الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
حَدَّ الْقَذْفِ فِي الْحُرِّ الْمُسْلِمِ كَمَا تَقَدَّمَ عَنْ ابْنِ يُونُسَ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ
[فَصْلٌ فِي أَنْوَاعِ الشَّهَادَاتِ]
ِ
ثُمَّ الشَّهَادَةُ لَدَى الْقَضَاءِ
…
جُمْلَتُهَا خَمْسٌ بِالِاسْتِقْرَاءِ
تَخْتَصُّ أُولَاهَا عَلَى التَّعْيِينِ
…
أَنْ تُوجِبَ الْحَقَّ بِلَا يَمِينِ
فَفِي الزِّنَا مِنْ الذُّكُورِ أَرْبَعَهْ
…
وَمَا عَدَا الزِّنَا فَفِي اثْنَيْنِ سَعَهْ
وَرَجُلٌ بِامْرَأَتَيْنِ يُعْتَضَدْ
…
فِي كُلِّ مَا يَرْجِعُ لِلْمَالِ اُعْتُمِدْ
وَفِي اثْنَتَيْنِ حَيْثُ لَا يَطَّلِعُ
…
إلَّا النِّسَاءُ كَالْمَحِيضِ مَقْنَعُ
قَسَّمَ النَّاظِمُ رحمه الله الشَّهَادَةَ إلَى خَمْسَةِ أَقْسَامٍ (الْأَوَّلُ) : مِنْهَا مَا يُوجِب الْحَقَّ بِلَا يَمِينٍ لَكِنْ بِشَرْطِ تَعَدُّدِ الشَّاهِدِ فِيهَا عَلَى الْجُمْلَةِ وَلَوْ صَغِيرًا، أَوْ امْرَأَةً. (الثَّانِي) : مَا يُوجِبُهُ لَكِنْ مَعَ الْيَمِينِ. (الثَّالِثُ) : لَا يُوجِبُ حَقًّا بَلْ تَوْقِيفَ الشَّيْءِ الْمُتَنَازَعِ فِيهِ. (الرَّابِعُ) : مَا يُوجِبُ الْيَمِينَ فَقَطْ عَلَى الْمَطْلُوبِ. (الْخَامِسُ) : مَا لَا يُوجِبُ شَيْئًا وَلَا عَمَلَ عَلَيْهِ، وُجُودُهُ كَالْعَدَمِ وَهَذَا التَّقْسِيمُ هُوَ بِاعْتِبَارِ مُوجَبِ الشَّهَادَةِ بِفَتْحِ الْجِيمِ أَيْ: مَا تُوجِبُهُ وَمَا يَنْبَنِي عَلَيْهَا.
(وَقَسَّمَهَا) ابْنُ الْحَاجِبِ إلَى أَرْبَعَةِ أَقْسَامٍ وَسَمَّاهَا مَرَاتِبَ، وَهَذَا بِاعْتِبَارِ مَا يَكْفِي فِي الْمَشْهُودِ فِيهِ عَلَى اخْتِلَافِ أَنْوَاعِهِ، فَبَعْضُهُ لَا يَكْفِي وَلَا يَثْبُتُ إلَّا بِشَهَادَةِ أَرْبَعَةٍ كَالزِّنَا، وَبَعْضُهُ لَا يَثْبُتُ إلَّا بِعَدْلَيْنِ، وَهُوَ مَا لَيْسَ زِنًى وَلَا مَالًا وَلَا آيِلًا إلَى مَالٍ كَالنِّكَاحِ وَالطَّلَاقِ، وَبَعْضُهُ يَثْبُتُ بِرَجُلٍ وَامْرَأَتَيْنِ، وَذَلِكَ الْمَالُ وَمَا يَئُولُ إلَيْهِ كَالْآجَالِ، وَالْخِيَارِ، وَالشُّفْعَةِ، وَبَعْضُهُ يَثْبُتُ بِامْرَأَتَيْنِ وَهُوَ مَا لَا يَظْهَرُ لِلرِّجَالِ كَالْوِلَادَةِ وَعُيُوبِ النِّسَاءِ، وَزَادَ غَيْرُهُ مَا يَثْبُتُ بِامْرَأَةٍ وَاحِدَةٍ، وَذَلِكَ الْخِلْطَةُ عِنْد مَنْ اشْتَرَطَهَا فِي تَوَجُّهِ الْيَمِينِ عَلَى الْمُدَّعَى عَلَيْهِ وَلِكُلٍّ مِنْ صَنِيعِ النَّاظِمِ التَّابِعِ فِيهِ لِابْنِ الْقَاسِمِ الْجَزِيرِيِّ، وَصَنِيعِ ابْنِ الْحَاجِبِ التَّابِعِ فِيهِ لِابْنِ شَاسٍ، وَجْهٌ أَحَدُهُمَا قَرِيبٌ مِنْ الْآخَرِ أَوْ عَيْنُهُ، فَالزِّنَا مَثَلًا تَكَلَّمَ فِيهِ النَّاظِمُ عَلَى أَنَّهُ إنْ شَهِدَ بِهِ أَرْبَعَةٌ ثَبَتَ بِلَا يَمِينٍ (، وَقَالَ ابْنُ الْحَاجِبِ) : لَا يَثْبُتُ إلَّا بِأَرْبَعَةٍ وَمَا لَيْسَ بِمَالٍ كَالنِّكَاحِ، وَالطَّلَاقُ فِي النَّظْمِ تَكَلَّمَ عَلَى أَنَّهُ إذَا شَهِدَ بِهِ عَدْلَانِ ثَبَتَ بِلَا يَمِينٍ وَابْنُ الْحَاجِبِ قَالَ: إنَّهُ لَا يَثْبُتُ إلَّا بِعَدْلَيْنِ، وَالْمَالُ وَمَا يَئُولُ إلَيْهِ تَكَلَّمَ فِي النَّظْمِ عَلَى أَنَّهُ يَثْبُتُ بِرَجُلٍ وَامْرَأَتَيْنِ وَابْنُ الْحَاجِبِ عَلَى أَنَّهُ يَثْبُتُ بِذَلِكَ وَبِغَيْرِهِ كَامْرَأَتَيْنِ وَيَمِينٍ، وَرَجُلٍ وَيَمِينٍ، وَكِلَاهُمَا حَسَنٌ فَجَزَاهُمَا اللَّهُ عَنْ الْمُسْلِمِينَ خَيْرًا، وَأَعْظَمَ لَهُمَا ثَوَابًا وَأَجْرًا. وَذَكَرَ النَّاظِمُ فِي هَذِهِ الْأَبْيَاتِ الْقِسْمَ الْأَوَّلَ الَّذِي يُوجِبُ الْحَقَّ بِلَا يَمِينٍ، وَتَحْتَهُ سِتَّةُ أَنْوَاعٍ (النَّوْعُ الْأَوَّلُ) : شَهَادَةُ أَرْبَعَةٍ عُدُولٍ فِي الزِّنَا يَرَوْنَهُ كَالْمِرْوَدِ فِي الْمُكْحُلَةِ.
(الثَّانِي) : شَهَادَةُ عَدْلَيْنِ فِي الْمَالِ وَغَيْرِهِ مَا عَدَا الزِّنَا وَإِلَى هَذَيْنِ النَّوْعَيْنِ أَشَارَ بِقَوْلِهِ
فَفِي الزِّنَا مِنْ الذُّكُورِ أَرْبَعَهْ
الْبَيْتَ. (الثَّالِثُ) : شَهَادَةُ رَجُلٍ وَامْرَأَتَيْنِ وَذَلِكَ فِي الْمَالِ، وَمَا يَئُولُ إلَيْهِ، وَإِلَيْهِ أَشَارَ بِقَوْلِهِ
وَرَجُلٌ بِامْرَأَتَيْنِ يُعْتَضَدْ
(الرَّابِعُ) : شَهَادَةُ امْرَأَتَيْنِ فِيمَا لَا يَطَّلِعُ عَلَيْهِ الرِّجَالُ كَالْحَيْضِ، وَالْوِلَادَةِ إلَى ذَلِكَ أَشَارَ بِقَوْلِهِ وَفِي اثْنَتَيْنِ حَيْثُ الْبَيْتَ وَلَدَى فِي الْبَيْتِ الْأَوَّلِ بِمَعْنَى عِنْدَ؛ لِأَنَّهَا لَا تُعْتَبَرُ فَتُوجِبُ حَقًّا أَوْ لَا تُوجِبُهُ إلَّا عِنْدَ أَدَائِهَا عِنْدَ الْقَاضِي، وَالِاسْتِقْرَاءُ التَّتَبُّعُ وَالْبَحْثُ، وَضَمِيرُ أُولَاهَا لِلْخَمْسِ، وَبِامْرَأَتَيْنِ يَتَعَلَّقُ بِيُعْتَضَدُ، وَجُمْلَةُ اُعْتُمِدَ خَبَرُ رَجُلٍ، وَسَوَّغَ الِابْتِدَاءَ بِهِ وَصْفُهُ بِجُمْلَةِ يُعْتَضَدُ، وَنَائِبُهُ يَعُودُ عَلَى الرَّجُلِ الْمَوْصُوفِ وَهُوَ الرَّابِطُ لِجُمْلَةِ الْخَبَرِ بِالْمُبْتَدَأِ وَفِي كُلِّ يَتَعَلَّقُ بِاعْتُمِدَ وَفِي اثْنَتَيْنِ خَبَرُ مَقْنَعُ، وَسَوَّغَ الِابْتِدَاءَ بِهِ تَقَدُّمُ الْخَبَرِ وَهُوَ جَارٌّ وَمَجْرُورٌ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ.
(تَنْبِيهَاتٌ الْأَوَّلُ) : قَالَ الشَّارِحُ الْيَمِينُ: الْمَنْفِيَّةُ فِي هَذَا الْقَسَمِ هِيَ الْيَمِينُ الَّتِي يُقْصَدُ بِهَا تَقْوِيَةُ شَهَادَةِ الشُّهُودِ الَّذِينَ شَهِدُوا فِي ذَلِكَ، كَالْيَمِينِ مَعَ الشَّاهِدِ الْوَاحِدِ، أَوْ مَعَ شَهَادَةِ امْرَأَتَيْنِ فِي الْأَمْوَالِ وَنَحْوِهَا، فَلَا تُعْتَرَضُ بِيَمِينِ الْقَضَاءِ الْوَاجِبَةِ فِي حَقِّ الْمَيِّتِ، وَالْغَائِبِ وَمَنْ لَحِقَ بِهِمَا؛ لِأَنَّ تِلْكَ الْيَمِينَ لَيْسَتْ بِعَاضِدَةٍ لِشَهَادَةِ الشُّهُودِ، وَلَا مُقَوِّيَةً لَهَا، وَإِنَّمَا هِيَ فِي مُقَابَلَةِ فَرْضِ دَعْوَى الْغَرِيمِ الْبَرَاءَةَ مِنْ الْحَقِّ، وَكَذَلِكَ
لَا يُعْتَرَضُ بِيَمِينِ الِاسْتِحْقَاقِ الْوَاجِبَةِ فِي غَيْرِ الْأُصُولِ؛ لِأَنَّهَا لَيْسَتْ بِمُقَوِّيَةٍ أَيْضًا، وَإِنَّمَا هِيَ فِي مُقَابَلَةِ فَرْضِ دَعْوَى صَيْرُورَةِ الْمُسْتَحِقِّ لِلْمُسْتَحَقِّ مِنْهُ بِهِبَةٍ، أَوْ غَيْرِهَا مِمَّا يَنْفِي الْيَمِينُ احْتِمَالَهَا، وَلَا يَكْفِي عَنْهَا قَوْلُ الشُّهُودِ وَمَا يَعْلَمُونَهُ بَاعَهُ وَلَا وَهَبَهُ؛ لِأَنَّهُمْ إنَّمَا نَفَوْا الْعِلْمَ فَقَطْ؛ لِأَنَّهُمْ شَهِدُوا بِالْمِلْكِيَّةِ عَلَى الْبَيْتِ، وَبِاسْتِمْرَارِهَا عَلَى الْعِلْمِ، فَالْيَمِينُ فِي مُقَابَلَةِ دَعْوَى مَا لَمْ يَعْلَمُهُ الشَّاهِدُ مِنْ عَدَمِ اسْتِمْرَارِ الْمِلْكِ لَا لِتَقْوِيَةِ الشَّهَادَةِ.
(الثَّانِي) : شَمَلَ قَوْلُهُ
وَمَا عَدَا الزِّنَا فَفِي اثْنَيْنِ سَعَهْ
جَمِيعَ الْحُقُوقِ فِي الْمَالِيَّةِ، وَالْبَدَنِيَّةِ مَا عَدَا الزِّنَا لِتَقَدُّمِهِ، فَجَمِيعُ ذَلِكَ يَثْبُتُ بِعَدْلَيْنِ عَلَى تَفْصِيلٍ فِي أَفْرَادِهِ، إذْ مِنْهَا مَا لَا يَثْبُتُ إلَّا بِعَدْلَيْنِ، وَمِنْهَا مَا يَثْبُتُ بِعَدْلٍ وَيَمِينٍ، أَوْ بِعَدْلٍ وَامْرَأَتَيْنِ، أَوْ بِامْرَأَتَيْنِ وَيَمِينٍ، فَثُبُوتُ جَمِيعِ ذَلِكَ بِعَدْلَيْنِ هُوَ الَّذِي فِي النَّظْمِ، وَالتَّفْصِيلُ الَّذِي فِي أَفْرَادِهِ هُوَ الَّذِي فِي ابْنِ الْحَاجِبِ، وَسَوَاءٌ تَضَمَّنَتْ شَهَادَةُ عَدْلَيْنِ إتْلَافَ نَفْسٍ كَالْقَوَدِ، أَوْ عُضْوٍ كَالْقَطْعِ، أَوْ إبَاحَةِ بِضْعٍ كَالنِّكَاحِ، أَوْ انْتِهَاكِ بَشَرَةٍ كَالتَّعْزِيرِ وَالْحُدُودِ، أَوْ إبَانَةِ عِصْمَةٍ كَالطَّلَاقِ وَالْفَسْخِ، أَوْ إبَانَةِ مَالٍ كَالْهِبَةِ وَالْعِتْقِ، أَوْ نَقْلِ مِلْكٍ كَالْمُعَاوَضَةِ وَالْبَيْعِ، أَوْ تَعْمِيرِ ذِمَّةٍ كَالسَّلَمِ وَالدَّيْنِ، أَوْ تَعَلُّقِ حَقٍّ كَالْعَارِيَّةِ وَالرَّهْنِ، أَوْ إلْزَامِ حُكْمٍ كَالتَّعَدِّي وَالْغَصْبِ، الْحُكْمُ فِي ذَلِكَ وَاحِدٌ وَلَكِنَّ الَّذِي يَخْتَصُّ بِهِ الرِّجَالُ وَلَا يَتِمُّ إلَّا بِهِمْ أَحْكَامٌ مَخْصُوصَةٌ مِنْ ذَلِكَ. (قَالَ ابْنُ شَاسٍ) : الْمَرْتَبَةُ الثَّانِيَةُ مَا عَدَا الزِّنَا مِمَّا لَيْسَ بِمَالٍ، وَلَا يَئُولُ إلَيْهِ كَالنِّكَاحِ، وَالرَّجْعَةِ، وَالْعِتْقِ، وَالطَّلَاقِ، وَالْإِسْلَامِ، وَالرِّدَّةِ، وَالْبُلُوغِ، وَالْوَلَاءِ، وَالْعِدَّةِ، وَالْجَرْحِ، وَالتَّعْدِيلِ، وَالْعَفْوِ عَنْ الْقِصَاصِ، وَثُبُوتِهِ فِي النَّفْسِ وَالْأَطْرَافِ عَلَى خِلَافٍ فِيهَا، وَالنَّسَبِ، وَالْمَوْتِ، وَالْكِتَابَةِ، وَالتَّدْبِيرِ وَشِبْهِ ذَلِكَ، وَكَذَلِكَ الْوَكَالَةُ، وَالْوَصِيَّةُ عِنْدَ أَشْهَبَ وَعَبْدِ الْمَلِكِ، وَشَرْطُ ذَلِكَ كُلِّهِ التَّعَدُّدُ وَالذُّكُورِيَّةُ اهـ عَلَى نَقْلِ الشَّارِحِ.
فَهَذِهِ تِسْعَ عَشْرَةَ مَسْأَلَةً مِمَّا لَا يَثْبُتُ إلَّا بِعَدْلَيْنِ، وَمِثْلُهَا لِابْنِ الْحَاجِبِ، وَفِي الْبَابِ الثَّانِي مِنْ الْقِسْمِ الثَّانِي مِنْ تَبْصِرَةِ ابْنِ فَرْحُونَ مَا نَصُّهُ الْبَابُ الثَّانِي فِي الْقَضَاءِ بِشَاهِدَيْنِ لَا يُجْزِئُ غَيْرُهُمَا وَذَلِكَ فِي النِّكَاحِ
وَالطَّلَاقِ، وَالْخُلْعِ، وَالتَّمْلِيكِ، وَالْمُبَارَاةِ، وَالْعِتْقِ، وَالْإِسْلَامِ، وَالرِّدَّةِ، وَالنَّسَبِ، وَالْكِتَابَةِ، وَالتَّدْبِيرِ، وَالْبُلُوغِ، وَالْعِدَّةِ، وَالْجَرْحِ، وَالتَّعْدِيلِ، وَالشُّرْبِ، وَالْقَذْفِ، وَالْحِرَابَةِ، وَالشَّرِكَةِ، وَالْآجَالِ، وَالْأَحْصَالِ، وَقَتْلِ الْعَمْدِ، وَكَذَلِكَ الْوَكَالَةُ، وَالْوَصِيَّةُ عِنْدَ أَشْهَبَ فَهَذِهِ الْأَحْكَامُ لَا تَثْبُتُ إلَّا بِشَاهِدَيْنِ ذَكَرَيْنِ حُرَّيْنِ عَدْلَيْنِ، قَالَهُ ابْنُ رُشْدٍ، وَغَيْرُهُ. اهـ. وَانْظُرْ عِدَّةَ الْخُلْعِ وَالْمُبَارَاةِ مَعَ أَنَّهُمَا دَاخِلَانِ فِي الطَّلَاقِ، وَالْفَرْقُ بَيْنَ الْخُلْعِ وَالْمُبَارَاةِ وَالِافْتِدَاءِ أَنَّ الْمُبَارَاةَ أَنْ تَقُولَ الْمَرْأَةُ لِزَوْجِهَا قَبْلَ الْبِنَاءِ: خُذْ مَا أَعْطَيْتنِي وَاتْرُكْنِي، وَالْخُلْعَ بِأَنْ تَخْتَلِعَ بِكُلِّ الَّذِي لَهَا، وَالِافْتِدَاءَ أَنْ تَفْتَدِيَ بِبَعْضٍ وَتُمْسِكَ بَعْضًا، قَالَهُ فِي الْمُقَرِّبِ.
(قَالَ مُقَيِّدُ هَذَا الشَّرْحِ سَمَحَ اللَّهُ لَهُ) وَقَدْ كُنْت نَظَمْتُ هَذِهِ النَّظَائِرَ فِي أَبْيَاتٍ تَقْرِيبًا لِلْحِفْظِ فَقُلْت:
وَشَاهِدَانِ فِي النِّكَاحِ وَالطَّلَاقِ
…
وَالْخُلْعِ وَالْإِبْرَاءِ وَتَمْلِيكِ عَتَاقِ
وَرِدَّةِ إسْلَامٍ أَوْ بُلُوغٍ أَوْ
…
عِدَّةٍ أَوْ جُرْحٍ وَتَعْدِيلٍ حَكَوْا
وَنَسَبٍ كِتَابَةٍ تَدْبِيرٍ مَعْ
…
شُرْبٍ وَقَذْفٍ وَحِرَابَةٍ تَبِعْ
وَأَجَلٍ مَعَ قَتْلِ عَمْدٍ شِرْكَةِ
…
إحْصَالٍ التَّوْكِيلِ وَالْوَصِيَّةِ
عَفْوِ الْقِصَاصِ وَثُبُوتِهِ الْوَلَا
…
وَرَجْعَةٍ مَوْتٍ كَذَاك نَقَلَا
نَجْلُ الْحَاجِبِ وَفَرْحُونٍ لَدَى
…
تَبْصِرَةٍ بِثَانِ قِسْمٍ قَدْ بَدَا
(التَّنْبِيهُ الثَّالِثُ) : شَمِلَ قَوْلُهُ:
وَرَجُلٌ بِامْرَأَتَيْنِ يُعْتَضَدْ
الْبَيْتَ ثَلَاثَةَ أَنْوَاعٍ الْأَوَّلُ: الشَّهَادَةُ عَلَى مَا لَيْسَ بِمَالٍ، وَلَكِنَّهُ يَئُولُ إلَى الْمَال، وَيَظْهَرُ أَنَّ هَذَا هُوَ مَنْطُوقُ الْبَيْتِ الْمَذْكُورِ. الثَّانِي: عَكْسُهُ وَهُوَ الشَّهَادَةُ عَلَى الْمَالِ، وَلَكِنَّهُ يَئُولُ إلَى غَيْرِ الْمَالِ، وَكَانَ دُخُولُ هَذَا النَّوْعِ فِي كَلَامِ النَّاظِمِ مِنْ بَابِ لَا فَارِقَ بَيْنَهُ وَبَيْنَ مَا قَبْلَهُ. الثَّالِثُ: الشَّهَادَةُ عَلَى الْمَالِ الْمَحْضِ، وَدُخُولِهِ فِي النَّوْعِ الْأَوَّلِ الْمُصَرَّحِ بِهِ فِي النَّظْمِ مِنْ بَابِ أَوْلَى، إذْ هُوَ أَخَفُّ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ. (فَمِثَالُ الْأَوَّلِ) الْوَكَالَةُ، وَنَقْلُ الشَّهَادَةِ
عَلَى مَنْ شَهِدَ بِمَالٍ، وَالشَّهَادَةُ عَلَى خَطِّ الْقَاضِي إذَا كَانَ مُضَمِّنُهُ مَالًا، وَعَلَى النِّكَاحِ بَعْدَ مَوْتِ الزَّوْجِ أَوْ الزَّوْجَةِ، أَوْ عَلَى مَيِّتٍ أَنَّ فُلَانًا أَعْتَقَهُ، أَوْ عَلَى نِسْبَةٍ أَنَّهُ ابْنُ فُلَانٍ، أَوْ أَخُوهُ إنْ لَمْ يَكُنْ هُنَاكَ وَارِثٌ ثَابِتُ النَّسَبِ، (قَالَ الشَّارِحُ) : فَأَجْرَاهَا ابْنُ الْقَاسِمِ عَلَى حُكْمِ الشَّاهِدِ عَلَى الْمَالِ لَمَّا كَانَ الْمُسْتَحَقُّ بِهَا مَالًا، وَأَبْقَاهَا أَشْهَبُ وَعَبْدُ الْمَلِكِ عَلَى الْأَصْلِ لِأَنَّهَا لَيْسَتْ عَلَى مَالٍ كَالنِّكَاحِ وَشِبْهِهِ اهـ، وَعَلَى مَذْهَبِ ابْنِ الْقَاسِمِ ذَهَبَ النَّاظِمُ (وَمِثَالُ الثَّانِي) لَوْ شَهِدَ رَجُلٌ وَامْرَأَتَانِ أَنَّ الْمُكَاتَبَ دَفَعَ كِتَابَتَهُ لِسَيِّدِهِ، أَوْ شَهِدُوا لِرَجُلٍ أَنَّهُ بَاعَ أَمَتَهُ مِنْ ابْنِهَا أَوْ زَوْجِهَا جَازَتْ الشَّهَادَةُ، وَعَتَقَ الْمُكَاتَبُ وَالْأَمَةُ عَلَى ابْنِهَا وَوَقَعَ الْفِرَاقُ بَيْنَ الزَّوْجَيْنِ اهـ (قُلْت) : وَلَا يَبْعُدُ تَخْرِيجُ الْخِلَافِ فِي هَذَا النَّوْعِ مِنْ الَّذِي قَبْلَهُ إذْ هُمَا مِنْ قَاعِدَةٍ وَاحِدَةٍ وَهِيَ هَلْ يُنْظَرُ إلَى الْحَالِ، أَوْ إلَى الْمَآلِ، وَلِلْمَسْأَلَةِ نَظَائِرُ.
(وَمِثَالُ الثَّالِثِ) الْبَيْعُ كَانَ عَلَى النَّقْدِ أَوْ الْأَجَلِ وَالْقَرْضُ، أَوْ الْقِرَاضُ، الْوَدِيعَةُ، وَالْإِجَارَةُ، وَالْكَفَالَةُ بِالْمَالِ، وَدِيَةُ الْخَطَأِ وَالْعَمْدِ إذَا كَانَ لَا قَوَدَ فِيهِ. (الرَّابِعُ) دَخَلَ فِي قَوْلِهِ وَفِي اثْنَتَيْنِ حَيْثُ الْبَيْتَ كُلُّ مَا يَنْفَرِدُ النِّسَاءُ بِحُضُورِهِ دُونَ الرِّجَالِ وَذَلِكَ مِثْلُ: الْحَيْضِ، وَالرَّضَاعِ، وَالِاسْتِهْلَالِ، وَالْوِلَادَةِ، وَعُيُوبِ الْفَرْجِ، فَتَثْبُتُ هَذِهِ الْأَشْيَاءُ بِامْرَأَتَيْنِ عَدْلَتَيْنِ (قَالَ فِي الرِّسَالَةِ) وَشَهَادَةُ امْرَأَتَيْنِ فَقَطْ فِيمَا لَا يَطَّلِعُ عَلَيْهِ الرِّجَالُ مِنْ الْوِلَادَةِ، وَالِاسْتِهْلَالِ وَشِبْهِ ذَلِكَ جَائِزَةٌ، وَاخْتُلِفَ فِي شَهَادَتِهِمَا عَلَى كَوْنِ الْمَوْلُودِ ابْنًا، وَلَمْ يَتَعَذَّرُ تَأْخِيرُهُ لِشَهَادَةِ الرِّجَالِ، كَمَا اُخْتُلِفَ أَيْضًا فِي إرْخَاءِ السِّتْرِ، هَلْ هُوَ مِمَّا يَخْتَصُّ بِهِ النِّسَاءُ أَمْ لَا؟ .
وَوَاحِدٌ يُجْزِئُ فِي بَابِ الْخَبَرِ
…
وَاثْنَانِ أَوْلَى عِنْدَ كُلِّ ذِي نَظَرْ
هَذَا هُوَ النَّوْعُ الْخَامِسُ، مِمَّا دَخَلَ تَحْتَ الْقِسْمِ الْأَوَّلِ مِنْ أَقْسَامِ الشَّهَادَةِ، وَهُوَ مِمَّا يُوجِبُ الْحَقَّ بِلَا يَمِينٍ، وَهُوَ خَبَرُ الْمُخْبِرِ وَذَلِكَ كَالْقَائِفِ، وَالْمُوَجَّهِ مِنْ قِبَلِ الْقَاضِي لِلتَّحْلِيفِ، وَالْحِيَازَةِ وَمَا أَشْبَهَهُ، وَفِي عَدِّهِ مِنْ أَقْسَامِ الشَّهَادَةِ مُسَامَحَةٌ، إذْ هُوَ مِنْ بَابِ الْخَبَرِ وَهُوَ مُغَايِرٌ لِلشَّهَادَةِ فِي حُكْمِهِ لِكَوْنِهِ يَكْفِي فِيهِ الْوَاحِدُ، وَالشَّهَادَةُ يُشْتَرَطُ فِيهَا التَّعَدُّدُ، وَوَجْهُ إدْخَالِ النَّاظِمِ لَهُ فِي بَابِ الشَّهَادَةِ وَخُصُوصًا فِي الْقِسْمِ الْأَوَّلِ مِنْهَا كَوْنُهُ مِثْلَهَا يُوجِبُ الْحَقَّ بِلَا يَمِينٍ، مَعَ اسْتِحْبَابِ التَّعَدُّدِ فِيهِ، لِقَوْلِهِ
وَاثْنَانِ أَوْلَى عِنْدَ كُلِّ ذِي نَظَرْ
فَدَخَلَ بِهَذَا الِاعْتِبَارِ مَعَ أَقْسَامِ سَائِرِ الْبَابِ. (قَالَ ابْنُ رُشْدٍ) الْقِيَاسُ عَلَى أُصُولِهِمْ أَنْ يُحْكَمَ بِقَوْلِ الْقَائِفِ الْوَاحِدِ، وَإِنْ لَمْ يَكُنْ عَدْلًا؛ لِأَنَّهُ عِلْمٌ يُؤَدِّيهِ وَلَيْسَ مِنْ طَرِيقِ الشَّهَادَةِ، كَمَا يُقْبَلُ قَوْلُ النَّصْرَانِيِّ الطَّبِيبِ فِيمَا يُحْتَاجُ إلَى مَعْرِفَتِهِ مِنْ نَاحِيَةِ الطِّبِّ، كَالْعُيُوبِ وَالْجِرَاحَاتِ، فَاشْتِرَاطُ ابْنِ الْقَاسِمِ فِيهِ الْعَدَالَةَ اسْتِحْسَانٌ. اهـ (قَالَ الشَّارِحُ) وَالْقِيَاسُ عَلَى أُصُولِهِمْ أَنْ يُحْكَمَ بِقَوْلِ الْقَائِفِ الْوَاحِدِ، وَإِنْ لَمْ يَكُنْ عَدْلًا مَعَ أَنَّ ظَاهِرَ الرِّوَايَاتِ اشْتِرَاطُ الْعَدَالَةِ، وَاَلَّذِي يَتَّضِحُ أَنَّ الْعَدَالَةَ شَرْطٌ فِيمَنْ يُقْبَلُ قَوْلُهُ مِنْ شَاهِدٍ، أَوْ مُؤَدِّي خَبَرٍ قَائِفًا كَانَ أَوْ طَبِيبًا أَوْ سِوَاهُمَا، فَإِذَا وُجِدَتْ الْعَدَالَةُ فَلَا مَعْدِلَ عَنْهَا، وَإِنْ لَمْ تُوجَدْ فَإِنَّ الْمُلَائِمَ بِتَصَرُّفَاتِ الشَّرْعِ، أَنَّ هَذِهِ الشُّرُوطَ الَّتِي هِيَ تَكْمِيلٌ لِلْمَشْرُوطِ إذَا أُعْذِرَتْ بِالْجُمْلَةِ حَتَّى يَعُودَ اشْتِرَاطُهَا عَلَى أَصْلِهَا بِالْإِبْطَالِ، فَإِنَّهَا تُلْغَى حِينَئِذٍ، كَمَا يُقَالُ إنَّ الذَّكَاةَ شَرْطٌ فِي حِلِّيَّةِ الْمَأْكُولِ، فَإِذَا اُضْطُرَّ الْمُكَلَّفُ لَمْ يُعْتَبَرْ هَذَا الشَّرْطُ، وَكَذَلِكَ سَتْرُ الْعَوْرَةِ فِي الصَّلَاةِ، وَعَدَمُ الْمَاءِ فِي التَّيَمُّمِ عَلَى قَوْلِ أَشْهَبَ وَمَا أَشْبَهَ ذَلِكَ، وَفِي كَلَامِ الشَّيْخِ أَبِي إِسْحَاقَ الشَّاطِبِيِّ أَنَّهُ لَوْ فُرِضَ ارْتِفَاعُ الْعَدَالَةِ جُمْلَةً لَكَانَ أَمْثَلَ مَنْ يُوجَدُ هُوَ الْعَدْلُ اهـ بِبَعْضِ اخْتِصَارٍ.
وَبِشَهَادَةٍ مِنْ الصِّبْيَانِ فِي
…
جُرْحٍ وَقَتْلٍ بَيْنَهُمْ قَدْ اُكْتُفِيَ
وَشَرْطُهَا التَّمْيِيزُ وَالذُّكُورَهْ
…
وَالِاتِّفَاقُ فِي وُقُوعِ الصُّورَهْ
مِنْ قَبْلِ أَنْ يَفْتَرِقُوا أَوْ يَدْخُلَا
…
فِيهِمْ كَبِيرٌ خَوْفَ أَنْ يُبَدِّلَا
هَذَا هُوَ النَّوْعُ السَّادِسُ مِنْ الْقِسْمِ الْأَوَّلِ مِنْ أَقْسَامِ الشَّهَادَةِ، وَهُوَ مَا يُوجِبُ الْحَقَّ بِلَا يَمِينٍ، وَهُوَ شَهَادَةُ الصِّبْيَانِ بَعْضِهِمْ عَلَى بَعْضٍ فِيمَا يَقَعُ بَيْنَهُمْ مِنْ الْجِرَاحِ وَالْقَتْلِ، فَيَجُوزُ وَيُكْتَفَى مِنْ غَيْرِ