الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
ويحاسبهم، إنْ خيراً فخير، وإن شراً فشر، قال تعالى:{يَا أَيُّهَا النَّبِيُّ حَسْبُكَ الله وَمَنِ اتَّبَعَكَ مِنَ الْمُؤْمِنِينَ} (1)، أي كافيك وكافي أتباعك. فكفاية الله لعبده بحسب ما قام به من متابعة الرسول صلى الله عليه وسلم ظاهراً وباطناً، وقيامه بعبودية الله تعالى (2).
44 - الهادي
قال الله تعالى: {وَكَفَى بِرَبِّكَ هَادِيًا وَنَصِيرًا} (3). وقال تعالى: {وَإِنَّ الله لَهَادِ الَّذِينَ آمَنُوا إِلَى صِرَاطٍ مُّسْتَقِيمٍ} (4).
[الهادي] أي: الذين يهدي ويرشد عباده إلى جميع المنافع، وإلى دفع المضار، ويُعلِّمهم ما لا يعلمون، ويهديهم لهداية التوفيق والتسديد، ويُلْهِمُهُم التقوى، ويجعل قلوبهم منيبة إليه، منقادة لأمره (5).
والهداية: هي دلالةٌ بلُطفٍ، وهداية الله تعالى للإنسان على أربعة أوجه (6):
الأول: الهداية التي عم بجنسها كل مُكلفٍ من العقل، والفطنة، والمعارف الضرورية التي أعمّ منها كل شيءٍ بقدرٍ فيه حسْبَ احتماله كما
(1) سورة الأنفال، الآية:64.
(2)
الحق الواضح المبين، ص78، وشرح النونية للهراس، 2/ 103.
(3)
سورة الفرقان، الآية:31.
(4)
سورة الحج، الآية:54.
(5)
تيسير الكريم الرحمن في تفسير كلام المنان، 5/ 631.
(6)
بدائع الفوائد، 2/ 36 - 38.
قال تعالى: {رَبُّنَا الَّذِي أَعْطَى كُلَّ شَيْءٍ خَلْقَهُ ثُمَّ هَدَى} (1).
الثاني: الهداية التي جعل للناس بدعائه إياهم على ألسنة الأنبياء وإنزال القرآن ونحو ذلك وهو المقصود بقوله تعالى: {وَجَعَلْنَا مِنْهُمْ أَئِمَّةً يَهْدُونَ بِأَمْرِنَا} .
الثالث: التوفيق الذي يختصُّ به من اهتدى وهو المعْنيُّ بقوله تعالى:
{وَالَّذِينَ اهْتَدَوْا زَادَهُمْ هُدًى} ، وقوله تعالى: {وَمَن يُؤْمِن بِالله يَهْدِ
قَلْبَهُ}، وقوله: {إِنَّ الَّذِينَ آمَنُواْ وَعَمِلُواْ الصَّالِحَاتِ يَهْدِيهِمْ رَبُّهُمْ
بِإِيمَانِهِمْ}، وقوله:{وَالَّذِينَ جَاهَدُوا فِينَا لَنَهْدِيَنَّهُمْ سُبُلَنَا}
…
الرابع: الهداية في الآخرة إلى الجنة المعنيُّ بقوله: {سَيَهْدِيهِمْ وَيُصْلِحُ بَالَهُمْ}
…
وقوله: {الْحَمْدُ لله الَّذِي هَدَانَا لِهَذَا} ،وهذه الهداياتُ الأربع مترتِّبةٌ، فإنّ من لم تحصل له الأولى لا تحصل له الثانية، بل لا يصحُّ تكليفه، ومن لم تحصل له الثانية لا تحصل له الثالثة والرابعة، ومن حصل له الرابع فقد حصل له الثلاث التي قبلها، ومن حصل له الثالث فقد حصل له اللذان قبله. ثم ينعكس فقد تحصل الأولى ولا يحصل له الثاني، ولا يحصل الثالث، والإنسان لا يقدر أن يهدي أحداً إلا بالدعاء وتعريف الطرق دون سائر أنواع الهدايات وإلى الأول أشار بقوله:{وَإِنَّكَ لَتَهْدِي إِلَى صِرَاطٍ مُّسْتَقِيمٍ} ، {يَهْدُونَ بِأَمْرِنَا} ، {وَلِكُلِّ قَوْمٍ هَادٍ} ، أي داع. وإلى سائر الهدايات أشار بقوله:{إِنَّكَ لا تَهْدِي مَنْ أَحْبَبْتَ} (2).
(1) سورة طه، الآية:50.
(2)
المفردات في غريب القرآن للأصفهاني، ص538، والآية من سورة القصص:56.
فهو الذي قوله رشد، وفعله كله رشد، وهو مرشد الحيران الضّال فيهديه إلى الصراط المستقيم بياناً، وتعليماً، وتوفيقاً، فأقواله القدرية التي يُوجد بها الأشياء ويُدبر بها الأمور، كلُّها حقٌّ لاشتمالها على الحكمة والحسن والإتقان، وأقواله الشرعية الدينية هي أقواله التي تكلّم بها في كتبه، وعلى ألسنة رسله المشتملة على الصدق التام في الإخبار، والعدل الكامل في الأمر والنهي، فإنه لا أصدق من الله قيلاً، ولا أحسن منه حديثاً:{وَتَمَّتْ كَلِمَتُ رَبِّكَ صِدْقًا وَعَدْلاً} (1) في الأمر والنهي، وهي أعظم وأجلّ ما يرشد بها العباد، بل لا حصول إلى الرشاد بغيرها، فمن ابتغى الهدى من غيرها أضله الله، ومن لم يسترشد بها فليس برشيد، فيحصل بها الرشد العلمي وهو بيان الحقائق، والأصول، والفروع، والمصالح والمضار الدينية والدنيوية، ويحصل بها الرشد العملي؛ فإنها تُزكي النفوس، وتطهر القلوب، وتدعو إلى أصلح الأعمال وأحسن الأخلاق، وتحثّ على كُل جميل، وتُرهِّب عن كل ذميم رذيل، فمن استرشد بها فهو المهتدي، ومن لم يسترشد بها فهو ضال، ولم يجعل لأحد عليه حجة بعد بعثته للرسل، وإنزاله الكتب المشتملة على الهدى المطلق، فكم هَدَى بفضله ضالاً وأرشد حائراً، وخصوصاً مَنْ تعلَّق به وطلب منه الهدى من صميم قلبه، وعلم أنّه المنفرد بالهداية (2).
وكل هداية ذكر الله عز وجل أنّه منع الظالمين والكافرين فهي: الهداية الثالثة [وهي هداية التوفيق والإلهام] الذي يختص به المهتدون، والرابعة
(1) سورة الأنعام، الآية:115.
(2)
الحق الواضح المبين، ص78 - 79، وانظر: شرح النونية للهراس، 2/ 103.