الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
{فَذَلِكُمُ الله رَبُّكُمُ الْحَقُّ فَمَاذَا بَعْدَ الْحَقِّ إِلَاّ الضَّلَالُ} (1)، {وَقُلْ جَاءَ الْحَقُّ وَزَهَقَ الْبَاطِلُ إِنَّ الْبَاطِلَ كَانَ زَهُوقًا} (2). وقال الله تعالى:{يَوْمَئِذٍ يُوَفِّيهِمُ الله دِينَهُمُ الْحَقَّ وَيَعْلَمُونَ أَنَّ الله هُوَ الْحَقُّ الْمُبِينُ} (3). فأوصافه العظيمة حق، وأفعاله هي الحق، وعبادته هي الحق، ووعده حق، ووعيده وحسابه هو العدل الذي لا جور فيه (4).
84 - الجَميلُ
قال النبي صلى الله عليه وسلم: ((إن الله جميلٌ يحبُ الجمال)) (5)، فهو سبحانه جميلٌ بذاته، وأسمائه، وصفاته، وأفعاله، فلا يُمكن مخلوقاً أن يعبر عن بعض جمال ذاته، حتى أن أهل الجنة مع ما هم فيه من النعيم المقيم، واللذّات والسرور والأفراح التي لا يقدّر قدرها، إذا رأوا ربّهم، وتمتعوا بجماله، نسوا ما هم فيه من النعيم، وتلاشى ما هم فيه من الأفراح، وودّوا أنْ لو تدوم هذه الحال، واكتسبوا من جماله ونوره جمالاً إلى جمالهم، وكانت قلوبهم في شوق دائم ونزوع إلى رؤية ربِّهم، ويفرحون بيوم المزيد فرحاً تكاد تطير له القلوب.
وكذلك هو الجميل في أسمائه؛ فإنها كلها حسنى، بل أحسن الأسماء
(1) سورة يونس، الآية:32.
(2)
سورة الإسراء، الآية:81.
(3)
سورة النور، الآية:25.
(4)
تفسير السعدي، 5/ 405، وابن كثير، 3/ 277.
(5)
أخرجه مسلم في كتاب الإيمان، باب تحريم الكبر وبيانه، برقم 91.
على الإطلاق وأجملها، قال تعالى {وَلله الأَسْمَاءُ الْحُسْنَى فَادْعُوهُ بِهَا} (1)، وقال تعالى:{هَلْ تَعْلَمُ لَهُ سَمِيًّا} (2)، فكلها دالّة على غاية الحمد والمجد والكمال، لا يُسمّى باسم منقسم إلى كمال وغيره.
وكذلك هو الجميل في أوصافه؛ فإنّ أوصافه كلها أوصاف كمال، ونعوت ثناء وحمد، فهي أوسع الصفات وأعمّها وأكثرها تعلقاً، خصوصاً أوصاف الرحمة، والبرّ، والكرم، والجود.
وكذلك أفعاله كلها جميلة؛ فإنها دائرة بين أفعال البرّ والإحسان التي يحمد عليها، ويُثنى عليه ويُشكَر، وبين أفعال العدل التي يُحمد عليها لموافقتها للحكمة والحمد، فليس في أفعاله عبث، ولا سفه، ولا سدى، ولا ظلم، كلها خير، وهدى، ورحمة، ورشد، وعدل:{إِنَّ رَبِّي عَلَى صِرَاطٍ مُّسْتَقِيمٍ} (3)، فلكماله الذي لا يُحصي أحد عليه به ثناء كملت أفعاله، فصارت أحكامه من أحسن الأحكام، وصنعه وخلقه أحسن خلق وصنع: أتقن ما صنعه: {صُنْعَ الله الَّذِي أَتْقَنَ كُلَّ شَيْءٍ} (4)، وأحسن ما خلقه. {الَّذِي أَحْسَنَ كُلَّ شَيْءٍ خَلَقَهُ} (5)، {وَمَنْ أَحْسَنُ مِنَ الله حُكْمًا لِّقَوْمٍ يُوقِنُونَ} (6).
(1) سورة الأعراف، الآية:180.
(2)
سورة مريم، الآية:65.
(3)
سورة هود، الآية:56.
(4)
سورة النمل، الآية:88.
(5)
سورة السجدة، الآية:7.
(6)
سورة المائدة، الآية:50.
والأكوان محتوية على أصناف الجمال، وجمالها من الله تعالى فهو الذي كساها الجمال، وأعطاها الحسن، فهو أولى منها لأن مُعطي الجمال أحقّ بالجمال، فكل جمال في الدنيا والآخرة باطني وظاهري، خصوصاً ما يعطيه المولى لأهل الجنّة من الجمال المفرط في رجالهم ونسائهم، فلو بدا كفّ واحدة من الحور العين إلى الدنيا، لطمس ضوءَ الشمس كما تطمس الشمس ضوءَ النجوم، أليس الذي كساهم ذلك الجمال، ومنّ عليهم بذلك الحُسْنِ والكمال، أحقّ منهم بالجمال الذي ليس كمثله شيء، فهذا دليل عقلي واضح مُسلَّم المقدمات على هذه المسألة العظيمة وعلى غيرها من صفاته، قال تعالى:{وَلله الْمَثَلُ الأَعْلَىَ} (1)، فكل ما وجد في المخلوقات من كمال لا يستلزم نقصاً، فإنّ معطيه وهو الله أحقُّ به من المُعطَى بما لا نسبة بينه وبينهم، كما لا نسبة لذواتهم إلى ذاته، وصفاتهم إلى صفاته، فالذي أعطاهم السمع، والبصر، والحياة، والعلم، والقدرة، والجمال، أحقّ منهم بذلك، وكيف يعبّر أحد عن جماله وقد قال أعلم الخلق به:((لا أُحصي ثناءً عليك أنت كما أثنيت على نفسك)) (2)،وقال صلى الله عليه وسلم:((حجابه النور لو كشفه لأحرقت سبحات وجهه ما انتهى إليه بصره من خلقه)) (3)، فسبحان الله وتقدّس عما يقوله الظالمون النافون لكماله علواً كبيراً، وحسبهم مقتاً وخساراً أنهم حُرموا من الوصول إلى معرفته
(1) سورة النحل، الآية:60.
(2)
أخرجه مسلم في كتاب الصلاة، باب ما يقال في الركوع والسجود، برقم 486.
(3)
أخرجه مسلم في كتاب الإيمان، باب في قوله عليه السلام: إن الله لا ينام، برقم 179.