الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
المبحث السادس عشر: من فتاوى اللجنة الدائمة للبحوث العلمية والإفتاء والدعوة والإرشاد في الأسماء الحسنى
فتوى رقم 11865 وتاريخ 30/ 3/1409هـ
الحمد لله والصلاة والسلام على رسوله وآله وصحبه، وبعد:
فقد اطلعت اللجنة الدائمة للبحوث العلمية والإفتاء على الأسئلة المقدمة من د. مروان إبراهيم العيش إلى سماحة الرئيس العام والمحالة إليها برقم 169 في 8/ 1/1409هـ، وأجابت عن كل منها عقبه فيما يلي:
س1: صفات الذات التي وردت في الكتاب والسنة، هل تعني الواحدة منها معنى واحداً في كل النصوص التي وردت بها، أم أن لكل سياق معناه الخاص به. يرجى تزويدنا بما تعنيه صفات الذات الآتية في السياق الخاص بها:
أ - اليد: ما المراد بها في كل نص من النصوص الآتية: {قُلْ مَن بِيَدِهِ مَلَكُوتُ كُلِّ شَيْءٍ} (1)، {قُلْ إِنَّ الْفَضْلَ بِيَدِ الله} (2) الآية، ((يد الله مع الجماعة))، وفي حديث آخر:((يد الله على الجماعة)) حديث، وفي آية كريمة:{يَدُ الله فَوْقَ أَيْدِيهِمْ} (3)، وما المراد بجمع اليدين في قوله:{بِأَيْدٍ} (4).
ب - العين: ما المراد بها في كل نص من النصوص الآتية: {وَاصْنَعِ
(1) سورة المؤمنون، الآية:88.
(2)
سورة آل عمران، الآية:73.
(3)
سورة الفتح، الآية:10.
(4)
سورة الذاريات، الآية:47.
الْفُلْكَ بِأَعْيُنِنَا} (1)، {وَاصْبِرْ لِحُكْمِ رَبِّكَ فَإِنَّكَ بِأَعْيُنِنَا} (2)، {وَأَلْقَيْتُ عَلَيْكَ مَحَبَّةً مِّنِّي وَلِتُصْنَعَ عَلَى عَيْنِي} (3)، وما الدليل على أن لله تعالى عينين؟
جالوجه: ما المراد بالوجه في كل نص من النصوص الآتية: {فَأَيْنَمَا تُوَلُّواْ فَثَمَّ وَجْهُ الله} (4)، {وَمَا تُنفِقُونَ إِلَاّ ابْتِغَاءَ وَجْهِ الله} (5)، {إِنَّمَا نُطْعِمُكُمْ لِوَجْهِ الله} (6)، {وَيَبْقَى وَجْهُ رَبِّكَ ذُو الْجَلالِ وَالإِكْرَامِ} (7)، من المفيد أن تتضمن الإجابة عن هذه الأسئلة مراجع نرجع إليها لمزيد من العلم المفيد؟
ج1: أ - كلمة (يد) في النصوص المذكورة في فقرة ((أ)) يراد بها معنى واحد هو إثبات صفة اليد لله تعالى حقيقة على ما يليق بجلاله دون تشبيه ولا تمثيل لها بيد المخلوقين، ودون تحريف لها ولا تعطيل، فكما أن له تعالى ذاتاً حقيقة لا تشبه ذوات العباد، فصفاته لا تشبه صفاتهم، وقد وردت نصوص أخرى كثيرة تؤيد هذه النصوص في إثبات صفة اليد لله مفردة ومثناة ومجموعة، فيجب الإيمان بها على الحقيقة مع التفويض في
(1) سورة هود، الآية:37.
(2)
سورة الطور، الآية:48.
(3)
سورة طه، الآية:39.
(4)
سورة البقرة، الآية:115.
(5)
سورة البقرة، الآية:272.
(6)
سورة الإنسان، الآية:9.
(7)
سورة الرحمن، الآية:27.
كيفيتها عملاً بالنصوص كتاباً وسنة، واتّباعاً لما عليه أئمة سلف الأمة.
وأما كلمة - بأيد - في قوله تعالى: {وَالسَّمَاءَ بَنَيْنَاهَا بِأَيْدٍ وَإِنَّا لَمُوسِعُونَ} ، فهي مصدر (فعله) آد يئد أيداً، ومعناه القوة، ويضعّف فيقال: أيّده تأييداً، ومعناه قوّاه، وليس جمعاً ليد، فليست من آيات الصفات المتنازع فيها بين مثبتة الصفات ومؤوّليها لأن وصف الله سبحانه بالقوة ليست محل نزاع.
وأما معنى الجمل في هذه النصوص فمختلف باختلاف سياقها وما اشتملت عليه من قرائن فقوله: {قُلْ مَن بِيَدِهِ مَلَكُوتُ كُلِّ شَيْءٍ} يدل على كمال قدرة الله من جهة جعل ملكوت كل شيء بيده، ومن جهة سياق الكلام سابقه ولاحقه، وقوله:{قُلْ إِنَّ الْفَضْلَ بِيَدِ الله} يدل على أن الفضل والإنعام إلى الله وحده. وقوله: ((يد الله على الجماعة)) يراد به الحث على التآلف والاجتماع والوعد الصادق برعاية الله لهم، وتأييدهم ونصرهم على غيرهم إذا اجتمعوا على الحق. وقوله: {يَدُ الله فَوْقَ
أَيْدِيهِمْ} يراد به توثيق البيعة وإحكامها بتنزيل بيعتهم للرسول منزلة بيعتهم لله تعالى، وذلك لا يمنع من إثبات اليد لله حقيقة على ما يليق به، كما لا يمنع من إثبات الأيدي حقيقة للمبايعين لرسوله صلى الله عليه وسلم على ما يليق بهم (1).
ج ب - كلمة (بأعيننا وبعيني) في النصوص المذكورة في فقرة -
(1) كتاب التوحيد لابن خزيمة، وكتاب التدمرية لابن تيمية، مختصر الصواعق المرسلة للموصلي،
2/ 153، وشرح النونية 2/ 307.
ب - يراد بها إثبات صفة العين لله حقيقة على ما يليق بجلاله من غير تشبيه ولا تمثيل لها بعين المخلوقين، ولا تحريف لها عن مسماها في لغة العرب، فسياق الكلام لا تأثير له في صرف تلك الكلمات عن مسماها، وإنما تأثيره في المراد بالجمل التي وردت فيها هذه الكلمات، فالمقصود بهذه الجمل كلها هو:
أولاً: أمر نوح عليه السلام أن يصنع السفينة وهو في رعاية الله وحفظه.
وثانياً: أمر نبينا محمد عليه الصلاة والسلام أن يصبر على أذى قومه حتى يقضي الله بينه وبينهم بحكمه العدل، وهو مع ذلك بمرأى من الله وحفظه ورعايته.
وثالثاً: إخبار موسى عليه الصلاة والسلام بأن الله تعالى قد منّ عليه مرة أخرى إذ أمر أمّه بما أمرها به ليربيه تربية كريمة في حفظه تعالى ورعايته، ثم يدلّ على أن لله تعالى عينين كلمة - بأعيننا - في النصوص المذكورة في السؤال، فإن لفظ عينين إذا أضيف إلى ضمير الجمع جمع كما يجمع مثنى قلب إذا أضيف إلى ضمير مثنى أو جمع، كما في قوله تعالى:
{إِن تَتُوبَا إِلَى الله فَقَدْ صَغَتْ قُلُوبُكُمَا} (1)، ويدل على ذلك أيضاً ما ورد في حديث النبي صلى الله عليه وسلم عن الله وعن الدجال ((من أن الدجال أعور)) (2)، وأن الله ليس بأعور، فقد استدل به أهل السنة على إثبات العينين لله
(1) سورة التحريم، الآية:4.
(2)
فعن أنس رضي الله عنه قال: قال النبي صلى الله عليه وسلم: ((ما بُعِثَ نبيٌّ إلا أنذر أمته الأعور الكذاب، ألا إنه أعور، وإن ربكم ليس بأعور
…
))، أخرجه البخاري في كتاب الفتن، باب ذكر الدجال، برقم 7131، ومسلم في كتاب الفتن وأشراط الساعة، باب ذكر الدجال وصفة ما معه، برقم 2933.
سبحانه (1).
جكلمة (وجه الله) في الجملة الأولى يراد بها قبلة الله كما ذكر مجاهد والشافعي رحمهما الله تعالى، فإن دلالة الكلام في كل موضع بحسب سياقه، وما يحفّ به من قرائن، وقد دلّ السياق والقرائن على أن المراد بالوجه في هذه الجملة - القبلة -؛ لقوله تعالى:{وَلله الْمَشْرِقُ وَالْمَغْرِبُ فَأَيْنَمَا تُوَلُّواْ فَثَمَّ وَجْهُ الله} (2)، فذكر تعالى الجهات والأماكن التي يستقبلها الناس، فتكون هذه الآية كآية:{وَلِكُلٍّ وِجْهَةٌ هُوَ مُوَلِّيهَا} (3)، وإذن فليس الآية من آيات الصفات المتنازع فيها بين المثبتة والنفاة، وأما كلمة (وجه) في الجمل الباقية في السؤال فالمراد بها إثبات صفة الوجه لله تعالى حقيقة على ما يليق بجلاله سبحانه؛ لأن الأصل الحقيقة، ولم يوجد ما يصرف عنها، ولا يلزم تمثيله بوجه المخلوقين؛ لأن لكل وجهاً يخصه ويليق به (4).
س2: تسمية الخلق بأسماء الخالق، ما الأدلة على تحريمها؟ وإن كانت مباحة فهل هناك قيود معينة؟ إنني أقصد الأسماء لا الصفات. إذ من المعلوم أنه يجوز وصف الخلق بصفات الخالق، وقد ورد ذلك كثيراً في كتاب الله تعالى، وسؤالي عن التسمية لا الوصف. فهل لكم أن تبينوا
(1) كتاب التوحيد لابن خزيمة، وكتاب التدمرية لابن تيمية، ومختصر الصواعق المرسلة للموصلي، 1/ 34 - 37.
(2)
سورة البقرة، الآية:115.
(3)
سورة البقرة، الآية:148.
(4)
كتاب مختصر الصواعق المرسلة للموصلي،2/ 299 - 307.
القواعد الفاصلة في الموضوع؟
أولاً: الفرق بين الاسم والصفة أن الاسم ما دلّ على الذات، وما قام بها من صفات، وأما الصفة فهي ما قام بالذات مما يميزها عن غيرها من معان ذاتية كالعلم والقدرة، أو فعليه كالخلق والرزق والإحياء والإماتة.
ثانياً: قد يسمى المخلوق بما سمى الله به نفسه، كما يوصف بما وصف سبحانه به نفسه، لكن على أن يكون لكل من الخصائص ما يليق به، ويُمَيزُ به عن الآخر، فلا يلزم تمثيل الخلق بخالقهم، ولا تمثيله بهم، وإن حصلت الشركة في التعبير والمعنى الكلي للفظ؛ لأن المعنى الكلي ذهني فقط لا وجود له في الخارج.
ومن ذلك أن الله سمّى نفسه حياً، فقال:{الله لَا إِلَهَ إِلَاّ هُوَ الْحَيُّ الْقَيُّومُ} (1)،وسمّى بعض عباده حياً، فقال:{يُخْرِجُ الْحَيَّ مِنَ الْمَيِّتِ} (2)، وليس الحي كالحي، بل لكل منهما في الخارج ما يخصه وسمّى أحد ابني إبراهيم حليماً، وابنه الآخر عليمًا عليهم الصلاة والسلام، كما سمّى نفسه عليما حليماً، ولم يلزم ذلك من التمثيل؛ لأن لكل مسمّى بذلك ما يخصه ويميز به في خارج الأذهان، وإن اشتركوا في مطلق التسمية والتعبير، وسمّى نفسه سميعاً وبصيراً، فقال:{إِنَّ الله كَانَ سَمِيعًا بَصِيرًا} (3)، وسمّى بعض خلقه سميعاً بصيراً، فقال:{فَجَعَلْنَاهُ سَمِيعًا بَصِيرًا} (4)،
(1) سورة البقرة، الآية:254.
(2)
سورة الأنعام، الآية:95.
(3)
سورة النساء، الآية:58.
(4)
سورة الإنسان، الآية:2.
ولم يلزم التمثيل؛ لأن لكل مسمى ما يخصه ويتميز به عن الآخر كما تقدم إلى أمثال ذلك.
ومن ذلك أن الله وصف نفسه بالعلم فقال: {وَلَا يُحِيطُونَ بِشَيْءٍ مِّنْ عِلْمِهِ إِلَاّ بِمَا شَاء} ، ووصف بعض عباده بالعلم فقال:{وَمَا أُوتِيتُم مِّن الْعِلْمِ إِلَاّ قَلِيلاً} (1)، ووصف نفسه بالقوة فقال:{إِنَّ الله هُوَ الرَّزَّاقُ ذُو الْقُوَّةِ الْمَتِينُ} (2)، ووصف بعض عباده بالقوة فقال:{الله الَّذِي خَلَقَكُم مِّن ضَعْفٍ ثُمَّ جَعَلَ مِن بَعْدِ ضَعْفٍ قُوَّةً} (3) الآية، وليست القوة كالقوة، وإن اشتركا في العبارة والمعنى الكلي، لكن لكل من الموصوفين ما يخصه ويليق به، إلى أمثال ذلك من الصفات (4).
س3: هل يصح ما يأتي دليلاً على تحريم تسمية الخلق بأسماء الخالق؟
أ - حيث إن تسمية المخلوق بالاسم العلم (الله) ممنوعة، كانت تسمية المخلوق بأسماء الخالق الأخرى أيضاً ممنوعة؛ إذ لا وجود للتفرقة بين أسماء الله تعالى؟
ب - من المعلوم في اللغة أن الجار والمجرور إذا سبق المعرفة أفاد القصر، فملاحظ ذلك في قوله تعالى:{وَلله الأَسْمَاءُ الْحُسْنَى} ، فتفيد الآية قصر الأسماء الحسنى على الله، وعدم جواز تسمية الخلق بها، فهل
(1) سورة الإسراء، الآية:85.
(2)
سورة الذاريات، الآية:58.
(3)
سورة الروم، الآية:54.
(4)
كتاب التوحيد لابن خزيمة وكتاب التدمرية لابن تيمية، ومختصر الصواعق المرسلة للموصلي، 2/ 37.
يصح هذا دليلاً؟
ج: ما كان من أسماء الله تعالى علم شخص كلفظ (الله) امتنع تسمية غير الله به؛ لأن مسماه معين لا يقبل الشركة، وكذا ما كان من أسمائه في معناه في عدم قبول الشركة كالخالق والبارئ، فإن الخالق من يوجد الشيء على غير مثال سابق، والبارئ من يوجد الشيء بريئاً من العيب، وذلك لا يكون إلا من الله وحده، فلا يسمى به إلا الله تعالى، أما ما كان له معنى كلي تتفاوت فيه أفراده من الأسماء والصفات، كالملك، والعزيز، والجبار، والمتكبر، فيجوز تسمية غيره بها، فقد سمى الله نفسه بهذه الأسماء، وسمّى بعض عباده بها، مثال:{قَالَتِ امْرَأَةُ الْعَزِيزِ} ، وقال:{كَذَلِكَ يَطْبَعُ الله عَلَى كُلِّ قَلْبِ مُتَكَبِّرٍ جَبَّارٍ} ، إلى أمثال ذلك، ولا يلزم التماثل؛ لاختصاص كل مسمى بسمات تميزه عن غيره، وبهذا يعرف الفرق بين تسمية الله بلفظ الجلالة، وتسميته بأسماء لها معانٍ كلية تشترك أفرادها فيها، فلا تقاس على لفظ الجلالة.
أما الآية: {وَلله الأَسْمَاءُ الْحُسْنَى} ، فالمراد منها قصر كمال الحسن في أسمائه تعالى؛ لأن كلمة الحسنى اسم تفضيل، وهي صفة للأسماء، لا قصر مطلق أسمائه عليه تعالى. كما في قوله تعالى: {وَالله هُوَ الْغَنِيُّ
الْحَمِيدُ}، فالمراد قصر كمال الغِنى والحمد عليه تعالى، لا قصر اسم الغَني والحميد عليه، فإن غير الله يسمى غنياً وحميداً.
س4: إذا ثبت أن أسماء الله تعالى لا يجوز تسمية الخلق بها، فهل من أسماء الله تعالى ما لا يجوز تسمية الخلق بها؟ وهل يدخل ضمن هذا المنع
الرحمن، والقيوم، وهل هناك أسماء أخرى لا يجوز وصف الخلق بها؟
ج: تقدم في جواب السؤال الثاني والثالث بيان الضابط مع أمثلة لما يجوز تسمية المخلوق به من أسماء الله تعالى وما لا يجوز، وبناء على ذلك لا يجوز تسمية المخلوق بالقيوم؛ لأن القيوم هو المستغني بنفسه عن غيره، المفتقر إليه كل ما سواه، وذلك مختص بالله لا يشركه فيه غيره، قال ابن القيم رحمه الله في النونية:
هذا ومن أوصافه القيوم
…
والقيوم في أوصافه أمران
إحداهما القيوم قام بنفسه
…
والكون قام به هما الأمران
فالأول استغناؤه عن غيره
…
والفقر من كل إليه الثاني
وكذا لا يسمى المخلوق - بالرحمن - لأنه بكثرة استعماله اسماً لله تعالى صار علماً بالغلبة عليه، مختصاً به، كلفظ الجلالة، فلا يجوز تسمية غيره به (1).
اللجنة الدائمة للبحوث العلمية والإفتاء
عضو
…
نائب رئيس اللجنة
…
الرئيس
عبد الله بن غديان
…
عبد الرزاق عفيفي
…
عبد العزيز بن عبد الله ابن باز
(1) تفسير آية ((الله لا إله إلا هو الحي القيوم)) لابن كثير،1/ 278،وغيره، مختصر الصواعق المرسلة للموصلي، 2/ 110، وكتاب النونية لابن القيم مع شرحها للشيخ أحمد بن عيسى، 2/ 236.