الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
إنْ لَمْ يَكُنْ ذَلِكَ فَلَا بُدَّ مِنْ التَّنَزُّلِ إلَى مَا دُونَ ذَلِكَ مِنْ الظَّنِّ الْغَالِبِ؛ لِأَنَّ الِاسْتِنَادَ إلَيْهِ ضَرُورِيٌّ أَصْلُهُ شَهَادَةُ الشُّهُودِ عِنْدَ الْحَاكِمِ، فَإِنَّهَا لَا تُفِيدُ فِي الْغَالِبِ إلَّا الظَّنَّ، وَهِيَ يُقْضَى بِهَا إذْ لَا يَتَأَتَّى غَيْرُ ذَلِكَ فِي مَجَارِي الْعَادَاتِ، فَالشَّهَادَةُ إذَا لَمْ يَتَأَتَّ فِيهَا الْقَطْعُ، وَاقْتَضَتْ
الْمَصْلَحَةُ
إعْمَالَهَا فَلَا بُدَّ مِنْ ذَلِكَ. اهـ (تَنْبِيهٌ) قَالَ الشَّارِحُ رحمه الله: وَفِي عَدِّ هَذَا النَّوْعِ وَمَا قَبْلَهُ مِمَّا تَحْتَ هَذَا الْقِسْمِ مُسَامَحَةٌ، دَرَجَ عَلَيْهَا الْمُتَيْطِيّ فَمَنْ دُونَهُ مِنْ أَصْحَابِ كُتُبِ الْأَحْكَامِ، وَإِيَّاهُمْ تَبِعَ الشَّيْخَ فِي ذَلِكَ.
[فَصْلٌ مِنْ أَقْسَامِ الشَّهَادَةِ وَهِيَ الَّتِي تُوجِبُ الْحَقَّ مِنْ غَيْرِ يَمِينٍ]
(فَصْلٌ)
ثَالِثَةٌ لَا تُوجِبُ الْحَقَّ نَعَمْ
…
تُوجِبُ تَوْقِيفًا بِهِ حَكَمَ الْحَكَمْ
وَهْيَ شَهَادَةٌ بِقَطْعٍ اُرْتُضِيَ
…
وَبَقِيَ الْإِعْذَارُ فِيمَا تَقْتَضِي
وَحَيْثُ تَوْقِيفٌ مِنْ الْمَطْلُوبِ
…
فَلَا غِنًى عَنْ أَجَلٍ مَضْرُوبِ
هَذَا هُوَ الْقِسْمُ الثَّالِثُ مِنْ أَقْسَامِ الشَّهَادَةِ الْخَمْسِ، وَهِيَ الَّتِي تُوجِبُ الْحَقَّ لَا مِنْ غَيْرِ يَمِينٍ كَالْقِسْمِ الْأَوَّلِ، وَلَا مَعَ الْيَمِينِ كَالْقِسْمِ الثَّانِي، وَإِنَّمَا تُوجِبُ تَوْقِيفَ الشَّيْءِ الْمُتَنَازَعِ فِيهِ، وَذَكَرَ فِي هَذَا الْفَصْلِ
ثَمَانِيَ مَسَائِلَ: التَّوْقِيفُ فِيمَا شَهِدَ بِهِ عَدْلَانِ، وَبَقِيَ الْإِعْذَارُ لِلْمَشْهُودِ عَلَيْهِ، وَضَرْبُ الْأَجَلِ فِيهِ، وَكَيْفِيَّتُهُ فِي الْأُصُولِ، وَتَوْقِيفُ الْأُصُولِ بِشَهَادَةِ الْعَدْلِ الْوَاحِدِ إلَى كَمَالِ الشَّهَادَةِ إلَى أَنْ يَقْدِرَ الْمَشْهُودُ عَلَيْهِ، وَحِينَئِذٍ يَسْتَحِقُّهُ ظَاهِرًا، وَكَيْفِيَّتُهُ أَيْضًا وَمَا يَفْعَلُ بِالْغَلَّةِ زَمَنَ الْإِيقَافِ، وَالتَّوْقِيفُ فِيمَا شَهِدَ بِهِ رَجُلَانِ يُنْظَرُ فِي تَزْكِيَتِهِمَا، وَالتَّوْقِيفُ فِيمَا يُسْرِعُ لَهُ الْفَسَادُ، إمَّا لِلْإِعْذَارِ أَوْ لِتَزْكِيَةِ الشُّهُودِ، أَوْ لِتَكْمِيلِ نِصَابِ الشَّهَادَةِ، وَالتَّوْقِيفُ لِغَيْرِ ذَلِكَ مِنْ إقَامَةِ الْبَيِّنَةِ عِنْدَ ظُهُورِ مَخَايِلِ الصِّدْقِ فَقَوْلُهُ: وَهِيَ شَهَادَةٌ الْبَيْتَ هُوَ إشَارَةٌ إلَى الْمَسْأَلَةِ الْأُولَى مِنْ الثَّمَانِ يَعْنِي: أَنَّ مَنْ شَهِدَ لَهُ عَدْلَانِ بِاسْتِحْقَاقِ شَيْءٍ مَثَلًا، وَبَقِيَ الْإِعْذَارُ فِيهِمَا لِلْمَشْهُودِ عَلَيْهِ فَإِنَّ هَذِهِ الشَّهَادَةَ لَا تُوجِبُ لَهُ مَا شَهِدَا لَهُ بِهِ، وَإِنَّمَا تُوجِبُ تَوْقِيفَ الشَّيْءِ الْمُتَنَازَعِ فِيهِ إلَى أَنْ يُعْذَرَ لِلْمَشْهُودِ عَلَيْهِ، وَحِينَئِذٍ يَسْتَحِقُّهُ الْمَشْهُودُ لَهُ، وَإِذَا وُقِفَ الشَّيْءُ الْمُتَنَازَعُ فِيهِ فَلَا بُدَّ مِنْ ضَرْبِ أَجَلٍ لِذَلِكَ لِلضَّرَرِ الَّذِي يَلْحَقُ صَاحِبَهُ، فَإِنْ تَمَّتْ الشَّهَادَةُ فِي الْأَجَلِ الْمَضْرُوبِ أَخَذَهُ الْمَشْهُودُ لَهُ، وَإِلَّا بَقِيَ بِيَدِ صَاحِبِهِ، وَيَأْتِي تَفْسِيرُ التَّوْقِيفِ مَا هُوَ قَالَ فِي الْفَصْلِ الرَّابِعِ مِنْ الْقِسْمِ الْخَامِسِ مِنْ الرُّكْنِ السَّادِسِ مِنْ تَبْصِرَةِ ابْنِ فَرْحُونٍ.
وَاعْلَمْ أَنَّ الِاعْتِقَالَ وَالتَّوْقِيفَ لَا يَكُونَانِ بِمُجَرَّدِ دَعْوَى الْخَصْمِ فِي الشَّيْءِ الْمُدَّعَى فِيهِ، وَلَا يُعْقَلُ عَلَى أَحَدٍ شَيْءٌ بِمُجَرَّدِ دَعْوَى الْغَيْرِ فِيهِ حَتَّى يَنْضَمَّ إلَى ذَلِكَ سَبَبٌ يُقَوِّي الدَّعْوَى، أَوْ لَطْخٌ وَالسَّبَبُ كَالشَّاهِدِ الْعَدْلِ أَوْ الْمَرْجُوِّ تَزْكِيَتُهُ، وَاللَّطْخُ الشُّهُودُ غَيْرُ الْعُدُولِ، وَإِذَا ثَبَتَ هَذَا فَالِاعْتِقَالُ فِي الرُّبْعِ عَلَى وَجْهَيْنِ: الْأَوَّلُ: عِنْدَ قِيَامِ الشُّبْهَةِ الظَّاهِرَةِ، أَوْ ظُهُورِ اللَّطْخَةِ فَيُرِيدُ الْمُدَّعِي تَوْقِيفَهُ لِيُثْبِتَهُ، فَالتَّوْقِيفُ هُنَا بِأَنْ يَمْنَعَ الَّذِي هُوَ فِي يَدَيْهِ أَنْ يَتَصَرَّفَ فِيهِ تَصَرُّفًا يُفِيتُهُ، كَالْبَيْعِ وَالْهِبَةِ، أَوْ يُخْرِجُهُ عَنْ حَالِهِ كَالْبِنَاءِ، وَالْهَدْمِ، وَنَحْوِ ذَلِكَ مِنْ غَيْرِ أَنْ تُرْفَعَ يَدُهُ عَنْهُ. الثَّانِي: بَعْدَ أَنْ يُثْبِتَ الْمُدَّعِي دَعْوَاهُ فِي ذَلِكَ بِشَهَادَةٍ قَاطِعَةٍ، وَكَانَ الرُّبْعُ عَلَى مَا يَجِبُ وَيَدَّعِي الْمُسْتَحَقُّ مِنْ يَدِهِ مَدْفَعًا فِيمَا قَامَتْ بِهِ الْبَيِّنَةُ لِلْمُدَّعِي، فَيَضْرِبُ لِلْمُسْتَحِقِّ مِنْهُ الْآجَالَ، وَيُوقَفُ الْمُدَّعَى فِيهِ حِينَئِذٍ بِأَنْ تُرْفَعَ يَدُ الْأَوَّلِ عَنْهُ فَإِنْ كَانَتْ دَارًا غُلِّقَتْ بِالْقُفْلِ، أَوْ أَرْضًا مُنِعَ مِنْ حَرْثِهَا، أَوْ حَانُوتًا لَهُ خَرَاجٌ وُقِفَ الْخَرَاجُ، وَيُؤْمَرُ بِإِخْلَاءِ الدَّارِ مِنْ نَفْسِهِ وَمَتَاعِهِ وَيُؤَجَّلُ فِي إخْلَاءِ ذَلِكَ ثَلَاثَةَ أَيَّامٍ وَنَحْوَهَا، فَإِنْ سَأَلَ الْمَعْقُولَ عَلَيْهِ أَنْ يُتْرَكَ فِي الدَّارِ مَا يَثْقُلُ عَلَيْهِ إخْرَاجُهُ أَجَابَهُ الْحَاكِمُ إلَى ذَلِكَ، وَبِهَذَا جَرَى عَمَلُ سَحْنُونٍ. اهـ
وَقَدْ تَلَخَّصَ مِنْ كَلَامِ التَّبْصِرَةِ أَنَّ التَّوْقِيفَ يَخْتَلِفُ بِاخْتِلَافِ سَبَبِهِ، وَعَلَيْهِ ذَهَبَ النَّاظِمُ رحمه الله فَإِنْ كَانَ سَبَبُهُ شَهَادَةَ عَدْلَيْنِ، وَلَمْ يَبْقَ إلَّا الْإِعْذَارُ، فَإِنَّ التَّوْقِيفَ يَكُونُ بِرَفْعِ يَدِ حَائِزِهِ عَنْهُ وَغَلْقِهِ وَنَحْوِهِ مِمَّا يَذْكُرُ فِي الْأَبْيَاتِ الْأَرْبَعِ بَعْدَ هَذَيْنِ، فَهُوَ تَفْسِيرٌ لِلتَّوْقِيفِ الْمُتَقَدِّمِ قَرِيبًا فِي قَوْلِهِ: تُوجِبُ تَوْقِيفًا وَإِنْ كَانَ سَبَبُهُ شَهَادَةَ عَدْلٍ وَاحِدٍ فَإِنَّ الْإِيقَافَ يَكُونُ بِمَنْعِ صَاحِبِهِ مِنْ تَفْوِيتِهِ بِبَيْعٍ أَوْ غَيْرِهِ، وَمِنْ إخْرَاجِهِ عَنْ حَالِهِ بِهَدْمٍ أَوْ بِنَاءٍ، وَلَا تُرْفَعُ يَدُ حَائِزِهِ عَنْهُ، وَلِذَلِكَ قَالَ النَّاظِمُ: حَيْثُ تَكُونُ الْعَقْلَةُ بِشَاهِدٍ وَاحِدٍ
وَلَا يُزَالُ مِنْ يَدٍ بِهَا أُلِفْ
وَفُهِمَ مِنْ إطْلَاقِ النَّاظِمِ أَنَّ هَذَا الْحُكْمَ جَارٍ فِي الْأُصُولِ وَغَيْرِهَا، وَلِذَلِكَ - وَاَللَّهُ أَعْلَمُ - قَالَ بَعْدُ:
وَشَاهِدٌ عَدْلٌ بِهِ الْأَصْلُ وُقِفْ
فَخَصَّ ذَلِكَ بِالْأَصْلِ فَيُفْهَمُ مِنْهُ أَنَّ مَا قَبْلَهُ عَامٌّ فِي الْأَصْلِ وَغَيْرُ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ. وَقَوْلُهُ فِي التَّبْصِرَةِ فِي الْوَجْهِ الثَّانِي وَيَدَّعِي الْمُسْتَحِقُّ مِنْ يَدِهِ مَدْفَعًا إلَخْ وَلِاحْتِمَالِ ثُبُوتِ هَذَا الْمَدْفَعِ اُحْتِيجَ إلَى التَّوْقِيفِ إلَى أَنْ يَقَعَ الْإِعْذَارُ لِلْمَشْهُودِ عَلَيْهِ، وَأَنَّهُ لَا مَدْفَعَ لَهُ، وَقَوْلُهُ: بِهِ حَكَمَ الْحَكَمْ خَبَرٌ وَمُبْتَدَأٌ وَالْجُمْلَةُ صِفَةٌ لَتَوْقِيفًا، وَالرَّابِطُ ضَمِيرُ بِهِ أَيْ: تَوْقِيفًا مَحْكُومًا بِهِ، وَشَهَادَةُ الْقَطْعِ يُقَابِلُهَا شَهَادَةُ السَّمَاعِ.
وَقَوْلُهُ:
وَحَيْثُ تَوْقِيفٌ مِنْ الْمَطْلُوبِ
أَيْ: حَيْثُ طُلِبَ التَّوْقِيفُ فَلَا بُدَّ فِيهِ مِنْ ضَرْبِ الْأَجَلِ، وَتَقَدَّمَ فِي كَلَامِ التَّبْصِرَةِ فَيُضْرَبُ لِلْمُسْتَحَقِّ مِنْهُ الْآجَالُ إلَخْ.
وَوَقْفُ مَا كَالدُّورِ قَفْلٌ مَعَ أَجَلْ
…
لِنَقْلِ مَا فِيهَا بِهِ صَحَّ الْعَمَلْ
وَمَا لَهُ كَالْفُرْنِ خَرْجٌ وَالرَّحَا
…
فَفِيهِ تَوْقِيفُ الْخَرَاجِ وُضِّحَا
وَهُوَ فِي الْأَرْضِ الْمَنْعُ مِنْ أَنْ تُعْمَرَا
…
وَالْحَظُّ أَنْ يُكْرِيَ وَيُوقِفَ الْكِرَا
قِيلَ جَمِيعًا أَوْ بِقَدْرِ مَا يَجِبْ
…
لِلْحَظِّ مِنْ ذَاكَ وَالْأَوَّلُ انْتَخِبْ
تَعَرَّضَ فِي الْأَبْيَاتِ لِلْمَسْأَلَةِ الثَّانِيَةِ مِنْ الثَّمَانِ مَسَائِلَ الَّتِي ذُكِرَتْ فِي هَذَا الْفَصْلِ وَهِيَ: كَيْفِيَّة التَّوْقِيف الَّذِي سَبَبه شَهَادَة الْعَدْلَيْنِ، وَأَمَّا التَّوْقِيفُ الَّذِي سَبَبُهُ شَهَادَةُ عَدْلٍ وَاحِدٍ، فَيَأْتِي فِي الْبَيْتَيْنِ بَعْدَ هَذِهِ، وَكَيْفِيَّةُ ذَلِكَ فِي الْوَجْهِ الْأَوَّلِ، هُوَ كَمَا قَالَ ابْنُ أَبِي زَمَنِينَ فِي الْمُنْتَخَبِ: وَمَنْ ادَّعَى عَلَى رَجُلٍ فِي دَارٍ أَوْ أَرْضٍ بِيَدِهِ، أَوْ غَيْرُ ذَلِكَ مِنْ الْأُصُولِ الثَّابِتَةِ وَسَأَلَ أَنْ يُوقَفَ لَهُ فَاَلَّذِي عَلَيْهِ الْفُتْيَا أَنَّ الدَّعْوَى إنْ كَانَتْ فِي دَارٍ اُعْتُقِلَتْ بِالْقَفْلِ بَعْدَ أَنْ يُضْرَبَ لَهُ أَجَلٌ فِي إخْلَائِهَا بِقَدْرِ مَا يَرَاهُ الْحَاكِمُ، وَإِنْ كَانَتْ فِي أَرْضٍ مُنِعَ مِنْ حَرْثِهَا، وَإِنْ كَانَتْ فِيمَا لَهُ خَرَاجٌ كَالْفُرْنِ وَالْحَانُوتِ وَمَا أَشْبَهَ ذَلِكَ وُقِفَ الْخَرَاجُ، وَإِنْ كَانَتْ فِي حِصَّةِ أَرْضٍ، أَوْ دَارٍ، أَوْ شِبْهِ ذَلِكَ اُعْتُقِلَتْ تِلْكَ الْحِصَّةُ الْمُدَّعَى فِيهَا بِالْكِرَاءِ وَوُقِفَ الْكِرَاءُ، وَقِيلَ يُوقَفُ مِنْ الْكِرَاءِ بِقَدْرِ الْحِصَّةِ فَقَطْ. اهـ وَفِيهِ كِفَايَةٌ لِشَرْحِ أَبْيَاتِ النَّاظِمِ رحمه الله وَزَادَ اخْتِيَارَ الْقَوْلِ الْأَوَّلِ بِتَوْقِيفِ جَمِيعِ الْكِرَاءِ لَا مَا يَنُوبُ الْحِصَّةَ فَقَطْ، وَفُهِمَ مِنْ قَوْلِهِ: وَوَقْفٌ مَا كَالدُّورِ إلَخْ أَنَّ وَقْفَ غَيْرِ ذَلِكَ مِنْ الْعُرُوضِ وَالْحَيَوَانِ لَا يَكُونُ كَذَلِكَ، وَلَيْسَ إلَّا وَضْعُهَا تَحْتَ يَدِ أَمِينٍ فَإِنْ كَانَ كَذَلِكَ فَالْأَوْلَى زِيَادَةُ بَيْتٍ بَعْدَ هَذِهِ الْأَبْيَاتِ كَقَوْلِنَا:
وَوَقْفُ غَيْرِهِ بِوَضْعِهِ عَلَى
…
يَدِ أَمِينٍ فَاحْفَظْنَ مَا نُقِلَا.
وَشَاهِدٌ عَدْلٌ بِهِ الْأَصْلُ وَقَفْ
…
وَلَا يَزَالُ مِنْ يَدٍ بِهَا أُلِفْ
وَبِاتِّفَاقٍ وَقْفُ مَا يُفَادُ
…
مِنْهُ إذَا مَا أُمِنَ الْفَسَادُ
تَعَرَّضَ فِي الْبَيْتَيْنِ لِلْمَسْأَلَةِ الثَّالِثَةِ وَالرَّابِعَةِ وَالْخَامِسَةِ مِمَّا اشْتَمَلَ عَلَيْهِ هَذَا الْفَصْلُ يَعْنِي: أَنَّ مَنْ ادَّعَى مِلْكِيَّةَ أَصْلٍ تَحْتَ يَدِ غَيْرِهِ وَشَهِدَ لَهُ بِذَلِكَ عَدْلٌ وَاحِدٌ، وَأَبَى أَنْ يَحْلِفَ مَعَ شَاهِدِهِ لِرَجَائِهِ وُجُودَ شَاهِدٍ آخَرَ، أَوْ كَانَ الْقَاضِي لَا يَرَى الشَّاهِدَ مَعَ الْيَمِينِ فَإِنَّ الْأَصْلَ الْمُدَّعَى فِيهِ يُوقَفُ، وَلَكِنْ لَيْسَ كَالْوَقْفِ الْمُتَقَدِّمِ فِيمَا شَهِدَ بِهِ عَدْلَانِ، وَبَقِيَ الْإِعْذَارُ لِلْخَصْمِ مِنْ كَوْنِهِ يَخْرُجُ مِنْ يَدِ حَائِزِهِ بَلْ يَبْقَى بِيَدِ حَائِزِهِ، وَتَوْقِيفُهُ هُوَ مَنْعُهُ مِنْ تَفْوِيتِهِ بِبَيْعٍ أَوْ غَيْرِهِ، وَمِنْ تَغْيِيرِ حَالَتِهِ بِهَدْمٍ أَوْ بِنَاءٍ كَمَا تَقَدَّمَ عَنْ التَّبْصِرَةِ، وَلِهَذَا قَالَ:
وَلَا يُزَالُ مِنْ يَدٍ بِهَا أُلِفْ
لِأَنَّهُ إذَا لَمْ يُزَلْ مِنْ يَدِ حَائِزِهِ لَمْ يَبْقَ إلَّا مَنْعُهُ مِنْ تَفْوِيتِهِ وَتَغْيِيرِهِ - وَاَللَّهُ أَعْلَمُ - وَكَذَا تَوْقِيفُ غَلَّةِ الْأَصْلِ الْمَذْكُورِ إذَا كَانَتْ لَا تَفْسُدُ.
وَأَمَّا مَا يَفْسُدُ فَيُبَاعُ وَيُوقَفُ ثَمَنُهُ كَمَا يَأْتِي وَكُلُّ شَيْءٍ يُسْرِعُ الْبَيْتَيْنِ وَعَلَى حُكْمِ الْعَقْلَةِ نَبَّهَ بِالْبَيْتِ الثَّانِي وَضَمِيرٌ مِنْهُ لِلْأَصْلِ، وَفُهِمَ مِنْ حِكَايَةِ الِاتِّفَاقِ عَلَى تَوْقِيفِ الْغَلَّةِ أَنَّ تَوْقِيفَ الْأَصْلِ غَيْرُ مُتَّفَقٍ عَلَيْهِ، بَلْ فِيهِ خِلَافٌ وَهُوَ كَذَلِكَ فَقَدْ حَكَى ابْنُ عَرَفَةَ فِيهِ ثَلَاثَةَ أَقْوَالٍ أَحَدُهَا: أَنَّهُ يُوقَفُ وَلَكِنْ وَقْفًا خَاصًّا كَمَا ذَكَرَ النَّاظِمُ (قَالَ ابْنُ عَرَفَةَ فِي وَثَائِقِ ابْنِ الْعَطَّارِ) : لَا تَجِبُ الْعَقْلَةُ بِشَاهِدٍ وَاحِدٍ، وَلَكِنَّهُ يُمْنَعُ الْمَطْلُوبُ أَنْ يُحْدِثَ فِي الْعَقَارِ بِنَاءً، أَوْ بَيْعًا أَوْ شِبْهَ ذَلِكَ بِقَوْلِهِ: وَلَا يَخْرُجُ عَنْ يَدِهِ بِالْقَوْلِ فَقَوْلُهُ: لَا تَجِبُ الْعَقْلَةُ بِشَاهِدٍ وَاحِدٍ يَعْنِي الْعَقْلَةَ الَّتِي يَخْرُجُ بِهَا عَنْ يَدِ حَائِزِهِ لَا مُطْلَقًا. الْقَوْلُ الثَّانِي: أَنَّهُ يُوقَفُ كَمَا إذَا شَهِدَ عَدْلَانِ (قَالَ ابْنُ عَرَفَةَ) قَالَ ابْنُ سَهْلٍ: اُخْتُلِفَ فِي الْعَقْلَةِ بِشَاهِدٍ وَاحِدٍ عَدْلٍ فَفِي أَحْكَامِ ابْنِ زِيَادٍ وُجُوبُ الْعَقْلَةِ بِهَا، وَهُوَ فِي الدَّارِ بِالْقَفْلِ لَهَا، وَفِي الْأَرْضِ بِمَنْعِ حَرْثِهَا وَقَالَهُ عَبْدُ اللَّهِ بْنُ يَحْيَى وَأَيُّوبُ بْنُ سُلَيْمَانَ الْقَوْلُ الثَّالِثُ لِابْنِ بَطَّالٍ عَنْ ابْنِ لُبَابَةَ: لَا تَجِبُ الْعَقْلَةُ إلَّا بِشَاهِدَيْنِ، قَالَ سُلَيْمَانُ: وَهُوَ قَوْلُ ابْنِ الْقَاسِمِ اهـ بِاخْتِصَارٍ وَتَقْدِيمٍ وَتَأْخِيرٍ عَلَى نَقْلِ الشَّارِحِ، وَكَمَا تُوقَفُ الْغَلَّةُ بِشَهَادَةِ عَدْلٍ وَاحِدٍ كَذَلِكَ كُلُّ مَا يُغَابُ عَلَيْهِ مِنْ عَرَضٍ، وَغَيْرِهِ يُوقَفُ بِشَاهِدٍ وَاحِدٍ، وَأَمَّا الْأُصُولُ فَتُوقَفُ بِالشَّاهِدِ الْوَاحِدِ وَبِشَاهِدَيْنِ، إلَّا أَنَّ كَيْفِيَّةَ الْإِيقَافِ تَخْتَلِفُ كَمَا تَقَدَّمَ. (وَفِي التَّوْضِيحِ مَا نَصُّهُ) وَفِي مَسَائِلِ ابْنِ زَرْبٍ كُلُّ مَا يُغَابُ عَلَيْهِ مِنْ الْعُرُوضِ وَغَيْرِهَا يُوقَفُ بِشَاهِدٍ عَدْلٍ وَاحِدٍ، بِخِلَافِ الْعَقَارِ فَلَا يُعْتَقَلُ إلَّا بِشَاهِدَيْنِ وَحِيَازَتِهِمَا، وَقَوْلُهُ:
وَلَا يَزَالُ مِنْ يَدٍ بِهَا أُلِفْ
هُوَ بَيَانٌ لِكَيْفِيَّةِ التَّوْقِيفِ بِشَهَادَةِ الْعَدْلِ الْوَاحِدِ.
وَحَيْثُمَا يَكُونُ حَالُ الْبَيِّنَةِ
…
فِي حَقِّ مَنْ يَحْكُمُ غَيْرَ بَيِّنَهْ
يُوَقَّفُ الْفَائِدُ لَا الْأُصُولُ
…
بِقَدْرِ مَا يُسْتَكْمَلُ التَّعْدِيلُ
هَذَا هُوَ السَّبَبُ الثَّالِثُ مِنْ أَسْبَابِ التَّوْقِيفِ وَهُوَ أَنْ يَشْهَدَ لِلْمُدَّعِي قَوْمٌ لَا يَعْرِفُ الْقَاضِي عَدَالَتَهُمْ، وَلَا جُرْحَتَهُمْ فَإِنْ كَانَ الْمُدَّعَى فِيهِ أَصْلًا لَمْ يُوقَفْ، وَإِنَّمَا يُوقَفُ فَائِدَتُهُ وَغَلَّتُهُ إلَى أَنْ يُعَدَّلُ الشُّهُودُ، وَكَذَا يُوقَفُ غَيْرُ الْأَصْلِ مِنْ الْعُرُوضِ وَالْحَيَوَانِ وَغَيْرِهَا، وَقَوْلُهُ:
بِقَدْرِ مَا يُسْتَكْمَلُ التَّعْدِيلُ
قَالَ (الشَّارِحُ) : يَعْنِي بِذَلِكَ الْقَدْرَ أَجَلًا مَوْكُولًا لِاجْتِهَادِ الْحَاكِمِ مُقَدَّرًا بِمَا يَحْصُلُ بِهِ قَدْرُ الْمُسْتَحِقِّ مِنْ التَّعْدِيلِ، مُرَاعًى فِيهِ مِنْ الضِّيقِ وَالْفُسْحَةِ مَا يَقْتَضِيهِ الْحَالُ مِنْ بُعْدِ الْبَيِّنَةِ الْمَطْلُوبِ مِنْهَا التَّعْدِيلُ وَقُرْبِهَا، وَخَطَرِ الْمُسْتَحِقِّ وَحَقَارَتِهِ وَمَا أَشْبَهَ ذَلِكَ مِنْ اللَّوَاحِقِ الَّتِي يُرَاعِيهَا الْحَاكِمُ فِي الْقَضِيَّةِ الْمُعَيَّنَةِ. اهـ (ابْنُ عَرَفَةَ) الْحَيْلُولَةُ بِإِقَامَةِ الْمُدَّعِي شَاهِدَيْنِ عَدْلَيْنِ هُوَ نَقْلُ غَيْرِ وَاحِدٍ عَنْ الْمَذْهَبِ، وَكَذَا قَبْلَ تَعْدِيلِهِمَا وَهُوَ قَوْلُهُمَا إنْ كَانَ أَقَامَ شَاهِدَيْنِ بِإِذْنِ الْقَاضِي أَنْ يَنْظُرَ فِي تَعْدِيلِهِمَا، وَخَافَ عَلَى الْمُدَّعَى فِيهِ الْفَسَادَ أَمَرَ أَمِينًا فَبَاعَهُ وَقَبَضَ ثَمَنَهُ، وَوُضِعَ عَلَى يَدَيْ عَدْلٍ، وَفِي حَيْلُولَتِهِ بِإِقَامَتِهِ شَاهِدًا وَاحِدًا عَدْلًا خِلَافٌ. اهـ وَقَدْ اشْتَمَلَ كَلَامُ ابْنِ عَرَفَةَ هَذَا عَلَى أَوْجُهِ الْعَقْلَةِ الثَّلَاثَةِ الْمُتَقَدِّمَةِ فِي النَّاظِمِ فَقَوْلُهُ: الْحَيْلُولَةُ بِإِقَامَةِ شَاهِدَيْنِ عَدْلَيْنِ أَيْ: وَبَقِيَ الْإِعْذَارُ لِلْمَشْهُودِ عَلَيْهِ هُوَ الْأَوَّلُ فِي النَّظْمِ، وَقَوْلُهُ وَكَذَا قَبْلَ تَعْدِيلِهِمَا إلَخْ هِيَ مَسْأَلَةُ النَّاظِمِ هُنَا، وَقَوْلُهُ: فِي الْحَيْلُولَةِ بِإِقَامَتِهِ شَاهِدًا عَدْلًا هِيَ مَسْأَلَةُ قَوْلِهِ:
وَشَاهِدٌ عَدْلٌ بِهِ الْأَصْلُ وُقِفْ
وَأَمَّا قَوْلُهُ: وَخَافَ عَلَى الْمُدَّعَى فِيهِ الْفَسَادَ إلَخْ فَيَأْتِي الْكَلَامُ عَلَيْهِ فِي شَرْحِ الْبَيْتَيْنِ بَعْدُ إنْ - شَاءَ اللَّهُ - وَقَدْ اشْتَمَلَ الْبَيْتَانِ عَلَى الْمَسْأَلَةِ السَّادِسَةِ مِنْ مَسَائِلِ هَذَا الْفَصْلِ وَهِيَ التَّوْقِيفُ فِيمَا شَهِدَ فِيهِ رَجُلَانِ يُنْظَرُ فِي تَزْكِيَتِهِمَا.
وَكُلُّ شَيْءٍ يُسْرِعُ الْفَسَادُ لَهْ
…
وُقِفَ لَا لَأَنْ يُرَى قَدْ دَخَلَهْ
وَالْحُكْمُ بَيْعُهُ وَتَوْقِيفُ الثَّمَنْ
…
إنْ خِيفَ فِي التَّعْدِيلِ مِنْ طُولِ الزَّمَنْ
تَكَلَّمَ فِي الْبَيْتَيْنِ عَلَى كَيْفِيَّةِ تَوْقِيفِ مَا يَفْسُدُ إذَا شَهِدَ بِهِ مَنْ لَمْ تَثْبُتْ عَدَالَتُهُمَا، وَهِيَ الْمَسْأَلَةُ السَّابِعَةُ مِنْ مَسَائِلِ هَذَا الْفَصْلِ يَعْنِي: أَنَّ مَا اُحْتِيجَ إلَى تَوْقِيفِهِ لِوَجْهٍ مِنْ الْوُجُوهِ، وَكَانَ مِمَّا يَفْسُدُ إنْ طَالَ كَاللَّحْمِ، وَالْفَوَاكِهِ الْخَضْرَاءِ وَنَحْوِ ذَلِكَ فَإِنَّهُ يُنْظَرُ، فَإِنْ رُجِيَ حُصُولُ مَا لَا يَتِمُّ الْحُكْمُ إلَّا بِهِ مِنْ إعْذَارٍ أَوْ، تَجْرِيحٍ أَوْ تَعْدِيلٍ وَمَا أَشْبَهَ ذَلِكَ قَبْلَ تَغَيُّرِهِ وُقِفَ وَإِنْ خِيفَ تَغَيُّرُهُ وَفَسَادُهُ قَبْلَ ذَلِكَ، فَالْحُكْمُ بَيْعُهُ وَتَوْقِيفُ ثَمَنِهِ، وَهَذَا إذَا كَانَ التَّوْقِيفُ بِشَهَادَةِ رَجُلَيْنِ يُنْظَرُ فِي تَزْكِيَتِهِمَا؛ لِأَنَّ سِيَاقَ الْكَلَامِ يَدُلُّ عَلَى ذَلِكَ لِقَوْلِهِ قَبْلَهُ وَحَيْثُمَا يَكُونُ إلَخْ.
وَأَمَّا إنْ كَانَ بِشَهَادَةِ عَدْلٍ وَاحِدٍ فَيَحْلِفُ الْمَشْهُودُ عَلَيْهِ، وَيُخَلَّى بَيْنَهُ وَبَيْنَ شَيْئِهِ، وَنَحْوُهُ قَوْلُهُ فِي الْمُخْتَصَرِ: وَبَيْعُ مَا يَفْسُدُ، وَوَقْفُ ثَمَنِهِ مَعَهُمَا بِخِلَافِ الْعَدْلِ فَيَحْلِفُ وَيَبْقَى بِيَدِهِ (قَالَ فِي الْمُقَرِّبِ) قَالَ سَحْنُونٌ فِي كِتَابِ الشَّهَادَةِ: إنَّ ابْنَ الْقَاسِمِ قَالَ وَإِنْ كَانَ الَّذِي ادَّعَى الْمُدَّعِي مِمَّا لَا يَبْقَى وَيُسْرِعُ إلَيْهِ الْفَسَادُ كَالْفَاكِهَةِ الرَّطْبَةِ وَاللَّحْمِ أَنَّ الْمُدَّعِيَ إذَا كَانَ إنَّمَا شَهِدَ لَهُ شَاهِدٌ وَاحِدٌ، وَأَبَى أَنْ يَحْلِفَ وَقَالَ: عِنْدِي شَاهِدٌ آخَرُ فَإِنَّ الْقَاضِيَ يُؤَجِّلُ الْمُدَّعِيَ فِي إحْضَارِ شَاهِدِهِ مَا لَمْ يَخَفْ الْفَسَادَ عَلَى ذَلِكَ الَّذِي اُدُّعِيَ، فَإِنْ أَحْضَرَ مَا يَنْتَفِعُ بِهِ وَإِلَّا خَلَّى بَيْنَ الْمُدَّعَى عَلَيْهِ وَبَيْنَ الْمُدَّعَى فِيهِ، وَإِذَا أَقَامَ الْمُدَّعِي شَاهِدَيْنِ لَا يَعْرِفُهُمَا الْقَاضِي بِعَدَالَةٍ وَخَافَ عَلَى الْمُدَّعَى فِيهِ الْفَسَادَ، أَمَرَ أَمِينًا فَبَاعَهُ وَقَبَضَ ثَمَنَهُ وَوَضَعَ الثَّمَنَ عَلَى يَدِ عَدْلٍ فَإِنْ زُكِّيَتْ الْبَيِّنَةُ قَضَى بِالثَّمَنِ لِلْمُدَّعِي، (قَالَ عِيَاضٌ) قَوْلُهُ عِنْدِي شَاهِدٌ وَاحِدٌ لَا أَحْلِفُ مَعَهُ أَيْ: لَا أَحْلِفُ أَلْبَتَّةَ وَلَوْ أَرَادَ لَا أَحْلِفُ مَعَهُ الْآنَ لِأَنِّي أَرْجُو شَاهِدًا آخَرَ فَإِنْ وَجَدْته، وَإِلَّا حَلَفَ مَعَ شَاهِدَيْ بَيْعٍ حِينَئِذٍ وَوُقِفَ ثَمَنُهُ إنْ خُشِيَ فَسَادُهُ وَلَيْسَ هَذَا بِأَضْعَفَ مِنْ شَاهِدَيْنِ يُطْلَبُ تَعْدِيلُهُمَا فَقَدْ جَعَلَ لَهُ بَيْعَهُ هُنَا، وَإِنْ كَانَ عَلَى شَكٍّ مِنْ تَعْدِيلِهِمَا وَهُوَ إنْ لَمْ يَثْبُتْ بَطَلَ الْحَقُّ، وَشَاهِدٌ وَاحِدٌ فِي الْأَوَّلِ ثَابِتٌ بِكُلِّ حَالٍ وَالْحَلِفُ مَعَهُ مُمْكِنٌ إنْ لَمْ يَجِدْ آخَرَ، وَيَثْبُتُ الْحَقُّ. اهـ.
عَلَى نَقْلِ الشَّارِحِ مَعَ بَعْضِ اخْتِصَارٍ (وَقَالَ ابْنُ الْحَاجِبِ) : وَمَا يَفْسُدُ مِنْ طَعَامٍ أَوْ غَيْرِهِ قَالُوا يُبَاعُ وَيُوقَفُ ثَمَنُهُ إنْ كَانَ شَاهِدَانِ، وَيُسْتَحْلَفُ وَيُخَلَّى إنْ كَانَ
شَاهِدًا، (التَّوْضِيحُ) يُسْتَحْلَفُ أَيْ: الْمُدَّعَى عَلَيْهِ أَنَّ الْمُدَّعِيَ لَا يَسْتَحِقُّ مِنْ هَذَا شَيْئًا وَيُخَلَّى أَيْ الْمُدَّعَى فِيهِ تَحْتَ يَدِ الْمُدَّعَى عَلَيْهِ وَتَبَرَّأَ (ابْنُ الْحَاجِبِ) مِنْهُ بِقَوْلِهِ قَالُوا لِإِشْكَالِهِ وَذَلِكَ لِأَنَّ الْحُكْمَ كَمَا يَتَوَقَّفُ عَلَى الشَّاهِدِ الثَّانِي فَكَذَلِكَ يَتَوَقَّفُ عَلَى عَدَالَةِ الشَّاهِدَيْنِ فَإِمَّا أَنْ يُبَاعَ وَيُوقَفَ ثَمَنُهُ فِيهِمَا أَوْ يُخَلَّى بَيْنَهُ وَبَيْنَ مَنْ هُوَ بِيَدِهِ فِيهِمَا، (وَأَجَابَ صَاحِبُ النُّكَتِ) بِأَنَّ مُقِيمَ الْعَدْلِ قَادِرٌ عَلَى إثْبَاتِ حَقِّهِ بِيَمِينِهِ، فَلَمَّا تَرَكَ ذَلِكَ اخْتِيَارًا صَارَ كَأَنَّهُ مَكَّنَهُ مِنْهُ بِخِلَافِ مَنْ أَقَامَ شَاهِدَيْنِ، أَوْ شَاهِدًا وَوَقَفَ ذَلِكَ الْقَاضِي لِيَنْظُرَ فِي تَعْدِيلِهِمْ لَا حُجَّةَ عَلَيْهِ فِي ذَلِكَ لِعَدَمِ قُدْرَتِهِ عَلَى إثْبَاتِ حَقِّهِ بِغَيْرِ عَدَالَتِهِمْ، وَأَشَارَ الْمَازِرِيُّ إلَى فَرْقٍ آخَرَ وَهُوَ أَنَّ الشَّاهِدَيْنِ الْمَجْهُولَيْنِ أَقْوَى مِنْ الشَّاهِدِ الْوَاحِدِ؛ لِأَنَّ الْوَاحِدَ يُعْلَمُ قَطْعًا الْآنَ أَنَّهُ غَيْرُ مُسْتَحِقٍّ، وَالشَّاهِدَانِ الْمَجْهُولَانِ إذَا عُدِّلَا فَإِنَّمَا تَعْدِيلُهُمَا الْكَشْفُ عَنْ وَصْفٍ كَانَا عَلَيْهِ حِينَ الشَّهَادَةِ. اهـ
مُدَّعِي كَالْعَبْدِ وَالنِّشْدَانُ
…
ثُبُوتُهُ قَامَ بِهِ بُرْهَانُ
أَوْ السَّمَاعُ أَنَّ عَبْدَهُ أَبَقْ
…
إنْ طَلَبَ التَّوْقِيفَ فَهُوَ مُسْتَحَقَّ
لِخَمْسَةٍ أَوْ فَوْقَهَا يَسِيرَا
…
حَيْثُ ادَّعَى بَيِّنَةً حُضُورَا
وَإِنْ تَكُنْ بَعِيدَةً فَالْمُدَّعَى
…
عَلَيْهِ مَا الْقَسْمُ عَنْهُ ارْتَفَعَا
كَذَاك مَعَ عَدْلٍ بِنِشْدَانٍ شَهِدْ
…
وَبَعْدُ بَاقِيهِمْ يَمِينُهُ تُرَدْ
هَذَا هُوَ السَّبَبُ الرَّابِعُ مِنْ أَسْبَابِ التَّوْقِيفِ لِإِقَامَةِ الْبَيِّنَةِ كَمَا تَقَدَّمَ أَوَّلَ شَرْحِ قَوْلِهِ
ثَالِثَةٌ لَا تُوجِبُ الْحَقَّ نَعَمْ
الْبَيْتَيْنِ يَعْنِي أَنَّ مَنْ وَجَدَ عَبْدًا مَثَلًا، أَوْ غَيْرَهُ وَلِذَلِكَ أَدْخَلَ الْكَافَ عَلَى الْعَبْدِ بِيَدِ رَجُلٍ وَادَّعَى أَنَّهُ لَهُ، وَأَقَامَ بَيِّنَةً أَنَّهُ كَانَ يَنْشُدُ عَبْدًا أَوْ غَيْرَهُ مِمَّا ادَّعَى أَنَّهُ لَهُ، أَوْ أَقَامَ بَيِّنَةَ السَّمَاعِ أَنَّهُ أَبَقَ لَهُ عَبْدٌ، أَوْ ضَاعَ لَهُ فَرَسٌ مَثَلًا وَادَّعَى أَنَّ لَهُ عَلَى ذَلِكَ بَيِّنَةً حَاضِرَةً وَطَلَبَ أَنْ يُوقِفَ لَهُ ذَلِكَ الشَّيْءَ لِيَأْتِيَ بِبَيِّنَةٍ، فَإِنَّهُ يُجَابُ لِذَلِكَ الْأَيَّامَ الْيَسِيرَةَ كَالْخَمْسَةِ وَفَوْقَهَا بِيَوْمٍ، أَوْ يَوْمَيْنِ لَا أَكْثَرَ مِنْ ذَلِكَ، وَإِلَى ذَلِكَ أَشَارَ بِالْأَبْيَاتِ الثَّلَاثَةِ الْأُوَلِ، ثُمَّ صَرَّحَ بِمَفْهُومِ قَوْلِهِ بَيِّنَةً حُضُورًا فَقَالَ: وَإِنْ تَكُنْ بَعِيدَةً الْبَيْتَ أَيْ: فَإِنَّ الْمُدَّعَى عَلَيْهِ يَحْلِفُ أَنَّهُ لَا يَعْلَمُ فِيهِ حَقًّا لِلْقَائِمِ، وَيَبْقَى شَيْؤُهُ بِيَدِهِ كَمَا فِي سَائِرِ الدَّعَاوَى، وَفُهِمَ مِنْ مُقَابَلَةِ الْبَيِّنَةِ الْحَاضِرَةِ بِالْبَعِيدَةِ أَنَّ الْمُرَادَ بِالْحَاضِرَةِ الْحَاضِرَةُ حَقِيقَةً، أَوْ مَا فِي حُكْمِهَا مِنْ الْغَائِبَةِ غَيْبَةً قَرِيبَةً وَهُوَ كَذَلِكَ كَمَا يَأْتِي، ثُمَّ صَرَّحَ بِمَفْهُومِ قَوْلِهِ: وَالنِّشْدَانُ الْبَيْتَ أَنَّهُ إذَا لَمْ يَشْهَدْ بِالنِّشْدَانِ إلَّا عَدْلٌ وَاحِدٌ، وَادَّعَى أَنَّ بَاقِيَ شُهُودِ النِّشْدَانِ غُيَّبٌ غَيْبَةً بَعِيدَةً فَإِنَّ الْحُكْمَ كَذَلِكَ أَيْضًا، يَحْلِفُ الْمُدَّعَى عَلَيْهِ وَيَبْقَى شَيْؤُهُ بِيَدِهِ هَذَا ظَاهِرُ لَفْظِهِ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ.
(وَاَلَّذِي نَقَلَ عَلَيْهِ الشَّارِحُ مَا نَصُّهُ) قَالَ ابْنُ الْحَارِثِ: وَإِنْ كَانَتْ الدَّعْوَى فِي عَبْدٍ أَوْ عَرَضٍ فَسَأَلَ أَنْ يُوقَفَ لَهُ ذَلِكَ فَلَيْسَ لَهُ ذَلِكَ إلَّا أَنْ يَأْتِيَ بِسَمَاعٍ أَوْ لَطْخٍ أَوْ ادَّعَى بَيِّنَةً قَرِيبَةً فَيُوقَفُ لَهُ الْخَمْسَةَ أَيَّامٍ إلَى الْجُمُعَةِ، (وَفِي كِتَابِ ابْنِ يُونُسَ) قَالَ ابْنُ الْقَاسِمِ: فَإِنْ قَالَ أَوْقِفُوا الْعَبْدَ حَتَّى آتِيَ بِبَيِّنَتِي لَمْ يَكُنْ لَهُ ذَلِكَ إلَّا أَنْ يَدَّعِيَ بَيِّنَةً حَاضِرَةً عَلَى الْحَقِّ، أَوْ سَمَاعًا يُثْبِتُ لَهُ دَعْوَاهُ فَإِنَّ الْقَاضِيَ يُوقِفُ الْعَبْدَ وَيُؤَجِّلُ لَهُ حَتَّى يَأْتِيَ بِبَيِّنَةٍ فِيمَا قَرُبَ مِنْ يَوْمٍ أَوْ نَحْوِهِ، فَإِنْ جَاءَ بِشَاهِدٍ أَوْ سَمَاعٍ وَسَأَلَ أَنْ يُوقَفَ الْعَبْدُ لِيَأْتِيَ بِبَيِّنَةٍ، فَإِنْ كَانَتْ بَيِّنَةً بَعِيدَةً، وَفِي إيقَافِهِ ضَرَرٌ اُسْتُحْلِفَ الْمُدَّعَى عَلَيْهِ وَسَلَّمَهُ لَهُ بِغَيْرِ كَفِيلٍ، (قَالَ سَحْنُونٌ) وَإِنْ ادَّعَى شُهُودًا حُضُورًا عَلَى حَقِّهِ رَأَيْت أَنْ يُوقَفَ لَهُ نَحْوَ الْخَمْسَةِ أَيَّامٍ إلَى الْجُمُعَةِ، وَهَذَا التَّحْدِيدُ لِغَيْرِ ابْنِ الْقَاسِمِ، (قَالَ ابْنُ أَبِي زَيْدٍ) : وَهُوَ لِسَحْنُونٍ وَفِي الْمَجْمُوعَةِ فَإِنْ ثَبَتَ بِسَمَاعٍ أَوْ شَاهِدٍ عَدْلٍ أَنَّهُ نَشَدَ مَسْرُوقًا أَوْ ادَّعَى بَيِّنَةً بَعِيدَةً وَفِي إيقَافِهِ ضَرَرٌ عَلَى الْمُدَّعَى عَلَيْهِ اسْتَحْلَفَ السُّلْطَانُ الْمُدَّعَى عَلَيْهِ وَخَلَّى سَبِيلَهُ، وَلَا يَأْخُذُ مِنْهُ كَفِيلًا قَالَ: وَمِمَّا يُنْظَرُ فِيهِ نَفَقَةُ الْعَبْدِ الْمَوْقُوفِ عَلَى مَنْ تَكُونُ (فَفِي الْوَثَائِقِ الْمَجْمُوعَةِ) قَالَ ابْنُ الْقَاسِمِ: نَفَقَةُ الْعَبْدِ فِي التَّوْقِيفِ عَلَى الَّذِي يُقْضَى لَهُ بِهِ. اهـ نَقْلُ الشَّارِحُ وَالنِّشْدَانُ قَالَ الْجَوْهَرِيُّ نَشَدْت الضَّالَّةَ أَنْشُدُهَا نِشْدَةً وَنِشْدَانًا أَيْ: طَلَبْتُهَا. اهـ وَالْبُرْهَانُ وَالْحُجَّةُ وَهِيَ الْبَيِّنَةُ، وَالسَّمَاعُ بِفَتْحِ