الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
النوع الأول: شفاء القلوب والأرواح
.
قال الله عز وجل: {يَا أَيُّهَا النَّاسُ قَدْ جَاءَتْكُم مَّوْعِظَةٌ مِّن رَّبِّكُمْ وَشِفَاءٌ لِّمَا فِي الصُّدُورِ وَهُدًى وَرَحْمَةٌ لِّلْمُؤْمِنِينَ} (1).
والموعظة: هي ما جاء في القرآن الكريم من الزواجر عن الفواحش، والإنذار عن الأعمال الموجبة لسخط الله عز وجل المقتضية لعقابه، والموعظة هي الأمر والنهي بأسلوب الترغيب والترهيب، وفي هذا القرآن الكريم شفاءٌ لما في الصدور من أمراض الشُّبَهِ، والشكوك، والشهوات، وإزالة ما فيها من رجسٍ ودنسٍ. فالقرآن الكريم فيه الترغيب والترهيب، والوعد، والوعيد، وهذا يوجب للعبد الرغبة والرهبة، وإذا وجدت فيه الرغبة في الخير، والرهبة عن الشرّ، ونمتا على تكرر ما يرد إليها من معاني القرآن، أوجب ذلك تقديم مراد الله على مراد النفس، وصار ما يرضي الله أحبّ إلى العبد من شهوة نفسه.
وكذلك ما فيه من البراهين والأدلة التي صرّفها الله غاية التصريف، وبينها أحسن بيان مما يزيل الشُّبَهَ القادحة في الحق، ويصل به القلب إلى أعلى درجات اليقين. وإذا صلح القلب من مرضه تبعته الجوارح كلها، فإنها تصلح بصلاحه، وتفسد بفساده.
وهذا القرآن هدى ورحمة للمؤمنين. وإنما هذه الهداية والرحمة للمؤمنين المصدقين كما قال تعالى: {وَنُنَزِّلُ مِنَ الْقُرْآنِ مَا هُوَ شِفَاءٌ وَرَحْمَةٌ
(1) سورة يونس، الآية:57.
لِّلْمُؤْمِنِينَ وَلَا يَزِيدُ الظَّالِمِينَ إَلَاّ خَسَارًا} (1)، وقال:{قُلْ هُوَ لِلَّذِينَ آمَنُوا هُدًى وَشِفَاءٌ وَالَّذِينَ لا يُؤْمِنُونَ فِي آذَانِهِمْ وَقْرٌ وَهُوَ عَلَيْهِمْ عَمًى أُوْلَئِكَ يُنَادَوْنَ مِن مَّكَانٍ بَعِيدٍ} (2)، فالهدى هو العلم بالحقّ، والعمل به، والرحمة ما يحصل من الخير والإحسان، والثواب العاجل والآجل، لمن اهتدى بهذا القرآن العظيم.
فالهدى أجلُّ الوسائل، والرحمة أكمل المقاصد والرغائب، ولكن لا يهتدى به، ولا يكون رحمة إلا في حقّ المؤمنين، وإذا حصل الهدى، وحصلت الرحمة الناشئة عن الهدى حصلت السعادة، والربح، والنجاح، والفرح والسرور؛ ولذلك أمر الله بالفرح بذلك فقال:{قُلْ بِفَضْلِ الله وَبِرَحْمَتِهِ فَبِذَلِكَ فَلْيَفْرَحُواْ هُوَ خَيْرٌ مِّمَّا يَجْمَعُونَ} (3).
والقرآن مشتملٌ على الشفاء والرحمة، وليس ذلك لكل أحد، وإنما ذلك كله للمؤمنين به، المصدقين بآياته، العاملين به.
أما الظالمون بعدم التصديق به، أو عدم العمل به، فلا تزيدهم آياته إلا خساراً، إذ به تقوم عليهم الحجة.
والشفاء الذي تضمنه القرآن شفاء القلوب
…
وشفاء الأبدان من آلامها وأسقامها.
فالله عز وجل يهدي المؤمنين: {قُلْ هُوَ لِلَّذِينَ آمَنُوا هُدًى وَشِفَاءٌ} يهديهم
(1) سورة الإسراء، الآية:82.
(2)
سورة فصلت، الآية:44.
(3)
سورة يونس، الآية:58.
لطريق الرشد، والصراط المستقيم، ويعلمهم من العلوم النافعة ما به تحصل الهداية التامة.
ويشفيهم الله تبارك وتعالى بهذا القرآن من الأسقام البدنية، والأسقام القلبية؛ لأن هذا القرآن يزجر عن مساوئ الأخلاق وأقبح الأعمال، ويحث على التوبة النصوح التي تغسل الذنوب، وتشفي القلوب.
وأما الذين لا يؤمنون بالقرآن ففي آذانهم صَمَمٌ عن استماعه، وإعراض، وهو عليهم عمىً، فلا يبصرون به رشداً ولا يهتدون به، ولا يزيدهم إلا ضلالاً.
وهم يُدعون إلى الإيمان فلا يستجيبون، وهم بمنزلة الذي يُنادى وهو في مكان بعيد لا يسمع داعياً، ولا يجيب منادياً، والمقصود: أن الذين لا يؤمنون بالقرآن، لا ينتفعون بهداه، ولا يبصرون بنوره، ولا يستفيدون منه خيراً؛ لأنهم سدّوا على أنفسهم أبواب الهدى بإعراضهم وكفرهم (1).
ويجد الإنسان مصداق هذا القول في كل زمان، وفي كل بيئة، فناس يفعل هذا القرآن في نفوسهم فينشئها إنشاءً، ويحييها إحياءً، ويصنع بها ومنها العظائم في ذاتها، وفيما حولها، وناس يثقل هذا القرآن على آذانهم وعلى قلوبهم، ولا يزيدهم إلا صمماً وعمىً، وقلوبهم مطموسة لا تستفيد من هذا القرآن.
(1) انظر: تفسير العلامة عبد الرحمن بن ناصر السعدي، 3/ 363، و4/ 309، و6/ 584، وتفسير ابن كثير، 2/ 422، و3/ 60، و4/ 104، وتفسير الجزائري أبو بكر، 2/ 286.