الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
المبحث الثّاني: تاريخ السّريّة:
أكثر الروايات تحدَّثت عن تجهيز البعث في عهد المصطفى صلى الله عليه وسلم، ثُمّ أفاضت في الحديث حول مرض النّبيّ صلى الله عليه وسلم، ثُمّ وفاته، وتوقَّفت دون أن تشير إلى بقية أخبار البَعْث. ففي رواية عروة، والزهري، وموسى بن عقبة قالوا:
[7]
"قدم رسول الله صلى الله عليه وسلم المدينة، - يعني من حجّة الوادع - فعاش بالمدينة حين قدمها بعد صدرة المحرَّم، واشتكى في صفر، فوعك أشد الوعك
…
". ثُمّ ذكروا حديثاً طويلاً حول مرضه صلى الله عليه وسلم إلى أن قالوا: "وكان أُسامة بن زيد قد تجهَّز للغزو، وخرج في ثقله إلى الجرف، فأقام تلك الأيام بشكوى رسول الله صلى الله عليه وسلم، وكان رسول الله صلى الله عليه وسلم قد أمَّره على جيش
…
" إلى أن قالوا: "فجلس رسول الله صلى الله عليه وسلم إلى ذلك الجذع، واجتمع إليه المسلمون يسلمون عليه، ويدعون له بالعافية، ودعا رسول الله صلى الله عليه وسلم أُسامة بن زيد، فقال: اغدُ على بركة الله والنصر والعافية، ثُمَّ أغِر حيث أمرتُك أن تُغير. قال أُسامة: يا رسول الله! قد أصبحت مُفيقاً، وأرجو أن يكون الله عز وجل قد عافاك، فائذن لي، فأمكُثَ حتّى يشفيك الله، فإنّي إن خرجت وأنت على هذه الحال، خرجت وفي نفسي منك قرحة، وأكره أن أسأل عنك الناس. فسكت رسول الله صلى الله عليه وسلم، وقام، فدخل بيت عائشة
…
"، إلى قالوا: "ووعك رسول الله صلى الله عليه وسلم حين رجع أشد الوعك، واجتمع إليه نساؤه، وأخذ بالموت
…
فلم يزل كذلك حتّى زاغت الشمس من يوم الإثنين
…
"، ثُمّ قالوا: "واشتدّ برسول الله صلى الله عليه وسلم الوجع، فأرسلت فاطمة إلى علي ابن أبي طالب، وأرسلت حفصة إلى عمر بن الخطّاب، وأرسلت كلّ امرأة إلى حميمها1، فلم يرجعوا حتّى توفي رسول الله صلى الله عليه وسلم على صدر عائشة في يومها، يوم الإثنين حين زاغت الشمس لهلال شهر ربيع الأوّل صلى الله عليه وسلم "2.
وفي رواية ابن إسحاق قال:
[8]
"ثُمّ قفل رسول الله صلى الله عليه وسلم فأقام بالمدينة بقية ذي الحجّة، والمحرَّم، وصفر، وضرب على الناس بَعْثاً إلى الشام، وأمَّر عليهم أُسامة بن زيد بن حارثة مولاه
…
"3.
وقال ابن حجر: "كان تجهيز أُسامة يوم السبت قبل موت النبيّ صلى الله عليه وسلم بيومين، وكان ابتداء ذلك قبل مرض النّبيّ صلى الله عليه وسلم، فندب الناس لغزو الروم في آخر صفر
…
ثُمَّ قال:
[9]
"فبدأ برسول الله صلى الله عليه وسلم وجعه في اليوم الثّالث، فعقد لأُسامة لواءً بيده
…
إلى أن قال: ثُمَّ اشتدَّ برسول الله صلى الله عليه وسلم وجعه، فقال: أنفذوا جيش أُسامة، فجهَّزه أبو بكر بعد أن استخلف
…
" 4.
1 الحميم: القريب.
2 سبق تخريجها برقم: [1] .
3 ذكره ابن هشام (سيرة 4/) من حديث ابن إسحاق الذي رواه معضلاً بلا سند.
4 فتح الباري 8/152.
ولم يُفَصل الحديث في السرية منذ لحظة تجهيزها إلى انطلاقها نحو الشام غير الواقدي، وكاتبه ابن سعد، ومَن تبعهما من أصحاب المغازي المتأخرين، قال ابن سعد:
[10]
"لمّا كان يوم الإثنين، لأربع ليالٍ بقين من صفر سنة إحدى عشرة مِن مهاجر رسول الله صلى الله عليه وسلم، أَمَر رسول الله صلى الله عليه وسلم الناس بالتهيّؤ لغزو الروم، فلمّا كان من الغد دعا أُسامة بن زيد، فقال: سِر إلى موضع مقتل أبيك
…
" إلى أن قال: "فلمّا كان يوم الأربعاء، بُدِئَ برسول الله صلى الله عليه وسلم فَحُمَّ، وصدّع، فلمّا أصبح يوم الخميس عقد لأُسامة لواءً بيده
…
"، إلى أن ذكر خطبة النّبيّ صلى الله عليه وسلم بالناس حينما بلغه طعنهم في إمارته
…
"، ثُمَّ قال: "وذلك يوم السبت لعشرٍ خلون من ربيع الأوّل، وجاء المسلمون الذين يخرجون مع أُسامة يُوَدعون رسول الله صلى الله عليه وسلم، ويمضون إلى المعسكر بالجرف، وثقل رسول الله صلى الله عليه وسلم، فجعل يقول: أنفذوا بَعْثَ أسامة، فلمّا كان يوم الأحد اشتدّ برسول الله صلى الله عليه وسلم وجعه، فدخل أُسامة من معسكره والنّبيّ مغمور1، وهو اليوم الذي لدُّوه2 فيه، فطأطأ أُسامة، وقَبَّلَه ورسول الله صلى الله عليه وسلم لا يتكلّم". ثُمَّ قال: "ثُمَّ دخل يوم الاثنين، وأصبح رسول الله صلى الله عليه وسلم مُفيقاً صلوات الله عليه وبركاته، فقال له: اغد على بركة الله، فودّعه أُسامة وخرج إلى معسكره،
1 مغمور: أي: كان خاملاً، خائر القوى من شِدَّة المرض صلى الله عليه وسلم.
2 اللّدود: ما يُصَبُّ بالمسعط من الدواء في أحد شقي الفم. (القاموس: اللد) .
فأمرَ الناس بالرحيل، فَبَيْنَا هو يريد الركوب إذا رسول أُمّه أُمّ أيمن قد جاءه يقول: إنّ رسول الله صلى الله عليه وسلم يموت! فأقبل وأقبل معه عمر، وأبو عبيدة، فانتهوا إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم وهو يموت
…
". إلى إن قال: "فلمّا كان هلال شهر ربيع الآخر سنة إحدى عشرة، خرج أُسامة فسار إلى أهل أُبنى"1.
وذكر مثل ذلك الواقدي2،وتابعهما ابن سيد الناس3،والحلبي4، والزرقاني5.
أمّا خليفة بن خياط، فذكر بسنده عن الزهري قال:
[11]
"فسار أُسامة في آخر شهر ربيع الأوّل حتّى بلغ أرض الشام"6.
قلت: لا فرق بين القولين، فربما كان سيره آخر يوم في شهر ربيع الأوّل، وأّوّل يوم في شهر ربيع الآخر. والله تعالى أعلم.
وكانت هذه السرية آخر سرية جهّزها رسول الله صلى الله عليه وسلم، وأوّل سرية جهّزها أبو بكر الصّدّيق رضي الله عنه بعد أن استخلف7.
1 أخرجه ابن سعد (طبقات 2/190-191) ، عن شيوخه.
2 المغازي 3/1111-1125.
3 عيون الأثر 2/355-356.
4 السيرة الحلبية 3/227-228.
5 شرح المواهب 3/108-109.
6 أخرجه خليفة (تاريخ 101) ، من حديث المدائني بسنده عن الزهري.
قلت: سنده فيه عثمان بن عبد الرحمن الوقاصي. وهو (متروك) .
7 ابن حجر: فتح الباري 8/125، والزرقاني: إرشاد الساري 6/475.