الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
قلت: وهذا إسناد صحيح من الوجهين عن ثور بن يزيد، وقد جاء من وجهين آخرين عنه، فهو مستفيض عنه، وهو ثقة من رجال البخاري.
وخالد بن معدان ثقة من رجال الشيخين.
وكذلك السلمي، وهو صحابي معروف.
ولذلك صحح الحديثَ جمعٌ من الأئمة، كابن خزيمة وابن حبان وغيرهم ممن ذكرنا آنفًا.
وقد أعلّه بعضهم بالاضطراب! وليس بشيء؛ لأنه اضطراب غير قادح؛ كما فصَّلت ذلك تفصيلًا -لا تراه في مكان آخر- في كتابي "إرواء الغليل"(960)، وانظر "الصحيحة"(3101).
وأما دعوى نسخه الذي ذهب إليه المصنف رحمه الله تعالى؛ فهي مردودة بأنه من الممكن حمله على صوم السبت مفردًا، كما أفاده الترمذي. وحينئذ فلا تعارض بينه وبين حديث الباب الآتي، وأحاديث صيامه صلى الله عليه وسلم إياه؛ لأنه ليس في شيء منها إفراده بالصيام.
وقد بسط القولَ في هذا بسطًا شافيًا: العلامةُ ابن القيم رحمه الله في "تهذيب السنن"(3/ 297 - 301)، وذكر خلاصته في "زاد المعاد"(1/ 237 - 238)؛ فليراجعهما من شاء.
52 - [باب] الرخصة في ذلك
2093 -
عن جُويرِيَةَ بنت الحارث:
أن النبيَّ صلى الله عليه وسلم دخل عليها يومَ الجمعة وهي صائمة، فقال:
"أصُمْتِ أمْسِ؟ ". قالت: لا. قال:
"تريدين أن تصومي غدًا؟ "قالت: لا. قال:
"فَأفْطِرِي".
(قلت: إسناده صحيح على شرط الشيخين. وأخرجه البخاري).
إسناده: حدثنا محمد بن كثير: ثنا همام عن قتادة. (ح) وثنا حفص بن عمر: ثنا همام: ثنا قتادة عن أبي أيوب -قال حفص- العَتَكي عن جويرية بنت الحارث.
قلت: وهذا إسناد صحيح على شرط الشيخين؛ وقد أخرجه البخاري كما يأتي.
وأبو أيوب: هو المَرَاغِيُّ الأزْدِيُّ العَتَكِيُّ؛ اسمه: يحيى -ويقال: حبيب- بن مالك.
والحديث أخرجه أحمد (6/ 324 و 430) من طريق شعبة وهمام كلاهما عن قتادة
…
به.
والبخاري (4/ 189)، والبيهقي (4/ 302) عن شعبة وحده.
ثم علقه البخاري عن حماد بن الجعد (وفيه لين) سمع قتادة
…
به.
وأخرجه أحمد (2/ 189)، وابن خزيمة (2164)، وابن أبي شيبة (3/ 43)، وعنه ابن حبان (957) عن سعيد بن أبي عروبة عن قتادة عن سعيد بن المسيب عن عبد الله بن عمرو:
أن رسول الله صلى الله عليه وسلم دخل على جويرية بنت الحارث وهي صائمة
…
الحديث.
وإسناده صحيح؛ لكن أعلّه الحافظ بالشذوذ؛ لمخالفة سعيد بن أبي عروبة
لشعبة ومن معه في إسناده؛ إلا أنه قال (4/ 190):
"ويحتمل أن تكون طريق سعيد محفوظة أيضًا؛ فإن معمرًا رواه عن قتادة عن سعيد بن المسيب أيضًا، لكن أرسله".
قلت: ويقويه أن الإمام أحمد زاد في آخر الحديث:
قال سعيد: ووافقني عليه مَطَرٌ عن سعيد بن المسيب.
وهذا يحتمل أنه وافقه عليه عن سعيد به مسندًا. ويحتمل أنه وافقه عليه عنه مرسلًا، وهذا أظهر.
ورواية معمر: عند عبد الرزاق في "المصنف"(7804).
2094 -
عن ابن شهاب:
أنه كان إذا ذكر له أنَّهُ نُهِي عن صيام يوم السبت؛ يقول ابن شهاب: هذا حديث حمصي!
(قلت: هذا نقد غريب لحديث الثقة الصحيح من مثل الإمام ابن شهاب الزهري! ويكفي في ردِّهِ عليه: أن جماعة من الأئمة قد صححوه من بعده كما سبق آنفًا).
إسناده: حدثنا عبد الملك بن شعيب: ثنا ابن وهب قال: سمعت الليث يحدث عن ابن شهاب.
قلت: وهذا إسناد صحيح مقطوع، ولكن بمثله لا يردُّ حديث الثقة الصحيح؛ فإن مداره على ثور بن يزيد عن خالد بن معدان عن عبد الله بن بسر، وكل واحد منهم حمصي؛ فـ (ابن بُسْرٍ) صحابي معروف؛ أفيُرَدُّ حديثه لمجرد كونه حمصيًّا؟ !
ومثله يقال في خالد وثور؛ فإنهما ثقتان مشهوران. أفيرد حديثهما لكونهما حمصيين؟ !
تالله! إنه لنقد مُحْدَثٌ! فمتى كان الحديث يرد بالنظر إلى بلد الراوي؟ ! ورحم الله الإمام الشافعي حين قال للإمام أحمد:
"أنتم أعلم بالحديث والرجال مني، فإذا كان الحديث الصحيح؛ فأعلموني به أيَّ شيء يكون: كوفيًّا، أو بصريًّا، أو شاميًّا، حتى أذهب إليه إذا كان صحيحًا". (صفة الصلاة ص 32 - الطبعة التاسعة).
وشرح صاحب "عون المعبود" قول ابن شهاب المذكور بقوله (2/ 297):
"يريد تضعيفه؛ لأن فيه راويان حمصيان (كذا الأصل! )، أحدهما: ثور بن يزيد. وثانيهما: خالد بن معدان، تكلم فيهما بعض، ووثقهما بعض"!
قلت: وهذا تعليل مردود؛ فإن ابن معدان لم يتكلم فيه أحد إلا بالتوثيق، وحسبك فيه احتجاج الأئمة الستة وغيرهم به، وقول الحافظ ابن حجر في "التقريب" فيه:
"ثقة عابد".
وأما ثور بن يزيد؛ فهو متفق على توثيقه أيضًا والاحتجاج بحديثه، ولم يتكلم فيه أحد بتضعيف؛ وإنما تكلم فيه بعضهم لقوله بالقدر، ولذلك قال الحافظ في "مقدمة الفتح" (2/ 120):
"اتفقوا على تثبته في الحديث، مع قوله بالقدر
…
". ونحوه قوله في "التقريب":
"ثقة ثبت، إلا أنه يرى القدر".
قلت: ولا يخفى على العارفين بعلم المصطلح: أن مثل هذا الرأي لا يعتبر جرحًا يُرَدُّ به حديث الرجل؛ لأن العبرة في الرواية إنما هو الصدق والضبط، وليس السلامة من البدعة؛ على تفصيل معروف. ولذلك قال الإمام أحمد رحمه الله:
"لو تركنا الرواية عن القدرية؛ لتركنا أكثر أهل البصرة". قال شيخ الإسلام في "الفتاوى"(7/ 386):
"وذلك لأن مسألة خلق أفعال العباد وإرادة الكائنات مسألة مشكلة، وكما أن القدرية من المعتزلة وغيرهم أخطأُوا فيها، فقد أخطأ فيها كثير ممن رد عليهم أو أكثرهم؛ فإنهم سلكوا في الرد عليهم مسلك جهم بن صفوان وأتباعه، فنفوا حكمة الله في خلقه وأمره، ونفوا رحمته بعباده، ونفوا ما جعله من الأسباب خلقًا وأمرًا
…
".
ولذلك فلا يجوز رَدُّ حديث ثور هذا لأنه يرى القدر، لا سيما وقد قيل إنه رجع عنه؛ فكيف وقد تابعه لقمان بن عامر، كما ذكرت في "الإرواء"، وهو صدوق لم يتكلم فيه أحد إلا أنه حمصي أيضًا؟ !
2095 -
عن الأوزاعي قال:
ما زِلْتُ له كاتمًا حتى رأيته انتشر. يعني: حديث عبد الله بن بسر هذا في صوم يوم السبت.
(قلت: كتمانه إياه ليس جرحًا مفسرًا يُعَلُّ الحديث بمثله، ولعله كان لأنه لم يظهر له معناه).
إسناده: حدثنا محمد بن الصَّبَّاح بن سفيان: ثنا الوليد عن الأوزاعي.
قلت: ورجاله ثقات؛ فهو صحيح إن كان الوليد سمعه من الأوزاعي.
وأخرجه البيهقي (4/ 302) عن المؤلف.