الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
الباب الثالث: السرايا والبعوث النبوية الشمالية بعد غزوة مؤتة
الفصل الأول: سرية عمرو بن العاص رضي الله عنه إلى ذات السلاسل
المبحث الأول: مسمى السرية ومكانها
المطلب الأول: مسمى السرية
…
المطلب الأوّل: مُسَمَّى السّرية:
اختلف أهل المغازي، واللغويّون، البلدانيون، في سبب تسمية السّرية، وضبط الاسم. قال ابن إسحاق في روايته:
[1]
: "حتى إذا كان على ماء بأرض جذام، يقال له: السلسل، وبذلك سُمِّيَت تلك الغزوة، غزوة ذات السلاسل"1.
وتابعه في ذلك ابن سيد الناس2، والسهيلي3.
وقيل: السلاسل بسينين مهملتين، الأولى مفتوحة، وجزم به أبو عبيد
1الحديث أخرجه (البيهقي: دلائل 4/399-400) ، عن ابن إسحاق بسندٍ صرَّح فيه بالتحديث عن محمّدٍ بن عبد الرحمن التميمي، وثّقه ابن حبان. (الثقات 7/413)، وقال عنه البخاري:"كان صوّاماً قوّاماً". (التاريخ 1/105)، وقال أبو حاتم:"روى عن عائشة، وعوف بن الحارث، وعروة بن الزبير. وروى عنه ابن إسحاق: سمعت أبي يقول ذلك". (الجرح والتعديل 7/317) .
قلت: ولكنه مرسل حيث لم يُصرح محمّد التميمي عمَّن حدّثه.
وذكره ابن هشام (سيرة 4/623) ، عن ابن إسحاق بلا سند، كما أخرجه الطبري (تاريخ 3/32) ، عن ابن إسحاق، عن عبد الله بن أبي بكر، وسنده ضعيف، لضعف ابن حميد شيخ الطبري، كما في (التقريب 475) ، كما أنّ فيه عنعنة ابن إسحاق، ولإرساله، عبد الله بن أبي بكر لم يدرك الوقعة.
2 قال ابن سيد الناس:"سُمِّيَت بماء بأرض جذام، يقال لها السلسل". (عيون2/204) .
3 نقلاً عن ابن سيد الناس (عيون 2/204) ، ولم أجد قول السيهلي في كتابه الروض.
البكري1، وياقوت2، وصاحب القاموس3، والثانية مكسورة، اللام مخففة، وقال ابن الأثير:"بضم السين الأولى4، وقال في زاد المعاد: بضم السين وفتحها لغتان"5.
قال الشامي: "وصاحب القاموس مع اطلاعه لم يحك في الغزوة إلاّ الفتح6، وعبارته: السلسل، كجعفر وخلخال، الماء العذب أو البارد كالسلاسل بالضمّ. ثُمَّ قال: وتسلسل الماء جرى في حدور، والسلسلة اتّصال الشيء بالشيء، والقطعة الطويلة من السنام، ويُكسر، وبالكسر دائر من حديد ونحوه، والسلاسل رمل يتعقّد بعضه على بعض وينقاد، وثوب مسلسل فيه وشيء مخطّط، وعزوة ذات السلاسل"7.
1 لفظ أبي عبيد: ذات السلاسل - بفتح أوّله - على لفظ جمع سلسلة، رمل بالبادية. (معجم ما استعجم 3/744) .
2 معجم البلدان 3/233) .
3 القاموس المحيط، باب اللام، فصل السين.
4 قال ابن الأثير: بضم السين الأولى، وكسر الثانية. (النهاية 2/389) .
5 ابن القيم: زاد المعاد 3/386.
6 قال الزرقاني مُعَلِّقاً على قول الشامي هكذا: "وقوله: وصاحب القاموس مع سعة اطلاعه لم يحك إلاّ الفتح. غير قادح، فمن حفظ حجّة. كيف وقد صرّح البرهان بأنّ غير واحد ذكر اللغتين الضم والفتح، وهو المشهور. والمجد وإن اتّسع اطلاعه فلم يُحِط باللغة ولم يستوعبها". (شرح المواهب 2/278) .
7 الشامي: سبل 6/296.
وقال ابن حجر: "قيل: سُمِّيَ المكان بذلك لأنّه كان به رمل بعضه على بعض كالسلسلة1، وضبطها ابن الأثير بالضمّ، وقال: هو بمعنى السلسال أي: السهل2، وقيل: لأنّ بها ماء يقال له السلسل3، وقيل: سُمِّيَت ذات السلاسل لأنّ المشركين ارتبط بعضهم إلى بعض مخافة أن يفرّوا"4.
قال الحلبي:
[2]
"ولخالد بن الوليد رضي الله عنه في زمن الصّديق غزاة مع أهل فارس، يُقال لها: ذات السلاسل، لكثرة من تسلسل فيها من الشجعان خوف الفرار، فقتلوا عن آخرهم، لأنّ السلاسل منعتهم الهزيمة، وبعث خالد بن الوليد بالسلاسل إلى الصِّدّيق رضي الله عنه والله أعلم"5.
1 قال بذلك البكري. (معجم ما استعجم 3/744) .
2 قال الشامي: "قال النووي في التهذيب: أظن أنّ ابن الأثير استنبطه من صحاح الجوهري من غير نقلٍ عنه فيه، ولا دلالة في كلامه. قلت: وعبارة الجوهري: وماء سلسل وسلسال سهل الدخول في الحلق لعذوبته وصفائه، والسُّلاسل بالضمّ مثله، ويقال معنى يتسلسل أنّه إذا جرى أو ضربته الريح يصير كالسلسلة". (سبل الهدى والرشاد6/269) .وانظر: صحاح الجوهري2/199،والنووي على مسلم15/153) .
3 قال ذلك ابن إسحاق، كما مرّ سابقاً.
4 ابن حجر: فتح 7/26، 8/74.
5 الحلبي: سيرة 3/199، ونقل ياقوت (معجم 3/333) ، عن أبي حاتم بن حبان في كتابه الأنواع، قال:"غزوة السلاسل كانت في أيام معاوية، وغزوة ذات السلاسل كانت في أيام النبي صلى الله عليه وسلم. قلت: ولا أعلم ما هذه السلاسل".
قلت: ولعلّ سبب تسميتها بذلك أظهر، فإنّ تسلسل الروم والفرس في معاركهم ضدّ المسلمين تكرّر في أكثر من معركة، لعلّ أشهرها في التاريخ معركتان فاصلتان في كلّ جانب، ففي الجانب الرومي تذكر الروايات التاريخية أنّه تسلسل عددٌ كبيرٌ منهم في معركة اليرموك الشهيرة الفاصلة، سقطوا جميعاً في لهب الياقوصة1، كما تسلسل عددٌ ضخمٌ من الفرس في معركة نهاوند الفاصلة والمسمّاة بفتح الفتوح - قُتِلُوا جميعاً في ميدان المعركة - وإن كانت الأرقام التي أوردتها الروايات عن عددهم قد يكون فيها نوعٌ من المبالغة2، ولكن ذلك يعطينا دلالة واضحة على أنّ تلك كانت عادة متبعة في الجيوش البيزنطية، والفارسية3، كما توضح بجلاء أنّ أعداء المسلمين في ذلك الوقت كانوا يبحثون جادّين عن وسيلة قويّة تربط جأشهم، وتقوي عزيمتهم في مواجهة المسلمين الشجعان
1 هو حافة وادي الرقاد المحيط بالهضبة التي دار عليها القتال، حيث سقط فيه المقترنون بالسلاسل من الروم، فسُميَ بالياقوصة لأنّهم وُقِصُوا فيه، أي: سقطوا فيه، وهم لا يشعرون لشدّة ضغط المسلمين عليهم.
2 ذكرت الروايات أنّهم كانوا حوالي ثلاثون ألف في جانب الفرس، وثمانون ألف في جانب الروم. انظر:(الطبري: تاريخ 3/400) .
3 والجيش الذي قابله المسلمون في ذات السلاسل لم يكن من الروم، ولكنه كان من حلفائهم العرب المنتصرة، ولعلّهم أخذوا عادة التسلسل من حلفائهم، أو ربما شاركهم بعض الروم وتسلسلوا، والله تعالى أعلم.
في ميادين المعارك الذين كانوا أبطالاً لا يهابون الموت وبسبب تأييد الله عز وجل لهم، ونصره إيّاهم، بالرعب الذي يلقيه في قلوب أعدائهم، ثُمَّ بتحرُّقهم جميعاً في ميادين القتال للشهادة في سبيل الله، وتسابقهم عليها، ولِمَا يعرفون من فضلها العظيم1.
1 أخرج البخاري ومسلم عن أنس رضي الله عنه أن النبيّ صلى الله عليه وسلم قال: "ما أحد يدخل الجنّة يُحب أن يرجع إلى الدنيا وله ما على الأرض من شيء إلاّ الشهيد، يتمنى أن يرجع إلى الدنيا فيُقْتَل عشر مرات لِمَا يرى من الكرامة". وفي رواية: "لِمَا يرى من فضل الشهادة". (الصحيح 6/25) ، و (مسلم 1877) .