المَكتَبَةُ الشَّامِلَةُ السُّنِّيَّةُ

الرئيسية

أقسام المكتبة

المؤلفين

القرآن

البحث 📚

‌المبحث الرابع: الخلاف في نتيجة المعركة: - غزوة مؤتة والسرايا والبعوث النبوية الشمالية

[بريك العمري]

فهرس الكتاب

- ‌مقدمة

- ‌تمهيد

- ‌الباب الأول: السرايا والبعوث النبوية الشمالية قبل غزوة مؤتة

- ‌الفصل الأول: سرايا زيد بن حارثة رضي الله عنه

- ‌المبحث الأول: سرية زيد بن حارثة رضي الله عنه إلى وادى القرى

- ‌المطلب الأول: التعريف بوادى القرى

- ‌المطلب الثاني: الخلاف في سبب السرية:

- ‌المطلب الثالث: الخلاف في قائد السرية:

- ‌المطلب الرابع: تاريخ السرية:

- ‌المطلب الخامس: سير الأحداث:

- ‌المطلب السادس: الأحكام المستنبطة، والدروس والعبر المستفادة:

- ‌المبحث الثاني: سرية زيد بن الحارث رضى الله عنه إلى حسمى (جذام)

- ‌المطلب الأول: التعريف بحسمى

- ‌المطلب الثاني: سبب السرية:

- ‌المطلب الثالث: تاريخ السرية:

- ‌المطلب الرابع: سير الأحداث:

- ‌المبحث الثالث: سرية زيد بن حارثة رضي الله عنه إلى مدين

- ‌المطلب الأول: التعريف بمدين

- ‌المطلب الثاني: راوي الخبر وسياقه:

- ‌المطلب الثالث: تاريخ السرية:

- ‌المطلب الرابع: سير الأحداث:

- ‌الفصل الثاني: السرايا والبعوث النبوية إلى فدك

- ‌المبحث الأول: سرية على بن أبي طالب رضي الله عنه إلى بني مرة بفدك

- ‌المطلب الأول: تعريف بفدك

- ‌المطلب الثاني: تاريخ السرية، وسببها

- ‌المطلب الثالث: سير الأحداث

- ‌المطلب الرابع: الدروس والعبر المستقاة من أحداث السرية:

- ‌المبحث الثاني: سرية بشير بن سعد رضي الله عنه إلى بني مرة بفدك

- ‌المطلب الأول: تاريخ السرية

- ‌المطلب الثاني: سبب السرية:

- ‌المطلب الثالث: سير الأحداث:

- ‌المبحث الثالث: سرية غالب بن عبد الله الليثي إلى مصاب أصحاب بشير بن سعد بفدك (الحرقات)

- ‌المطلب الأول: الخلاف في السرية

- ‌المطلب الثاني: "تاريخ السرية:

- ‌المطلب الثالث: سير الأحداث:

- ‌المطلب الرابع: "الأحكام المستنبطة والعبر والدروس المستفادة:

- ‌الفصل الثالث: بقية السرايا والبعوث النبوية الشمالية قبل غزوة مؤتة

- ‌المبحث الأول: سرية عبد الرحمن بن عوف رضي الله عنه إلى دومة الجندل

- ‌المطلب الأول: التعريف بدومة الجندل

- ‌المطلب الثاني: تاريخ السرية:

- ‌المطلب الثالث: سير الأحداث:

- ‌المطلب الرابع: الدروس والعظات المستفادة:

- ‌المبحث الثاني: سرية بشير بن سعد رضي الله عنه إلى الجناب (يمن، وجبار)

- ‌المطلب الأول: التعريف بالجناب، ويمن، وجبار

- ‌المطلب الثاني: تاريخ السرية:

- ‌المطلب الثالث: سبب السرية:

- ‌المطلب الرابع: سير الأحداث:

- ‌المطلب الخامس: الأحكام المستنبطة والدروس المستفادة:

- ‌المبحث الثالث: سرية كعب بن عمير الغفاري رضي الله عنه إلى أطلاح

- ‌المطلب الأول: التعريف بذات أطلاح

- ‌المطلب الثاني: تاريخ السرية:

- ‌المطلب الثالث: سبب السرية:

- ‌المطلب الرابع: سير الأحداث:

- ‌المطلب الخامس: الدروس المستفادة:

- ‌الباب الثاني: غزوة مؤتة

- ‌الفصل الأول: إسم المعركة، وموقعها

- ‌المبحث الأول: إسم المعركة

- ‌المبحث الثاني: موقع المعركة:

- ‌الفصل الثاني: أسباب الغزوة، وتاريخها

- ‌المبحث الأول: أسباب الغزوة

- ‌المبحث الثاني: تاريخ الغزوة:

- ‌الفصل الثالث: حشد القوات الإسلامية

- ‌المبحث الأول: عدد الجيش، وتولية القيادة

- ‌المبحث الثاني: الوصايا التي تزوَّد بها الجيش، وتوديعه:

- ‌الفصل الرابع: حشد القوات الرومانية وحلفائها من القبائل المتنصرة

- ‌المبحث الأول: الخلاف في عددهم

- ‌المبحث الثاني: الخلاف في قادتهم:

- ‌الفصل الخامس: سير الأحداث

- ‌المبحث الأول: إحداث الطريق إلى مؤتة

- ‌المطلب الأول: تشاور المسلمين في معان

- ‌المطلب الثاني: التحرشات العائية التى تعرض لها المسلمون في طريقهم إلى مؤتة

- ‌المبحث الثاني: وصف المعركة

- ‌المطلب الأول: تعبئة المسلمين

- ‌المطلب الثاني: وصف حي لقتال القادة الثلاثة واستشهادهم:

- ‌المطلب الثالث: اشتعال المعركة بين الجيشين:

- ‌المطلب الرابع: تولى خالد بن الوليد رضي الله عنه القيادة وانسحابه بالمسلمين

- ‌الفصل السادس: نتائج المعركة

- ‌المبحث الأول: نقل النبي صلى الله عليه وسلم لأصحابه في المدينة أحداث المعركة

- ‌المبحث الثاني: تحرُّك النَّبِيّ صلى الله عليه وسلم بالمسلمين سريعاً لإمداد أهل مؤتة:

- ‌المبحث الثالث: شهداء المسلمين في المعركة، وقتلى العدو:

- ‌المبحث الرابع: الخلاف في نتيجة المعركة:

- ‌المبحث الخامس: ردة فعل أهل المدينة لنتيجة المعركة:

- ‌المبحث السادس: حزن النبي صلى الله عليه وسلم وأصحابه على قتلى مؤتة

- ‌الفصل السابع: الأحكام المستنبطة والدروس المستفادة من الغزوة

- ‌المبحث الأول: الأحكام المستنبطة

- ‌المبحث الثّاني: الدروس المستفادة:

- ‌الباب الثالث: السرايا والبعوث النبوية الشمالية بعد غزوة مؤتة

- ‌الفصل الأول: سرية عمرو بن العاص رضي الله عنه إلى ذات السلاسل

- ‌المبحث الأول: مسمى السرية ومكانها

- ‌المطلب الأول: مسمى السرية

- ‌المطلب الثّاني: مكانها، أو الجهة التي توجَّهت إليها السّرية:

- ‌المبحث الثّاني: سبب السّرية:

- ‌المبحث الثّالث: تاريخ السّرية:

- ‌المبحث الرّابع: عدد الجيش، وقائده:

- ‌المبحث الخامس: سير الأحداث:

- ‌المبحث السّادس: الأحكام المستنبطة، والدّروس المستفادة:

- ‌الفصل الثاني: سرية خالد بن الوليد رضي الله عنه إلى الأكيدر

- ‌المبحث الأول: تاريخ السرية

- ‌المبحث الثّاني: قُوَّة السّريّة، وقَائدُها:

- ‌المبحث الثالث: سير الأحداث:

- ‌المبحث الرّابع: الخِلاف في إسلام الأكيدر:

- ‌المبحث الخامس: الدروس المستفادة

- ‌الفصل الثالث: سرية أسامة بن زيد رضي الله عنه إلى أبنى

- ‌المبحث الأول: التعريف بأبنى

- ‌المبحث الثّاني: تاريخ السّريّة:

- ‌المبحث الثّالث: سبب السّرية والمهمّة التي أُنيطت بها:

- ‌المبحث الرّابع: مراسم تولية القائد، ووصيّة النّبيّ صلى الله عليه وسلم

- ‌المبحث الخامس: الطّعن في قائد الجيش

- ‌المبحث السّادس: سير الأحداث:

- ‌المبحث السّابع: الأحكام المستنبطة، والدّروس المستفادة:

- ‌مصادر ومراجع

الفصل: ‌المبحث الرابع: الخلاف في نتيجة المعركة:

‌المبحث الرابع: الخلاف في نتيجة المعركة:

اختلف أهل المغازي حول نتيجة مؤتة اختلافاً كبيراً، وثمرة هذا الخلاف ثلاثة أقوال:

[83]

القول الأوَّل: إنَّ المسلمين هَزموا الروم هزيمة منكرة في مؤتة.

وهذا القول أشار إليه الزهري، فيما رواه عنه الطبراني1، ونقله عنه ابن هشام بلاغاً2، وهو اختيار موسى بن عقبة3، ورواه ابن عائذ بسنده عن العطَّاف بن خالد4، ورجَّحه البيهقي5، وابن كثير6.

1 سبق تخريج رواية الزهري برقم [2] .

2 انظر: (ابن هشام: سيرة 4/383) .

3 سبق تخريج رواية موسى بن عقبة برقم [2] ، ويلاحظ على رواية موسى أنَّها مطابقة تماماً لرواية الزهري، مِمَّا يُعْطِي انطباعاً أنه رواها عنه. والله تعالى أعلم.

4 سبق تخريجه برقم [71] .

5 قال البيهقي (دلائل 4/375) : قد اختلف أهل المغازي في فرارهم وانحيازهم، منهم مَن ذهب إلى ذلك، ومنهم مَن زعم أنَّ المسلمين ظهروا على المشركين وانهزم المشركون، وحديث أنس بن مالك عن النَّبيّ صلى الله عليه وسلم:"ثُمَّ أخذها خالد ففتح عليه"، يدل على ظهوره عليهم. والله تعالى أعلم بالصواب.

6 قال ابن كثير (البداية 4/249-250) بعد أن ساق حديث عوف بن مالك الأشجعي رضي الله تعالى عنه: "وهذا يقتضي أنَّهم غنموا منهم وسلبوا من أشرافهم، وقتلوا من أمرائهم، وقد تقدَّم فيما رواه البخاري أنَّ خالداً رضي الله عنه قال: اندقَّت في يدي يوم مؤتة تسعة أسياف وما ثبت في يدي إلَاّ صفحة يمانية. وهذا يقتضي أنَّهم أثخنوا فيهم قتلاً، ولو لم يكن كذلك لما قدروا على التخلُّص منهم. هذا وحده دليلٌ مستقلٌّ، وقد ذكر ابن إسحاق: أنَّ قطبة بن قتادة العذري – وكان رأس ميمنة المسلمين - حمل على مالك بن زافلة، ويقال: رافلة، وهو أمير أعراب النصارى فقتله، وقال يفتخر بذلك:

طعنت بن رافلة الأراشي

برمحٍ مضى فيه ثُمَّ انحطم

فذكر شعره إلى أن قال:

وسقنا نساء بني عَمِّه

غداة رقوقين س وق النعم

وهذا يؤيد ما نحن فيه، لأنَّ مِن عادة أمير الجيش إذا قُتِلَ أن يفرَّ أصحابه، ثُمَّ إنه صرَّح في شعره بأنَّهم سبوا من نسائهم. وهذا واضح فيما ذكرناه. والله أعلم.

ص: 342

84] القول الثاني: إنَّ الروم هم الذين هَزموا المسلمين.

وجزم به الواقدي1، وكاتبه ابن سعد2، وقال به طائفة من المستشرقين3، ومن تبعهم من المستغربين وغيرهم من بعض الباحثين

1 ذكر الواقدي (مغازي 2/763-764) خمس روايات تُدَلِّل على هزيمة خالد بالناس. ثُمَّ قال - مُعَلِّقاً على روايةٍ ذكرها حول اشتداد المعركة حينما أخذ خالد ابن الوليد رضي الله تعالى عنه الراية-:والأول أثبت عندنا أنَّ خالداً انهزم بالناس.

قلت: وهذا خلاف ما نقله عنه ابن كثير (البداية 4/249) من أنه اختار الرأي الأوَّل. والله تعالى أعلم.

2 قال ابن سعد (الطبقات 2/129) في روايته: "فاصطلح الناس على خالد بن الوليد فأخذ اللواء، وانكشف الناس، فكانت الهزيمة".

3 انظر مثلاً ما قاله (لانكستر هاردنج: آثار الأردن 133، وجان جلوب: الفتوحات العربية 136) . وانظر:

East Of The Jordan، By: Fr.Eng - Enehoade، Page: 185

ص: 343

[المعاصرين1.

[85]

القول الثالث: انسحاب خالد بن الوليد رضي الله تعالى عنه بالمسلمين - بعد تولِّيه القيادة - من ميدان المعركة بعد قتالٍ قويّ ومرير، ثُمَّ إحجام الروم عن مهاجمة المسلمين بعد خطَّته الإيهامية الذكية بتغييره مراكز الجيش، ومِن ثَمَّ انسحاب كُلّ طرف عن الآخر دون قتال.

وهذا القول وردت به رواية حسنة إلى شاهد عيان من المعركة2، وهو اختيار محمَّد بن إسحاق3، ورواه ابن عائذ بسنده عن

1 انظر: بولس سلمان: خمسة أعوام في شرق الأردن 210، وجورجي زيدان: تاريخ التمدُّن الإسلامي 61، ومحمَّد لطفي جمعة: ثورة الإسلام 1016، وإبراهيم العدوي: الامبراطورية البيزنطية 37، وعمر فرُّوخ: تاريخ صدر الإسلام 69، ورشيد الجميلي: تاريخ العرب في الجاهلية 324 نقلاً عن الدكتور العتوم، تجربة مؤتة: 159-161.

2 من رواية عبَّاد بن عبد الله، عن أبيه من بني مرَّة، وقد سبق تخريجها برقم [51] .

3 استدلَّ ابن إسحاق على رأيه بشعر أحد شهود المعركة، وهو قيس بن المسحر اليعمري، الذي قال فيه:

وقفت بها مستجيراً فنافذاً

ولا مانعاً من كان حُمَّ به القتلُ

على أنَّني آسيت نفسي بخالدٍ

ألا خالدٌ في القومِ ليس له مثلُ

قال ابن إسحاق: فبيَّن قيس ما اختلف فيه الناس من ذلك في شعره، أنَّ القوم حاجزوا وكرهوا الموت، وحقَّق انحياز خالد بمن معه. انظر (ابن هشام: سيرة 4/383) .

ص: 344

رجلٍ من بني سلامان1، وابن عبد البر2، وابن حزم3، وابن سَيّد النَّاس4، ورجَّحه ابن القيم5، واعتمده معظم المؤرِّخين المعاصرين. وهذا القول وسط بين القولين السابقين، وهو الراجح فيما يبدو لي لعدَّة اعتبارات، فهو قول غالبية أهل المغازي كما رأينا.

كما أنَّ القول بهزيمة المسلمين غير صحيح لثلاثة أُمور:

أولاً: الروايات في ذلك ضعيفة، فهي عن الواقدي، وتلميذه ابن سعد الذي يعدّ في غالب الظَّن ناقلاً عن شيخه، والواقدي متروك خاصّةً إذا انفرد. ورواية أبي موسى التي ذكرها ابن سعد ضعيفة أيضاً.

ثانياً: مخالفة هذه الروايات لرواية الصحيح، وقول النَّبيّ صلى الله عليه وسلم فيه: ففتح الله عليهم.

ثالثاً: قلة قتلى المسلمين في المعركة، وعدم وقوع أسرى منهم في أيدي العدو، وكل ذلك يخالف ما يكون عليه المنهزم عادةً في المعركة.

أيضاً القول بهزيمة الروم وحلفائهم في المعركة، غير صحيح، لثلاثة أسباب:

1 سبق تخريجه برقم [4] .

2 الدرر 223.

3 جوامع السيرة 222.

4 عيون الأثر 2/201.

5 قال ابن القيم (زاد 2/156) : والصحيح ما ذكره ابن إسحاق أنَّ كُلَّ فئة انحازت عن الأُخرى.

ص: 345

أولاً: لو أنَّ المسلمين هَزموا الروم وحلفاءهم في مؤتة، لاشتهر ذلك، وذاع صيته، ولتواتر تواتراً يُؤمن بجانبه الكذب، وبخاصّةً أنَّ أوَّل مواجهة قتالية بين المسلمين والروم كما كانت بدر أوَّل مواجهة قتالية بين المسلمين والمشركين، وقد تواترت نتيجتها، وذاع صيتها، وبلغ صداها أرجاء الجزيرة العربية.

ثانياً: وقوع عدد كبير من الأسرى في أيدي المسلمين، وذلك ما لم تذكره الروايات.

ثالثاً: طرد الروم وحلفائهم من المناطق التي كانت خاضعة لسلطانهم في منطقة مؤتة، وما حولها، وإخضاعها لنفوذ المسلمين، وذلك لم يحدث، حيث استمر الروم وحلفاؤهم في المنطقة يُشَكِّلون تهديداً للمسلمين، بدليل بَعْث النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم سرايا وبُعُوث إلى تلك المنطقة بعد مؤتة، ثُمَّ مسيره صلى الله عليه وسلم بنفسه على رأس جيش العُسْرة إلى تبوك.

إذاً القول الراجح: هو أنَّ سيف الله المسلول، خالد بن الوليد رضي الله عنه قام "بعملية انسحاب بارعة دلَّت على مهارته الحربية الفائقة"1.

ولقد "كانت عملية التراجع والانسحاب التي قام بها خالد بن الوليد في أثناء معركة مؤتة من أكثر العمليات في التاريخ العسكري مهارةً ونجاحاً"2.

1 با شميل: غزوة مؤتة 261.

2 ياسين سويد: معارك خالد بن الوليد 171.

ص: 346

"ومثل هذا التدبير من خالد، ليس بالعمل الميسور الذي يستطيعه كُلّ قائد، بل هو عمل عظيم جسيم يتطلَّب مهارةً وحزماً، ورباطة جأش، وثقةً بنصر الله، وكثيراً ما عرف التاريخ قُوَّاداً عِظاماً كان السر في شهرتهم إنجاء جيوشهم من مثل هذا الموقف الحرج الذي لو اختلَّ أقل تدبير فيه لفني الجيش"1، ولكن خالد بن الوليد - رضي الله تعالى عنه - كان له قصب السِّبْق في ذلك، فعلى الرغم من ضغط القوَّات المتحالفة على المسلمين بشدَّة، وكثرة كاثرة، استطاع ذلك البطل أن ينظم انسحاباً قوياً ناجحاً دون أدنى خسائر تُذْكَر، مع الإثخان في العدو، وهو أمر يخالف ما جرت به العادة من أنَّ المنسحِب هو الذي في الغالب يتكبَّد الخسائر، فلمَّا صار العكس وأفلت خالد - رضي الله تعالى عنه - بجيشه من قبضة العدوّ رغم تشديدهم الضغط عليهم، اعتبره المصطفى صلى الله عليه وسلم فتحاً، بل نصراً مؤزَّراً، استحق عليه اللقب الذي قلَّده إياه القائد الأعلى للقوَّات الإسلامية، وهو الذي شاهد أحداث المعركة عِياناً بواسطة النقل الإلهي.

"ولقد عرف له الرسولُ صلى الله عليه وسلم حسن تدبيره""ونجاحه في الانسحاب بجيشه بانتظام دونما خسارة تذكر""فلقَّبه سيف الله وهو وسام لم يمنحه أحَد من الصحابة"4، "بل هو أوَّل وسام يمنح لقائد في

1 أبو زيد شلبي: خالد بن الوليد 64.

2 أبو زيد شلبي: خالد بن الوليد 64.

3 با شميل: غزوة مؤتة 261.

4 أبو زيد شلبي: خالد بن الوليد 64.

ص: 347

تاريخ الإسلام"1، بل في التاريخ البشري عامة، "ولعلَّ الرسولَ صلى الله عليه وسلم كان أسبق من غيره، في تقدير القوَّاد العِظام"2. "ولعمري مهما أجاد الإنسان في وصفه ومدحه، فلن يصفه بأحسن ولا بأوفى مِمَّا وصفه به رسولُ الله صلى الله عليه وسلم "3.

لقد "مضى خالد بلقب سيف الله في مؤتة، والذين يدَّعون ذلك كثيرون، أمَّا الذي يملك الشهادة من رسولِ الله صلى الله عليه وسلم وحده في الدُّنيا هو خالد بن الوليد"4. أخرج الحاكم، وصحَّحه، عن الشعبي، عن عبد الله بن أبي أوفى: "أنَّ رسولَ الله صلى الله عليه وسلم قال: لا تُؤذوا خالداً، فإنه سيفٌ من سيوفِ الله صبَّه على الكُفَّار"5.

"إنَّ الجماعة المسلمة بحاجةٍ أنْ تُفْقَه معادن الرجال، وتضع الرجال في مواضعهم وهي تخوض معركتها مع العدوّ"6.

1 با شميل: غزوة مؤتة 261.

2 أبو زيد شلبي: خالد بن الوليد 64.

3 المصدر السابق.

4 منير غضبان: فقه السيرة 546.

5 المستدرك 3/338.

6 منير غضبان: فقه السيرة 546.

ص: 348