الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
الفصل الثالث: سرية أسامة بن زيد رضي الله عنه إلى أبنى
المبحث الأول: التعريف بأبنى
…
المبحث الأوّل: التّعريف بأُبنى:
أُبْنَى مضمومة الأولى، ساكنة الثاني، بعده نون، على وزن فُعْلى، موضع بناحية البلقاء من الشام1. قال القاري والحلبي: اسم موضع من فلسطين بين عسقلان والرملة2. وقيل: لأبي مسهر3: أُبنى. قال: نحن أعلم، هي: يُبنا فلسطين4.
قال ابن قدامة: "والصحيح أنّها أُبنى، كما جاءت في الرواية، وهي قرية من أرض الكرك، في أطراف الشام، في الناحية التي قُتِلَ فيها أبوه5، فأمّا يُبْنا فهي من أرض فلسطين، ولم يكن أسامة ليصل إليها، ولا يأمره النّبي صلى الله عليه وسلم بالإغارة عليها، لبعدها، والخطر بالمصير إليها لتوسطها في البلاد، وبُعدها من طرف الشام، فما كان النّبيّ صلى الله عليه وسلم ليأمره بالتغرير بالمسلمين، فكيف يُحْمَل الخبر عليها، مع مخالفة لفظ الرواية، وفساد المعنى"6.
قال ياقوت: "وفي كتاب نصر أُبنى قرية بمؤتة"7.
1 البكري: معجم ما استعجم 1/101.
2 الحلبي: سيرة 3/227، شمس الحقّ، وعون المعبود 9/276.
3 عبد الأعلى بن مُسْهِر الغساني، أبو مسهر الدمشقي. (ثقة فاضل) من كبار العاشرة، مات سنة ثماني عشرة وله ثمان وسبعون سنة. (تقريب 332) .
4 أبو داود: السنن 3/88.
5 زيد بن حارثة رضي الله عنه.
6 ابن قدامة: المغني 13/147-148.
7 معجم: 1/79.
قلت: ما رجّحه ابن قدامة تؤيّده روايات أهل المغازي، فقد ذكر عروة، والزهري، وابن عقبة في روايتهم:
[1]
"أنّ رسول الله صلى الله عليه وسلم أَمَر أُسامة بن زيد - رضي الله تعالى عنهما، أن يُغير على مؤتة، وعلى جانب فلسطين
…
". الحديث1.
وعنون الواقدي للسرية بقوله: "غزوة أُسامة بن زيد مؤتة2، ثُمَّ ذكر في سياق حديثه عن السرية رواية ساقها بسنده عن الزهري، عن عروة، عن أُسامة بن زيد رضي الله عنهما:
[2]
"أنّ النّبيّ صلى الله عليه وسلم أمره أن يُغير على أُبنى
…
". الحديث3.
وقال ابن سعد: "وهي أرض السراة ناحية البلقا"4. وأخرج في موضعٍ آخر بسنده عن عروة قال:
1 أخرجه البيهقي (دلائل 7/200-201) ، من حديث محمّد بن فليح، عن موسى بن عقبة، عن ابن شهاب الزهري، ومن طريق إسماعيل بن إبراهيم، عن عمّه موسى بن عقبة، ومن حديث أبي الأسود، عن عروة.
كما أخرجه ابن عساكر (تاريخ دمشق 2/689) ، من حديث محمّد بن عائذ بسنده عن عروة.
قلت: الحديث من مراسيل عروة، والزهري، وموسى بن عقبة، وهم من أئمة المغازي المشهورين الثقات.
2 المغازي 3/1117.
3 أخرجه الواقدي (مغازي 3/1117) ، من طريق عبد الله بن جعفر بن عبد الرحمن ابن أزهر بن عوف عن الزهري عن عروة عن أسامة بن زيد.
4 الطبقات 2/190.
[3]
"وأمره أن يُغيّر على أُبنى من ساحل البحر"1.
أمّا ابن إسحاق فذكر أنّ رسول الله صلى الله عليه وسلم أَمَرَ أُسامة أن يوطئ الخيل تُخُومَ البلقاء والداروم من أرض فلسطين2.
[4]
"وذكر مثل ذلك مالك بن أنس رحمه الله تعالى"3.
قال ياقوت: "الداروم قلعة بعد غزة للقاصد إلى مصر، الواقف فيها يرى البحر ويُقال لها الدارون"4.
وأخرج ابن سعد، عن هشام بن عروة حديث السّرية في ترجمة أُسامة فقال فيه: "فبعثه أبو بكر إلى آبل
…
". الحديث5.
وأخرج مثله الطبري من حديث سيف، عن هشام، عن أبيه، وقال فيه:
[5]
"وقال له: اصنع ما أمرك به نبيّ الله صلى الله عليه وسلم، ابدأ ببلاد قضاعة، ثُمّ ايت آبل
…
"6.
1 أخرجه ابن سعد (طبقات 4/67) ، من حديث حماد بن أسامة، عن هشام، عن أبيه.
قلت: وسنده رجاله رجال الصحيح، غير أنّه مرسل.
2 ابن هشام: سيرة 4/606، 642.
3 عزاه القيرواني (الجامع 297) إلى الإمام مالك رحمه الله.
4 معجم 2/505.
5 سبق تخريجها برقم: [3] .
6 أخرجه الطبري (تاريخ 3/226-227) بسنده عن هشام بن عروة، عن أبيه. وعن سيف، عن موسى بن عقبة، عن المغيرة بن الأخنس. وعنه أيضاً عن عمرو بن قيس، عن عطاء الخراساني.
قلت: سنده مداره على سيف بن عمر التميمي، وهو ضعيف في الحديث، لكنه عمدة في التاريخ. والخبر هنا تاريخي. والله تعالى أعلم.
وقد ذكر مثل ذلك ابن عساكر، عن الواقدي، فقال:
[6]
"ذكر أبو عبد الله محمّد بن عمر بن واقد الواقدي في كتاب الصوائف الذي صنّفه، أنّ غزوة الجندل، أوّل غزوات الشام، والثّانية مؤتة، والغزوة الثّالثة تبوك، والغزوة الرّابعة غزوة أُسامة ابن زيد يُبنى من أرض فلسطين في سنة عشرة، والغزوة الخامسة غزوة أُسامة بن زيد آبل الزيت في سنة إحدى عشرة، وهي التي أمّره عليها صلى الله عليه وسلم وهو مريض، فغزاها بعد وفاته صلى الله عليه وسلم، ولم أجد أحداً من العلماء فرّق بين غزوة يُبنى وبين غزوة آبل الزيت غير الواقدي، وقد ذكر في كتاب المغازي الذي صنّفه حديث الأمر بالإغارة على يُبنى في جملة قصّة إنفاذ أبي بكر لجيش أُسامة وإغارته على آبل الزيت، وعندي أنّهما غزوة واحدة، أغار فيها على الموضعين جميعاً. والله أعلم "1.
قال ياقوت: "آبل - بفتح الهمزة وبعد الألف باء مكسورة ولام - أربعة مواضع، وفي الحديث: أنّ رسول الله صلى الله عليه وسلم جهَّز جيشاً بعد حجّة الوداع وقبل وفاته، وأمّر عليهم أُسامة بن زيد، وأمَرَه أن يوطئ خيله آبل الزيت، بلفظ زيت الأدهان بالأردن من مشارف الشام"2.
1 ابن عساكر: تاريخ المجلدة الأولى، ص 385-386.
2 معجم البلدان 1/50.
قلت: هل كانت أُبنى، والداروم، ومؤتة، وآبل الزيت سرية واحدة أغار فيها أُسامة بن زيد عنهما على هذه المواضع جميعاً، كما ألمح لذلك ابن عساكر؟ أم أنّها كانت سرايا متعدّدة لشخصٍ واحدٍ وهو أُسامة رضي الله عنه، أم أنّها كانت سريةً واحدةً لمكانٍ واحدٍ له أسماء متعدّدة؟ أم أنّ هذه المواضع المذكورة كانت هي مناطق القبائل العربية التي شاركت في مؤتة ضدّ المسلمين؟ ! وباعتبار أنّها كانت متقاربة، بَعَثَ إليها رسول الله صلى الله عليه وسلم بعثاً واحداً لضربها وتأديب أهلها، وهو ما أُرَجحه. والله تعالى أعلم.