الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
حكمه بالقسط. وهذا معنى قوله: {إِنَّ رَبِّي عَلَى صِرَاطٍ مُّسْتَقِيمٍ} (1)؛ فإنّ أقواله صدق، وأفعاله دائرة بين العدل والفضل، فهي كلها أفعال رشيدة، وحكمه بين عباده فيما اختلفوا فيه أحكام عادلة لا ظلم فيها بوجه من الوجوه، وكذلك أحكام الجزاء والثواب والعقاب (2).
46 - القُدُّوسُ
،
47 - السَّلامُ
قال الله تعالى: {هُوَ الله الَّذِي لا إِلَهَ إِلا هُوَ الْمَلِكُ الْقُدُّوسُ السَّلامُ} الآية (3).
((القدوس السلام)) معناهما متقاربان؛ فإن القدوس مأخوذ من قدّس بمعنى: نزّهه وأبعده عن السوء مع الإجلال، والتعظيم، والسلام مأخوذ من السلامة. فهو سبحانه السالم من مماثلة أحد من خلقه، ومن النقص، ومن كل ما ينافي كماله (4).
فهو المقدَّس المعظَّم المنزّه عن كل سوء، السالم من مماثلة أحد من خلقه ومن النقصان، ومن كل ما ينافي كماله. فهذا ضابط ما ينزّه عنه: ينزّه عن كل نقص بوجه من الوجوه، وينزّه ويعظّم أن يكون له مثيل، أو شبيه، أو كفؤ، أو سمي، أو ندّ، أو مضادّ، وينزّه عن نقص صفة من صفاته التي هي أكمل الصفات وأعظمها وأوسعها. ومن تمام تنزيهه عن ذلك إثبات صفات الكبرياء والعظمة له؛ فإنَّ التنزيه مرادٌ لغيره،
(1) سورة هود، الآية:56.
(2)
الحق الواضح المبين، ص80.
(3)
سورة الحشر، الآية:23.
(4)
شرح النونية للهراس، 2/ 105.
ومقصودٌ به حفظ كماله عن الظنون السيئة. كظنّ الجاهلية الذين يظنون به ظنَّ السوء، ظنّاً غير ما يليق بجلاله، وإذا قال العبد مثنياً على ربه:((سبحان الله))، أو ((تقدّس الله))، أو ((تعالى الله)) ونحوها كان مثنياً عليه بالسلامة من كل نقص وإثبات كل كمال (1).
قال الإمام ابن القيم رحمه الله تعالى في اسم ((السلام)): [الله] أحق بهذا الاسم من كل مسمىً له؛ لسلامته سبحانه من كل عيب ونقص من كل وجه، فهو السلام الحق بكل اعتبار، والمخلوق سلام بالإضافة، فهو سبحانه سلام في ذاته عن كل عيب ونقص يتخيله وَهْمٌ، وسلام في صفاته من كل عيب ونقص، وسلام في أفعاله من كل عيب ونقص وشر وظلم وفعل واقع على غير وجه الحكمة، بل هو السلام الحق من كل وجه وبكل اعتبار، فَعُلِمَ أن استحقاقه تعالى لهذا الاسم أكمل من استحقاق كل ما يطلق عليه، وهذا هو حقيقة التنزيه الذي نزّه به نفسه، ونزّهه به رسوله، فهو السلام من الصاحبة والولد، والسلام من النظير والكفء والسمي والمماثل، والسلام من الشريك؛ ولذلك إذا نظرت إلى أفراد صفات كماله وجدت كل صفة سلاماً مما يضاد كما لها:
فحياته سلام من الموت ومن السِّنةِ والنوم، وكذلك قيّوميّته وقدرته سلام من التعب واللغوب، وعلمه سلام من عزوب شيء عنه، أو عروض نسيان أو حاجة إلى تَذَكُّرٍ وتَفَكُّرٍ، وإرادته سلام من خروجها عن الحكمة والمصلحة، وكلماته سلام من الكذب والظلم، بل تمت
(1) الحق الواضح المبين، ص81 - 82.
كلماته صدقاً وعدلاً، وغناه سلام من الحاجة إلى غيره بوجه ما، بل كل ما سواه محتاج إليه وهو غنى عن كل ما سواه، وملكه: سلام من منازع فيه، أو مشارك، أو معاون مظاهر، أو شافع عنده بدون إذنه، وإلاهيته سلام من مشارك له فيها، بل هو الله الذي لا إله إلا هو، وحلمه وعفوه وصفحه ومغفرته وتجاوزه سلام من أن تكون عن حاجة منه أو ذل أو مصانعة كما يكون من غيره، بل هو محض جوده وإحسانه وكرمه، وكذلك عذابه وانتقامه وشدة بطشه وسرعة عقابه سلام من أن يكون ظلماً، أو تشفيَّاً، أو غلظة، أو قسوة، بل هو محض حكمته وعدله ووضعه الأشياء مواضعها، وهو مما يستحق عليه الحمد والثناء كما يستحقه على إحسانه، وثوابه، ونعمه، بل لو وضع الثواب موضع العقوبة لكان مناقضاً لحكمته ولعزّته، فوضعه العقوبة موضعها هو من عدله، وحكمته، وعزته، فهو سلام مما يتوهَّم أعداؤه الجاهلون به من خلاف حكمته.
وقضاؤه وقدره سلام من العبث والجور والظلم، ومن توهّم وقوعه على خلاف الحكمة البالغة. وشرعه ودينه سلام من التناقض والاختلاف والاضطراب وخلاف مصلحة العباد ورحمتهم والإحسان إليهم وخلاف حكمته، بل شرعه كله حكمة، ورحمة، ومصلحة، وعدل، وكذلك عطاؤه سلام من كونه معاوضة أو لحاجة إلى المعطى.
ومنعه سلام من البخل وخوف الإملاق، بل عطاؤه إحسان محض لا لمعاوضة ولا لحاجة، ومنعه عدل محض وحكمة لا يشوبه بخل ولا
عجز.
واستواؤه وعلوّه على عرشه سلام من أن يكون محتاجاً إلى ما يحمله أو يستوي عليه، بل العرش محتاج إليه وحملته محتاجون إليه، فهو الغني عن العرش وعن حملته وعن كل ما سواه، فهو استواء وعلوّ لا يشوبه حصر ولا حاجة إلى عرش ولا غيره ولا إحاطة شيء به سبحانه وتعالى، بل كان سبحانه ولا عرش، ولم يكن به حاجة إليه وهو الغني الحميد، بل استواؤه على عرشه واستيلاؤه على خلقه من موجبات ملكه وقهره من غير حاجة إلى عرش ولا غيره بوجهٍ ما.
ونزوله كل ليلة إلى سماء الدنيا سلام مما يضادّ علوّه، وسلام مما يضاد غناه. وكماله سلام من كل ما يتوهّم معطّل أو مشبّه، وسلام من أن يصير تحت شيء أو محصوراً في شيء، تعالى الله ربنا عن كل ما يضادّ كماله.
وغناه وسمعه وبصره سلام من كل ما يتخيّله مشبّه أو يتقوّله معطّل. وموالاته لأوليائه سلامٌ من أن تكون عن ذلّ كما يوالي المخلوق المخلوق، بل هي موالاة رحمة، وخير، وإحسان، وبرّ كما قال الله تعالى:
{وَقُلِ الْحَمْدُ لله الَّذِي لَمْ يَتَّخِذْ وَلَدًا * وَلَم يَكُن لَّهُ شَرِيكٌ فِي الْمُلْكِ وَلَمْ يَكُن لَّهُ وَلِيٌّ مِّنَ الذُّلِّ وَكَبِّرْهُ تَكْبِيراً} (1)، فلم ينف أن يكون له وليّ مطلقاً، بل نفى أن يكون له وليٌّ من الذلّ.
وكذلك محبته لمحبيه وأوليائه سلام من عوارض محبة المخلوق للمخلوق من كونها محبة حاجة إليه، أو تَمَلُّقٍ له، أو انتفاع بقربه، وسلام
(1) سورة الإسراء، الآية:111.