الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
53 - باب في الرجل يُسَمِّي دَابَّتَهُ
2307 -
عن معاذ قال:
كُنْتُ رِدْفَ رسولِ الله صلى الله عليه وسلم على حمار يقال له: عُفَيْرٌ.
(قلت: إسناده على شرط الشيخين. وقد أخرجاه، لكن ذِكْرَ الحمار فيه شاذٌّ عندي، وقد أخرجاه من طريق أخرى عنه بلفظ: ليس بينه وبينه إلا مُؤْخِرَةُ الرحل .. وهو المحفوظ عندي).
إسناده: حدثنا هنّاد بن السرِي عن أبي الأحوص عن أبي إسحاق عن عمرو ابن ميمون عن معاذ.
قلت: وهذا إسناد على شرط الشيخين؛ غير هناد بن السري، فهو على شرط مسلم وحده، لكنه قد توبع كما يأتي.
إلا أن في النفس شيئًا من أبي إسحاق -وهو السبيعي عمرو بن عبد الله-؛ فإنه كان اختلط، والقاعدة في مثله أن ما حدَّث به قبل الاختلاط فهو حجة، وإلا؛ فلا.
وأبو الأحوص الراوي له عنه -واسمه سلام ابن سليم- لم يذكروه في جملة من سمع منه قبل الاختلاط. وكذلك من تابعه ممن سأذكره.
أضف إلى ذلك أنه موصوف بالتدليس أيضًا، وقد عنعنه كما ترى، وأنه اضطرب في متنه، فكان تارة يذكر الحمَار فيه -كما في هذه الرواية- وتارة لا يذكره -كما في رواية حفيده إسرائيل-.
وكذا سفيان ومعمر بن راشد عنه: أخرجه أحمد (5/ 228).
وتابعه شعبة وسلام عنه: رواه الطيالسي (565)، وعنه أبو عوانة (1/ 16).
وسفيان -وهو الثوري- وشعبة كلاهما سمع من السبيعي قبل الاختلاط.
وتؤيده رواية عبد الرحمن بن أبي ليلى عن معاذ: عنده أيضًا (5/ 230).
نعم؛ قد جاء ذكر الحمار دون اسمه: (عفير) في بعض الطرق عن معاذ، يرويه الأعمش عن أبي سفيان عن أنس بن مالك قال:
أتينا معاذ بن جبل، فقلنا: حدثنا من غرائب حديث رسول الله صلى الله عليه وسلم؟ ! قال:
نعم، كنت رِدْفَهُ على حمار، قال: فقال:
"يا معاذ! هل تدري ما حق الله على العباد؟ "
…
أخرجه أحمد (5/ 228 و 236).
وسنده حسن على شرط مسلم؛ وأبو سفيان -واسمه: طلحة بن نافع- فيه كلام، والراجح أنه حسن الحديث إذا لم يخالف.
ثم روى (5/ 238) من طريق شهر بن حوشب عن عبد الرحمن بن غَنْمٍ أن معاذ بن جبل حدثه عن النبي صلى الله عليه وسلم
…
به نحوه؛ وفيه تسمية الحمار بـ (يعفور).
لكن شهر ضعيف.
بَيْدَ أنه قد صح من طريق أخرى عن معاذ خلاف كل ما سبق، فقال همام: حدثنا قتادة: حدثنا أنس بن مالك عن معاذ بن جبل قال:
كنت رِدْفَ النبي صلى الله عليه وسلم -ليس بيني وبينه إلا مُؤْخِرَةُ الرحل- فقال:
"يا معاذ!
…
" الحديث.
أخرجه البخاري في "العلم"، وفي "اللباس"، ومسلم (30)، وأحمد (5/ 242). وقال هو، والبخاري، وكذا أبو عوانة (1/ 17):
آخرة الرحل.
والمعنى واحد، وهي -بالمد- الخشبة التي يستند إليها الراكب من كور البعير، كما في "النهاية" لابن الأثير.
ويشهد له: ما روى علي بن زيد عن أبي المَلِيحِ الهُذَلِيِّ عن رَوْحِ بن عابد عن أبي العَوَّام عن معاذ بن جبل قال:
كنت رِدْفَ النبي صلى الله عليه وسلم على جمل أحمرَ، فقال:"يا معاذ! .. " الحديث.
أخرجه أحمد (5/ 234).
وعلي بن زيد -وهو ابن جدعان- لا بأس به فيما نحن فيه من الاستشهاد.
وأما ما أخرجه أحمد -عَقِبَه-من طريق حماد عن عطاء بن السائب عن أبي رَزِينٍ عن معاذ بن جبل
…
مثله؛ غير أنه قال:
أُتِيَ رسول الله صلى الله عليه وسلم بحمار قد شُدَّ عليه بَرْدَعَةٌ
…
فإنه منكر أيضًا لا يصح؛ لأن عطاء بن السائب كان اختلط؛ وحماد -وهو ابن سلمة- سمع منه بعد الاختلاط أيضًا، هذا مع مخالفته لحديث الرَّحْل وشاهده.
ولا يقويه ما روى يزيد بن عطاء البزاز: أخبرنا أبو اسحاق عن أبي عُبَيْدَةَ بن عبد الله بن مسعود عن أبيه قال:
كان لرسول الله صلى الله عليه وسلم حمار يقال له: عفير.
أخرجه الطيالسي (2500 - ترتيبه)، وابن سعد في "الطبقات"(1/ 492).
وذلك لأمور:
1 -
أنه منقطع بين أبي عبيدة وأبيه ابن مسعود؛ فإنه لم يسمع منه باعترافه.
2 -
أن يزيد بن عطاء هذا في الحديث؛ كما في "التقريب".
3 -
أنه لو سَلِمَ من العلتين المذكورتين؛ فلا يصح الاستشهاد به وتقوية حديث الباب به؛ لأنه من باب تقوية الضعيف بنفسه؛ لأن أبا إسحاق الذي بينهما: هو السبيعي نفسه، وقد عرفت حاله من حيث الاختلاط والتدليس من جهة، ومخالفة حديثه لحديث أنس عن معاذ في "الصحيحين" المذكور آنفًا، وكذلك لحديث شهر، حيث سمَّى الحِمار بـ:(يعفور) لا (عفير).
وكذلك جاءت تسميته بـ (يعفور) في حديثين آخرين مرسلين مختصرين: عند ابن سعد:
أحدهما: عن علقمة بن أبي علقمة
…
بلاغًا.
والآخر: عن جعفر بن محمد عن أبيه
…
مرسلًا.
وجملة القول: أن ذكر الحمار في هذا الحديث خطأ من السبيعي، ومن الظاهر أن ذلك كان في اختلاطه. وقد وجدت ما يؤيد ذلك، وهو ما أخرجه الترمذي (2645) من طريق سفيان عن أبي إسحاق عن عمرو بن ميمون عن معاذ بن جبل قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم:
"أتدرون ما حق الله على العباد؟
…
" الحديث.
فهذا سفيان -وهو الثوري- وقد روى عن أبي إسحاق قبل الاختلاط، فلم يذكر فيه ركوبه على الحمار؛ فهذا أصح، وحينئذ فلا تعارض؛ فتأمل.
وإذا عرفت ما سبق من التحقيق؛ فلا حاجة بنا إلى تكلُّف تأويل الرَّحْل بأنه
قد يستعمل لغير البعير، كما قال الحافظ في "الفتح"، معتمدًا على حديث الباب! دون أن يشير أقل إشارة إلى حال السبيعي؛ خلافًا لصنيعه في "التقريب" و "مقدمة الفتح"؛ وأفاد في هذا أنه أحد الأعلام قبل اختلاطه! ولكنه وهم في قوله:
"ولم أر في "البخاري" من الرواية عنه إلا عن القدماء من أصحابه، كالثوري وشعبة، لا عن المتأخرين كابن عيينة وغيره"!
قلت: وهذا من أوهامه رحمه الله تعالى؛ فإن له في "البخاري" من رواية زهير ابن معاوية وغيره -ممن سمع منه بعد الاختلاط-، وقد خرجت بعض أحاديثهم في "الأحاديث الضعيفة".
والحديث أخرجه مسلم (رقم / 30): حدثنا أبو بكر بن أبي شيبة: حدثنا أبو الأحوص سَلام بن سُليم
…
به؛ وتمامه: قال: فقال:
"يا معاذ! تدري ما حقُّ الله على العباد، وما حق العباد على الله؟ ". قال: قلت: الله ورسوله أعلم! قال:
"فإن حق الله على العباد: أن يعبدوا الله ولا يشركوا به شيئًا. وحق العباد على الله عز وجل: أن لا يعذب من لا يشرك به شيئًا". قال: قلت: يا رسول الله! أفلا أُبَشِّرُ الناس؟ قال:
"لا تبشِّرْهم؛ فيتكلوا".
وأخرجه البخاري في "الجهاد" من طريق يحيى بن آدم: حدثنا أبو الأحوص
…
به.
لكن ذكر الحافظ أن أبا الأحوص هذا -الذي روى عنه يحيى- ليس هو سلام ابن سليم، وإنما هو عمار بن رُزَيْقٍ! فالله تعالى أعلم.