الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
المبحث الثّالث: تاريخ السّرية:
قال الشامي: "ذكر الجمهور1، ومنهم: ابن سعد أنّها كانت في جمادى الآخرة سنة ثمان"2.
وقال ابن حجر: "وقيل: سنة سبع"3. وبه جزم ابن أبي خالد في كتاب: (صحيح التاريخ) ، ونقل ابن عساكر الاتفاق على أنّها كانت بعد غزوة مؤتة4، إلاّ ابن إسحاق فقال: "قبلها". قلت: وهو قضية ما ذُكِر عن ابن سعد وابن أبي خالد"5.
قال الشامي: "أمّا قضية ما ذُكِرَ عن ابن سعد فغير واضح، فإنّ ابن سعد قال: كانت في جمادى الآخرة سنة ثمان، وذَكَر في غزوة مؤتة أنّها كانت في جمادى الأولى سنة ثمان، وأمّا ما نقل ابن إسحاق فالذي في رواية زياد البكائي، تهذيب ابن هشام، عن ابن إسحاق، تأخُّر غزوة ذات
1 الجمهور الذي قصدهم الشامي معظمهم ناقل عن ابن سعد، وهم:"الطبري: تاريخ 3/31، وابن سيد الناس: عيون 2/204، وابن القيم: زاد 2/157، والقسطلاني: المواهب 1/554"، وغيرهم.
2 سبل 6/270.
3 ذكرها ابن خياط ضمن السرايا التي كانت سنة سبع (تاريخ 85) ، وذكر الزرقاني أنّ ابن سعد حكى ذلك (شرح المواهب 2/278) ، ولم أجد هذا القول في الطبقات فلعلّه من الجزء الساقط من ترجمة عمرو بن العاص عنده.
4 تاريخ دمشق (السيرة النبوية، القسم الأوّل ص 402) .
5 فتح الباري 8/74.
السلاسل عن مؤتة بِعِدَّة غزوات وسرايا، ولم يذكر أنّها كانت قبل مؤتة فيحتمل أنّه نصَّ على ما ذكره ابن عساكر في رواية غير زياد"1.
قلت: ما ورد في رواية زياد البكائي عن ابن إسحاق، عند ابن هشام، لا يُعَدُّ في التقديم والتأخير، لأنّه ذكر السّرية في جملة المغازي والسرايا آخر كتاب المغازي2. ولم يُسلسلها تاريخاً، كما فعل في بقية المغازي والسرايا الأخر.
أمّا رواية غير زياد التي أشار إليها الشامي فهي رواية يونس بن بكير التي أخرجها كُلٌّ من ابن عساكر والبيهقي بسنديهما عنه، فإنّه لم يذكر فيها تاريخاً لها3. والله تعالى أعلم.
ولم يؤرِّخ لها الواقدي أيضاً، وذلك خلاف عادته، بل ذكرها مباشرة بعد مؤتة4.
وقال ابن كثير: "ذكرها الحافظ البيهقي قبل غزوة الفتح"5.
1 سبل 6/270.
2 ابن هشام (سيرة: بشرح أبي ذرّ 4/359) .
3 انظر: (البيهقي: دلائل 4/399، وابن عساكر: تاريخ، السيرة النبوية، القسم الأول ص 404) .
4 مغازي 2/769، وذكر ابن عبد البر في الاستيعاب (هامش الإصابة 2/510) ، في ترجمة عمرو بن العاص أنّ الواقدي أرَّخ لها بشهر جمادى الآخرة سنة ثمان، فلعلّه اطلّع على نسخة أُخرى من المغازي. والله تعالى أعلم.
5 بداية 4/272، وانظر: الدلائل 4/397.
[14]
وذكر الزهري في روايته: أنّ البعثين كانا بعد رجوع أهل الحبشة1. هذا بالنسبة لأهل المغازي.
أمَّا ما يفهم من الأحاديث التي وردت عن السرية، ففي حديث عليّ بن رباح2، عن عمرو بن العاص رضي الله عنه قال فيه:
[15]
"قلت: يا رسول الله! ما أسلمت من أجل المال، ولكني أسلمت رغبة في الإسلام، وأن أكون مع رسول الله صلى الله عليه وسلم
…
". الحديث3.
1 سبق تخريجها برقم: [9] .
2 عليّ بن رباح بن قصير - ضدّ الطويل، اللخمي، أبو عبد الله المصري (ثقة) . من كبار الثالثة. مات سنة بضع عشرة ومائة. (تقريب 401) .
3 أخرجه أحمد (المسند، حديث: 17730) ، والبخاري، (الأدب المفرد ص 97) ، والحاكم، (المستدرك 2/3) ، جميعهم من حديث موسى بن عليّ بن رباح عن أبيه، عن عمرو بن العاص رضي الله عنه.
قال الحاكم: هذا حديث صحيح على شرط مسلم. ووافقه الذهبي. وقال ابن حجر (فتح الباري 8/57) : رواه أحمد والبخاري في الأدب، وصححه أبو عوانة، وابن حبان، والحاكم، وقال الهيثمي (المجمع 9/353) : رجال أحمد رجال الصحيح، وحسَّن ابن حجر في (الإصابة) سند أحمد.
قلت: لعلَّ ذلك من أجل أنَّ فيه موسى بن عليّ، قال عنه في (التقريب ص 553) : صدوق ربما أخطأ. ولكنه وقع مع ذلك من رجال مسلم. فسنده صحيح. كما صحّحه النقاد من أهل الحديث. والله تعالى أعلم.
يُفْهَم منه أنّه صلى الله عليه وسلم بعثه بعد إسلامه مباشرة، قال ابن حجر:"وهذا فيه إشعار بأنّ بعثه عقب إسلامه، وكان إسلامه في أثناء سنة سبع من الهجرة"1.
أمّا حديث الحارث2 بن حسَّان الذي فيه:
[16]
"خرجت أشكو العلاء3 بن الحضرمي إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم
…
" الحديث. إلى أن قال: "فأتيت المدينة، فإذا المسجد غاصٌّ بأهله4، وإذا راية سوداء تخفق، وبلال متقلِّد السيف بين يدي رسول الله صلى الله عليه وسلم، فقلت: ما شأن الناس؟ قالوا: يريد أن يبعث عمرو بن العاص وجهاً
…
". الحديث5.
1 فتح الباري 8/75.
2 الحارث بن حسَّان البكري، ويُقال اسمه: حُريث. (صحابي) له وفادة، ونزل البادية، وكان يقدم الكوفة. (تقريب 145) .
3 العلاء بن الحضرمي، واسم أبيه عبد الله بن عماد، وكان حليف بني أُمية. (صحابي جليل) عمل على البحرين للنبيّ صلى الله عليه وسلم، وأبي بكر، وعمر، ومات سنة أربع عشرة. وقيل: بعذ ذلك. (تقريب 434) .
4 أي: ممتلئ بالناس.
5 أخرجه أحمد بهذا السياق مطوَّلاً في قصة عاد من قصص الأنبياء (المسند 3/482) .
وأخرجه النسائي (السنن الكبرى 5/181) مختصراً.
كلاهما من طريق أبي المنذر سلام بن سليمان النحوي، عن عاصم بن أبي النجود، عن أبي وائل، عن الحارث بن يزيد البكري رضي الله عنه.
قلت: وسنده حسن. لأنَّ فيه عاصم بن بهدلة. صدوق له أوهام. (التقريب ص 285) . كما أخرجه أحمد (المسند 3/481) ، وابن ماجه (السنن 2/207) ، وابن أبي شيبة (المصنَّف 12/512) ، جميعهم من طريق أبي بكر بن عياش عن عاصم عن الحارث رضي الله عنه.
قلت: وهذا السند صورته منقطع، عاصم بن أبي النجود لم يدرك الحارث فيروي عنه والصحيح: عنه عن أبي وائل عن الحارث، كما ذكر ابن حجر (التهذيب 1/407) . وكما هو واضح في السند السابق. والله تعالى أعلم.
فهذا الحديث يُفْهَم منه أنّ بعث عمرو بن العاص رضي الله عنه كان في أثناء فترة ولاية العلاء بن الحضرمي على البحرين، وكان رسول الله صلى الله عليه وسلم قد بعث العلاء بن الحضرمي قبل فتح مكّة، كما يذكر ابن إسحاق1.
ويُفهم من قول أبي رافع الطائي - في آخر حديثه الذي أخرجه الطبراني:
[17]
"فمكثت سنة، ثُمَّ إنّ أبا بكر استخلف
…
" الحديث2. أنّ تاريخ بعث السرية كان متأخراً جداً. والله تعالى أعلم.
قال الزرقاني في شرحه على المواهب اللدنية، مُعَلِّقاً على الأقوال التي ذُكرت حول إسلام عمرو بن العاص رضي الله عنه، ثُمَّ تأميره على ذات السلاسل: "فيكون تأمير عمرو عقب إسلامه بنحو أربعة أشهر على ما صدّر به
1 ابن هشام: سيرة، بشرح أبي ذرّ 4/294.
2 سبق تخريجه برقم: [1] .
المصنّف1 فيما مرَّ أنّه كان في صفر سنة ثمان، وفي الشامية أنّ بعثه كان بعد سنة من إسلامه2 وهم إنّما يأتي على قول الحاكم: أسلم سنة سبع"3.
قلت: اختلف أهل العلم في وقت إسلام عمرو بن العاص رضي الله عنه، فقيل: إنّه أسلم قبل الفتح في صفر سنة ثمان4، وقيل: بين الحديبية وخيبر5. وقيل: بل أسلم قبل ذلك في الحبشة على يدي النجاشي، ولكنه كتم إسلامه حتى وفد على النّبيّ صلى الله عليه وسلم قبيل الفتح مع خالد بن الوليد رضي الله عنه6. ورجّح ابن عبد البرّ، وابن حجر القول الأوّل7.
1 يقصد القسطلاني مُصَنِّف المواهب الدنية.
2 انظر: (الشامي: سبل 6/262، 270) .
3 شرح المواهب 2/278.
4 انظر: "الواقدي: مغازي 2/745، 749، ابن عبد البر: الاستيعاب، هامش الإصابة 2/510-511، ابن الأثير: أسد الغابة 4/245، الحاكم: المستدرك 3/513-514، ترجمة عمرو بن العاص".
5 انظر: (ابن حجر: فتح الباري 8/75) ، ولم أجد قول الحاكم الذي نقله عنه الواقدي، وأنّ عمرو أسلم سنة سبع، بل الذي وجدته في ترجمة عمرو عنده أنّه أسلم سنة ثمان من الهجرة.
6 ذكر ذلك الواقدي: مغازي 2/743-744، وعزاه ابن حجر (إصابة 3/2) ، للزبير ابن بكار. وذكر أنّ البغوي أخرجه بسندٍ جيدٍ عن عمرو بن إسحاق أحد التابعين، وأخرجه أحمد (المسند 4/198-199) ، والحاكم (المستدرك 3/337، 514) ، والأوّل سكت عنه الذهبي، والثاني حذفه من التلخيص.
7 الاستيعاب بهامش الإصابة 2/510، فتح الباري 7/101.
قلت: وبذلك يترجّح ما ذكره ابن سعد، وغيره من أنّ تاريخ السرية كان في جمادى الآخرة سنة ثمان. والله تعالى أعلم.
ويفهم من الأحاديث التي ذكرت أنّ أصحاب السرية أصابهم برد شديد، وأنّهم أرادوا إشعال نارٍ لتدفئتهم، ولكنّ عمرو بن العاص رضي الله عنه منعهم من ذلك خوفاً أن يرى العدوّ قِلَّتهم.
وكذلك الأحاديث التي ذكرت أنّ القائد عمر بن العاص رضي الله عنه أصابته جنابة في إحدى الليالي، ثُمَّ صلّى بأصحاب السرية دون أن يغتسل خوفاً على نفسه من شِدَّة البرد1.
كلّ ذلك يعطينا دلالة واضحة على أنّ بعث السرية كان في فصل الشتاء، وشهر جمادى الآخرة الذي ذكره أصحاب المغازي تاريخاً لخروج السرية هو من أشهر فصل الشتاء في الأغلب. والله تعالى أعلم.
1 الاستيعاب بهامش الإصابة 2/510، فتح الباري 7/101.