الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
ويقول عز وجل: {انظُرْ كَيْفَ نُبَيِّنُ لَهُمُ الآيَاتِ ثُمَّ انظُرْ أَنَّى يُؤْفَكُونَ} (1). {وَيُبَيِّنُ الله لَكُمُ الآيَاتِ وَالله عَلِيمٌ حَكِيمٌ} (2)، والله عز وجل يُبيِّن للناس الأحكام الشرعية ويوضّحها، ويُبيِّن الحكم القدرية، وهو عليم بما يصلح عباده، حكيم في شرعه وقدره (3)، فله الحكمة البالغة، والحجة الدامغة.
وقال عز وجل: {كَذَلِكَ يُبَيِّنُ الله لَكُمْ آيَاتِهِ لَعَلَّكُمْ تَهْتَدُونَ} (4)، وقال:
{وَمَا كَانَ الله لِيُضِلَّ قَوْمًا بَعْدَ إِذْ هَدَاهُمْ حَتَّى يُبَيِّنَ لَهُم مَّا يَتَّقُونَ إِنَّ الله بِكُلِّ شَيْءٍ عَلِيمٌ} (5)، يخبر الله عن نفسه الكريمة وحكمه العادل أنه لا يضل قوماً إلا بعد إبلاغ الرسالة إليهم حتى يكونوا قد قامت عليهم الحجة (6).
95 - المنَّانُ
المنّان من أسماء الله الحسنى التي سماه بها رسول الله صلى الله عليه وسلم، فعن أنس بن مالك رضي الله عنه قال: سمع النبي صلى الله عليه وسلم رجلاً يقول: ((اللهم إني أسألك بأن لك الحمد لا إله إلا أنت [وحدك لا شريك لك] المنّان، [يا] بديع السموات والأرض، يا ذا الجلال والإكرام، يا حيُّ يا قيوم إني أسألك الجنة وأعوذ بك من النار. فقال النبي صلى الله عليه وسلم: ((لقد سأل الله باسمه الأعظم الذي إذا سُئل
(1) سورة المائدة، الآية:75.
(2)
سورة النور، الآية:18.
(3)
تفسير ابن كثير، 3/ 274.
(4)
سورة آل عمران، الآية:103.
(5)
سورة التوبة، الآية:115.
(6)
تفسير ابن كثير، 2/ 396.
به أعطى، وإذا دُعي به أجاب)) (1).
قال ابن الأثير في النهاية في غريب الحديث: ((المنّان)) هو المنعم المعطي من المنِّ: العطاء، لا من المنة. وكثيراً ما يرد المنّ في كلامهم: بمعنى الإحسان إلى من لا يستثيبه ولا يطلب الجزاء عليه، فالمنّان من أبنية المبالغة
…
كالوهاب (2). ومنه الحديث الذي أخرجه البخاري وغيره أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: ((إنه ليس من الناس أحدٌ أمنَّ عليَّ في نفسه وما له من أبي بكر بن أبي قحافة، ولو كنت متخذاً من الناس خليلاً لاتخذت أبا بكر خليلاً، ولكن خُلَّةُ الإسلام أفضل)) (3)، ومعنى ((إن من أمنّ الناس)) أكثرهم جوداً لنا بنفسه، وماله، وليس هو من المنّ الذي هو الاعتداد بالصنيعة)) (4).
والله عز وجل هو المنَّان: من المن العطاء، والمنّان: هو عظيم المواهب؛ فإنه أعطى الحياة، والعقل، والنطق، وصوّر فأحسن، وأنعم فأجزل، وأسنى
(1) أخرجه أبو داود في كتاب الوتر، باب الدعاء، برقم 1493 - 1495، والترمذي في كتاب الدعوات، باب ما جاء في جامع الدعوات عن النبي صلى الله عليه وسلم، برقم 3475، وابن ماجه في كتاب الدعاء، باب اسم الله الأعظم، برقم 3857، 3858، وقال الترمذي:((هذا حديث حسن غريب)). وانظر: صحيح النسائي للألباني، 1/ 279، وصحيح ابن ماجه، 2/ 329، وصفة الصلاة للألباني، ص204.
(2)
النهاية في غريب الحديث والأثر لابن الأثير، 4/ 365.
(3)
أخرجه البخاري في كتاب الصلاة، باب الخوخة والممر في المسجد، برقم 467، ومسلم في كتاب فضائل الصحابة، باب من فضائل أبي بكر الصديق رضي الله عنه، برقم 2382.
(4)
فتح الباري، 1/ 558.
النعم، وأكثر العطايا والمنح)) (1)، قال وقوله الحق:{وَإِن تَعُدُّواْ نِعْمَتَ الله لَا تُحْصُوهَا إِنَّ الإِنسَانَ لَظَلُومٌ كَفَّارٌ} (2).
ومن أعظم النعم، بل أصل النعم التي امتن الله بها على عباده الامتنان عليهم بهذا الرسول صلى الله عليه وسلم الذي أنقذهم الله به من الضلال، وعصمهم به من الهلاك (3). قال الله تعالى:{لَقَدْ مَنَّ الله عَلَى الْمُؤمِنِينَ إِذْ بَعَثَ فِيهِمْ رَسُولاً مِّنْ أَنفُسِهِمْ يَتْلُو عَلَيْهِمْ آيَاتِهِ وَيُزَكِّيهِمْ وَيُعَلِّمُهُمُ الْكِتَابَ وَالْحِكْمَةَ وَإِن كَانُواْ مِن قَبْلُ لَفِي ضَلالٍ مُّبِينٍ} (4).
فالله عز وجل هو الذي منّ على عباده: بالخلق، والرزق، والصحة في الأبدان، والأمن في الأوطان، وأسبغ عليهم النعم الظاهرة والباطنة، ومن أعظم المنن وأكملها وأنفعها - بل أصل النعم - الهداية للإسلام ومنته بالإيمان، وهذا أفضل من كل شيء (5).
ومعنى ((لَقَدْ مَنَّ الله عَلَى الْمُؤْمِنِينَ)) أي تفضّل على المؤمنين المصدقين والمنان: المتفضل)) (6).
والمنة: النعمة العظيمة. قال الأصفهاني: المنة: النعمة الثقيلة، وهي على نوعين:
(1) الأسماء والصفات للبيهقي، 1/ 120.
(2)
سورة إبراهيم، الآية:34.
(3)
تفسير العلامة عبد الرحمن بن ناصر السعدي رحمه الله، 1/ 449.
(4)
سورة آل عمران، الآية:164.
(5)
انظر تفسير السعدي، 7/ 142.
(6)
الأسماء والصفات للبيهقي، 1/ 49.
النوع الأول: أن تكون هذه المنَّة بالفعل فيقال: منَّ فلانٌ على فلان إذا أثقله بالنعمة، وعلى ذلك قوله تعالى:{لَقَدْ مَنَّ الله عَلَى الْمُؤمِنِينَ} (1)، وقوله تعالى:{كَذَلِكَ كُنتُم مِّن قَبْلُ فَمَنَّ الله عَلَيْكُمْ فَتَبَيَّنُواْ إِنَّ الله كَانَ بِمَا تَعْمَلُونَ خَبِيرًا} (2)، وقال عز وجل:{وَلَقَدْ مَنَنَّا عَلَى مُوسَى وَهَارُونَ} (3)،
{وَلَقَدْ مَنَنَّا عَلَيْكَ مَرَّةً أُخْرَى} (4)، {وَنُرِيدُ أَن نَّمُنَّ عَلَى الَّذِينَ اسْتُضْعِفُوا فِي الأَرْضِ وَنَجْعَلَهُمْ أَئِمَّةً وَنَجْعَلَهُمُ الْوَارِثِينَ} (5)، {فَمَنَّ الله عَلَيْنَا وَوَقَانَا عَذَابَ السَّمُومِ} (6)، {وَلَكِنَّ الله يَمُنُّ عَلَى مَن يَشَاءُ مِنْ عِبَادِهِ} (7).
وهذا كله على الحقيقة لا يكون إلا من الله تعالى، فهو الذي منّ على عباده بهذه النعم العظيمة، فله الحمد حتى يرضى، وله الحمد بعد رضاه، وله الحمد في الأولى والآخرة.
النوع الثاني: أن يكون المنّ بالقول. وذلك مستقبح فيما بين الناس، ولقبح ذلك قيل: المنة تهدم الصنيعة، قال الله تعالى:{يَمُنُّونَ عَلَيْكَ أَنْ أَسْلَمُوا قُل لَّا تَمُنُّوا عَلَيَّ إِسْلامَكُم بَلِ الله يَمُنُّ عَلَيْكُمْ أَنْ هَدَاكُمْ لِلإِيمَانِ إِن كُنتُمْ صَادِقِينَ} (8)، فالمنَّة من الله عليهم بالفعل وهو هدايتهم
(1) سورة آل عمران، الآية:164.
(2)
سورة النساء، الآية:94.
(3)
سورة الصافات، الآية:114.
(4)
سورة طه، الآية:37.
(5)
سورة القصص، الآية:5.
(6)
سورة الطور، الآية:27.
(7)
سورة إبراهيم، الآية:11.
(8)
سورة الحجرات، الآية:17.
للإسلام (1)، والمنَّة منهم بالقول المذموم، وقد ذم الله في كتابه ونهى عن المنّ المذموم: وهو المنَّة بالقول فقال: {وَلا تَمْنُن تَسْتَكْثِرُ} (2)، قال ابن كثير:((لا تمنن بعملك على ربك تستكثره)) (3)، وقيل غير ذلك.
وقد ذمَّ رسول الله صلى الله عليه وسلم المنَّ بالعطية، فقال عليه الصلاة والسلام:((ثلاثة لا يكلمهم الله يوم القيامة ولا ينظر إليهم، ولا يزكيهم، ولهم عذاب أليم))، فقرأها رسول الله صلى الله عليه وسلم ثلاث مرات. قال أبو ذرٍّ: خابوا وخسروا، من هم يا رسول الله؟ قال:((المُسبلُ، والمنانُ، والمنفق سلعته بالحلِفِ الكاذب)) (5).
هذا هو المنّ المذموم، أما المنّ بمعنى العطاء، والإحسان، والجود،
(1) مفردات غريب القرآن للأصفهاني، ص474.
(2)
سورة المدثر، الآية:6.
(3)
تفسير ابن كثير، 4/ 242.
(4)
سورة البقرة، الآيات: 262 - 264.
(5)
أخرجه مسلم في كتاب الإيمان، باب بيان غلظ تحريم إسبال الإزار والمن بالعطية، برقم 106.