المَكتَبَةُ الشَّامِلَةُ السُّنِّيَّةُ

الرئيسية

أقسام المكتبة

المؤلفين

القرآن

البحث 📚

‌[فصل وللأب الصلح على المحجور] - شرح ميارة = الإتقان والإحكام في شرح تحفة الحكام - جـ ١

[ميارة]

فهرس الكتاب

- ‌[مُقَدِّمَةُ الْكِتَابِ]

- ‌[بَابُ الْقَضَاءِ وَمَا يَتَعَلَّقُ بِهِ]

- ‌[فَصْلٌ فِي مَعْرِفَةِ أَرْكَانِ الْقَضَاءِ]

- ‌[فَصْلٌ فِي رَفْعِ الْمُدَّعَى عَلَيْهِ وَمَا يُلْحَقُ بِذَلِكَ]

- ‌[فَصْلٌ فِي مَسَائِلَ مِنْ الْقَضَاءِ]

- ‌[فَصْلٌ فِي الْمَقَالِ وَالْجَوَابِ]

- ‌[فَصْلٌ فِي الْآجَالِ]

- ‌[فَصْلٌ فِي الْإِعْذَارِ]

- ‌[فَصْلٌ فِي خِطَابِ الْقُضَاةِ وَمَا يَتَّصِلُ بِهِ]

- ‌[بَابُ الشُّهُودِ وَأَنْوَاعِ الشَّهَادَاتِ وَمَا يَتَعَلَّقُ بِذَلِكَ]

- ‌[فَصْلٌ مَسَائِلُ مِنْ بَابِ الشَّهَادَةِ مِمَّا يَتَكَرَّرُ وُقُوعُهُ غَالِبًا]

- ‌[فَصْلٌ فِي أَنْوَاعِ الشَّهَادَاتِ]

- ‌[فَصْلٌ الشَّهَادَةُ الَّتِي تُوجِبُ الْحَقَّ مَعَ الْيَمِينِ]

- ‌[فَصْلٌ مِنْ أَقْسَامِ الشَّهَادَةِ وَهِيَ الَّتِي تُوجِبُ الْحَقَّ مِنْ غَيْرِ يَمِينٍ]

- ‌[فَصْلٌ مَا يُوجِبُ الْيَمِينَ لَا عَلَى الطَّالِبِ بَلْ عَلَى الْمَطْلُوبِ]

- ‌[فَصْلٌ الشَّهَادَةُ الَّتِي لَا عَمَلَ لَهَا]

- ‌[فَصْلٌ فِي شَهَادَةِ السَّمَاعِ]

- ‌[فَصْلٌ فِي مَسَائِلَ مِنْ الشَّهَادَةِ]

- ‌[بَابُ الْيَمِينِ وَمَا يَتَعَلَّقُ بِهَا]

- ‌[بَابُ الرَّهْنِ وَمَا يَتَعَلَّقُ بِهِ]

- ‌[فَصْلٌ فِي اخْتِلَافِ الْمُتَرَاهِنَيْنِ]

- ‌[بَابُ الضَّمَانِ وَمَا يَتَعَلَّقُ بِهِ]

- ‌[بَابُ الْوَكَالَةِ وَمَا يَتَعَلَّقُ بِهَا]

- ‌[فَصْلٌ فِي تَدَاعِي الْمُوَكِّلِ وَالْوَكِيلِ]

- ‌[بَابُ الصُّلْحِ وَمَا يَتَعَلَّقُ بِهِ]

- ‌[فَصْلٌ وَلِلْأَبِ الصُّلْحُ عَلَى الْمَحْجُورِ]

- ‌[بَابُ النِّكَاحِ وَمَا يَتَعَلَّقُ بِهِ]

- ‌[فَصْلٌ فِي الْأَوْلِيَاءِ وَمَا يَتَرَتَّبُ فِي الْوِلَايَةِ]

- ‌[فَصْلٌ فِيمَنْ لَهُ الْإِجْبَارُ وَمَا يَتَعَلَّقُ بِهِ]

- ‌[فَصْلٌ فِي حُكْمِ فَاسِدِ النِّكَاحِ وَمَا يَتَعَلَّقُ بِهِ]

- ‌[فَصْلٌ فِي مَسَائِلَ مِنْ النِّكَاحِ]

- ‌[فَصْلٌ فِي تَدَاعِي الزَّوْجَيْنِ وَمَا يَلْحَقُ بِهِ]

- ‌[فَصْلٌ فِي الِاخْتِلَافِ فِي الْقَبْضِ]

- ‌[فَصْلٌ فِيمَا يُهْدِيهِ الزَّوْجُ ثُمَّ يَقَعُ الطَّلَاقُ]

- ‌[فَصْلٌ فِي الِاخْتِلَافِ فِي الشُّوَارِ الْمُورَدِ بَيْتَ الْبِنَاءِ]

- ‌[فَصْلٌ فِي الِاخْتِلَافِ فِي مَتَاعِ الْبَيْتِ]

- ‌[فَصْلٌ فِي إثْبَاتِ الضَّرَرِ وَالْقِيَامِ بِهِ وَبَعْثِ الْحَكَمَيْنِ]

- ‌[فَصْلٌ فِي الرَّضَاعِ]

- ‌[فَصْلٌ فِي عُيُوبِ الزَّوْجَيْنِ وَمَا يُرَدَّانِ بِهِ مِنْهَا]

- ‌[فَصْلٌ فِي الْإِيلَاءِ وَالظِّهَارِ]

- ‌[فَصْلٌ فِي اللِّعَانِ]

- ‌[بَابُ الطَّلَاقِ وَالرَّجْعَةِ وَمَا يَتَعَلَّقُ بِهِمَا]

- ‌[فَصْلٌ الْخُلْع]

- ‌[فَصْلٌ فِي الْأَيْمَانِ اللَّازِمَةِ]

- ‌[فَصْلٌ فِي التَّدَاعِي فِي الطَّلَاقِ]

- ‌[فَصْلٌ مَنْ طَلَّقَ زَوْجَتَهُ طَلَاقًا رَجْعِيًّا ثُمَّ أَرَادَ الْعَوْدَ لِلزَّوْجِيَّةِ]

- ‌[فَصْلٌ فِي الرَّجْعَةِ]

- ‌[فَصْلٌ فِي الْفَسْخِ]

- ‌[بَابُ النَّفَقَةِ وَمَا يَتَعَلَّقُ بِهَا]

- ‌[فَصْلٌ فِي التَّدَاعِي فِي النَّفَقَةِ]

- ‌[فَصْلٌ فِيمَا يَجِبُ لِلْمُطَلَّقَاتِ وَغَيْرِهِنَّ مِنْ النَّفَقَةِ وَمَا يُلْحَقُ بِهَا]

- ‌[فَصْلٌ فِي الطَّلَاقِ بِالْإِعْسَارِ بِالنَّفَقَةِ وَمَا يُلْحَقُ بِهَا]

- ‌[فَصْلٌ فِي أَحْكَامِ الْمَفْقُودِينَ]

- ‌[فَصْلٌ فِي الْحَضَانَةِ]

- ‌[بَابٌ فِي الْبُيُوعِ وَمَا شَاكَلَهَا]

- ‌[فَصْلٌ فِي بَيْعِ الْأُصُولِ]

- ‌[فَصْلٌ فِي بَيْعِ الْعُرُوضِ مِنْ الثِّيَابِ وَسَائِرِ السِّلَعِ]

- ‌[فَصْلٌ فِي بَيْعِ الطَّعَامِ]

- ‌[فَصْلٌ فِي بَيْعِ النَّقْدَيْنِ وَالْحُلِيِّ وَشِبْهِهِ]

- ‌[فَصْلٌ فِي بَيْعِ الثِّمَارِ وَمَا يُلْحَقُ بِهَا]

- ‌[فَصْلٌ فِي الْجَائِحَةِ فِي الثِّمَارِ]

- ‌[فَصْلٌ فِي بَيْعِ الرَّقِيقِ وَسَائِرِ الْحَيَوَانِ]

- ‌[فَصْلٌ كِلَابَ الْمَاشِيَةِ يَجُوزُ بَيْعُهَا]

- ‌[فَصْلٌ فِي بَيْعِ الدَّيْنِ وَالْمُقَاصَّةِ فِيهِ]

- ‌[فَصْلٌ فِي الْحَوَالَةِ]

- ‌[فَصْلٌ فِي بَيْعِ الْخِيَارِ وَالثُّنْيَا]

الفصل: ‌[فصل وللأب الصلح على المحجور]

فَقَالَ: لَا يَجُوزُ أَنْ يُصَالِحُوهَا - يَعْنِي الزَّوْجَةَ - بِشَيْءٍ، عَلَى أَنْ يَكُونَ الطَّعَامُ لَهُمْ؛ لِأَنَّهُ بَيْعُ الطَّعَامِ قَبْلَ قَبْضِهِ، وَفِيهِ فِي جَامِعِ الصُّلْحِ (قُلْتُ) : فَمَنْ كَانَ لَهُ عَلَى رَجُلٍ إرْدَبُّ حِنْطَةٍ، وَعَشَرَةُ دَرَاهِمَ، فَصَالَحَهُ مِنْ ذَلِكَ عَلَى أَحَدَ عَشَرَ دِرْهَمًا أَيَجُوزُ هَذَا؟ قَالَ: نَعَمْ، إذَا كَانَ الطَّعَامُ مِنْ قَرْضٍ اهـ. وَإِلَى هَذَا أَشَارَ بِقَوْلِهِ:

وَالصُّلْحُ بِالْمَطْعُومِ قَبْلَ الْقَبْضِ

الْبَيْتَيْنِ وَقَوْلُهُ: (مِنْ أَمَانَهْ) هُوَ تَصْرِيحٌ بِمَفْهُومِ قَوْلِهِ: (مِنْ ذِمَّةِ)(وَالْوَضْعُ) مُبْتَدَأٌ، وَ (الْمَزِيدُ)(وَالْجَمْعُ)(وَمَا أَبَانَ) مَعْطُوفَاتٌ عَلَيْهِ، وَجُمْلَةُ (اتَّصَفَ بِذَا) خَبَرُ الْوَضْعِ، وَمَا عُطِفَ عَلَيْهِ، وَالْإِشَارَةُ (بِذَا) لِرَدِّ الصُّلْحِ الْمُتَقَدِّمِ فِي قَوْلِهِ:(رُدَّ عَلَى الْعُمُومِ) .

[فَصْلٌ وَلِلْأَبِ الصُّلْحُ عَلَى الْمَحْجُورِ]

فَصْلٌ

وَلِلْأَبِ الصُّلْحُ عَلَى الْمَحْجُورِ

وَلَوْ بِدُونِ حَقِّهِ الْمَأْثُورِ

إنْ خَشِيَ الْفَوْتَ عَلَى جَمِيعِ مَا

هُوَ بِهِ يَطْلُبُ مَنْ قَدْ خَصَمَا

وَالْبِكْرُ وَحْدَهَا تُخَصُّ هَاهُنَا

بِعَفْوِهِ عَنْ مَهْرِهَا قَبْلَ الْبِنَا

يَعْنِي أَنَّهُ يَجُوزُ لِلْأَبِ أَنْ يُصَالِحَ عَنْ وَلَدِهِ الْمَحْجُورِ، ذَكَرًا كَانَ الْوَلَدُ أَوْ أُنْثَى، بِحَقِّهِ الْوَاجِبِ لَهُ فَأَكْثَرَ - وَلَا إشْكَالَ - كَأَنْ يَكُونَ لِوَلَدِهِ عَرَضٌ عَلَى مَدِينٍ، فَيُصَالِحُهُ الْأَبُ عَلَى عَرَضٍ آخَرَ، يُسَاوِي قِيمَةَ الْعَرَضِ الَّذِي فِي الذِّمَّةِ أَوْ أَكْثَر، وَكَذَا يَجُوزُ لَهُ أَنْ يُصَالِحَ عَنْ وَلَدِهِ بِأَقَلَّ مِنْ حَقِّهِ، لَكِنْ بِشَرْطٍ وَهُوَ أَنْ يَخْشَى فَوَاتَ جَمِيعِ الْحَقِّ، فَالصُّلْحُ بِبَعْضِهِ أَوْلَى مِنْ فَوْتِ جَمِيعِهِ، وَتَخْتَصُّ الْبِكْرُ بِأَنَّهُ يَجُوزُ لِأَبِيهَا الْعَفْوُ عَنْ نِصْفِ صَدَاقِهَا؛ إنْ طَلَّقَهَا الزَّوْجُ قَبْلَ الْبِنَاءِ، لِقَوْلِهِ تَعَالَى {وَإِنْ طَلَّقْتُمُوهُنَّ مِنْ قَبْلِ أَنْ تَمَسُّوهُنَّ} [البقرة: 237] إلَى قَوْلِهِ: {عُقْدَةُ النِّكَاحِ} [البقرة: 237](قَالَ فِي طُرَرِ ابْنِ عَاتٍ) : قَالَ جَمَاعَةٌ فِي تَفْسِيرِ {الَّذِي بِيَدِهِ عُقْدَةُ النِّكَاحِ} [البقرة: 237] : هُوَ الْأَبُ فِي ابْنَتِهِ الْبِكْرِ، مِنْهُمْ الزُّهْرِيُّ وَعَلْقَمَةُ وَالْحَسَنُ وَطَاوُسٌ وَمَالِكٌ، وَأَصْحَابُهُ وَبِهِ الْفَتْوَى (قَالَ فِي الْمُفِيدِ) : وَإِذَا صَالَحَ الرَّجُلُ عَلَى ابْنَتِهِ الْبِكْرِ بِبَعْضِ حَقِّهَا مِنْ مِيرَاثٍ، أَوْ صَدَاقٍ، أَوْ غَيْرِ ذَلِكَ، فَإِنْ كَانَ حَقُّهَا عَيْنًا، لَا خِصَامَ فِيهِ وَلَا دَعْوَى، فَلَا يَجُوزُ صُلْحُهُ عَلَيْهَا بِأَقَلَّ مِنْ حَقِّهَا، إذْ لَا يُنْظَرُ فِي ذَلِكَ.

فَإِنْ رُفِعَ رَجَعَتْ بِبَاقِي حَقِّهَا عَلَى مَنْ هُوَ لَهَا عَلَيْهِ، ثُمَّ لَا رُجُوعَ لَهُ عَلَى وَالِدِهَا، إلَّا أَنْ يَتَحَمَّلَ فِي ذَلِكَ مَا يُدْرِكُهُ مِنْ دَرْكٍ، فَيَكُونُ هُوَ الْمَطْلُوبُ بِهِ فِي عُسْرِهِ وَيُسْرِهِ، وَيَتْبَعُهُ بِذَلِكَ غَرِيمُ الِابْنَةِ، وَإِنْ كَانَ غَرِيمُهَا عَدِيمًا؛ طَلَبَتْ وَالِدَهَا بِحَقِّهَا قَالَ مُطَرِّفٌ وَابْنُ الْمَاجِشُونِ، وَهُوَ قَوْلُ مَالِكٍ وَأَصْحَابِهِ (قَالَ الشَّارِحُ) :" وَالِابْنُ وَالْبِنْتُ فِي هَذَا سَوَاءٌ، وَلِذَلِكَ أَتَى الشَّيْخُ بِلَفْظِ " الْمَحْجُورِ " الشَّامِلِ لَهُمَا "، وَذِكْرُ ابْنِ هِشَامٍ الْبِنْتَ فَقَطْ، هُوَ عَلَى وَجْهِ التَّمْثِيلِ فَقَطْ، وَلَا تَخْتَصُّ الْبِنْتُ إلَّا بِجَوَازِ الْعَفْوِ عَنْ نِصْفِ مَهْرِهَا قَبْلَ الْبِنَاءِ كَمَا تَقَدَّمَ، وَإِلَيْهِ أَشَارَ النَّاظِمُ بِالْبَيْتِ الثَّالِثِ (وَفِي الطُّرَرِ) قَالَ مَالِكٌ: وَلَا يَجُوزُ لِأَحَدٍ أَنْ يَعْفُوَ عَنْ شَيْءٍ مِنْ صَدَاقِهَا - يُرِيدُ الْبِكْرَ - إلَّا الْأَبُ وَحْدَهُ، لَا وَصِيٌّ وَلَا غَيْرُهُ (وَفِي ابْنِ يُونُسَ) :" فَأَمَّا قَبْلَ الطَّلَاقِ، فَلَا يَجُوزُ أَنْ يَضَعَ مِنْ صَدَاقِهَا شَيْئًا ".

(التَّوْضِيحُ) وَأَجَازَ ابْنُ الْقَاسِمِ عَفْوَ الْوَلِيِّ قَبْلَ الطَّلَاقِ أَيْضًا، وَرَأَى أَنَّهُ إذَا جَازَ ذَلِكَ لِتَحْصِيلِ زَوْجٍ فِي الْمُسْتَقْبَلِ، فَلَا يَجُوزُ لِلزَّوْجِ الْحَاصِلِ لَهَا الَّذِي لَمْ يُطَلِّقْهَا أَوْلَى اهـ. وَالْعَفْوُ قَبْلَ الطَّلَاقِ إمَّا عَلَى شَرْطِ التَّطْلِيقِ، أَوْ عَلَى بَقَاءِ الْعِصْمَةِ لَكِنْ بِشَرْطِ أَنْ يَتْرُكَ لَهَا مَا يَحِلُّ بِهِ النِّكَاحُ.

وَلِلْوَصِيِّ الصُّلْحُ عَمَّنْ قَدْ حُجْر

وَلَا يَجُوزُ مَعَ غَبْنٍ أَوْ ضَرَرْ

يَعْنِي أَنَّهُ يَجُوزُ لِلْوَصِيِّ أَنْ يُصَالِحَ عَنْ مَحْجُورِهِ إذَا كَانَ نَظَرًا لِلْمَحْجُورِ، فَإِنْ كَانَ فِيهِ غَبْنٌ وَنَقْصٌ مِنْ حَقِّهِ، أَوْ عَلَيْهِ فِيهِ ضَرَرٌ لَمْ يَجُزْ.

(قَالَ ابْنُ رُشْدٍ) : وَقَعَتْ هَذِهِ فِي بَعْضِ الرِّوَايَاتِ، وَظَاهِرُهَا أَنَّ الْوَصِيَّ

ص: 146

يَجُوزُ صُلْحُهُ عَنْ الْيَتِيمِ الَّذِي إلَى نَظَرِهِ، فِيمَا طُلِبَ لَهُ مِنْ الْحَقِّ أَوْ طُولِبَ بِهِ، فِي أَنْ يَأْخُذَ بَعْضَ حَقِّهِ الَّذِي يُطْلَبُ. مِنْ الْغَيْرِ، وَيَضَعُ بَعْضَهُ إذَا خُشِيَ أَنْ لَا يَصِحَّ لَهُ مَا ادَّعَاهُ، وَبِأَنْ يُعْطِيَ مِنْ مَالِهِ بَعْضَ مَا يُطْلَبُ بِهِ، إذَا خُشِيَ أَنْ يَثْبُتَ عَلَيْهِ جَمِيعُ مَا يُطْلَبُ بِهِ، وَفِي أَوَاخِرِ السِّفْرِ الثَّالِثِ مِنْ الْمِعْيَارِ، فِي صَدْرِ جَوَابٍ لِمُؤَلِّفِهِ فِي مَسْأَلَةٍ مِنْ الصُّلْحِ، سُمِّيَ جَوَابُهُ الْمَذْكُورُ تَنْبِيهُ الطَّالِبِ الدَّرَّاكِ فِي الصُّلْحِ الْمُنْعَقِدِ بَيْنَ ابْنِ سَعْدٍ، وَالْحَبَّاكِ. قَالَ: تَحْصِيلُ صُلْحِ الْوَصِيِّ عَنْ أَيْتَامِهِ بِبَعْضِ الْحَقِّ، بَعْدَ فَرْضِ سَلَامَتِهِ مِنْ الْقَوَادِحِ الْفِقْهِيَّةِ وَالْمَوَانِعِ الشَّرْعِيَّةِ، إنَّهُ لَا يَخْلُو مِنْ وَجْهَيْنِ أَحَدُهُمَا: أَنْ يَكُونَ مِمَّا يُطْلَبُ لِلْمَحْجُورِ، وَالثَّانِي: أَنْ يَكُونَ مِمَّا يُطْلَبُ بِهِ، فَالْأَوَّلُ لَا يَخْلُو مِنْ ثَلَاثَةِ أَوْجُهٍ: الْأَوَّلُ - أَنْ يَكُونَ بَعْدَ ثُبُوتِ الْحَقِّ لَهُمْ، بِحَيْثُ لَا خِصَامَ فِيهِ وَلَا دَعْوَى، وَالثَّانِي - أَنْ يَكُونَ قَبْلَ ثُبُوتِهِ فِي الْحَالِ، وَلَا يُرْجَى ثُبُوتُهُ فِي الْمَآلِ، وَالثَّالِثُ - أَنْ يَكُونَ غَيْرَ ثَابِتٍ فِي الْحَالِ، لَكِنْ يُرْجَى ثُبُوتُهُ فِي الْمَآلِ فَالْأَوَّلُ لَا يَجُوزُ بِاتِّفَاقٍ؛ لِأَنَّهُ تَبَرُّعٌ فِي مَالِ الْمَحْجُورِ، وَهُوَ مَمْنُوعٌ عِنْدَ الْكَافَّةِ وَالْجُمْهُورِ، وَالثَّانِي مَشْرُوعٌ، وَالثَّالِثُ مَمْنُوعٌ.

وَإِنْ كَانَ مِمَّا يُطْلَبُ بِهِ، فَلَا يَخْلُو أَيْضًا إمَّا أَنْ يَكُونَ الْحَقُّ ثَابِتًا فِي الْحَالِ، أَوْ لَيْسَ ثَابِتًا فِي الْحَالِ، وَلَا يُرْجَى ثُبُوتُهُ فِي الْمَآلِ، أَوْ لَيْسَ ثَابِتًا فِي الْحَالِ، وَلَكِنْ يُرْجَى ثُبُوتُهُ فِي الْمَآلِ، فَالْأَوَّلُ يَجُوزُ صُلْحُهُ عَلَيْهِ بِمِثْلِ الْحَقِّ فَأَقَلَّ، وَلَا يَجُوزُ بِأَكْثَرَ، وَالثَّانِي وَهُوَ مَا لَيْسَ بِثَابِتٍ فِي الْحَالِ، وَلَا يُرْجَى ثُبُوتُهُ فِي الْمَآلِ، فَاخْتَلَفَ الْمَذْهَبُ فِي إجَازَتِهِ وَمَنْعِهِ عَلَى قَوْلَيْنِ. وَالْقَوْلُ بِالْإِجَازَةِ مِنْهُمَا هُوَ قَوْلُ ابْنِ الْقَاسِمِ فِي سَمَاعِ أَصْبَغَ، وَالْمَنْعُ هُوَ قَوْلُ ابْنِ الْمَاجِشُونِ فِي وَاضِحَتِهِ وَأَحْكَامِهِ، ثُمَّ قَالَ: قُلْتُ وَالْقَوْلَانِ مُتَكَافِئَانِ فِي نَظَرِ كَثِيرٍ مِنْ مَشَايِخِ الْمَذْهَبِ، وَصَوَّبَ بَعْضُ مُتَأَخِّرِيهِمْ قَوْلَ ابْنِ الْقَاسِمِ، وَاعْتَلَّ لَهُ بِأَنَّ فِعْلَ الْوَصِيِّ مَحْمُولٌ عَلَى النَّظَرِ، حَتَّى يَثْبُتَ خِلَافُهُ اهـ كَذَا وَجَدْتُ هَذَا الْكَلَامَ فِي نُسْخَتَيْنِ مِنْ الْمِعْيَارِ، وَالْغَالِبُ أَنَّهُ سَقَطَ بَعْضُهُ وَأَصْلُهُ، وَالثَّانِيَ وَهُوَ مَا لَيْسَ بِثَابِتٍ فِي الْحَالِ، وَلَا يُرْجَى ثُبُوتُهُ فِي الْمَآلِ، فَلَا يَجُوزُ الصُّلْحُ فِيهِ عَنْهُ بِحَالٍ، وَأَمَّا الثَّالِثُ - وَهُوَ مَا لَيْسَ ثَابِتًا فِي الْحَالِ، وَلَكِنْ يُرْجَى ثُبُوتُهُ فِي الْمَآلِ، فَاخْتَلَفَ الْمَذْهَبُ. . . إلَخْ، وَهَذَا الْقِسْمُ هُوَ الْمُنَاسِبُ لِمَحَلِّ الْخِلَافِ بِسَبَبِ النَّظَرِ إلَى الْحَالِ، وَالْمَآلِ، وَهِيَ قَاعِدَةٌ مِنْ الْقَوَاعِدِ الشَّرْعِيَّةِ قَوْلُهُ (وَلِلْوَصِيِّ) يَتَعَلَّقُ بِ يَجُوزُ، وَالصُّلْحُ مُبْتَدَأٌ وَعَمَّنْ يَتَعَلَّقُ بِهِ، وَجُمْلَةُ لَا يَجُوزُ خَبَرُ الصُّلْحِ.

وَلَا يَجُوزُ نَقْضُ صُلْحٍ أُبْرِمَا

وَإِنْ تَرَاضَيَا وَجَبْرًا أُلْزِمَا

يَعْنِي أَنَّ الْمُتَخَاصِمَيْنِ إذَا وَقَعَ الصُّلْحُ بَيْنَهُمَا عَلَى وَجْهٍ جَائِزٍ ثُمَّ أَرَادَا الرُّجُوعَ إلَى مَا كَانَا عَلَيْهِ مِنْ الْخُصُومَةِ فَإِنَّ ذَلِكَ لَا يَجُوزُ وَيُجْبَرَانِ عَلَى الْتِزَامِ مَا وَقَعَ بَيْنَهُمَا مِنْ الصُّلْحِ (قَالَ ابْنُ أَبِي زَمَنِينَ فِي مُنْتَخَبِهِ) وَسُئِلَ عِيسَى عَنْ رَجُلَيْنِ اصْطَلَحَا فِي شَيْءٍ تَدَاعَيَا فِيهِ ثُمَّ أَرَادَا أَنْ يَنْقُضَا الصُّلْحَ وَيَرْجِعَا إلَى الدَّعْوَى الْأُولَى قَالَ هَذَا لَا يَجُوزُ (سَحْنُونٌ) إنْ اسْتَحَقَّ مَا قَبَضَ الْمُدَّعِي فِي الصُّلْحِ عَلَى الْإِنْكَارِ فَلْيَرْجِعْ بِقِيمَةِ مَا قَبَضَ أَوْ مِثْلِهِ إنْ كَانَ يُوجَدُ لَهُ مِثْلٌ (ابْنُ يُونُسَ) هَذَا هُوَ الصَّوَابُ لَا الرُّجُوعُ إلَى الْخُصُومَةِ.

وَيُنْقَضُ الْوَاقِعُ فِي الْإِنْكَارِ

إنْ عَادَ مُنْكِرٌ إلَى الْإِقْرَارِ

يَعْنِي أَنَّ مَنْ ادَّعَى حَقًّا عَلَى غَيْرِهِ، فَجَحَدَهُ وَأَنْكَرَهُ ثُمَّ صَالَحَهُ عَلَى الْإِنْكَارِ ثُمَّ بَعْدَ ذَلِكَ أَقَرَّ بِمَا أَنْكَرَ أَوَّلًا قَبْلَ الصُّلْحِ فَإِنَّ الصُّلْحَ يُنْقَضُ وَيَلْزَمُهُ غُرْمُ مَا بَقِيَ مِنْ حَقِّ الْمُدَّعِي، وَهَذَا الْفَرْعُ وَمَا يُسْتَطْرَدُ بَعْدَهُ مِنْ نَظَائِرِهِ فِي مَعْرِضِ الِاسْتِثْنَاءِ مِنْ قَوْلِهِ

وَلَا يَجُوزُ نَقْضُ صُلْحٍ أُبْرِمَا

قَالَ فِي (الْوَثَائِقِ الْمَجْمُوعَةِ) قَالَ أَحْمَدُ بْنُ سَعِيدٍ سُئِلَ عِيسَى بْنُ دِينَارٍ عَنْ رَجُلٍ لَهُ حَقٌّ عَلَى رَجُلٍ فَجَحَدَهُ، فَصَالَحَهُ عَلَى الْإِنْكَارِ بِبَعْضِ الْحَقِّ، ثُمَّ أَقَرَّ بَعْدُ أَنَّ مَا ادَّعَى بِهِ عَلَيْهِ حَقٌّ فَقَالَ عِيسَى يَلْزَمُهُ غُرْمُ مَا بَقِيَ مِنْ حَقِّ الْمُدَّعَى وَقَالَ لَوْ أَنَّ لِرَجُلٍ عَلَى رَجُلٍ وَثِيقَةً بِحَقٍّ فَضَاعَتْ فَأَنْكَرَ غَرِيمُهُ فَصَالَحَهُ بِبَعْضِ الْحَقِّ ثُمَّ وَجَدَهَا فَلَهُ أَنْ يَرْجِعَ عَلَيْهِ بِمَا بَقِيَ مِنْ حَقِّهِ (ابْنُ الْحَاجِبِ) وَالصُّلْحُ عَلَى الْإِنْكَارِ وَعَلَى الِافْتِدَاءِ مِنْ الْيَمِينِ جَائِزٌ حُكْمُهُ

ص: 147

وَلَا يَحِلُّ لِلظَّالِمِ مِنْهُمَا فَلَوْ أَقَرَّ بَعْدَ ذَلِكَ فَلَهُ نَقْضُهُ لِأَنَّهُ مَغْلُوبٌ، ثُمَّ قَالَ فِي التَّوْضِيحِ فِي شَرْحِ قَوْلِهِ " وَإِنْ أَشْهَدَ سِرًّا ": فَقَوْلَانِ وَهُنَا ثَمَانِ مَسَائِلَ أَرْبَعٌ مُتَّفَقٌ عَلَيْهَا أَيْ عَلَى نَقْضِ الصُّلْحِ فِي ثَلَاثَةٍ مِنْهَا وَعَلَى إمْضَائِهِ فِي الرَّابِعَةِ، وَأَرْبَعٌ مُخْتَلَفٌ فِيهَا.

فَأَمَّا الْمُتَّفَقُ عَلَيْهَا فَالْأُولَى: إنْ كَانَتْ لَهُ بَيِّنَةٌ غَائِبَةٌ وَأَشْهَدَ وَأَعْلَنَ، وَالثَّانِيَةُ: إذَا صَالَحَ عَلَى الْإِنْكَارِ ثُمَّ أَقَرَّ، وَالثَّالِثَةُ: إذَا صَالَحَ عَلَى الْإِنْكَارِ وَذَكَرَ ضَيَاعَ صَكِّهِ أَيْ وَثِيقَتِهِ ثُمَّ وَجَدَهُ بَعْدَ الصُّلْحِ فَهَذِهِ الثَّلَاثَةُ اتَّفَقُوا فِيهَا عَلَى الْقَبُولِ، وَالرَّابِعَةُ: إذَا ضَاعَ صَكُّهُ فَقَالَ لَهُ غَرِيمُهُ: حَقُّكَ حَقٌّ فَأْتِ بِالصَّكِّ فَامْحُهُ وَخُذْ حَقَّكَ. فَقَالَ: قَدْ ضَاعَ وَأَنَا أُصَالِحُكَ فَفَعَلَ ثُمَّ يَجِدُ ذِكْرَ الْحَقِّ فَلَا رُجُوعَ لَهُ بِاتِّفَاقٍ (ابْنُ يُونُسَ) وَالْفَرْقُ بَيْنَ هَذِهِ وَاَلَّتِي قَبْلَهَا أَنَّ غَرِيمَهُ فِي هَذِهِ مُعْتَرِفٌ وَإِنَّمَا طَالَبَهُ بِإِحْضَارِ صَكِّهِ لِيَمْحُوَ مَا فِيهِ، فَقَدْ رَضِيَ هَذَا بِإِسْقَاطِهِ وَاسْتِعْجَالِ حَقِّهِ وَالْأَوَّلُ مُنْكِرٌ لِلْحَقِّ وَقَدْ أَشْهَدَ أَنَّهُ إنَّمَا صَالَحَهُ لِضَيَاعِ صَكِّهِ فَهُوَ كَإِشْهَادِهِ أَنَّهُ إنَّمَا يُصَالِحُهُ لِغَيْبَةِ بَيِّنَتِهِ. وَأَمَّا الْأَرْبَعُ الْمُخْتَلَفُ فِيهَا فَهِيَ: إذَا كَانَتْ بَيِّنَتُهُ غَائِبَةً وَأَشْهَدَ سِرًّا كَمَا ذُكِرَ.

وَالثَّانِيَةُ: إذَا صَالَحَ وَلَمْ يَعْلَمْ بِبَيِّنَتِهِ، ثُمَّ عَلِمَ وَالْمَشْهُورُ فِيهَا الْقَبُولُ كَمَا تَقَدَّمَ، وَالثَّالِثَةُ: إذَا صَالَحَ وَهُوَ عَالِمٌ بِبَيِّنَتِهِ، وَتَقَدَّمَ أَنَّ الْمَشْهُورَ فِيهَا عَدَمُ الْقَبُولِ، وَالرَّابِعَةُ: مَنْ يُقِرُّ فِي السِّرِّ وَيَجْحَدُ فِي الْعَلَانِيَةِ فَصَالَحَهُ غَرِيمُهُ عَلَى أَنْ يُؤَخِّرَهُ سَنَةً وَأَشْهَدَ الطَّالِبَ أَنَّهُ إنَّمَا يُصَالِحُهُ لِغَيْبَةِ بَيِّنَتِهِ فَإِذَا قَدِمَتْ قَامَ بِهَا، فَقِيلَ ذَلِكَ لَهُ إذَا عَلِمَ أَنَّهُ كَانَ يَطْلُبُهُ وَهُوَ يَجْحَدُهُ، وَقِيلَ لَيْسَ لَهُ ذَلِكَ (خَلِيلٌ) وَأَفْتَى بَعْضُ أَشْيَاخِ شَيْخِي بِأَنَّ ذَلِكَ لَهُ لِضَرُورَةٍ وَهُوَ قَوْلُ سَحْنُونٍ وَالْآخَرُ لِمُطَرِّفٍ، وَهَذِهِ الْمَسْأَلَةُ تُسَمَّى إيدَاعَ الشَّهَادَةِ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ. وَإِلَى هَذِهِ الْمَسَائِلِ الثَّمَانِ أَشَارَ الشَّيْخُ خَلِيلٌ فِي مُخْتَصَرِهِ بِقَوْلِهِ:" فَلَوْ أَقَرَّ بَعْدَهُ، أَوْ شَهِدَتْ بَيِّنَةٌ لَمْ يَعْلَمْهَا، أَوْ أَشْهَدَ، وَأَعْلَنَ أَنَّهُ يَقُومُ بِهَا، أَوْ وَجَدَ وَثِيقَتَهُ بَعْدَهُ فَلَهُ نَقْضُهُ كَمَنْ لَمْ يُعْلِنْ، أَوْ يُقِرَّ سِرًّا فَقَطْ عَلَى الْأَحْسَنِ لَا إنْ عَلِمَ بِبَيِّنَتِهِ وَلَمْ يُشْهِدْ أَوْ ادَّعَى ضَيَاعَ الصَّكِّ فَقِيلَ لَهُ حَقُّكَ ثَابِتٌ فَأْتِ فَصَالِحْ ثُمَّ وَجَدَهُ " اهـ.

وَالْمَسْأَلَةُ الْأُولَى فِي الْمُخْتَصَرِ هِيَ الثَّانِيَةُ فِي التَّوْضِيحِ، وَالثَّانِيَةُ فِيهِ هِيَ الثَّانِيَةُ مِنْ الْأَرْبَعِ الْأَخِيرَةِ فِي التَّوْضِيحِ، وَالثَّالِثَةُ فِيهِ هِيَ الْأُولَى فِي التَّوْضِيحِ، وَالرَّابِعَةُ هِيَ الثَّالِثَةُ فِي التَّوْضِيحِ، وَالْخَامِسَةُ هِيَ الْأُولَى مِنْ الْأَرْبَعِ الْأَخِيرَةِ، وَالسَّادِسَةُ هِيَ الرَّابِعَةُ مِنْ الْأَرْبَعِ الْأَخِيرَةِ، وَالسَّابِعَةُ هِيَ الثَّالِثَةُ مِنْ الْأَرْبَعِ الْأَخِيرَةِ، وَالثَّامِنَةُ هِيَ الرَّابِعَةُ مِنْ الْأَرْبَعِ الْأُولَى. وَقَوْلُهُ فِي آخِرِ كَلَامِ التَّوْضِيحِ:" وَهَذِهِ الْمَسْأَلَةُ تُسَمَّى إيدَاعَ الشَّهَادَةِ "(قُلْت) هِيَ الَّتِي تُسَمَّى فِي عُرْفِنَا الِاسْتِرْعَاءَ، وَهِيَ أَنْ يَكُونَ الْحَقُّ عَلَى ظَالِمٍ لَا يُنْتَصَفُ مِنْهُ وَلَا تَنَالُهُ الْأَحْكَامُ فَيَخَافُ صَاحِبُ الْحَقِّ أَنْ يَطُولَ الزَّمَانُ وَيَضِيعَ حَقُّهُ، فَيُشْهِدُ سِرًّا وَخُفْيَةً أَنَّهُ عَلَى حَقِّهِ غَيْرُ تَارِكٍ لَهُ وَأَنَّهُ يَقُومُ بِهِ مَتَى أَمْكَنَهُ ذَلِكَ وَقَدْ أَشْبَعَ الْكَلَامَ فِيهَا صَاحِبُ الْمِعْيَارِ فِي نَوَازِلِ الصُّلْحِ عَنْ الْإِمَامِ أَبِي الْحَسَنِ عَلِيِّ بْنِ عُثْمَانَ بْنِ عَطِيَّةَ الْوَنْشَرِيسِيِّ لَمَّا سُئِلَ عَنْ قَوْلِ ابْنِ الْحَاجِبِ آخِرَ الصُّلْحِ " فَإِنْ أَشْهَدَ سِرًّا فَقَوْلَانِ " فَعَلَيْك بِهِ إنْ تَعَلَّقَ لَك بِهِ غَرَضٌ فَإِنَّهُ كَثِيرُ الْوُقُوعِ لَا سِيَّمَا فِي هَذَا الزَّمَانِ.

إنْ طَالَ هَذَا وَلَمْ يَحْدُثْ لَهُ غِيَرٌ

لَمْ يُبْكَ مَيْتٌ وَلَمْ يُفْرَحْ بِمَوْلُودِ

وَقَدْ نَقَلْنَا مِنْهُ جُمْلَةً صَالِحَةً فِي شَرْحِنَا الْمُسَمَّى بِفَتْحِ الْعَلِيمِ الْخَلَّاقِ فِي شَرْحِ لَامِيَّةِ الزَّقَّاقِ فِي شَرْحِ قَوْلِهِ فِي آخِرِهَا:

وَلَا تَكْتُبَنْ طَوْعًا بِعَيْبٍ بِمَرْكَبٍ

الْأَبْيَاتَ الثَّلَاثَةَ.

وَالتَّرِكَاتُ مَا تَكُونُ الصُّلْحُ

مَعَ عِلْمِ مِقْدَارٍ لَهَا يَصِحُّ

يَعْنِي أَنَّ التَّرِكَةَ يَصِحُّ وَيَجُوزُ فِيهَا الصُّلْحُ أَيْ: سَوَاءٌ كَانَتْ عَيْنًا، أَوْ عَرَضًا، أَوْ حَيَوَانًا، أَوْ طَعَامًا، أَوْ مَلَقَةً مِنْ الْبَعْضِ، أَوْ الْكُلِّ أَوْ غَيْرَ ذَلِكَ لَكِنْ بِشَرْطِ عِلْمِ مِقْدَارِهَا لِمَا فِي الصُّلْحِ مَعَ جَهْلِ مِقْدَارِهَا مِنْ الْغَرَرِ الَّذِي مَنَعَ مِنْهُ الشَّارِحُ فِي أَبْوَابِ الْمُعَاوَضَاتِ، ثُمَّ نَقَلَ الشَّارِحُ جَوَابَ الْإِمَامِ أَبِي سَعِيدِ بْنِ لُبٍّ

ص: 148

عَنْ صُلْحٍ فِي تَرِكَةٍ وَقَعَ فِيهِ جَهْلٌ وَغَبْنٌ.

قَالَ: " فَأَمَّا الْجَهْلُ فَقَدْ قَالَ أَهْلُ الْوَثَائِقِ: إذَا سَقَطَ مِنْ الْعَقْدِ ذِكْرُ مَعْرِفَةِ الْقَدْرِ وَادَّعَى أَحَدُ الْمُتَعَاقِدَيْنِ الْجَهْلَ لَمْ يُصَدَّقْ وَلَا يَمِينَ لَهُ عَلَى صَاحِبِهِ فِي وَجْهٍ مِنْ الْوُجُوهِ إلَّا فِي وَجْهٍ وَاحِدٍ وَهُوَ أَنْ يَدَّعِيَ أَنَّ صَاحِبَهُ كَانَ عَالِمًا بِجَهْلِهِ، فَيَجِبُ لَهُ الْيَمِينُ عَلَى صَاحِبِهِ أَنَّهُ مَا عَلِمَ بِجَهْلِهِ إذَا أَنْكَرَ ذَلِكَ فَإِنْ حَلَفَ تَمَّ الْعَقْدُ، وَإِنْ نَكَلَ وَرَدَّ الْيَمِينَ عَلَى الْآخَرِ حَلَفَ لَقَدْ كَانَ جَاهِلًا بِمَا خَرَجَ عَنْهُ وَفُسِخَ الْعَقْدُ إنْ شَاءَ هَذَا مَعَ عَدَمِ ثُبُوتِ جَهِلَهُ بِقَدْرِ ذَلِكَ أَمَّا لَوْ ثَبَتَ ذَلِكَ أَوْ اعْتَرَفَ بِهِ الْخَصْمُ لَثَبَتَ الْخِيَارُ لِلْجَاهِلِ فِي الْفَسْخِ فَإِنْ اعْتَرَفَ الْخَصْمُ أَنَّهُ كَانَ عَالِمًا بِجَهْلِ صَاحِبِهِ عِنْدَ الْعَقْدِ وَجَبَ الْفَسْخُ بِكُلِّ حَالٍ لِفَسَادِهِ حِينَئِذٍ. وَأَمَّا الْقِيَامُ بِالْغَبْنِ فَمَا فِيهِ مَعْلُومٌ فَلْيُرَاجَعْ فِي مَحَلِّهِ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ ".

وَلَا يَجُوزُ الصُّلْحُ بِاقْتِسَامِ مَا

فِي ذِمَّةٍ وَإِنْ أَقَرَّ الْغُرَمَا

وَالزَّرْعِ قَبْلَ ذَرْوِهِ وَالثَّمَرِ

مَا دَامَ مُبْقًى فِي رُءُوسِ الشَّجَرِ

وَلَا بِإِعْطَاءٍ مَنْ الْوُرَّاثِ

لِلْعَيْنِ فِي الْكَالِئِ وَالْمِيرَاثِ

وَحَيْثُ لَا عَيْنٌ وَلَا دَيْنٌ وَلَا

كَالِئٍ سَاغَ مَا مِنْ إرْثٍ بُذِلَا

اشْتَمَلَتْ الْأَبْيَاتُ عَلَى أَرْبَعِ مَسَائِلَ ثَلَاثَةٍ مَمْنُوعَةٍ وَوَاحِدَةٍ جَائِزَةٍ (الْأُولَى) مَنْ الثَّلَاثِ إذَا كَانَتْ التَّرِكَةُ دُيُونًا عَلَى أُنَاسٍ شَتَّى فَلَا يَجُوزُ لِلْوَرَثَةِ قَسْمُ تِلْكَ الدُّيُونِ بِأَنْ يَخْرُجَ وَاحِدٌ بِغَرِيمٍ وَآخَرُ بِغَرِيمٍ آخَرَ وَهَكَذَا. وَإِنْ حَضَرَ الْغُرَمَاءُ وَأَقَرُّوا بِالدَّيْنِ تَبْقَى الدُّيُونُ بَيْنَهُمْ فَمَتَى اقْتَضَوْا مِنْهَا شَيْئًا اقْتَسَمُوهُ. وَلَا تُقْسَمُ الذِّمَمُ وَفِي الْأَثَرِ النَّهْيُ عَنْ الذِّمَّة بِالذِّمَّةِ وَمَنْ اقْتَضَى مِنْهُمْ شَيْئًا مِنْ ذَلِكَ أَوْ صَالَحَ عَنْ نَصِيبِهِ مِنْهُ دَخَلَ مَعَهُ سَائِرُ الْوَرَثَةِ فِي ذَلِكَ إلَّا أَنْ يُسَلِّمُوا لَهُ فِعْلَهُ أَوْ مَنْ شَاءَ مِنْهُمْ وَيَتْبَعُونَ الْغَرِيمَ بِحِصَصِهِمْ.

كَذَا نَقَلَ الشَّارِحُ عَنْ الْمُتَيْطِيِّ، وَإِلَى هَذَا أَشَارَ النَّاظِمُ بِالْبَيْتِ الْأَوَّلِ بِقَوْلِهِ:(فِي ذِمَّةٍ) كَأَنَّهُ أَرَادَ الْجِنْسَ بِدَلِيلِ صِيغَةِ الْجَمْعِ فِي الْغُرَمَاءِ، وَأَبْيَنُ مِنْهُ أَنْ لَوْ قَالَ بِذِمَمٍ وَإِنْ أَقَرَّ الْغُرَمَا.

(الثَّانِيَةُ) قَسْمُ الزَّرْعِ قَبْلَ ذَرْوِهِ وَالثَّمَرِ فِي رُءُوسِ الشَّجَرِ قَبْلَ جَذَاذِهِ، فَإِنَّ ذَلِكَ لَا يَجُوزُ لِمَا فِيهِ مِنْ الْغَرَرِ وَالْمُخَاطَرَةِ مِنْ غَيْرِ ضَرُورَةٍ تَدْعُو إلَى ذَلِكَ.

(قَالَ الْمُتَيْطِيُّ) بِأَثَرِ النَّقْلِ الْمُتَقَدِّمِ عَنْهُ: " وَكَذَلِكَ إذَا وَرِثُوا زَرْعًا، وَأَرْضًا، وَشَجَرًا فِيهَا ثِمَارٌ، ثُمَّ لَمْ يَقْسِمُوا الْأَرْضَ وَأُصُولَ الشَّجَرِ وَيَبْقَى الزَّرْعُ وَالثَّمَرُ بَيْنَهُمْ عَلَى مَوَارِيثِهِمْ حَتَّى يُصَفَّى الزَّرْعُ وَيَصِيرَ حَبًّا وَتُجْنَى الثَّمَرَةُ فَيَقْتَسِمُونَ ذَلِكَ كَيْلًا، وَلَا يَجُوزُ اقْتِسَامُهُمْ الزَّرْعَ فَدَادِينَ وَلَا قَتًّا وَلَا حُزُمًا وَلَا الثَّمَرَ فِي الشَّجَرِ وَهُوَ فِي الْمُزَابَنَةِ، فَإِنْ اقْتَسَمُوا ذَلِكَ جَهْلًا ثُمَّ عُثِرَ عَلَيْهِ فُسِخَ. فَإِنْ نَزَلَتْ جَائِحَةٌ فِيهَا قَبَضَهُ أَحَدُهُمْ فَهِيَ مِنْ جَمِيعِهِمْ وَيَكُونُ جَمِيعُ السَّالِمِ مِنْ الْجَائِحَةِ مِنْ ثَمَرٍ أَوْ زَرْعٍ بَيْنَهُمْ اهـ ". مَحَلُّ الْحَاجَةِ مِنْهُ.

وَإِلَى هَذَا أَشَارَ النَّاظِمُ بِقَوْلِهِ: (وَالزَّرْعِ قَبْل ذَرْوِهِ) الْبَيْتَ، فَقَوْلُهُ:(وَالزَّرْعِ) هُوَ بِالْخَفْضِ عُطِفَ عَلَى مَدْخُولِ الِاقْتِسَامِ، وَالثَّمَرِ عُطِفَ عَلَى الزَّرْعِ وَمُبْقًى بِضَمٍّ فَسُكُونٍ خَبَرُ مَا دَامَ.

(الثَّالِثَةُ) إعْطَاءُ الْوَارِثِ عَيْنًا لِلزَّوْجَةِ فِي كَالِئِ صَدَاقِهَا وَمِيرَاثِهَا مِنْ زَوْجِهَا، فَإِنَّ ذَلِكَ لَا يَجُوزُ أَيْضًا لِلْجَهْلِ بِمَا بَقِيَ مِنْ التَّرِكَةِ بَعْدَ بَيْعِ مَا يُقْضَى بِهِ الدَّيْنُ مِنْهَا؛ لِأَنَّ الدَّيْنَ مُقَدَّمٌ عَلَى الْمِيرَاثِ.

(قَالَ الْمُتَيْطِيُّ) : " وَلَا يَجُوزُ أَنْ يَنْعَقِدَ الصُّلْحُ بِدَنَانِيرَ أَوْ دَرَاهِمَ فِي صَفْقَةٍ وَاحِدَةٍ عَلَى الْكَالِئِ وَالْمِيرَاثِ؛ لِأَنَّ الْجَهْلَ يَدْخُلُهُ إذْ لَا مِيرَاثَ إلَّا بَعْدَ الدَّيْنِ، وَالْكَالِئُ مِنْ الدَّيْنِ، وَيَنْبَغِي أَنْ يُبَاعَ مِنْ التَّرِكَةِ بِقَدْرِ الدَّيْنِ وَيُؤَدَّى وَيُعْرَف مَا بَقِيَ بَعْدَ ذَلِكَ، وَيَقَعُ الصُّلْحُ عَلَى نَصِيبِهَا مِنْهُ، وَلَعَلَّهُ يُبَاعُ فِي الْكَالِئِ ثُلُثُ الْعَقَارِ أَوْ رُبْعُهُ أَوْ سُدُسُهُ أَوْ مِنْ الْعَبِيدِ أَوْ مِنْ الْإِمَاءِ وَالْوِطَاءِ وَغَيْرِ ذَلِكَ مِمَّا يَذْهَبُ بِأَكْثَرِ الْمَالِ فَلَا يَدْرِي كَمْ يُبَاعُ فِي الدَّيْنِ مِنْ التَّرِكَةِ. فَإِذَا لَمْ يُعْرَفْ وَقَعَ الْجَهْلُ فِي نَصِيبِهَا مِنْ الْبَاقِي، وَالصُّلْحُ فِي ذَلِكَ مَجْهُولٌ، وَالصُّلْحُ بَيْعٌ مِنْ الْبُيُوعِ ".

وَهَكَذَا نُقِلَ عَنْ أَشْهَبَ وَقَالَهُ ابْنُ الْعَطَّارِ وَابْنُ زَرْبٍ وَفَضْلُ بْنُ سَلَمَةَ وَغَيْرُهُمْ مِنْ الْمُوَثَّقِينَ اهـ. وَإِلَى هَذَا أَشَارَ النَّاظِمُ بِقَوْلِهِ: (وَلَا بِإِعْطَاءٍ مِنْ الْوَارِثِ) الْبَيْتَ، فَقَوْلُهُ:(وَلَا بِإِعْطَاءٍ) هُوَ مَعْطُوفٌ عَلَى قَوْلِهِ: (بِاقْتِسَامِ) وَ (مِنْ الْوَارِثِ) مُتَعَلِّقٌ بِإِعْطَاءٍ، وَمَعْنَى فِي الْكَالِئِ وَالْمِيرَاثِ أَيْ فِي مُقَابَلَتِهِمَا مَعًا.

(الْمَسْأَلَةُ الرَّابِعَةُ) الْجَائِزَةُ إذَا لَمْ يَكُنْ فِي التَّرِكَةِ عَيْنٌ وَلَا دَيْنٌ عَلَى هَالِكِهَا وَلَا كَالِئٍ لِزَوْجَتِهِ عَلَيْهِ وَهُوَ مِنْ جُمْلَةِ الدَّيْنِ فَيَجُوزُ أَنْ تُصَالِحَ

ص: 149

بِدَنَانِيرَ أَوْ دَرَاهِمَ أَوْ غَيْرِ ذَلِكَ لِخُلُوِّ الْمَسْأَلَةِ عَنْ الْمَوَانِعِ الشَّرْعِيَّةِ. وَعَلَى ذَلِكَ نَبَّهَ بِقَوْلِهِ

وَحَيْثُ لَا عَيْنٌ وَلَا دَيْنٌ وَلَا

كَالِئَ الْبَيْتَ

(تَتْمِيمٌ) مِمَّا يُنَاسِبُ الْمَسْأَلَةَ الثَّالِثَةَ الْمُتَقَدِّمَةَ آنِفًا مَسَائِلُ فِي الْمُدَوَّنَةِ نَقَلَهَا الْإِمَامُ الْمَوَّاقُ عَلَى قَوْلِ الشَّيْخِ خَلِيلٍ، " وَعَنْ إرْثِ زَوْجَةٍ مِنْ عَرَضٍ، وَوَرِقٍ، وَذَهَبٍ بِذَهَبٍ مِنْ التَّرِكَة قَدْرَ مَوْرِثِهَا مِنْهُ، فَأَقَلَّ " إلَى قَوْلِهِ: " وَإِنْ كَانَ فِيهَا دَيْنٌ فَكَبَيْعِهِ " رَأَيْتُ إثْبَاتَهَا هُنَا تَتْمِيمًا لِلْفَائِدَةِ وَإِنْ كَانَ فِيهَا طُولٌ فَيُغْتَفَرُ لِامْتِحَانِ ذِهْنِ الطَّالِبِ بِهَا، وَرَفْعِ تَوَهُّمِ مَنْعِ مَا هُوَ مِنْهَا جَائِزٌ وَجَوَازِ مَا هُوَ مَمْنُوعٌ، وَبَيَانِ وَجْهِ مَا هُوَ الْجَائِزُ مِنْهَا وَالْمَمْنُوعُ.

(قَالَ رحمه الله) : مِنْ الْمُدَوَّنَةِ " قَالَ ابْنُ الْقَاسِمِ: " مَنْ مَاتَ عَنْ وَلَدٍ وَزَوْجَةٍ وَتَرَكَ دَنَانِيرَ، وَدَرَاهِمَ، وَعُرُوضًا حَاضِرَةً وَغَائِبَةً، وَعَقَارًا، فَصَالَحَ الْوَلَدُ الزَّوْجَةَ عَلَى دَرَاهِمَ مِنْ التَّرِكَةِ. فَإِنْ كَانَتْ قَدْرَ مَوْرِثِهَا مِنْ الدَّرَاهِمِ فَأَقَلَّ جَازَ، وَإِنْ كَانَتْ أَكْثَرَ لَمْ يَجُزْ؛ لِأَنَّهَا بَاعَتْ عُرُوضًا حَاضِرَةً وَغَائِبَةً وَدَنَانِيرَ بِدَرَاهِمَ نَقْدًا وَذَلِكَ حَرَامٌ " اهـ.

فَإِنْ كَانَتْ الدَّرَاهِمُ ثَمَانِينَ فَصَالَحَهَا بِعَشَرَةِ دَرَاهِمَ فَقَدْ أَخَذَتْ وَاجِبَهَا مِنْهَا، وَهُوَ عَشَرَةٌ وَسَلِمَتْ فِي وَاجِبِهَا مَنْ غَيْرِهَا مِنْ الدَّنَانِيرِ وَالْعُرُوضِ. وَكَذَا إنْ صَالَحَهَا بِثَمَانِيَةِ دَرَاهِمَ فَقَدَ تَرَكَتْ مِنْ حَقِّهَا مِنْ الدَّرَاهِمِ دِرْهَمَيْنِ وَتَرَكَتْ جَمِيعَ حَقِّهَا مِنْ الدَّنَانِيرِ وَالْعُرُوضِ وَلَا مَحْذُورَ فِي ذَلِكَ. وَإِنْ صَالَحَهَا بِأَكْثَرَ مِنْ حَقِّهَا مِنْ الدَّرَاهِمِ لَمْ يَجُزْ كَمَا بَيَّنَ وَجْهَهُ بِقَوْلِهِ:" لِأَنَّهَا بَاعَتْ عُرُوضًا. . . إلَخْ "

وَلَا يَجُوزُ النَّقْدُ بِشَرْطٍ فِي بَيْعِ الْغَائِبِ إلَّا أَنْ يَقْرُبَ مَكَانُهُ أَوْ يَكُونَ مِمَّا يُؤْمَنُ تَغَيُّرَهُ، وَفِيهِ أَيْضًا اجْتِمَاعُ الْبَيْعِ وَالصَّرْفِ؛ لِأَنَّ مَا زَادَ مِنْ الدَّرَاهِمِ عَلَى وَاجِبِهَا مِنْهَا بَعْضُهُ فِي مُقَابَلَةِ الذَّهَبِ وَهُوَ صَرْفٌ، وَبَعْضُهُ فِي مُقَابَلَةِ الْعُرُوضِ الْحَاضِرَةِ وَالْغَائِبَةِ وَهُوَ بَيْعٌ يُرِيدُ إلَّا أَنْ تَكُونَ الدَّرَاهِمُ الزَّائِدَةُ عَلَى نَصِيبِهَا يَسِيرَةً أَقَلَّ مِنْ صَرْفِ دِينَارٍ فَتَنْتَفِي عِلَّةُ اجْتِمَاعِ الْبَيْعِ وَالصَّرْفِ فِي أَكْثَرَ مِنْ الدِّينَارِ. (ثُمَّ قَالَ فِي الْمُدَوَّنَة أَثَرَ مَا تَقَدَّمَ) :" وَإِنْ صَالَحَهَا الْوَلَدُ عَلَى دَنَانِيرَ أَوْ دَرَاهِمَ مِنْ غَيْرِ التَّرِكَةِ قَلَّتْ أَوْ كَثُرَتْ لَمْ يَجُزْ لِأَنَّهَا بَاعَتْ ذَهَبًا وَفِضَّةً وَعُرُوضًا بِذَهَبٍ أَوْ فِضَّةٍ؛ لِأَنَّ الْقَاعِدَةَ أَنَّهُ إذَا بِيعَ الذَّهَبُ بِالذَّهَبِ أَوْ الْفِضَّةُ بِالْفِضَّةِ لَمْ يَجُزْ أَنْ يَكُونَ مَعَ أَحَدِ الْعِوَضَيْنِ أَوْ مَعَهُمَا عُرُوضٌ لِفَوَاتِ التَّمْثِيلِ فِي الْوَجْهَيْنِ الْأَوَّلَيْنِ وَلِاجْتِمَاعِ الْبَيْعِ وَالصَّرْفِ فِي الْوَجْهِ الثَّالِث ".

(ثُمَّ قَالَ فِي الْمُدَوَّنَة أَثَرَ مَا تَقَدَّمَ) : " فَأَمَّا عَلَى عُرُوضٍ مِنْ مَالِهِ نَقْدًا فَذَلِكَ جَائِزٌ بَعْدَ مَعْرِفَتِهِمَا بِجَمِيعِ التَّرِكَة، وَحُضُورِ أَصْنَافِهَا وَحُضُورِ مَنْ عَلَيْهِ الْعَرْضُ، وَإِقْرَارِهِ بِهِ يُرِيدُ، وَالْعَرْضُ الَّذِي أَعْطَاهَا نَقْدًا مُخَالِفٌ لِلْعُرُوضِ الَّتِي عَلَى الْغُرَمَاءِ قَالَ: فَإِنْ لِمَ يَقِفَا عَلَى مَعْرِفَةِ ذَلِكَ كُلِّهِ لَمْ يَجُزْ ". اُنْظُرْ قَوْلَهُ بَعْدَ مَعْرِفَتِهِمَا بِجَمِيعِ التَّرِكَةِ إلَخْ. " فَإِنْ جَهِلَا أَوْ أَحَدُهُمَا فَبَيْنَ الْوَجْهَيْنِ فَرْقٌ " اهـ.

وَانْظُرْ إذَا صَالَحَهَا بِعَرَضٍ مِنْ التَّرِكَةِ مَعَ وُجُودِ الشُّرُوطِ الَّتِي ذُكِرَ مِنْ مَعْرِفَتِهِمَا بِجَمِيعِ التَّرِكَةِ إلَخْ، فَإِنَّ ذَلِكَ جَائِزٌ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ.

(قَالَ ابْنُ عَرَفَةَ) صُلْحٌ لِوَارِثٍ بِقَدْرِ حَظِّهِ مِنْ صِنْفِ مَا أَخَذَهُ وَاضِحٌ؛ لِأَنَّهُ لِمَا سِوَاهُ وَاهِبٌ، وَبِزَائِدٍ عَنْ حَظِّهِ فِيهِ بَائِعٌ حَظَّهُ فِي غَيْرِهِ بِالزَّائِدِ فَيُعْتَبَرُ الْبَيْعُ وَالصَّرْفُ وَتَعْجِيلُ قَبْضِ مَا مَعَهُ وَشَرْطُ بَيْعِ الدَّيْنِ بِحُضُورِ الْمَدِينِ وَإِقْرَارِهِ. وَعِبَارَةُ الْمُدَوَّنَةِ " إنْ تَرَكَ دَنَانِيرَ وَدَرَاهِمَ وَعُرُوضًا وَذَلِكَ كُلُّهُ حَاضِرٌ لَا دَيْنَ فِيهِ وَلَا شَيْءَ غَائِبٌ فَصَالَحَهَا الْوَلَدُ عَلَى دَنَانِيرَ مِنْ التَّرِكَةِ يُرِيدُ أَكْثَرَ مِنْ حَظِّهَا مِنْ الدَّنَانِيرِ فَذَلِكَ جَائِزٌ إنْ كَانَتْ الدَّرَاهِمُ يَسِيرَةً.

(اللَّخْمِيُّ) يَعْنِي إذَا كَانَتْ الدَّنَانِيرُ فِي الْمَسْأَلَةِ الْمَذْكُورَةِ ثَمَانِينَ فَأَعْطَى الْوَلَدُ لِلزَّوْجَةِ عَشَرَةَ دَنَانِيرَ مِنْ تِلْكَ الدَّنَانِيرِ فَأَقَلَّ جَازَ، وَاخْتُلِفَ إذَا أَعْطَوْهَا الْعَشَرَةَ مِنْ أَمْوَالِهِمْ فَمَنَعَهُ ابْنُ الْقَاسِمِ وَرَآهُ رِبًا، وَكَأَنَّهَا بَاعَتْ نَصِيبَهَا مِنْ الدَّنَانِيرِ وَالدَّرَاهِمِ وَالْعُرُوضِ بِهَذِهِ الْعَشَرَةِ. وَإِنْ أَخَذَتْ مِنْ الدَّنَانِيرِ الَّتِي خَلَّفَهَا الْمَيِّتُ أَحَدَ عَشْرَ دِينَارًا جَازَ؛ لِأَنَّ صَرْفًا وَبَيْعًا فِي دِينَارٍ وَاحِدٍ جَائِزٌ اهـ.

بَيَانُ وَجْهِ جَوَازِهِ أَنَّ الْعَشَرَةَ دَنَانِيرَ هِيَ وَاجِبُهَا فِي الثَّمَانِينَ دِينَارًا، وَالدِّينَارَ الْحَادِيَ عَشَرَ بَعْضُهُ فِي مُقَابَلَةِ وَاجِبِهَا فِي الْعُرُوضِ وَهُوَ بَيْعٌ وَبَعْضُهُ فِي مُقَابَلَةِ وَاجِبِهَا مِنْ الدَّرَاهِمِ وَهُوَ صَرْفٌ فَقَدْ اجْتَمَعَ الْبَيْعُ وَالصَّرْفُ فِي دِينَارٍ وَاحِدٍ وَهُوَ الْحَادِيَ عَشَرَ وَهُوَ جَائِزٌ.

(ثُمَّ قَالَ) : " وَمِنْ الْمُدَوَّنَة قَالَ ابْنُ الْقَاسِمِ وَإِنْ تَرَكَ دَرَاهِمَ وَعُرُوضًا فَصَالَحَهَا الْوَلَدُ عَلَى دَنَانِيرَ مِنْ مَالِهِ فَإِنْ كَانَتْ الدَّرَاهِمُ يَسِيرَةً حَظُّهَا مِنْهَا أَقَلُّ مِنْ صَرْفِ دِينَارٍ جَازَ إنْ لِمَ يَكُنْ فِي التَّرِكَةِ دَيْنٌ، وَإِنْ كَانَ حَظُّهَا مِنْهَا صَرْفُ دِينَارٍ فَأَكْثَرُ لَمْ يَجُزْ " اهـ.

فَقَوْلُهُ أَقَلُّ مِنْ صَرْفِ دِينَارٍ جَازَ. وَجْهُ جَوَازِهِ أَنَّ أَحَدَ

ص: 150

الدَّنَانِيرِ الْمُصَالَحِ بِهَا بَعْضُهُ فِي مُقَابَلَةِ وَاجِبِهَا مِنْ الدِّرْهَمِ وَهُوَ صَرْفٌ وَبَعْضُهُ مَعَ بَقِيَّةِ الدَّنَانِيرِ الْمُصَالَحِ بِهَا فِي مُقَابَلَةِ الْعُرُوضِ ضِ. قَالَ: " وَهُوَ بَيْعٌ فَاجْتَمَعَ الْبَيْعُ وَالصَّرْفُ فِي دِينَارٍ وَاحِدٍ وَهُوَ جَائِزٌ ". وَقَوْلُهُ: وَإِنْ كَانَ فِي حَظِّهَا صَرْفُ دِينَارٍ فَأَكْثَرُ لَمْ يَجُزْ. وَجْهُ مَنْعِهِ أَنَّهُ كَانَ فِي حَظِّهَا مِنْ الدَّرَاهِمِ صَرْفُ دِينَارٍ فَقَطْ، كَانَ دِينَارٌ صَرْفًا بِوَاجِبِهَا مِنْ الدَّرَاهِمِ وَبَاقِي الدَّنَانِيرِ فِي مُقَابَلَةٍ. قَالَ: " وَهُوَ بَيْعٌ فَلَمْ يَجْتَمِعَا فِي دِينَارٍ وَاحِدٍ وَكَذَلِكَ إنْ كَانَ وَاجِبُهَا مِنْ الدَّرَاهِمِ صَرْفُ دِينَارٍ وَنِصْفٍ مَثَلًا فَإِنَّ النِّصْفَ الْبَاقِيَ مِنْ الدِّينَارِ وَبَاقِي الدَّنَانِيرِ فِي مُقَابَلَةِ الْعُرُوضِ فَلَمْ يَجْتَمِعَا فِي دِينَارٍ وَاحِدٍ.

وَكَذَا إنْ كَانَ وَاجِبُهَا صَرْفَ دِينَارَيْنِ فَأَكْثَرَ " (ثُمَّ قَالَ مِنْ الْمُدَوَّنَة) : " وَإِذَا كَانَ فِي التَّرِكَةِ دَيْنٌ مِنْ دَنَانِيرَ أَوْ دَرَاهِمَ لَمْ يَجُزْ الصُّلْحُ عَلَى دَنَانِيرَ أَوْ دَرَاهِمَ نَقْدًا مِنْ عِنْدِ الْوَلَدِ، وَإِنْ كَانَ الدَّيْنُ حَيَوَانًا أَوْ عُرُوضًا مِنْ بَيْعٍ أَوْ قَرْضٍ أَوْ طَعَامًا مِنْ قَرْضٍ لَا مِنْ سَلَمٍ فَصَالَحَهَا الْوَلَدُ مِنْ ذَلِكَ عَلَى دَنَانِيرَ أَوْ دَرَاهِمَ عَجَّلَهَا لَهَا مِنْ عِنْدِهِ فَذَلِكَ جَائِزٌ إذَا كَانَ الْغُرَمَاءُ حُضُورًا مُقِرِّينَ وَوَصَفَ ذَلِكَ كُلَّهُ " اهـ (قَوْلُهُ لَمْ يَجُزْ الصُّلْحُ عَلَى دَنَانِيرَ) . وَجْهُ مَنْعِهِ أَنَّهُ اشْتَرَى دَنَانِيرَ نَقْدًا بِدَنَانِيرَ إلَى أَجَلٍ أَوْ دَرَاهِمَ نَقْدًا بِدَرَاهِمَ إلَى أَجَلٍ، وَقَوْلُهُ: " وَإِنْ كَانَ الدَّيْنُ حَيَوَانًا أَوْ عُرُوضًا " إلَى قَوْلِهِ: " فَذَلِكَ جَائِزٌ ". وَجْهُ جَوَازِهِ أَنَّهُ اشْتَرَى دَيْنًا مِنْ عُرُوضٍ، أَوْ طَعَامٍ فِي ذِمَّةِ الْمَدِينِ بِدَنَانِيرَ، أَوْ دَرَاهِمَ مُعَجَّلَةٍ وَلَا مَحْذُورَ فِيهِ إلَّا إنْ كَانَ الطَّعَام مِنْ بَيْع، فَلَا يَجُوزُ بَيْعُهُ قَبْلَ قَبْضِهِ. فَلِذَلِكَ قَالَ: " مِنْ قَرْضٍ لَا مِنْ سَلَمٍ "، وَكَذَا يُشْتَرَطُ فِي جَوَازِهِ حُضُورُ الْغُرَمَاءِ، وَإِقْرَارُهُمْ وَصْف الْمَبِيعِ عَلَى قَاعِدَةِ بَيْعِ الدَّيْنِ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ.:

قَالَ - رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى -

وَإِنْ يَفُتْ مَا الصُّلْحُ فِيهِ يُطْلَبُ

لَمْ يَجُزْ إلَّا مَعَ قَبْضٍ يَجِبُ

يَعْنِي أَنَّ مَنْ ادَّعَى عَلَى غَيْرِهِ أَنَّهُ غَصَبَهُ، أَوْ سَرَقَ لَهُ ثَوْبًا، أَوْ عَبْدًا، أَوْ دَابَّةً، أَوْ غَيْرَ ذَلِكَ، وَفَاتَ ذَلِكَ بِيَدِ الْغَاصِبِ أَوْ السَّارِقِ بِمَوْتٍ أَوْ تَغَيُّرٍ يُوجِبُ عَلَيْهِ الْقِيمَةَ أَنَّهُ لَا يَجُوزُ أَنْ يُصَالِحَ عَنْهُ إلَّا بِمُعَجَّلٍ لِأَنَّهُ بِنَفْسِ الْفَوَاتِ وَجَبَتْ الْقِيمَةُ فَلَا تُفْسَخُ فِي مُؤَخَّرٍ. وَمَفْهُومُهُ أَنَّهُ إذَا كَانَ قَائِمًا لَمْ يَفُتْ فَإِنَّهُ يَجُوزُ الصُّلْحُ بِمُعَجَّلٍ وَبِمُؤَجَّلٍ؛ لِأَنَّهُ كَالْبَيْعِ وَهُوَ يَجُوزُ بِالْمُؤَجَّلِ وَالْمُعَجَّلِ.

(قَالَ فِي الْمُدَوَّنَةِ) : " وَإِذَا ادَّعَى رَجُلٌ عَلَى رَجُلٍ آخَرَ أَنَّهُ غَصَبَهُ ثَوْبًا أَوْ عَبْدًا أَوْ مَا أَشْبَهَ ذَلِكَ وَالْعَبْدُ وَالثَّوْبُ قَائِمًا فَيَجُوزُ أَنْ يُصَالِحَهُ بِدَنَانِيرَ أَوْ دَرَاهِمَ أَوْ بِعَرْضٍ مِنْ غَيْرِ صِنْفِهِ وَيُؤَخِّرَ ذَلِكَ وَلَا يَتَعَجَّلَهُ وَهُوَ كَالْبَيْعِ سَوَاءٌ، فَإِنْ كَانَ الْمُدَّعَى فِيهِ فَائِتًا لَمْ يَجُزْ الصُّلْحُ إلَّا بِمَا يَتَعَجَّلُ قَبْضُهُ مَكَانَهُ؛ لِأَنَّهُ قِيمَةُ الشَّيْءِ الْمَغْصُوبِ أَوْ مِثْلُهُ، قَدْ صَارَ دَيْنًا عَلَى الْغَاصِبِ فَلَا يُقْبَضُ عَلَى ذَلِكَ إلَّا مَا كَانَ يَتَعَجَّلُ قَبْضُهُ إلَّا أَنْ يُصَالِحَ عَنْ ذَلِكَ بِمِثْلِ قِيمَةِ الشَّيْءِ الْمَغْصُوبِ دَرَاهِمَ يُؤَخِّرُهُ فَيَجُوزُ ذَلِكَ، وَلَا يُصَالِحُهُ عَنْ ذَلِكَ بِدَنَانِيرَ مُؤَجَّلَةٍ لِأَنَّ الْأَشْيَاءَ الْمُسْتَهْلَكَةَ إنَّمَا تُقَوَّمُ بِالْوَرِقِ وَلَا يَجُوزُ الصُّلْحُ فِيمَا فَاتَ مِنْهَا حَتَّى تُعْرَفَ قِيمَةُ الشَّيْءِ الْمَغْصُوبِ الْفَائِتِ، وَيَجُوزُ إذَا كَانَ قَائِمًا وَإِنْ لَمْ تُعْرَفْ قِيمَتُهُ. وَإِذَا طُلِبَ الصُّلْحُ فِي شَيْءٍ فَاتَ مِنْ دَابَّةٍ أَوْ عَرْضٍ - يُرِيدُ الشَّيْخُ بِمِثْلِهِ أَوْ بِغَيْرِ النَّقْدِ الْجَارِي فِي الْبَلَدِ الَّذِي يُطْلَبُ فِيهِ الصُّلْحُ - فَإِنَّهُ لَا يَجُوزُ إلَّا مَعَ الْقَبْضِ لِلشَّيْءِ الَّذِي وَقَعَ بِهِ الصُّلْحُ لِأَنَّهُ يَدْخُلُهُ الدَّيْنُ بِالدَّيْنِ " اهـ. مِنْ الشَّارِحِ، ثُمَّ قَالَ:

وَجَائِزٌ تَحَلُّلٌ فِيمَا اُدُّعِيَ

وَلَمْ تَقُمْ بَيِّنَةٌ لِلْمُدَّعِي

يَعْنِي أَنَّهُ يَجُوزُ التَّحَلُّلُ مِنْ الدَّعْوَى الَّتِي لَمْ تَقُمْ عَلَيْهَا بَيِّنَةٌ لِلْمُدَّعِي، وَهَذَا فِي الدَّعْوَى الْمَجْهُولَةِ لَهُمَا مَعًا وَأَحْرَى الْمَعْلُومَةُ لَهُمَا. وَأَمَّا الْمَعْلُومَةُ لِوَاحِدٍ الْمَجْهُولَةُ لِآخَرَ فَلَا يَجُوزُ الصُّلْحُ فِيهَا. وَبَقِيَ هَذَا الْقَيْدُ عَلَى النَّاظِمِ وَمَعْنَى التَّحَلُّلِ أَنَّهُ يُصَالِحُهُ بِشَيْءٍ وَيَجْعَلُهُ فِي حِلٍّ.

(قَالَ فِي كِتَابِ الشُّفْعَةِ مِنْ الْمِعْيَارِ) : " إنْ صَالَحَ رَجُلٌ رَجُلًا فِي حَقٍّ ادَّعَاهُ عَلَيْهِ فِي دَارِهِ فَإِنْ عَرَفَاهُ جَمِيعًا أَوْ جَهِلَاهُ جَمِيعًا فَذَلِكَ جَائِزٌ. وَإِنْ عَرَفَهُ أَحَدُهُمَا وَجَهِلَهُ الْآخَرُ لَمْ يَجُزْ الصُّلْحُ كَالْبَيْعِ عِنْدَ مَالِكٍ (وَفِي الْمُقَرَّبِ) قُلْت: فَمَنْ كَانَ لَهُ عَلَى رَجُلٍ دَرَاهِمُ ثُمَّ نَسِيَا جَمِيعًا عَدَدَهَا كَيْفَ يَصْنَعَانِ؟ قَالَ: يَصْطَلِحَانِ عَلَى مَا شَاءَا مِنْ ذَهَبٍ، أَوْ وَرِقٍ، أَوْ عَرْضٍ وَيُحَلِّلُ كُلُّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا صَاحِبَهُ وَلَا يُؤَخِّرُهُ بِمَا صَالَحَهُ عَلَيْهِ. وَقَالَ بَعْضُ الْمُتَأَخِّرِينَ:

ص: 151