الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
[فَصْلٌ فِي مَسَائِلَ مِنْ الشَّهَادَةِ]
ِ
وَمَنْ لِطَالِبٍ بِحَقٍّ شَهِدَا
…
وَلَمْ يُحَقِّقْ عِنْدَ ذَاكَ الْعَدَدَا
فَمَالِكٌ عَنْهُ بِهِ قَوْلَانِ
…
لِلْحُكْمِ فِي ذَاكَ مُبَيِّنَانِ
إلْغَاؤُهَا كَأَنَّهَا لَمْ تُذْكَرْ
…
وَتَرْفَعُ الدَّعْوَى يَمِينُ الْمُنْكِرِ
أَوْ يُلْزَمَ الْمَطْلُوبُ أَنْ يُقِرَّا
…
ثُمَّ يُؤَدِّي مَا بِهِ أَقَرَّا
بَعْدَ يَمِينِهِ وَإِنْ تَجَنَّبَا
…
تَعْيِينًا أَوْ عَيَّنَ وَالْحَلْفَ أَبَى
كُلِّفَ مَنْ يَطْلُبُهُ التَّعْيِينَا
…
وَهُوَ لَهْ إنْ أَعْمَلَ الْيَمِينَا
وَإِنْ أَبَى أَوْ قَالَ لَسْت أَعْرِفُ
…
بَطَلَ حَقُّهُ وَذَاكَ الْأَعْرَفُ
وَمَا عَلَى الْمَطْلُوبِ إجْبَارٌ إذَا
…
مَا شَهِدُوا فِي أَصْلِ مِلْكٍ هَكَذَا
يَعْنِي أَنَّهُ إذَا شَهِدَ الشَّاهِدُ بِحَقٍّ كَدَيْنٍ مَثَلًا وَلَمْ يُحَقِّقْ مِقْدَارَهُ وَعَدَدَهُ، فَعَنْ مَالِكٍ فِي ذَلِكَ قَوْلَانِ مُبَيِّنَانِ لِلْحُكْمِ فِي ذَلِكَ أَحَدُهُمَا: إلْغَاءُ تِلْكَ الشَّهَادَةِ أَيْ: عَدَمُ اعْتِبَارِهَا وَهِيَ كَالْعَدَمِ فَلَمْ يَبْقَ إلَّا مُجَرَّدُ الدَّعْوَى، فَتَرْتَفِعُ وَتُقَابَلُ بِالْيَمِينِ كَسَائِرِ الدَّعَاوَى.
وَإِلَى هَذَا أَشَارَ بِقَوْلِهِ:
وَمَنْ لِطَالِبٍ بِحَقٍّ شَهِدَا
الْأَبْيَاتَ الثَّلَاثَةَ فَطَالِبٌ وَبِحَقٍّ يَتَعَلَّقَانِ بِشَهِدَ وَيُحْتَمَلُ أَنْ يَتَعَلَّقَ لِطَالِبٍ بِمَحْذُوفٍ، صِفَةٌ لِطَالِبٍ، وَفَاعِلُ يُحَقِّقْ يَعُودُ عَلَى مَنْ وَالْإِشَارَةُ لِوَقْتِ الشَّهَادَةِ، وَبَاءُ بِهِ ظَرْفِيَّةٌ وَالضَّمِيرُ لِلْفَرْعِ الْمَذْكُورِ وَمُبَيِّنَانِ صِفَةٌ لَقَوْلَانِ، وَلِلْحُكْمِ يَتَعَلَّقُ بِمُبَيِّنَانِ وَإلْغَاؤُهَا بَدَلٌ مِنْ قَوْلَانِ بَدَلٌ مُفَصَّلٌ مِنْ مُجْمَلٍ وَيَمِينُ فَاعِلُ تَرْفَعُ وَالدَّعْوَى مَفْعُولٌ بِهِ. الْقَوْلُ الثَّانِي أَنَّ الْمَطْلُوبَ أَيْ: الْمُدَّعَى عَلَيْهِ يُكَلَّفُ وَيُلْزَمُ بِأَنْ يُقِرَّ بِمَا فِي ذِمَّتِهِ، وَيَحْلِفُ عَلَى مَا أَقَرَّ بِهِ وَيُؤَدِّيه لِصَاحِبِهِ فَإِنْ لَمْ يُقِرَّ بِشَيْءٍ، أَوْ أَقَرَّ وَلَمْ يَحْلِفْ فَإِنَّهُ يُرْجَعُ إلَى الطَّالِبِ وَيُكَلَّفُ بِأَنْ يُعَيِّنَ مَالَهُ عَلَى الْمَطْلُوبِ، وَيَحْلِفُ عَلَيْهِ فَإِنْ عَيَّنَهُ وَحَلَفَ عَلَيْهِ لَزِمَ ذَلِكَ الْمَطْلُوبَ، فَإِنْ امْتَنَعَ الطَّالِبُ مِنْ التَّعْيِينِ أَوْ عَيْنٍ وَامْتَنَعَ مِنْ الْيَمِينِ بَطَلَ حَقُّهُ، هَذَا كُلُّهُ إذَا كَانَتْ الْمُطَالَبَةُ بِمَا فِي الذِّمَّةِ كَانَتْ فِي شَيْءٍ مُعَيَّنٍ كَحَقٍّ فِي دَارٍ أَوْ نَحْوِهَا، فَإِنَّهُ لَا يُكَلَّفُ بِالتَّعْيِينِ؛ لِأَنَّهُ قَدْ يَنْجَرُّ لَهُ ذَلِكَ الْحَقُّ مِنْ إرْثٍ وَلَا يُعْلَمُ قَدْرُهُ، لَكِنَّهُ يُحَالُ بَيْنَهُ وَبَيْنَ ذَلِكَ الشَّيْءِ حَتَّى يَحْلِفَ، وَلَا يُسْجَنَ عَلَى ذَلِكَ؛ لِأَنَّ الْحَقَّ فِي شَيْءٍ مُعَيَّنٍ.
وَإِلَى الْقَوْلِ الثَّانِي أَشَارَ بِقَوْلِهِ:
أَوْ يُلْزَمَ الْمَطْلُوبُ أَنْ يُقِرَّ
الْأَبْيَاتَ الْأَرْبَعَةَ وَإِلَى مَسْأَلَةِ مَا إذَا كَانَتْ الْمُطَالَبَةُ فِي شَيْءٍ مُعَيَّنٍ أَشَارَ بِقَوْلِهِ: وَمَا عَلَى الْمَطْلُوبِ الْبَيْتَ فَقَوْلُهُ: أَوْ يُلْزَمَ الْمَطْلُوبُ هُوَ بِنَصَبِ يُلْزَمَ عَطْفٌ عَلَى قَوْلِهِ إلْغَاؤُهَا مِنْ بَابِ قَوْلِهِ:
وَإِنْ عَلَى اسْمٍ خَالِصٍ فِعْلٌ عُطِفْ
.. إلَخْ وَالْمَطْلُوبُ نَائِبُ يُلْزَمَ مُضَارِعُ أَلْزَمَ " وَأَنْ يُقِرَّ " مَفْعُولُهُ الثَّانِي، وَفَاعِلُ " يُؤَدِّي " الْمَطْلُوبُ، كَذَا فَاعِلُ تَجَنَّبَ، وَ " الْحَلْفَ " مَفْعُولُ أَبَى، وَفَاعِلُهُ الْمَطْلُوبُ، وَهُوَ بِفَتْحِ الْحَاءِ وَسُكُونِ اللَّامِ (قَالَ الْجَوْهَرِيُّ) حَلَفَ الرَّجُلُ أَيْ: أَقْسَمَ يَحْلِفُ حَلْفًا وَمَحْلُوفًا وَهُوَ أَحَدُ مَا جَاءَ مِنْ الْمَصَادِرِ عَلَى مَفْعُولٍ مِثْلَ: الْمَجْلُودِ وَالْمَعْقُولِ وَالْمَعْسُورِ، وَأَحْلَفْتُهُ أَنَا وَحَلَّفْتُهُ وَاسْتَحْلَفْتُهُ كُلُّهُ بِمَعْنًى، وَالْحِلْفُ بِالْكَسْرِ الْعَهْدُ يَكُونُ بَيْنَ الْقَوْمِ وَقَدْ حَالَفَهُ أَيْ: عَاهَدَهُ وَتَحَالَفُوا أَيْ: تَعَاهَدُوا انْتَهَى وَقَوْلُهُ:
كُلِّفَ مَنْ يَطْلُبُهُ التَّعْيِينَا
هُوَ جَوَابُ قَوْلِهِ " وَإِنْ تَجَنَّبَا " وَضَمِيرٌ وَهُوَ لِمَا عَيَّنَهُ الطَّالِبُ يَدُلُّ عَلَيْهِ التَّعْيِينُ وَضَمِيرٌ لَهُ لِمَنْ يَطْلُبُ أَيْ: الطَّالِبُ، وَقَوْلُهُ " وَإِنْ أَبَى " أَيْ: مِنْ الْحَلْفِ وَمَعْنَى هَكَذَا أَيْ: شَهِدُوا بِحَقٍّ وَلَمْ يُعَيِّنُوا قَدْرَهُ.
(قَالَ ابْنُ يُونُسَ) قَالَ ابْنُ حَبِيبٍ قَالَ مَالِكٌ فِي الْبَيِّنَةِ تَشْهَدُ بِحَقٍّ لِرَجُلٍ وَيَقُولُونَ لَا نَعْرِفُ عَدَدَهُ إلَّا أَنَّا نَشْهَدُ أَنَّهُ بَقِيَ عَلَيْهِ حَقٌّ فَلْيَقُلْ لِلْمَطْلُوبِ: أَقِرَّ لَهُ بِحَقِّهِ فَمَا أَقَرَّ بِهِ حَلَفَ عَلَيْهِ وَلَا شَيْءَ عَلَيْهِ غَيْرُهُ وَإِنْ حُدَّ قِيلَ لِلطَّالِبِ إنْ عَرَفْته فَاحْلِفْ عَلَيْهِ وَخُذْهُ، فَإِنْ قَالَ: لَا أَعْرِفُهُ وَضَاعَتْ كُتُبُ مُحَاسَبَتِي أَوْ أَعْرِفُهُ وَلَا أَحْلِفُ فَلْيُسْجَنْ الْمَطْلُوبُ حَتَّى يُقِرَّ بِشَيْءٍ، وَيَحْلِفُ عَلَيْهِ فَإِنْ أَقَرَّ بِشَيْءٍ وَلَمْ يَحْلِفْ أُخِذَ مِنْهُ وَحُبِسَ حَتَّى يَحْلِفَ، وَلَوْ كَانَ ذَلِكَ حَقًّا فِي دَارٍ حِيلَ بَيْنَهُ وَبَيْنَهَا حَتَّى يَحْلِفَ وَلَا يَحْبِسُهُ؛ لِأَنَّ الْحَقَّ فِي شَيْءٍ مُعَيَّنٍ.
(قَالَ الشَّارِحُ) فَالْقَوْلُ الْأَوَّلُ الَّذِي قَدَّمَهُ الشَّيْخُ رحمه الله نَصَّ عَلَيْهِ صَاحِبُ الِاسْتِغْنَاءِ، وَالثَّانِي هُوَ الَّذِي حَكَاهُ ابْنُ حَبِيبٍ إلَّا أَنَّهُ يَظْهَرُ مِنْ قَوْلِ الشَّيْخِ بَطَلَ حَقُّهُ، بَعْضُ مُخَالَفَةٍ لِمَا نَقَلَ ابْنُ حَبِيبٍ مِنْ سَجْنِ الْمَطْلُوبِ إذَا أَبَى الطَّالِبُ مِنْ الْيَمِينِ، أَوْ قَالَ لَا أَعْرِفُ الْحَقَّ إلَّا أَنْ يَحْلِفَ فَاَللَّهُ أَعْلَمُ بِمُسْتَنَدِهِ فِي ذَلِكَ، مَعَ أَنَّ وَجْهَهُ ظَاهِرٌ حَيْثُ يَأْبَى الطَّالِبُ مَعَ الْيَمِينِ مَعَ كَوْنِهِ يَعْرِفُ الْحَقَّ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ. .
وَمُنْكِرٌ لِلْخَصْمِ مَا ادَّعَاهُ
…
أَثْبَتَ بَعْدُ أَنَّهُ قَضَاهُ
لَيْسَ عَلَى شُهُودِهِ مِنْ عَمَلِ
…
لِكَوْنِهِ كَذَّبَهُمْ فِي الْأَوَّلِ
يَعْنِي أَنَّ مَنْ اُدُّعِيَتْ عَلَيْهِ دَعْوَى تَسْتَلْزِمُ عِمَارَةَ ذِمَّةٍ بِحَقٍّ مِنْ الْحُقُوقِ الَّتِي تَعْمُرُ بِهَا الذِّمَمُ فَأَنْكَرَ تِلْكَ الدَّعْوَى وَجَحَدَهَا فَأَثْبَتَ الطَّالِبُ مَا ادَّعَاهُ عَلَيْهِ بِبَيِّنَةٍ، أَوْ بِإِقْرَارِ الْمَطْلُوبِ بِذَلِكَ فَأَقَامَ الْمَطْلُوبُ الْبَيِّنَةَ بِأَنَّهُ قَضَاهُ ذَلِكَ الْحَقَّ فَإِنَّ بَيِّنَتَهُ عَلَى الْقَضَاءِ لَا تُقْبَلُ؛ لِأَنَّهُ كَذَّبَ شَهَادَتَهُمْ بِإِنْكَارِهِ الدَّعْوَى.
(قَالَ الْمُتَيْطِيُّ) : " أَمَّا لَوْ أَنْكَرَ الْمُعَامَلَةَ فَأَثْبَتَهَا الطَّالِبُ فَاسْتَظْهَرَ الْمَطْلُوبُ بِالْبَرَاءَةِ بِدَفْعِهِ فَإِنَّهُ لَا تُقْبَلُ مِنْهُ بَيِّنَةٌ بَعْدَ إنْكَارِهِ الْمُعَامَلَةَ هَذَا هُوَ الْمَشْهُورُ وَالْمَعْمُولُ بِهِ " وَرَوَى عِيسَى عَنْ ابْنِ نَافِعٍ " تَنْفَعُهُ الْبَرَاءَةُ وَلَا يَضُرُّهُ إنْكَارُ الْمُعَامَلَةِ، وَأَمَّا إنْ قَالَ لَيْسَ عَلَيَّ شَيْءٌ فَلَمَّا أَقَامَ عَلَيْهِ الْبَيِّنَةَ بِسَلَفٍ أَوْ بَيْعٍ جَاءَ بِبَرَاءَةٍ وَشُهُودٍ عَلَى الدَّفْعِ فَإِنَّهُ يَسْقُطُ ذَلِكَ بِالْحَقِّ عَنْهُ قَوْلًا وَاحِدًا. اهـ.
(ابْنُ رُشْدٍ) ؛ لِأَنَّ مِنْ حُجَّتِهِ أَنْ يَقُولَ: صَدَقْت مَا كَانَ لَك عَلَيَّ دَيْنٌ مِنْ شِرَاءٍ، وَلَا مِنْ سَلَفٍ لِأَنِّي كُنْت قَضَيْتُك حَقَّك وَإِنَّمَا تَكُونُ لَهُ حُجَّةٌ إذَا مَا قَالَ: مَا أَسْلَفْتَنِي شَيْئًا وَلَا بِعْتَنِي شَيْئًا. اهـ (قَالَ ابْنُ الْهِنْدِيِّ) فِي تَوْجِيهِ الْمَشْهُورِ وَتَضْعِيفِ الشَّاذِّ لِأَنَّ مَنْ كَذَّبَ بَيِّنَةً فَقَدْ أَسْقَطَهَا وَمَنْ، أَوْجَبَ لَهُ سَمَاعَهَا بَعْدَ تَكْذِيبِهِ إيَّاهَا فَقَدْ فَتَحَ بَابَ التَّعْنِيتِ وَالتَّشَعُّبِ وَأَعَانَ عَلَيْهِ. اهـ مِنْ الْمَوَّاقِ وَفِي مُخْتَصَرِ الشَّيْخِ خَلِيلٍ فِي بَابِ الْقَضَاءِ وَإِنْ أَنْكَرَ مَطْلُوبَ الْمُعَامَلَةِ بِالْبَيِّنَةِ، ثُمَّ لَا تُقْبَلُ بَيِّنَتُهُ بِالْقَضَاءِ بِخِلَافِ لَا حَقَّ لَك عَلَيَّ، وَقَالَ فِي بَابِ التَّخْيِيرِ وَالتَّمْلِيكِ: وَقُبِلَ إرَادَةُ الْوَاحِدَةِ بَعْدَ قَوْلِهِ لَمْ أُرِدْ طَلَاقًا وَالْأَصَحُّ خِلَافُهُ، وَقَالَ فِي بَابِ الْوَكَالَةِ: وَلَوْ أَنْكَرَ الْقَبْضَ فَقَامَتْ الْبَيِّنَةُ فَشَهِدَتْ بَيِّنَةٌ بِالتَّلَفِ كَالْمِدْيَانِ، وَقَالَ فِي بَابِ الْوَدِيعَةِ: وَيَجْحَدُهَا ثُمَّ فِي قَبُولِ بَيِّنَةِ الرَّدِّ خِلَافٌ، وَفِي الْوَثَائِقِ الْمَجْمُوعَةِ فَإِنْ ادَّعَى الْمَطْلُوبُ دَفْعَ مَا ثَبَتَ عَلَيْهِ مِنْ الدَّيْنِ بَعْدَ إنْكَارِهِ أَصْلَ الْمُعَامَلَةِ أَوْ السَّلَفِ لَمْ يُبِحْ لَهُ الْقَاضِي إثْبَاتَ ذَلِكَ، قَدْ كَذَّبَ شُهُودَهُ عَلَى الدَّفْعِ بِإِنْكَارِهِ أَصْلَ الطَّلَبِ وَبِهَذَا الْقَوْلِ الْقَضَاءُ اهـ مِنْ الشَّارِحِ. ثُمَّ قَالَ: وَقَوْلُ مَنْ مَالَ إلَى قَبُولِ قَوْلِ الْمُنْكِرِ إذَا أَقَامَ الْبَيِّنَةَ عَلَى إبْرَائِهِ أَوْضَحُ وَأَرْجَحُ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ.
(اللَّخْمِيُّ) اُخْتُلِفَ إذَا أَنْكَرَ الْإِيدَاعَ فَلَمَّا شَهِدَتْ الْبَيِّنَةُ عَلَيْهِ أَقَامَ بَيِّنَةً أَنَّهُ رَدَّهَا فَإِنَّهَا بَيِّنَتُهُ؛ لِأَنَّهُ كَذَّبَهَا بِقَوْلِهِ مَا أَوْدَعْتَنِي وَكَذَلِكَ إذَا قَالَ مَا اشْتَرَيْتُ مِنْك فَلَمَّا أَقَامَ عَلَيْهِ
الْبَيِّنَةَ بِالشِّرَاءِ أَقَامَ هُوَ عَلَيْهِ الْبَيِّنَةَ بِالدَّفْعِ وَقِيلَ: يُقْبَلُ قَوْلُهُ فِي الْمَوْضِعَيْنِ جَمِيعًا، وَهُوَ حَسَنٌ؛ لِأَنَّهُ يَقُولُ أَرَدْت أَنْ لَا أَتَكَلَّفَ بَيِّنَةً، وَالْمَسْأَلَةُ مِنْ بَابِ الْإِقْرَارِ الْحَاصِلِ بِالتَّضْمِينِ لَا بِالصَّرِيحِ وَفِي إعْمَالِهِ خِلَافٌ؛ لِأَنَّ بَيِّنَةَ الْقَضَاءِ تَتَضَمَّنُ الْإِقْرَارَ بِالْمُعَامَلَةِ الَّتِي تَفَرَّعَ الْقَضَاءُ عَنْهَا، وَإِنْكَارُهُ الْمُعَامَلَةَ أَوَّلًا تَكْذِيبٌ لِبَيِّنَةِ الْقَضَاءِ.
(فَرْعٌ) قَالَ فِي أَوَائِلِ نَوَازِلِ الدَّعَاوَى وَالْأَيْمَانِ مِنْ الْمِعْيَارِ، وَسُئِلَ ابْنُ رُشْدٍ عَنْ امْرَأَةٍ تُوُفِّيَتْ وَتَرَكَتْ زَوْجًا وَوَرَثَةً، فَقَامُوا يَطْلُبُونَ الزَّوْجَ بِجِهَازِهَا الَّذِي أَوْرَدَهُ أَبُوهَا بَيْتَ بِنَاءِ الزَّوْجِ الْمَذْكُورِ بِهَا فَأَنْكَرَ أَنْ يَكُونَ أَوْرَدَ بَيْتَ بِنَائِهِ شَيْئًا، فَاسْتَدْعَوْا بَيِّنَةَ بَعْضِ أَشْيَاءَ، مِنْهَا فَتَقَيَّدَ عَلَيْهِ إنْكَارُهُ فَهَلْ يَضُرُّهُ إنْكَارُهُ، وَيَلْزَمُهُ إحْضَارُ كُلِّ مَا شَهِدَ بِهِ أَنَّهُ وَصَلَ بَيْتَ بِنَائِهِ، أَوْ لَا يَلْزَمُهُ شَيْءٌ مِنْ ذَلِكَ؟ وَلَا يَضُرُّهُ إنْكَارُهُ إذْ لَوْ أَقَرَّ بِوُصُولِهِ لَمْ يَلْزَمْهُ سِوَى الْيَمِينِ أَنَّهُ مَا غَابَ عَلَى شَيْءٍ مِنْهُ مَا لَمْ يَشْهَدْ عَلَيْهِ بِالضَّمَانِ حَسْبَمَا نَصَّ عَلَيْهِ أَهْلُ الْعِلْمِ، وَهُوَ الَّذِي يَظْهَرُ لِي؛ لِأَنَّهَا بَيِّنَةٌ قَامَتْ فِي الْقَضِيَّةِ لَوْ أَقَرَّ بِهَا لَمْ يَلْزَمْهُ، فَكَذَلِكَ إذَا أَنْكَرَهَا بِخِلَافِ مَنْ أَنْكَرَ حَقًّا طُلِبَ بِهِ ثُمَّ لَمَّا ثَبَتَ عَلَيْهِ ادَّعَى الْبَرَاءَةَ مِنْهُ؛ لِأَنَّ ذَلِكَ بِنَفْسِ الثَّبَاتِ قَبْلَ الْإِنْكَارِ أَوْ بَعْدَهُ، فَيُحْكَمُ عَلَيْهِ بِالْأَدَاءِ وَهَذَا لَا يُحْكَمُ عَلَيْهِ بِالْأَدَاءِ، وَإِنْ ثَبَتَ عَلَيْهِ وَوَقَعَ بَيْنَ أَصْحَابِهِ فِيهِ نِزَاعٌ وَرَاقَ مَا ذَكَرْته فَأَرَدْت مَعْرِفَةَ رَأْيِك الْعَلِيِّ فِي ذَلِكَ مَأْجُورًا إنْ شَاءَ اللَّهُ.
(فَأَجَابَ) تَصَفَّحْت سُؤَالَك وَاَلَّذِي ظَهَرَ لَك فِيهِ وَهُوَ الَّذِي أُرَاهُ وَلَا يَصِحُّ عِنْدِي سِوَاهُ، فَلَا يَلْزَمُ الزَّوْجَ سِوَى الْيَمِينِ أَنَّهُ مَا أَخَذَ مِنْ مَالِهَا شَيْئًا فِي حَيَاتِهَا، وَلَا بَعْدَ وَفَاتِهَا، وَلَا غَابَ عَلَى شَيْءٍ مِنْ تَرِكَتِهَا وَلَا وُجِدَ لَهَا سِوَى مَا أَحْضَرَهُ لِاحْتِمَالِ أَنْ تَكُونَ هِيَ أَتْلَفَتْ مَا جُهِّزَتْ بِهِ إلَيْهِ، أَوْ تَلِفَ مِنْ غَيْرِ فِعْلِهَا. اهـ.
وَفِي ذَوَيْ عَدْلٍ يُعَارِضَانِ
…
مُبَرِّزًا أَتَى لَهُمْ قَوْلَانِ
وَبِالشَّهِيدَيْنِ مُطَرِّفٌ قَضَى
…
وَالْحَلْفَ وَالْأَعْدَلَ أَصْبَغُ ارْتَضَى
يَعْنِي إذَا تَعَارَضَتْ بَيِّنَتَانِ أَحَدُهُمَا بِشَهَادَةِ عَدْلَيْنِ وَالْأُخْرَى بِشَهَادَةِ عَدْلٍ وَاحِدٍ مُبَرِّزٍ أَعْدَلُ مِنْ الشَّاهِدَيْنِ فَهَلْ تُقَدَّمُ شَهَادَةُ الْعَدْلَيْنِ أَوْ شَهَادَةُ الْعَدْلِ الْمُبَرِّزِ؟ ذَهَبَ مُطَرِّفٌ إلَى إعْمَالِ شَهَادَةِ الْعَدْلَيْنِ تَرْجِيحًا لَهَا عَلَى شَهَادَةِ الْعَدْلِ الْمُبَرِّزِ مَعَ الْيَمِينِ. وَذَهَبَ أَصْبَغُ إلَى إعْمَالِ شَهَادَةِ الْمُبَرِّزِ الْأَعْدَلِ، مَعَ يَمِينِ الْقَائِمِ بِهَا. قَالَ فِي كِتَابِ ابْنِ يُونُسَ وَظَاهِرٌ لِابْنِ حَبِيبٍ عَنْ مُطَرِّفٍ وَعَنْ ابْنِ الْمَاجِشُونِ وَإِنْ أَقَامَ أَحَدُهُمَا شَاهِدَيْنِ وَالْآخَرُ شَاهِدًا أَعْدَلَ أَهْلِ زَمَانِهِ وَأَرَادَ أَنْ يَحْلِفَ مَعَهُ فَلْيُقْضَ بِالشَّاهِدَيْنِ، وَكَذَلِكَ رَوَى أَصْبَغُ عَنْ ابْنِ الْقَاسِمِ فِي الْعُتْبِيَّةِ أَنَّهُ يُقْضَى بِشَهَادَةِ الشَّاهِدَيْنِ، وَرَوَى عَنْهُ أَبُو زَيْدٍ أَنَّهُ يُقْضَى بِشَهَادَةِ الشَّاهِدِ الْأَعْدَلِ مَعَ يَمِينِ الطَّالِبِ، دُونَ شَهَادَةِ الشَّاهِدَيْنِ وَإِنْ كَانَا عَدْلَيْنِ، وَبِهَذَا أَخَذَ أَصْبَغُ (قَالَ ابْنُ رُشْدٍ) بَعْدَ ذِكْرِهِ مَا حَكَاهُ ابْنُ حَبِيبٍ عَنْ مُطَرِّفٍ وَابْنِ الْمَاجِشُونِ مِنْ أَنَّ الشَّاهِدَيْنِ إذَا كَانَا عَدْلَيْنِ أَحَقُّ مِنْ الْيَمِينِ مَعَ الشَّاهِدِ الَّذِي هُوَ أَعْدَلُ أَهْلِ زَمَانِهِ وَهُوَ الْأَظْهَرُ، إذْ مِنْ أَهْلِ الْعِلْمِ مَنْ لَا يَرَى الْحُكْمَ بِالشَّاهِدِ مَعَ الْيَمِينِ أَصْلًا، وَمَنْ لَا يَرَى التَّرْجِيحَ بَيْنَ الْبَيِّنَتَيْنِ أَصْلًا فَالْقَوْلُ بِأَنَّهُ يُقْضَى بِالشَّاهِدِ الْوَاحِدِ مَعَ يَمِينِ صَاحِبِ الْحَقِّ إذَا كَانَ أَعْدَلَ مِنْ الشَّاهِدَيْنِ
إغْرَاقٌ فِي الْقِيَاسِ اهـ.
وَقِدَمُ التَّارِيخِ تَرْجِيحٌ قُبِلْ
…
لَا مَعَ يَدٍ وَالْعَكْسُ عَنْ بَعْضٍ نُقِلْ
وَإِنَّمَا يَكُونُ ذَاكَ عِنْدَمَا
…
لَا يُمْكِنُ الْجَمْعُ لَنَا بَيْنَهُمَا
يَعْنِي إذَا تَعَارَضَتْ الْبَيِّنَتَانِ فَإِنْ أَمْكَنَ الْجَمْعُ بَيْنَهُمَا جُمِعَ، ابْنُ عَرَفَةَ تَقَرَّرَ صُورَةُ الْجَمْعِ مِثْلَ قَوْلِهَا مَنْ قَالَ لِرَجُلٍ: أَسْلَمْت لَك هَذَا الثَّوْبَ فِي مِائَةِ إرْدَبٍّ حِنْطَةً، وَقَالَ الْآخَرُ: بَلْ هَذَيْنِ الثَّوْبَيْنِ سِوَاهُ فِي مِائَةِ إرْدَبٍّ حِنْطَةً وَأَقَامَا جَمِيعًا الْبَيِّنَةَ، لَزِمَهُ أَخْذُ الثَّلَاثَةِ الْأَثْوَابِ فِي مِائَتَيْ إرْدَبٍّ اهـ، وَإِنْ لَمْ يُمْكِنْ الْجَمْعُ بَيْنَهُمَا فَإِنَّهُ يَرْجِعُ إلَى التَّرْجِيحِ، وَالتَّرْجِيحُ يَكُونُ بِأَشْيَاءَ مِنْ جُمْلَتِهَا قِدَمُ التَّارِيخِ، فَإِنْ كَانَ تَارِيخُ إحْدَى الْبَيِّنَتَيْنِ أَقْدَمَ فَهِيَ مُقَدَّمَةٌ عَلَى حَدِيثَةِ التَّارِيخِ، إلَّا أَنْ يَكُونَ الْقَائِمُ بِحَدِيثَةِ التَّارِيخِ حَائِزًا يَتَصَرَّفُ تَصَرُّفَ الْمَالِكِ فِي مِلْكِهِ بِمَحْضَرِ الْمُدَّعِي وَلَا عُذْرَ لَهُ فِي سُكُوتِهِ عَنْهُ، فَتُقَدَّمُ بَيِّنَتُهُ وَإِنْ كَانَتْ أَحْدَثَ تَارِيخًا؛ لِأَنَّ تَرْكَهُ بِيَدِهِ يَتَصَرَّفُ فِيهِ، وَهُوَ يَنْظُرُ إلَيْهِ قَاطِعٌ لِحُجَّتِهِ، وَقِيلَ بِعَكْسِ هَذَا الْقَوْلِ، وَإِنَّ الْمُعْتَبَرَ فِي الِاسْتِحْقَاقِ التَّارِيخُ الْمُتَأَخِّرُ، قَالَ ابْنُ يُونُسَ لَوْ شَهِدَتْ بَيِّنَةٌ أَنَّ هَذَا يَمْلِكُ الْأَمَةَ مُنْذُ عَامٍ، وَشَهِدَتْ بَيِّنَةٌ لِآخَرَ أَنَّهُ يَمْلِكُهَا مُنْذُ عَامَيْنِ، فَإِنِّي أَقْضِي بِبَيِّنَةِ أَبْعَدِ التَّارِيخَيْنِ إنْ عُدِّلَتْ وَإِنْ كَانَتْ الْأُخْرَى أَعْدَلَ، وَلَا أُبَالِي بِيَدِ مَنْ كَانَتْ الْأَمَةُ إلَّا أَنْ يَحُوزَهَا الْأَقْرَبُ تَارِيخًا بِالْوَطْءِ وَالْخِدْمَةِ وَالِادِّعَاءِ لَهَا بِمَحْضَرِ الْآخَرِ، فَهَذَا يَقْطَعُ دَعْوَاهُ فِيهَا وَفِيهِ أَيْضًا. عَنْ ابْنِ سَحْنُونٍ قَالَ أَشْهَبُ فِي عَبْدٍ بِيَدِ رَجُلٍ أَقَامَ الْآخَرُ بَيِّنَةً أَنَّهُ عَبْدُهُ مُنْذُ عَامَيْنِ، وَأَقَامَ حَائِزُهُ بَيِّنَةً أَنَّهُ لَهُ مُنْذُ سَنَةٍ، قُضِيَ بِهِ لِصَاحِبِ السَّنَتَيْنِ إلَّا أَنْ يَحُوزَهُ الْآخَرُ عَلَى وَجْهِ الْمِلْكِ بِمَحْضَرِ هَذَا وَعِلْمِهِ فَأَقْضِي لَهُ بِهِ، قَالَ: وَلَوْ أَقَامَ رَجُلٌ بَيِّنَةً أَنَّهُ لَهُ مُنْذُ سَنَةٍ، وَأَقَامَ الْحَائِزُ بَيِّنَةً أَنَّهُ فِي يَدِهِ مُنْذُ سَنَتَيْنِ وَلَمْ يَشْهَدُوا أَنَّهُ لَهُ قَالَ: أُرَاهُ لِمَنْ شَهِدُوا لَهُ أَنَّهُ لَهُ مُنْذُ سَنَةٍ، إلَّا أَنْ يَكُونَ لِلْآخَرِ بَيِّنَةٌ بِالْحَوْزِ لَهُ عَلَى الْآخَرِ بِوَجْهِ الْمِلْكِ عَلَى مَا ذَكَرْنَا.
(قَالَ اللَّخْمِيُّ) : وَإِنْ وُرِّخَتَا قُضِيَ لِلْأَقْدَمِ، وَإِنْ كَانَتْ الْأُخْرَى أَعْدَلَ، وَسَوَاءٌ كَانَتْ بِيَدِ أَحَدِهِمَا أَوْ تَحْتَ أَيْدِيهِمَا أَوْ تَحْتَ يَدِ ثَالِثٍ أَوْ لَا يَدَ عَلَيْهَا. اهـ فَقَوْلُهُ وَسَوَاءٌ كَانَتْ تَحْتَ يَدِ أَحَدِهِمَا صَادِقٌ بِمَا إذَا كَانَتْ تَحْتَ يَدِ صَاحِبِ التَّارِيخِ الْأَحْدَثِ فَإِنَّهُ يُقْضَى لِلْأَقْدَمِ وَإِنْ كَانَتْ بِيَدِ الْأَحْدَثِ، وَإِلَى ذَلِكَ أَشَارَ بِقَوْلِهِ:" وَالْعَكْسُ عَنْ بَعْضٍ نُقِلَ " فَمُرَادُهُ بِالْعَكْسِ تَقْدِيمُ بَيِّنَةِ الْأَقْدَمِ وَلَوْ كَانَ ذَلِكَ بِيَدِ صَاحِبِ الْأَحْدَثِ، وَالْمُتَبَادَرُ أَنَّ الْمُرَادَ تَقْدِيمُ ذَاتِ التَّارِيخِ الْأَحْدَثِ عَلَى أَنَّ الْعَكْسَ الْحَقِيقِيَّ تَقْدِيمُ بَيِّنَةِ صَاحِبِ التَّارِيخِ الْأَحْدَثِ وَلَوْ كَانَ الشَّيْءُ بِيَدِ صَاحِبِ التَّارِيخِ الْأَقْدَمِ، فَاسْتَظْهِرْ عَلَى ذَلِكَ بِالنَّقْلِ.
وَالشَّيْءُ يَدَّعِيهِ شَخْصَانِ مَعَا
…
وَلَا يَدٌ وَلَا شَهِيدٌ يُدَّعَى
يُقْسَمُ مَا بَيْنَهُمَا بَعْدَ الْقَسَمْ
…
وَذَاكَ حُكْمٌ فِي السَّوَاءِ مُلْتَزَمْ
فِي بَيِّنَاتٍ أَوْ نُكُولٍ أَوْ يَدِ
…
وَالْقَوْلُ قَوْلُ ذِي يَدٍ مُنْفَرِدِ
وَهُوَ لِمَنْ أَقَامَ فِيهِ الْبَيِّنَهْ
…
وَحَالَةُ الْأَعْدَلِ مِنْهَا بَيِّنَهْ
يَعْنِي أَنَّ الشَّيْءَ إذَا ادَّعَاهُ شَخْصَانِ سَوَاءٌ كَانَ ذَلِكَ أَصْلًا، أَوْ عَرَضًا، أَوْ حَيَوَانًا، أَوْ غَيْرَ ذَلِكَ وَلَيْسَ لِوَاحِدٍ مِنْهُمَا مَا تَتَرَجَّحُ بِهِ دَعْوَاهُ عَلَى دَعْوَى صَاحِبِهِ، لَا بِيَدٍ أَيْ: حَوْزٍ وَلَا بِشَهَادَةِ شَاهِدٍ وَلَا بِغَيْرِ ذَلِكَ بِوَجْهٍ مِنْ الْوُجُوهِ، وَادَّعَى كُلُّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا أَنَّ جَمِيعَهُ لَهُ فَإِنَّهُ يُقْسَمُ بَيْنَهُمَا نِصْفَيْنِ بَعْدَ حَلِفِهِمَا، هَذِهِ مَسْأَلَةُ النَّاظِمِ وَإِلَيْهَا أَشَارَ بِقَوْلِهِ:
وَالشَّيْءُ يَدَّعِيهِ شَخْصَانِ مَعَا
إلَى قَوْلِهِ " بَعْدَ الْقَسَمِ " إلَّا أَنَّ ظَاهِرَهُ أَنَّهُ يُقْسَمُ فِي الْحَالِ وَلَيْسَ كَذَلِكَ، بَلْ فِيهِ تَفْصِيلٌ فَإِنْ كَانَ يُخْشَى فَسَادُهُ كَالْحَيَوَانِ، وَالرَّقِيقِ، وَالطَّعَامِ فَإِنَّهُ يُسْتَأْنَى بِهِ فَإِنْ يَأْتِيَا بِشَيْءٍ، وَخِيفَ عَلَيْهِ قُسِمَ بَيْنَهُمَا، وَإِنْ كَانَ مِمَّا لَا يُخْشَى عَلَيْهِ الْفَسَادُ كَالدُّورِ.
(قَالَ فِي الْمُدَوَّنَةِ) : يُتْرَكُ حَتَّى يَأْتِيَ أَحَدُهُمَا بِأَعْدَلَ مِمَّا أَتَى بِهِ صَاحِبُهُ، (ابْنُ الْقَاسِمِ) إلَّا أَنْ يَطُولَ الزَّمَانُ، وَلَا يَأْتِيَا بِشَيْءٍ غَيْرَ مَا أَتَيَا بِهِ أَوَّلًا فَإِنَّهُ يُقْسَمُ بَيْنَهُمَا؛ لِأَنَّ تَرْكَ ذَلِكَ وَوَقْفَهُ ضَرَرٌ قَالَهُ فِي التَّوْضِيحِ. وَأَمَّا إنْ ادَّعَى أَحَدُهُمَا بَعْضَهُ بِالنِّصْفِ الْآخَرِ جَمِيعِهِ فَإِنْ كَانَ الْمُتَنَازَعُ فِيهِ لَيْسَ تَحْتَ أَيْدِيهِمَا بَلْ كَانَ بِيَدِ شَخْصٍ آخَرَ لَا يَدَّعِيهِ لِنَفْسِهِ، أَوْ لَمْ يَكُنْ أَحَدٌ أَصْلًا كَمَا لَوْ تَنَازَعَا فِي عَفْوٍ مِنْ الْأَرْضِ فَإِنَّهُمَا يَحْلِفَانِ وَيُقْسَمُ بَيْنَهُمَا عَلَى قَدْرِ الدَّعْوَى اتِّفَاقًا. قَالَهُ ابْنُ الْحَاجِبِ وَإِنْ كَانَ فِي أَيْدِيهِمَا مَعًا وَالْمَسْأَلَةُ بِحَالِهَا مِنْ كَوْنِ أَحَدِهِمَا ادَّعَى جَمِيعَهُ، وَالْآخَرُ بَعْضَهُ كَالنِّصْفِ فَقِيلَ: يُقْسَمُ عَلَى قَدْرِ الدَّعْوَى أَيْضًا وَهُوَ الْمَشْهُورُ. وَقَالَ أَشْهَبُ وَسَحْنُونٌ: يُقْسَمُ بَيْنَهُمَا نِصْفَيْنِ لِتَسَاوِيهِمَا فِيهِ فِي الْحِيَازَةِ، قَالَهُ ابْنُ الْحَاجِبِ أَيْضًا.
وَإِذَا قُلْنَا بِالْقِسْمَةِ عَلَى الدَّعْوَى إمَّا اتِّفَاقًا أَوْ عَلَى الْمَشْهُورِ كَمَا تَقَدَّمَ فَفِي كَيْفِيَّتِهِمَا قَوْلَانِ: (التَّوْضِيحُ) فَقَالَ مَالِكٌ وَأَكْثَرُ أَصْحَابِهِ: يُسْلَكُ فِيهَا مَسْلَكُ عَوْلِ الْفَرَائِضِ؛ لِتَسَاوِيهِمَا فِي الْمُتَدَاعَى فِيهِ، وَلِتَعَذُّرِ التَّرْجِيحِ وَصَارَا كَوَرَثَةٍ زَادَتْ الْإِسْهَامُ الْوَاجِبَةُ لَهُمْ عَلَى الْجَمِيعِ وَقَالَ ابْنُ الْقَاسِمِ وَابْنُ الْمَاجِشُونِ: مَبْنَى هَذِهِ الْمَسْأَلَةِ عَلَى التَّنَازُعِ فَمَنْ أَسْلَمَ شَيْئًا لِخَصْمِهِ سَقَطَ حَقُّهُ فِيهِ، فَإِذَا ادَّعَى أَحَدُهُمَا الدَّارَ كَامِلَةً، وَادَّعَى الْآخَرُ نِصْفَهَا فَعَلَى الْأَوَّلِ: يُعَالُ الْمُدَّعِي النِّصْفَ بِمِثْلِ نِصْفِ اثْنَيْنِ فَيُقْسَمُ الْمُدَّعَى فِيهِ بَيْنَهُمَا مِنْ ثَلَاثَةٍ، لِمُدَّعِي الْكُلِّ الثُّلُثَانِ، وَعَلَى الثَّانِي: يَخْتَصُّ مُدَّعِي الْكُلِّ بِالنِّصْفِ، ثُمَّ يُقْسَمُ الْآخَرُ بَيْنَهُمَا. اهـ بِبَعْضِ اخْتِصَارٍ، وَقَدْ أَطَالَ فِيهَا ابْنُ الْحَاجِبِ وَالتَّوْضِيحُ، فَعَلَيْك أَيَّهُمَا إنْ شِئْت وَذَاكَ حُكْمُ الْإِشَارَةِ لِقِسْمَةِ الْمُدَّعَى فِيهِ أَيْ: قِسْمَتُهُ حُكْمٌ مُلْتَزَمٌ فِي تَسَاوِي الْخَصْمَيْنِ، إمَّا فِي إقَامَةِ الْبَيِّنَتَيْنِ كَأَنْ يُقِيمَ كُلُّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا بَيِّنَةً مُسَاوِيَةً لِبَيِّنَةِ الْآخَرِ، وَإِمَّا فِي النُّكُولِ عَنْ الْيَمِينِ إذَا نَكَلَا مَعًا، وَإِمَّا فِي الْحَوْزِ بِحَيْثُ يَكُونُ تَحْتَ أَيْدِيهِمَا مَعًا وَإِلَى ذَلِكَ أَشَارَ بِقَوْلِهِ: "
وَذَاكَ حُكْمٌ فِي السَّوَاءِ مُلْتَزَمْ
…
فِي بَيِّنَاتٍ أَوْ نُكُولِ أَوْ يَدِ
فَالْمُرَادُ بِالْيَدِ الْحَوْزُ فَيُقْسَمُ بَيْنَهُمَا فِي الْأَوْجُهِ الثَّلَاثَةِ بَعْدَ أَيْمَانِهِمَا، فَإِنْ كَانَ الْمُتَنَازَعُ فِيهِ تَحْتَ يَدِ وَاحِدٍ مِنْهُمَا فَالْقَوْلُ قَوْلُهُ مَعَ يَمِينِهِ؛ لِزِيَادَتِهِ عَلَى صَاحِبِهِ بِالْحِيَازَةِ، وَعَلَى ذَلِكَ نَبَّهَ بِقَوْلِهِ:
وَالْقَوْلُ قَوْلُ ذِي يَدٍ مُنْفَرِدِ
وَقَدْ تَقَدَّمَ هَذَا الْفَرْعُ فِي الْقِسْمِ الثَّانِي مِنْ أَقْسَامِ الشَّهَادَةِ وَهِيَ الَّتِي تُوجِبُ الْحَقَّ مَعَ الْيَمِينِ، فِي قَوْلِهِ:" وَالْيَدُ مَعَ مُجَرَّدِ الدَّعْوَى " فَإِنْ أَقَامَ الْبَيِّنَةَ عَلَى الْمِلْكِ غَيْرُ الْحَائِزِ بِتَعَارُضِ دَلِيلِ الْحِيَازَةِ مَعَ الْبَيِّنَةِ بِالْمِلْكِ فَالْبَيِّنَةُ أَعْمَلُ مِنْ دَلِيلِ الْحِيَازَةِ، وَعَلَى ذَلِكَ نَبَّهَ بِقَوْلِهِ:
وَهُوَ لِمَنْ أَقَامَ فِيهِ الْبَيِّنَهْ
أَيْ لَا لِلْحَائِزِ الَّذِي لَا بَيِّنَةَ لَهُ فَإِنْ تَسَاوَيَا فِي الْحِيَازَةِ وَإِقَامَةِ الْبَيِّنَةِ فَإِنَّهُ يُقْضَى بِأَعْدَلِ الْبَيِّنَتَيْنِ، وَعَلَى ذَلِكَ نَبَّهَ بِقَوْلِهِ:
وَحَالَةُ الْأَعْدَلِ مِنْهَا بَيِّنَهْ
فَإِنْ تَكَافَأَتْ الْبَيِّنَتَانِ فِي الْعَدَالَةِ قُضِيَ بِالشَّيْءِ لِحَائِزِهِ، وَهَذَا يُفْهَمُ مِنْ قَوْلِهِ:" وَلَا يَدَ " إذْ مَفْهُومُهُ أَنَّهُ مَعَ الْيَدِ لَا يُقْسَمُ بَيْنَهُمَا بَلْ يَكُونُ