاقِ وَالرَّجْعَةِ وَمَا يَتَعَلَّقُ بِهِمَا]

- ‌[فَصْلٌ الْخُلْع]

- ‌[فَصْلٌ فِي الْأَيْمَانِ اللَّازِمَةِ]

- ‌[فَصْلٌ فِي التَّدَاعِي فِي الطَّلَاقِ]

- ‌[فَصْلٌ مَنْ طَلَّقَ زَوْجَتَهُ طَلَاقًا رَجْعِيًّا ثُمَّ أَرَادَ الْعَوْدَ لِلزَّوْجِيَّةِ]

- ‌[فَصْلٌ فِي الرَّجْعَةِ]

- ‌[فَصْلٌ فِي الْفَسْخِ]

- ‌[بَابُ النَّفَقَةِ وَمَا يَتَعَلَّقُ بِهَا]

- ‌[فَصْلٌ فِي التَّدَاعِي فِي النَّفَقَةِ]

- ‌[فَصْلٌ فِيمَا يَجِبُ لِلْمُطَلَّقَاتِ وَغَيْرِهِنَّ مِنْ النَّفَقَةِ وَمَا يُلْحَقُ بِهَا]

- ‌[فَصْلٌ فِي الطَّلَاقِ بِالْإِعْسَارِ بِالنَّفَقَةِ وَمَا يُلْحَقُ بِهَا]

- ‌[فَصْلٌ فِي أَحْكَامِ الْمَفْقُودِينَ]

- ‌[فَصْلٌ فِي الْحَضَانَةِ]

- ‌[بَابٌ فِي الْبُيُوعِ وَمَا شَاكَلَهَا]

- ‌[فَصْلٌ فِي بَيْعِ الْأُصُولِ]

- ‌[فَصْلٌ فِي بَيْعِ الْعُرُوضِ مِنْ الثِّيَابِ وَسَائِرِ السِّلَعِ]

- ‌[فَصْلٌ فِي بَيْعِ الطَّعَامِ]

- ‌[فَصْلٌ فِي بَيْعِ النَّقْدَيْنِ وَالْحُلِيِّ وَشِبْهِهِ]

- ‌[فَصْلٌ فِي بَيْعِ الثِّمَارِ وَمَا يُلْحَقُ بِهَا]

- ‌[فَصْلٌ فِي الْجَائِحَةِ فِي الثِّمَارِ]

- ‌[فَصْلٌ فِي بَيْعِ الرَّقِيقِ وَسَائِرِ الْحَيَوَانِ]

- ‌[فَصْلٌ كِلَابَ الْمَاشِيَةِ يَجُوزُ بَيْعُهَا]

- ‌[فَصْلٌ فِي بَيْعِ الدَّيْنِ وَالْمُقَاصَّةِ فِيهِ]

- ‌[فَصْلٌ فِي الْحَوَالَةِ]

- ‌[فَصْلٌ فِي بَيْعِ الْخِيَارِ وَالثُّنْيَا]

الفصل: ‌[فصل في اللعان]

[فَصْلٌ فِي اللِّعَانِ]

ِ (ابْنُ عَرَفَةَ) اللِّعَانُ حَلِفُ الزَّوْجِ عَلَى زِنَا زَوْجَتِهِ أَوْ نَفْيِ حَمْلِهَا اللَّازِمِ لَهُ وَحَلِفُهَا عَلَى تَكْذِيبِهِ إنْ أَوْجَبَ نُكُولُهَا حَدَّهَا بِحُكْمِ قَاضٍ (الرَّصَّاعُ) قَوْلُهُ: " أَوْ نَفْيِ حَمْلِهَا " يَصْدُقُ بِنَفْيِ الْحَمْلِ وَالْوَلَدِ لِأَنَّ مَنْ نَفَى حَمْلًا فَقَدْ نَفَى الْوَلَدَ وَكَذَلِكَ الْعَكْسُ، وَقَوْلُهُ:" اللَّازِمِ لَهُ " أَخْرَجَ بِهِ الْحَمْلَ غَيْرَ اللَّازِمِ لَهُ فَإِنَّهُ لَا لِعَانَ فِيهِ كَمَا إذَا أَتَتْ بِهِ لِأَقَلَّ مِنْ سِتَّةِ أَشْهُرٍ مِنْ يَوْمِ الْعَقْدِ، وَكَذَلِكَ إذَا كَانَ الزَّوْجُ خَصِيًّا أَوْ مَجْبُوبًا أَوْ غَيْرَ ذَلِكَ، وَيَدْخُلُ مَا إذَا وَضَعَتْهُ وَسَكَتَ فَإِنَّهُ لَازِمٌ لَهُ. وَقَوْلُهُ:" وَحَلِفُهَا عَلَى تَكْذِيبِهِ إنْ أَوْجَبَ نُكُولُهَا حَدَّهَا " أَخْرَجَ بِهِ مَا إذَا حَلَفَ وَنَكَلَتْ وَلَمْ يُوجِبْ النُّكُولُ حَدَّهَا كَمَا إذَا غُصِبَتْ فَأَنْكَرَ وَلَدَهَا وَثَبَتَ الْغَصْبُ فَلَا لِعَانَ عَلَيْهَا وَإِنَّمَا اللِّعَانُ عَلَيْهِ وَحْدَهُ، وَهَذِهِ الصُّورَةُ تَرُدُّ عَلَى ابْنِ الْحَاجِبِ لِأَنَّهُ صَيَّرَ اللِّعَانَ يَلْزَمُهُ يَمِينَانِ، وَزِيَادَةُ الشَّيْخِ تُخْرِجُ هَذِهِ الصُّورَةَ وَأَنَّ حَلِفَهُمَا مَعًا مَشْرُوطٌ بِكَوْنِ نُكُولِهَا يُوجِبُ حَدَّهَا، وَقَوْلُهُ:" بِحُكْمِ قَاضٍ " أَخْرَجَ بِهِ لِعَانَ الزَّوْجَةِ وَالزَّوْجِ مِنْ غَيْرِ حُكْمٍ فَإِنَّهُ لَيْسَ بِلِعَانٍ شَرْعِيٍّ وَيَخْرُجُ بِهِ السُّكُوتُ عَلَى وَضْعِ الْوَلَدِ فَلَا يَرُدُّ عَلَى الشَّيْخِ حَلِفُهُمَا مَرَّةً وَاحِدَةً رَاجِعْ ابْنَ عَرَفَةَ لِأَنَّ الْقَاضِيَ لَا يَحْكُمُ بِذَلِكَ فَلَيْسَ بِلِعَانٍ شَرْعِيٍّ اهـ.

وَمَعْنَى قَوْلِ الرَّصَّاعِ: " وَيَخْرُجُ بِهِ السُّكُوتُ " إلَخْ أَنَّ مَنْ وَضَعَتْ زَوْجَتُهُ وَسَكَتَ وَلَمْ يَنْفِهِ ثُمَّ أَرَادَ نَفْيَهُ بِاللِّعَانِ فَإِنَّهُ لَا يُلَاعِنُ. وَتَخْرُجُ هَذِهِ الصُّورَةُ مِنْ قَوْلِهِ فِي الْحَدِّ: " بِحُكْمِ قَاضٍ " لِأَنَّ الْقَاضِيَ لَا يَحْكُمُ بِاللِّعَانِ بَعْدَ السُّكُوتِ عَلَى الْوَضْعِ، وَكَذَا قَوْلُهُ فِي الْحَدِّ:" حَلِفُ الزَّوْجِ وَحَلِفُ الزَّوْجَةِ " يُصَدَّقُ بِمَا إذَا حَلَفَ عَلَى مَا ذَكَرَ يَمِينًا وَاحِدَةً وَحَلَفَتْ هِيَ عَلَى تَكْذِيبِهِ يَمِينًا وَاحِدَةً أَيْضًا فَأُخْرِجَ ذَلِكَ بِقَوْلِهِ " بِحُكْمِ قَاضٍ " لِأَنَّهُ لَا يَحْكُمُ بِاللِّعَانِ إلَّا عَلَى الْوَجْهِ الْمَشْرُوعِ فِيهِ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ.

وَإِنَّمَا لِلزَّوْجِ أَنْ يَلْتَعِنَا

لِنَفْيِ حَمْلٍ أَوْ لِرُؤْيَةِ الزِّنَا

مَعَ ادِّعَائِهِ لِلِاسْتِبْرَاءِ

وَحَيْضَةٍ بَيِّنَةِ الْإِجْزَاءِ

يَعْنِي أَنَّ الزَّوْجَ إنَّمَا يُلَاعِنُ زَوْجَتَهُ لِأَحَدِ وَجْهَيْنِ إمَّا لِنَفْيِ حَمْلٍ يَظْهَرُ بِهَا فَيُنْكِرُهُ وَيَدَّعِي أَنَّهُ لَيْسَ مِنْهُ، وَإِمَّا لِكَوْنِهِ رَآهَا تَزْنِي كَالْمِرْوَدِ فِي الْمُكْحُلَةِ، وَإِنَّمَا يُلَاعِنُ لِنَفْيِ حَمْلٍ ظَهَرَ بِهَا إذَا اعْتَمَدَ عَلَى اسْتِبْرَائِهَا بِحَيْضَةٍ فَأَكْثَرَ يَعْنِي أَوْ بِغَيْرِ ذَلِكَ كَمَا سَيَأْتِي، وَيَكْفِي فِي هَذَا الِاسْتِبْرَاءِ حَيْضَةٌ وَاحِدَةٌ، وَفُهِمَ مَنْ قَوْلِهِ:" وَإِنَّمَا لِلزَّوْجِ أَنْ يَلْتَعِنَا " أَنَّ السَّيِّدَ لَا يُلَاعِنُ أَمَتَهُ وَهُوَ كَذَلِكَ وَيُشْتَرَطُ فِي الْمُلَاعِنِ شُرُوطٌ (ابْنُ الْحَاجِبِ) وَشَرْطُ الْمُلَاعِنِ أَنْ يَكُونَ زَوْجًا مُسْلِمًا مُكَلَّفًا فَيُلَاعِنُ الْحُرُّ الْحُرَّةَ وَالْأَمَةَ وَالْكِتَابِيَّةَ وَكَذَلِكَ الْعَبْدُ فِيهِنَّ اهـ.

وَمَا ذَكَرَهُ مِنْ أَنَّهُ يُعْتَمَدُ فِي نَفْيِ الْحَمْلِ عَلَى الِاسْتِبْرَاءِ هُوَ الْمَشْهُورُ قَالَهُ عِيَاضٌ وَقِيلَ لَا يُعْتَمَدُ عَلَى ذَلِكَ، وَكَذَلِكَ اُخْتُلِفَ هَلْ يُعْتَمَدُ فِي نَفْيِ الْحَمْلِ عَلَى الرُّؤْيَةِ وَحْدَهَا ثُمَّ يَظْهَرُ حَمْلٌ أَمْ لَا؟ وَكَذَلِكَ اُخْتُلِفَ هَلْ يُعْتَمَدُ عَلَيْهِمَا مَعًا أَعْنِي الِاسْتِبْرَاءَ وَالرُّؤْيَةَ كَمَا إذَا اسْتَبْرَأَهَا مِنْ وَطْئِهِ ثُمَّ رَآهَا بَعْدَ ذَلِكَ تَزْنِي ثُمَّ ظَهَرَ حَمْلٌ؟ وَالْمَشْهُورُ اعْتِمَادُهُ عَلَى الِاسْتِبْرَاءِ وَحْدَهُ كَمَا ذَكَرَ الْمُؤَلِّفُ وَأَحْرَى مَعَ الرُّؤْيَةِ وَأَمَّا الرُّؤْيَةُ وَحْدَهَا فَلَا يُعْتَمَدُ عَلَيْهَا فِي نَفْيِ الْحَمْلِ عَلَى الْمَشْهُورِ. (التَّوْضِيحَ) وَالْأَظْهُر أَنَّهُ لَا يَعْتَمِد عَلَى أَحَدهمَا بَلْ وَلَا عَلَيْهِمَا لِأَنَّهُ إذَا كَانَتْ الْحَامِل تَحِيض يَصِحّ لَهُ النَّفْيُ.

وَالْقَوْلُ بِاعْتِمَادِهِ عَلَى الرُّؤْيَةِ أَضْعَفُ لَأَنْ الْحَيْضَ عَلَامَةٌ ظَنِّيَّةٌ عَلَى بَرَاءَةِ الرَّحِمِ بِخِلَافِ رُؤْيَتِهِ فَإِنَّهُ لَا يَدُلُّ عَلَى نَفْيِ الْحَمْلِ أَلْبَتَّةَ اهـ وَقَالَ قَبْلَهُ يَلِيهِ يُعْتَمَدُ فِي نَفْيِ الْوَلَدِ أَوْ الْحَمْلِ عَلَى ثَلَاثَةِ أَشْيَاءَ وَاخْتُلِفَ فِي رَابِعٍ وَمَعْنَى اعْتِمَادِهِ أَنَّهُ يَجُوزُ لَهُ فِي الشَّرْعِ أَنْ يَنْفِيَ الْوَلَدَ بِذَلِكَ، الْأَوَّلُ: إذَا لَمْ يَطَأْهَا بَعْدَ وَضْعٍ يَعْنِي وَقَدْ طَالَ مَا بَيْنَ الْوَضْعَيْنِ بِحَيْثُ لَا يَكُونُ الْوَلَدُ الثَّانِي مِنْ بَقِيَّةِ الْأَوَّلِ، الثَّانِي: أَنْ يَكُونَ وَطِئَهَا بَعْدَ الْوَضْعِ وَلَكِنْ بَيْنَ هَذَا الْحَمْلِ وَالْإِصَابَةِ مُدَّةٌ لَا يَتَأَتَّى فِيهَا وَلَدٌ إمَّا لِقِلَّةِ الزَّمَانِ كَخَمْسَةِ أَشْهُرٍ

ص: 213

وَنَحْوِهَا وَإِمَّا لِكَثْرَتِهِ كَخَمْسِ سِنِينَ فَأَكْثَرَ، الثَّالِثُ: إذَا اسْتَبْرَأَهَا مِنْ وَطْئِهِ ثُمَّ رَآهَا بَعْدَ ذَلِكَ تَزْنِي فَيُعْتَمَدُ عَلَى ذَلِكَ عَلَى الْمَشْهُورِ وَحَكَى ابْنُ شَاسٍ وَغَيْرُهُ عَنْ السُّيُورِيِّ أَنَّهُ لَيْسَ لَهُ نَفْيُهُ بِهِمَا قَالَ.

وَحَكَى الدَّاوُدِيُّ عَنْ الْمُغِيرَةِ مِثْلَهُ، ثُمَّ ذَكَرَ مَا تَقَدَّمَ مِنْ الْخِلَافِ فِي الِاعْتِمَادِ عَلَى أَحَدِهِمَا فَقَطْ أَيْ الِاسْتِبْرَاءِ وَالرُّؤْيَةِ وَهُوَ الْوَجْهُ الرَّابِعُ وَمَا ذَكَرَهُ الْمُؤَلِّفُ مِنْ الِاكْتِفَاءِ فِي الِاسْتِبْرَاءِ بِحَيْضَةٍ هُوَ الْمَشْهُورُ (ابْنُ الْحَاجِبِ) وَالِاسْتِبْرَاءُ بِحَيْضَةٍ وَقِيلَ بِثَلَاثٍ (التَّوْضِيحَ) صَرَّحَ الْبَاجِيُّ وَجَمَاعَةٌ بِمَشْهُورِيَّةِ الْأَوَّلِ، وَالْقَوْلُ بِالثَّلَاثِ لِلْمُغِيرَةِ رُوِيَ أَيْضًا عَنْ مَالِكٍ وَقَالَ ابْنُ الْمَاجِشُونِ إنْ كَانَتْ أَمَةً فَحَيْضَةٌ وَإِنْ كَانَتْ حُرَّةً فَثَلَاثٌ. ثُمَّ قَالَ: فَائِدَة لَيْسَ عِنْدَنَا حُرَّةٌ تُسْتَبْرَأُ بِحَيْضَةٍ إلَّا هُنَا وَلَيْسَ لَنَا أَمَةٌ تُسْتَبْرَأُ بِثَلَاثٍ إلَّا عَلَى قَوْلِ الْمُغِيرَةِ هُنَا وَفِيمَنْ ادَّعَى سَيِّدُهَا وَطْأَهَا فَأَتَتْ بِوَلَدٍ فَنَفَاهُ وَادَّعَى أَنَّهُ كَانَ اسْتَبْرَأَهَا اهـ.

قَوْلُهُ: " لَيْسَ عِنْدَنَا حُرَّةٌ تُسْتَبْرَأُ بِحَيْضَةٍ إلَّا هُنَا " قِيلَ إنَّ هَذِهِ غَفْلَةٌ لِأَنَّ الْمَرْأَةَ إذَا ارْتَدَّتْ أَوْ زَنَتْ وَلَهَا زَوْجٌ فَلَا تُقْتَلُ وَلَا تُحَدُّ إلَّا بَعْدَ حَيْضَةٍ خَوْفَ كَوْنِهَا حَامِلًا. وَفِي ذَلِكَ يَقُولُ بَعْضُ شُيُوخِنَا:

تُسْتَبْرَأُ الْحُرَّةُ مِثْلُ الْأَمَةِ

لَدَى اللِّعَانِ وَالزِّنَا وَالرِّدَّةِ

قَالَ النَّاظِمُ رحمه الله:

وَيُسْجَنُ الْقَاذِفُ حَتَّى يَلْتَعِنْ

وَإِنْ أَبَى فَالْحَدُّ حُكْمٌ يَقْتَرِنْ

يَعْنِي أَنَّ مَنْ قَذَفَ زَوْجَتَهُ فَرَمَاهَا بِزِنًى أَوْ نَفَى حَمْلَهَا فَإِنَّهُ يُلَاعَنُ، فَإِنْ امْتَنَعَ مِنْ اللِّعَانِ سُجِنَ حَتَّى يَلْتَعِنَ، فَإِنْ أَبَى فَعَلَيْهِ حَدُّ الْقَذْفِ (فَفِي طُرُرِ ابْنِ عَاتٍ) قَالَ الْبَاجِيُّ رحمه الله: يَجِبُ عَلَى الزَّوْجِ إذَا نَفَى وَلَدَهُ أَوْ ادَّعَى رُؤْيَةً أَنْ يُسْجَنَ حَتَّى يَلْتَعِنَ. (وَفِي الْمُقَرِّبِ) قُلْتُ لَهُ: فَإِنْ أَبَى أَحَدُ الزَّوْجَيْنِ أَنْ يَلْتَعِنَ فَقَالَ: إنْ كَانَ الرَّجُلُ أُقِيمَ عَلَيْهِ حَدُّ الْقَذْفِ وَإِنْ كَانَتْ الْمَرْأَةُ أُقِيمَ عَلَيْهَا حَدُّ الزِّنَا وَهُوَ قَوْلُ مَالِكٍ.

وَمَا بِحَمْلٍ بِثُبُوتِهِ يَقَعْ

وَقَدْ أَتَى لِمَالِكٍ حَتَّى تَضَعْ

يَعْنِي أَنَّ اللِّعَانَ إذَا كَانَ لِنَفْيِ الْحَمْلِ فَإِنَّهُمَا يَتَلَاعَنَانِ إذَا ثَبَتَ الْحَمْلُ إذْ ذَاكَ. وَقِيلَ: يُؤَخَّرُ لِعَانُهُمَا حَتَّى تَضَعَ خَوْفَ أَنْ يَنْفَشَّ الْحَمْلُ بَعْدَ اللِّعَانِ (قَالَ فِي الْمُتَيْطِيَّةِ) : وَلَهُ أَنْ يُلَاعِنَ وَهِيَ حَامِلٌ وَقَدْ قِيلَ: إنَّهُ لَيْسَ لَهُ أَنْ يُلَاعِنَهَا حَتَّى تَضَعَ. وَرُوِيَ ذَلِكَ عَنْ مَالِكٍ وَهُوَ قَوْلُ ابْنِ الْمَاجِشُونِ وَأَبِي حَنِيفَةَ وَيَرُدُّهُ الْأَثَرُ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم «لَاعَنَ بَيْنَ الْعَجْلَانِيِّ وَزَوْجَتِهِ وَهِيَ حَامِلٌ» (قَالَ الشَّارِحُ) : هَذَا الْقَوْلُ الْأَوَّلُ أَسْعَدُ بِالْأَثَرِ وَهَذَا الْقَوْلُ الثَّانِي أَرْجَحُ فِي النَّظَرِ إلَّا أَنْ يُقَالَ إنَّهُ مَبْنِيٌّ عَلَى صُورَةٍ نَادِرَةٍ وَالصُّورَةُ النَّادِرَةُ لَا تُرَاعَى فِي الْأَحْكَامِ. اهـ

(ابْنُ الْحَاجِبِ) وَمَنَعَهُ عَبْدُ الْمَلِكِ فِي الْحَمْلِ لِجَوَازِ انْفِشَاشِهِ وَرُدَّ بِأَنَّ الْعَجْلَانِيَّ وَغَيْرَهُ لَاعَنَ فِي الْحَمْلِ لِظُهُورِهِ كَإِيجَابِ النَّفَقَةِ وَالرَّدِّ بِالْعَيْبِ (التَّوْضِيحَ) أَيْ كَمَا يَقْضِي لِلْمُطَلَّقَةِ بِنَفَقَةِ الْحَمْلِ إذَا ظَهَرَ حَمْلُهَا وَكَمَا يَجِبُ الرَّدُّ إذَا اشْتَرَى جَارِيَةً وَظَهَرَ حَمْلُهَا وَلَا يُؤَخَّرُ فِيهِمَا إلَى الْوَضْعِ، وَمَنَعَ عَبْدُ الْمَلِكِ اللِّعَانَ قَبْلَ الْوَضْعِ خَشْيَةَ أَنْ يَنْفَشَّ وَرَوَاهُ عَنْ مَالِكٍ وَالْفَرْقُ عَلَى قَوْلِهِ بَيْنَ اللِّعَانِ وَمَا ذَكَرَهُ أَنَّ اللِّعَانَ تَتَرَتَّبُ عَلَيْهِ أُمُورٌ عِظَامٌ مِنْ فَسْخِ النِّكَاحِ وَالْحُرْمَةِ عَلَى التَّأْبِيدِ وَوُجُوبِ الْحَدِّ اهـ.

ص: 214

وَيَبْدَأُ الزَّوْجُ بِالِالْتِعَانِ

لِدَفْعِ أَرْبَعٍ مِنْ الْأَيْمَانِ

إثْبَاتًا أَوْ نَفْيًا عَلَى مَا وَجَبَا

مُخَمِّسًا بِلَعْنَةٍ إنْ كَذَبَا

وَتَحْلِفُ الزَّوْجَةُ بَعْدُ أَرْبَعَا

لِتَدْرَأَ الْحَدَّ بِنَفْيِ مَا ادَّعَى

تَخْمِيسُهَا بِغَضَبٍ إنْ صَدَقَا

ثُمَّ إذَا تَمَّ اللِّعَانُ افْتَرَقَا

وَيَسْقُطُ الْحَدُّ وَيَنْتَفِي الْوَلَدْ

وَيَحْرُمُ الْعَوْدُ إلَى طُولِ الْأَبَدْ

وَالْفَسْخُ مِنْ بَعْدِ اللِّعَانِ مَاضِي

دُونَ طَلَاقٍ وَبِحُكْمِ الْقَاضِي

تَعَرَّضَ فِي هَذِهِ الْأَبْيَاتِ لِصِفَةِ اللِّعَانِ فَأَخْبَرَ أَنَّ الزَّوْجَ هُوَ الَّذِي يَبْدَأُ بِاللِّعَانِ (قَالَهُ ابْنُ الْحَاجِبِ) وَصِفَتُهُ أَنْ يَقُولَ أَرْبَعَ مَرَّاتٍ: أَشْهَدُ بِاَللَّهِ.

ثُمَّ قَالَ: فَلَوْ بَدَأَتْ الْمَرْأَةُ بِاللِّعَانِ؟ فَقَالَ ابْنُ الْقَاسِمِ لَا يُعَادُ. وَقَالَ أَشْهَبُ يُعَادُ (التَّوْضِيحَ) لَا خِلَافَ أَنَّ الرَّجُلَ يَبْدَأُ بِاللِّعَانِ وَهُوَ الَّذِي دَلَّتْ عَلَيْهِ الْآيَةُ وَوَقَعَ فِي حَدِيثِ عُوَيْمِرٍ، ثُمَّ قَالَ: وَجَعَلَ فِي الْبَيَانِ مَنْشَأَ الْخِلَافِ هَلْ تَقْدِيمُ الرَّجُلِ وَاجِبٌ أَمْ لَا؟ . اهـ

وَقَوْلُهُ: " لِدَفْعِ حَدٍّ " أَشَارَ بِهِ إلَى بَعْضِ مَا يَتَرَتَّبُ عَلَى اللِّعَانِ وَهُوَ سُقُوطُ حَدِّ الْقَذْفِ عَنْ الرَّجُلِ إنْ كَانَتْ الزَّوْجَةُ حُرَّةً مُسْلِمَةً، وَدَفْعُ الْأَدَبِ عَنْهُ إنْ كَانَتْ أَمَةً أَوْ كِتَابِيَّةً (قَالَ فِي التَّوْضِيحِ) اعْلَمْ أَنَّهُ يَتَرَتَّبُ عَلَى اللِّعَانِ سِتَّةُ أَحْكَامٍ ثَلَاثَةٌ عَلَى لِعَانِهَا فَالثَّلَاثَةُ الْأُوَلُ سُقُوطُ الْحَدِّ عَنْهُ وَوُجُوبُ حَدِّ الزِّنَا عَلَيْهَا وَقَطْعُ النَّسَبِ، وَالثَّلَاثَةُ الْأُخَرُ سُقُوطُ الْحَدِّ عَنْهَا وَالْفِرَاقُ وَتَأْبِيدُ الْحُرْمَةِ، وَقِيلَ فِي الْأَخِيرَيْنِ إنَّهُمَا مُرَتَّبَانِ عَلَى لِعَانِهِ.

وَقَوْلُهُ: " أَرْبَعٍ مِنْ الْأَيْمَانِ إثْبَاتًا أَوْ نَفْيًا عَلَى مَا وَجَبَا " - الْبَيْتَ - هُوَ بَيَانٌ لِكَيْفِيَّةِ لِعَانِ الزَّوْجِ، فَقَوْلُهُ أَرْبَعٍ مِنْ الْأَيْمَانِ كَأَنَّهُ بَدَلٌ مِنْ الِالْتِعَانِ (ابْنُ الْحَاجِبِ) وَصِفَتُهُ أَنْ يَقُولَ أَرْبَعَ مَرَّاتٍ:" أَشْهَدُ بِاَللَّهِ " وَقَالَ مُحَمَّدٌ يَزِيدُ: الَّذِي لَا إلَهَ إلَّا هُوَ لَرَأَيْتُهَا تَزْنِي. وَقِيلَ: وَيَصِفُ كَالشُّهُودِ، وَقِيلَ: وَيَكْفِي لَزَنَتْ.

وَفِي نَفْيِ الْحَمْلِ: لَزَنَتْ، أَوْ مَا هَذَا الْحَمْلُ مِنِّي، وَيَقُولُ فِي الْخَامِسَةِ: أَنَّ لَعْنَةَ اللَّهِ عَلَيْهِ إنْ كَانَ مِنْ الْكَاذِبِينَ اهـ (قَالَ ابْنُ فَتْحُونٍ فِي الْوَثَائِقِ الْمَجْمُوعَةِ) : يَحْلِفُ الزَّوْجُ مُسْتَقْبِلًا الْقِبْلَةَ قَائِمًا يَقُولُ: بِاَللَّهِ الَّذِي لَا إلَهَ إلَّا هُوَ لَزَنَتْ فُلَانَةُ هَذِهِ - فَيُشِيرُ إلَيْهَا - وَمَا هَذَا الْحَمْلُ مِنِّي أَوْ مَا حَمْلُهَا هَذَا مِنِّي. وَإِنْ لَمْ يَنْفِ حَمْلًا قَالَ: زَنَتْ فُلَانَةُ هَذِهِ وَلَا يَزِيدُ عَلَى هَذَا.

وَقَالَ قَوْمٌ يَقُولُ: أَشْهَدُ بِاَللَّهِ ثُمَّ يُخَمِّس بِاللَّعْنِ ثُمَّ تُخَوَّفُ الْمَرْأَةُ بِاَللَّهِ فَإِنْ تَمَادَتْ عَلَى الْيَمِينِ حَلَفَتْ أَرْبَعَ أَيْمَانٍ عَلَى مَا تَقَدَّمَ لَمَا زَنَيْتُ وَأَنَّ هَذَا الْحَمْلَ مِنْهُ وَتَخْمِيسٌ بِالْغَضَبِ، تَقُولُ: غَضِبَ اللَّهُ عَلَيْهَا إنْ كَانَ مِنْ الصَّادِقِينَ، أَوْ عَلَيْهَا غَضَبُ اللَّهِ إنْ كَانَ مِنْ الصَّادِقِينَ. اهـ

وَقَوْلُهُ إثْبَاتًا أَوْ نَفْيًا تَقَدَّمَ أَنَّ الْإِثْبَاتَ كَقَوْلِهِ: لَزَنَتْ، أَوْ لَرَأَيْتُهَا تَزْنِي. وَالنَّفْيُ كَقَوْلِهِ: مَا هَذَا الْحَمْلُ مِنِّي.

قَوْلُهُ " وَتَحْلِفُ الزَّوْجَةُ بَعْدُ أَرْبَعًا " هَذَا بَيَانٌ لِكَيْفِيَّةِ لِعَانِهَا (ابْن الْحَاجِبِ) وَتَقُولُ الْمَرْأَةُ أَرْبَعَ مَرَّاتٍ: أَشْهَدُ بِاَللَّهِ مَا رَآنِي أَزْنِي - إنْ كَانَ قَالَ لَرَأَيْتُهَا تَزْنِي - أَوْ مَا زَنَيْتُ، أَوْ لَقَدْ كَذَبَ فِي الْجَمِيعِ. وَفِي نَفْيِ الْحَمْلِ: مَا زَنَيْتُ، وَإِنَّهُ لَمِنْهُ.

وَفِي الْخَامِسَةِ أَنَّ غَضَبَ اللَّهِ عَلَيْهَا إنْ كَانَ مِنْ الصَّادِقِينَ. وَيَتَعَيَّنُ لَفْظُ الشَّهَادَةِ وَاللَّعْنِ وَالْغَضَبِ بَعْدَهَا (التَّوْضِيحَ) يَعْنِي يَتَعَيَّنُ أَنْ يَقُولَ كُلُّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا: " أَشْهَدُ " وَلَا يُجْزِئُ " أَحْلِفُ " وَلَا: أُقْسِمُ " عَلَى الْمَشْهُورِ، وَيَتَعَيَّنُ اللَّعْنُ فِي حَقِّ الرَّجُلِ وَالْغَضَبُ فِي حَقِّهَا وَهَكَذَا قَالَ عَبْدُ الْوَهَّابِ فِي شَرْحِ الرِّسَالَةِ: إنَّ النَّظَرَ يَقْتَضِي أَنْ لَا يُجْزِئَ إذَا أَبْدَلَ اللَّعْنَةَ بِالْغَضَبِ فِي حَقِّهَا وَبِالْعَكْسِ.

ثُمَّ ذَكَرَ وَجْهَ اخْتِصَاصِ خَامِسَةِ الرَّجُلِ بِاللَّعْنَةِ وَخَامِسَةِ

ص: 215

الْمَرْأَةِ بِالْغَضَبِ فَانْظُرْهُ إنْ شِئْتَ. قَوْلُهُ: " وَتَحْلِفُ الزَّوْجَةُ بَعْدُ " أَيْ بَعْدَ حَلِفِ الزَّوْجِ، وَتَقَدَّمَ كَوْنُ الزَّوْجِ هُوَ الَّذِي يَبْدَأُ بِالْحَلِفِ. وَقَوْلُهُ:" لِتَدْرَأَ الْحَدَّ " أَيْ لِتَدْفَعَ حَدَّ الزِّنَا عَنْهَا إنْ نَكَلَتْ وَلَمْ تَحْلِفْ، وَتَقَدَّمَ أَنَّ هَذَا مِمَّا يَتَرَتَّبُ عَلَى لِعَانِهَا مِنْ الْأَحْكَامِ، وَقَوْلُهُ:" بِنَفْيِ مَا ادَّعَى " يَجُوزُ أَنْ يَتَعَلَّقَ بِتَحْلِفُ وَالْبَاءُ لِلْمُجَاوَرَةِ بِمَعْنَى عَلَى، أَيْ تَحْلِفُ الزَّوْجَةُ عَلَى نَفْيِ مَا ادَّعَاهُ الزَّوْجُ، وَيَجُوزُ أَنْ يَتَعَلَّقَ بِتَدْرَأَ وَالْبَاءُ سَبَبِيَّةٌ، وَقَوْلُهُ:" ثُمَّ إذَا تَمَّ اللِّعَانُ افْتَرَقَا وَيَسْقُطُ الْحَدُّ " - الْبَيْتَ - هَذَا بَيَانٌ لِمَا يَنْبَنِي عَلَى اللِّعَانِ.

وَذَلِكَ: الْفِرَاقُ بَيْنَ الزَّوْجَيْنِ، وَسُقُوطُ الْحَدِّ عَنْهُ وَعَنْهَا، فَيَسْقُطُ عَنْهُ حَدُّ الْقَذْفِ وَعَنْهَا حَدُّ الزِّنَا وَقَطْعُ النَّسَبِ، وَإِلَيْهِ أَشَارَ بِقَوْلِهِ:" وَيَنْتَفِي الْوَلَدُ " وَتَأْبِيدُ التَّحْرِيمِ وَتَقَدَّمَ ذَلِكَ عَنْ التَّوْضِيحِ، وَقَوْلُهُ " وَالْفَسْخُ مِنْ بَعْدِ اللِّعَانِ مَاضٍ " - الْبَيْتَ - اشْتَمَلَ عَلَى مَسْأَلَتَيْنِ (إحْدَاهُمَا) أَنَّ فُرْقَةَ الْمُتَلَاعِنَيْنِ فَسْخٌ بِغَيْرِ طَلَاقٍ (التَّوْضِيحَ) فَرْعٌ: وَالْفُرْقَةُ فِي اللِّعَانِ فَسْخٌ بِغَيْرِ طَلَاقٍ، قَالَ فِي الْبَيَانِ: هَذَا مَذْهَبُ مَالِكٍ وَجَمِيعِ أَصْحَابِهِ، وَقَالَ جَمَاعَةٌ مِنْ أَصْحَابِنَا: إنَّهُ طَلْقَةٌ بَائِنَةٌ.

(وَفِي الْجَلَّابِ) أَنَّ الْمُلَاعَنَةَ قَبْلَ الْبِنَاءِ لَا صَدَاقَ لَهَا، خِلَافُ قَوْلِ مَالِكٍ فِي الْمُدَوَّنَةِ وَالْمُوَطَّأِ إنَّ لَهَا نِصْفَ الصَّدَاقِ. وَبَنَاهُ اللَّخْمِيُّ عَلَى فُرْقَةِ الْمُتَلَاعِنَيْنِ هَلْ هِيَ فَسْخٌ فَلَا شَيْءَ لَهَا أَوْ طَلَاقٌ فَلَهَا؟ وَفِيهِ نَظَرٌ، فَإِنَّ الْمَعْرُوفَ أَنَّ لَهَا النِّصْفَ وَأَنَّ فُرْقَةَ الْمُتَلَاعِنَيْنِ فَسْخٌ، وَلَكِنْ لَمَّا كُنَّا لَا نَعْلَمُ صِدْقَ الزَّوْجِ وَلَعَلَّهُ أَرَادَ تَحْرِيمَهَا وَإِسْقَاطَ حَقِّهَا مِنْ نِصْفِ الصَّدَاقِ اُتُّهِمَ فِي ذَلِكَ وَأُلْزِمَ نِصْفَ الصَّدَاقِ، وَيُحْتَمَلُ أَنْ يَكُونَ إنَّمَا لَزِمَهُ النِّصْفُ مُرَاعَاةً لِقَوْلِ مَنْ قَالَ: هُوَ طَلَاقٌ اهـ.

(قُلْتُ) وَقَدْ اشْتَمَلَ كَلَامُ التَّوْضِيحِ هَذَا عَلَى فَائِدَةٍ أُخْرَى وَهِيَ لُزُومُ نِصْفِ الصَّدَاقِ وَإِنْ تَلَاعَنَا قَبْلَ الْبِنَاءِ وَإِنْ قُلْنَا إنَّ فُرْقَتَهُمَا فَسْخٌ بِغَيْرِ طَلَاقٍ لِلتُّهْمَةِ. وَقَدْ قُلْتُ فِي ذَلِكَ:

وَإِنْ تَلَاعَنَا وَلَمْ يَبْنِ لَزِمْ

لِتُهْمَةٍ نِصْفُ صَدَاقٍ قَدْ عُلِمْ

وَأَشَرْت بِقَوْلِي: " نِصْفُ صَدَاقٍ قَدْ عُلِمْ " إلَى أَنَّهُمَا إذَا عَقَدَا النِّكَاحَ عَلَى وَجْهِ التَّفْوِيضِ فَلَا يَلْزَمُهُ شَيْءٌ لِانْتِفَاءِ التُّهْمَةِ. (الْمَسْأَلَةُ الثَّانِيَةُ) مِمَّا اشْتَمَلَ عَلَيْهِ الْبَيْتُ الْأَخِيرُ فُرْقَةُ الْمُتَلَاعِنَيْنِ، هَلْ تَقَعُ بِنَفْسِ اللِّعَانِ أَوْ حَتَّى يَحْكُمَ بِهَا الْقَاضِي؟ .

(وَمِنْ التَّبْصِرَةِ) وَاخْتُلِفَ فِي وُقُوعِ الْفِرَاقِ فَقَالَ مَالِكٌ وَابْنُ الْقَاسِمِ يَقَعُ الْفِرَاقُ بِنَفْسِ اللِّعَانِ وَلَا تَحِلُّ لَهُ أَبَدًا، (وَفِي الْمُتَيْطِيَّةِ) قَالَ بَعْضُ الْمُوَثِّقِينَ: لَا يَتِمُّ الْفِرَاقُ بَيْنَهُمَا عَلَى مَذْهَبِ ابْنِ الْقَاسِمِ إلَّا بِحُكْمِ الْقَاضِي فِي ذَلِكَ. وَالْحُجَّةُ لِهَذَا الْقَوْلِ قَوْلُهُ صلى الله عليه وسلم لِعُوَيْمِرٍ وَزَوْجَتِهِ بَعْدَ الْتِعَانِهِمَا: «قُومَا فَقَدْ فَرَّقْتُ بَيْنَكُمَا وَوَجَبَتْ النَّارُ لِأَحَدِكُمَا وَالْوَلَدُ لِلْمَرْأَةِ» (وَفِي التَّوْضِيحِ) وُقُوعُ الْفِرَاقِ بِمُجَرَّدِ الْتِعَانِهِمَا هُوَ الْمَذْهَبُ خِلَافًا لِأَبِي حَنِيفَةَ فِي قَوْلِهِ: لَا تَقَعُ الْفُرْقَةُ بِلِعَانِهِمَا حَتَّى يُفَرِّقَ الْحَاكِمُ بَيْنَهُمَا اهـ.

وَيُؤْخَذُ الْقَوْلَانِ مِنْ النَّظْمِ فَيُؤْخَذُ الْقَوْلُ بِأَنَّ الْفُرْقَةَ تَقَعُ بِنَفْسِ اللِّعَانِ مِنْ قَوْلِهِ:

ثُمَّ إذَا تَمَّ اللِّعَانُ افْتَرَقَا

وَيُؤْخَذُ الْقَوْلُ بِافْتِقَارِهَا لِحُكْمِ حَاكِمٍ مِنْ قَوْلِهِ: " وَبِحُكْمِ الْقَاضِي " وَهُوَ أَصَرْحُ.

وَمُكْذِبٌ لِنَفْسِهِ بَعْدُ الْتَحَقْ

وَلَدُهُ وَحُدَّ وَالتَّحْرِيمُ حَقْ

وَرَاجِعٌ قَبْلَ التَّمَامِ مِنْهُمَا

يُحَدُّ وَالنِّكَاحُ لَنْ يَنْفَصِمَا

يَعْنِي أَنَّ مَنْ لَاعَنَ زَوْجَتَهُ وَتَمَّ اللِّعَانُ بَيْنَهُمَا ثُمَّ أَكْذَبَ نَفْسَهُ فَإِنَّ الْوَلَدَ يَلْحَقُ بِهِ وَيُحَدُّ حَدَّ الْقَذْفِ لِلزَّوْجَةِ، وَأَمَّا تَحْرِيمُ الزَّوْجَةِ فَأَمْرٌ مَاضٍ لَا تَحِلُّ لَهُ أَبَدًا وَلَا سَبِيلَ لِمُرَاجَعَتِهَا، فَإِنْ كَانَ رُجُوعُهُ وَتَكْذِيبُ نَفْسِهِ قَبْلَ تَمَامِ اللِّعَانِ فَإِنَّهُ يُحَدُّ وَنِكَاحُهُمَا بَاقٍ لَمْ يَنْفَسِخْ. (قَالَ الْمُتَيْطِيُّ) : فَإِنْ رَجَعَ الزَّوْجُ بَعْدَ ذَلِكَ وَأَكْذَبَ نَفْسَهُ فَلَهُ الْحَدُّ وَلَحِقَ بِهِ الْوَلَدُ وَلَمْ تَحِلَّ لَهُ بِذَلِكَ، فَأَمَّا إنْ رَجَعَ أَحَدُهُمَا قَبْلَ تَمَامِ اللِّعَانِ بِكَلِمَةٍ فَمَا فَوْقَهَا فَإِنَّهُ يَثْبُتُ نِكَاحُهَا وَيُحَدُّ الرَّاجِعُ مِنْهُمَا. اهـ

فَقَوْلُهُ: " وَرَاجِعٌ قَبْلَ التَّمَامِ " هُوَ تَصْرِيحٌ بِمَفْهُومِ قَوْلِهِ: " وَمُكَذِّبٌ لِنَفْسِهِ بَعْدُ " أَيْ بَعْدَ اللِّعَانِ أَيْ بَعْدَ تَمَامِهِ (ابْنُ الْحَاجِبِ) فَلَوْ أَكْذَبَ أَحَدُهُمَا نَفْسَهُ قَبْلَ تَمَامِ لِعَانِهِمَا حُدَّ وَبَقِيَتْ زَوْجَةً، وَيَتَوَارَثَانِ وَإِنْ رُجِمَتْ اهـ.

ص: 216