الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
في "الإرواء"(948).
61 - باب في صوم العشر
2106 -
عن بعض أزواج النبي صلى الله عليه وسلم قالت:
كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يصوم تِسْعَ ذي الحِجَّةِ، ويومَ عاشوراءَ، وثلاثة أيام من كل شهر: أول اثنين من الشهر، والخمِيْسَيْن (1).
(قلت: إسناده صحيح).
إسناده: حدثنا مسدد: ثنا أبو عوانة عن الحُرِّ بن الصَّبَّاح عن هُنَيْدَةَ بن خالد عن امرأته عن بعض أزواج النبي صلى الله عليه وسلم صلى الله عليه وسلم.
قلت: وهذا إسناد صحيح، ورجاله ثقات معروفون؛ غير هنيدة بن خالد، وقد روى عنه جمع آخر من الثقات، وأورده ابن حبان في الطبقة الأولى من "ثقات التابعين" (3/ 284). قال الحافظ:
"قلت: وذكره أيضًا في الصحابة، وقال: وله صحبة. وكذا ذكره ابن عبد البر في "الاستيعاب"
…
". وقال في "الإصابة":
"وقال ابن منده: عداده في صحابة الكوفة. وقال أبو إسحاق: كانت أمه تحت عمر بن الخطاب".
وأما امرأته؛ فلم أجد لها ترجمة! غير أن الحافظ رحمه الله ذكر في فصل "المبهمات من النسوة" -من "التقريب"-: أنها صحابية. والله أعلم.
(1) الأصل: والخميس .. وكذا وقع في جميع النسخ، ومنها "عون المعبود"! وهو خطأ ظاهر، يباين السياق! والتصحيح من "سنن النسائي" و"المسند".
لكن قد اختلفوا على الحُرِّ بن الصباح في إسناده ومتنه:
1 -
أما الإسناد فعلى وجوه أربعة:
الأول: رواية أبي عوانة هذه عنه عن هنيدة عن امرأته
…
وأخرجها النسائي أيضًا (1/ 328)، وأحمد (6/ 288)، والطحاوي (1/ 337).
الثاني: رواه زهير -وهو ابن معاوية-عن الحر قال: سمعت هنيدة الخزاعي
قال: دخلت على أم المؤمنين سمعتها تقول
…
أخرجه النسائي؛ فأسقط من الإسناد امرأة هُنَيْدَةَ.
الثالث: قال أبو إسحاق الأشجعي: عن عمرو بن قيس المُلائِي عنه عن هنيدة عن حفصة قالت
…
فذكره نحوه: أخرجه النسائي.
وهذا الوجه كالذي قبله؛ إلا أنه سمى أم المؤمنين: حفصة.
الرابع: قال شريك: عنه عن ابن عمر
…
نحوه: أخرجه النسائي وابن أبي حاتم في "العلل"(1/ 231) كما يأتي.
قلت: وأصح هذه الوجوه عندي: الأول والثاني؛ لثقة رجالهما، والتوفيق بينهما سهل بإذن الله تعالى، وذلك بحمل الأول على أنه من (المزيد فيما اتصل من الأسانيد)؛ فإن الثاني إسناده صحيح متصل بالسماع من هنيدة لأم المؤمنين، فالظاهر أنه سمعه أولًا من امرأته، ثم دخل بنفسه على أم المؤمنين، فسمعه منها مباشرة. وهذا بَيِّنٌ إن شاء الله تعالى.
وأما الوجه الثالث؛ ففيه أبو إسحاق الأشجعي؛ قال الذهبي:
"ما علمت أحدًا روى عنه غير أبي النضر هاشم". يعني: أنه مجهول. وقال الحافظ:
"هو مقبول".
قلت: على أنه مطابق للوجه الثاني كما هو ظاهر؛ إلا أنه سمى أم المؤمنين: حفصة، والخطب في هذا سهل.
وأما الوجه الرابع؛ فهو ظاهر الضعف؛ لسوء حفظ شريك -وهو ابن عبد الله القاضي-، وقد شذ في إسناده عن الوجوه الثلاثة، فهو منكر.
وإلى ذلك يشير أبو حاتم وأبو زرعة الرازيان فيما نقله عنه ابن أبي حاتم في "العلل" -قال:
"سألت أبي وأبا زرعة عن حديث رواه شريك عن الحُرِّ بن الصَّبَّاح عن ابن عمر .. ؟ فقال: هذا خطأ؛ إنما هو: الحر بن الصباح عن هنيدة بن خالد عن امرأته عن أم سلمة عن النبي صلى الله عليه وسلم"!
قلت: لم أر في شيء من الوجوه المذكورة ذِكْرَ أم سلمة! وإنما هو أم المؤمنين، وأما أم سلمة فهو في طريق أخرى عن هنيدة عن أمه (وليس عن امرأته) عن أم سلمة: أخرجه المصنف، كما سيأتي ذكره في آخر الكلام على هذا الحديث.
وأما الاختلاف في المتن؛ فهو على وجوه أربعة أيضًا:
الأول: رواية أبي عوانة: أول اثنين من الشهر والخميسين.
وهي في الكتاب كما تقدم.
الثاني: رواية زهير بن معاوية مثله؛ لكنه قال: ثم الخميس، ثم الخميس الذي يليه.
الثالث: رواية الأشجعي عن عمرو بن قيس بلفظ: ثلاثة أيام من كل شهر
…
ولم يزد.
الرابع: قول شريك
…
مثل رواية زهير تمامًا.
قلت: والعمدة من هذه الوجوه إنما هو الوجه الثاني، لأنه -مع صحة سنده- فيه زيادة بيان على الوجه الأول؛ فضلًا عن الوجه الثالث.
والوجه الرابع شاهد له لا بأس به.
وقد وجدت للحُرِّ بن الصباح متابعًا، يرويه الحسن بن عبيد الله عن هُنَيْدَةَ الخُزَاعي عن أمِّه عن أم سلمة رضي الله عنها قالت:
كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يأمرني أن أصوم ثلاثة أيام من الشهر: الاثنين والخميس والخميس.
أخرجه البيهقي (4/ 295).
وهذه متابعة لا بأس بها؛ لكن الحسن هذا فيه ضعف؛ وقد اختلف عليه في متنه. فقيل عنه هكذا. وقيل: عنه بلفظ:
الاثنين، والجمعة، والخميس.
أخرجه المصنف وغيره.
وقيل غير ذلك، مما سأبينه إن شاء الله تعالى في الكتاب الآخر برقم (422/ 2).
2107 -
عن ابن عباس قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم:
"ما مِنْ أيامٍ العملُ الصالح فيها أحبُّ إلى الله من هذه الأيام" -يعني: أيامَ العَشْرِ-. قالوا: يا رسول الله! ولا الجهاد في سبيل الله؟ ! قال:
"ولا الجهاد في سبيل الله؛ إلا رَجلٌ خرج بنفسه وماله، فلم يرجع من
ذلك بشيء".
(قلت: إسناده صحيح على شرط الشيخين. وأخرجه البخاري، وصححه الترمذي).
إسناده: حدثنا عثمان بن أبي شيبة: ثنا وكيع: ثنا الأعمش عن أبي صالح ومجاهد ومسلم البَطِينِ عن سعيد بن جبير عن ابن عباس.
قلت: وهذا إسناد صحيح على شرط الشيخين؛ وقد أخرجه البخاري كما يأتي.
والحديث أخرجه البخاري والترمذي والدارمي وابن ماجة والبيهقي والطيالسي وأحمد من طرق أخرى عن الأعمش عن مسلم البطين وحده. وقال الترمذي:
"حسن صحيح غريب"، وصرح الدارمي بسماع سليمان -وهو الأعمش- من البطين.
وقد تابعه أيضًا القاسم بن أبي أيوب عن سعيد
…
به نحوه.
أخرجه الدارمي.
والقاسم هذا ثقة، وليس هو ابن بهرام، كما جزم الحافظ في "التقريب".
وقد ذكر في "الفتح": أن في رواية للحديث عن الأعمش عن أبي صالح ومجاهد اختلافًا، فراجعه.
والحديث قد خرجته في "إرواء الغليل"(890 و 953).