الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
المطلب الثاني: تاريخ السرية، وسببها
1:
أولاً: تاريخ السرية:
ذكر ابن إسحاق خبر السرية مقتضباً في جملة السرايا، لذلك لم يذكر لها تاريخاً محدَّداً، وإنَّما ذكرها بعد سرية غالب بن عبد الله الليثي إلى بني الملوح2".
وانفرد الواقدي، وابن سعد، بالإسهاب في الحديث عن خبر السرية كعادتهما، نقلاً عن شيوخهما، فكان من الطبعي أن يذكرا لها تاريخاً محدَّداً حيث ذكرا أنها كانت في شعبان سنة ست من مهاجر رسول الله صلى الله عليه وسلم3".
وذكرها خليفة بن خياط كذلك ضمن السرايا التي كانت سنة ست من الهجرة، دون أن يحدِّد الشهر الذي أُرسِلَت فيه4".
ونقل الطبري5، وابن القيم6، وابن كثير7، حديث الواقدي
1 نظراً لما أشارت إليه الروايات من العلاقة الوثيقة بين تاريخ السرية، وسببها، لأجل ذلك أدمجت الاثنين في مطلبٍ واحدٍ حتَّى لا يتكرَّر الكلام، وحتَّى يكون التعليق عليهما منسجماً ومتوافقاً.
2 ابن هشام: سيرة 4/344.
3 المغازي 2/562 - 563، الطبقات 2/89 – 90.
4 تاريخ 79.
5 تاريخ 2/642.
6 زاد المعاد 2/284.
7 البداية والنهاية 4/181.
عنها في أحداث السنة السادسة، دون تعليق منهم على ذلك".
وكذلك ابن سيد النَّاس نقلاً عن ابن سعد1.
واقتصر الشامي على رواية الواقدي، لكنَّه لم يذكر شيئاً في شرحه عن تاريخ السرية2".
أمَّا القسطلاني3، والمقريزي4، فإنَّهما تابعا الواقدي، وابن سعد في روايتيهما".
ثانياً: "سبب السرية:
ذكر خليفة بن خياط أنَّ السرية كانت إلى فدك، وأنَّ علي بن أبي طالب رضي الله عنه أخذها5".
بينما ذكر الواقدي، وابن سعد، وهما مَن حَدَّدا تاريخ السرية بدقة أنَّها كانت بسبب المعلومات التي بلغت رسول الله صلى الله عليه وسلم عن بني سعد بن بكر بأنَّ لهم تحرُّكات وحشوداً استعدادية لإمداد يهود خيبر6".
1 عيون 2/144.
2 سبل 6/154 – 156.
3 المواهب 1/480.
4 امتاع 1/268.
5 تاريخ 79.
6 المغازي 2/562، الطبقات 2/89
قال الحلبي (سيرة 3/186) معلقاً على ذلك: قوله يريدون أن يمدوا يهود خيبر يقتضي بظاهره أنَّ ذلك كان عند محاصرة خيبر أو عند إرادة ذلك، وفيه ما لا يخفى لما تقدَّم، والله تعالى أعلم.
قلت: الذي لا يخفى ولم يذكره الحلبي هو أنَّ خيبر كانت في شهر جمادى الأولى سنة سبع كما يذكر ابن سعد (طبقات 2/106) ، وفي شهر صفر أو بداية شهر ربيع الأول كما يذكر الواقدي (مغازي 2/633) ، وما ذكراه من تاريخ هذه السرية وأنه شعبان سنة ست يتنافى مع سياق الأحداث، حيث أنَّ بين الغزوة والسرية ثمانية أشهر أو تسعة أشهر بحسب ما ذكراه، وذلك وقت طويل جداً حدثت فيه أحداث مهمة من غزوات وسرايا وبعوث، وغير ذلك، فهل يمكن بعد ذلك القول بأنَّ سبب هذه السرية هو منع أولئك الأعراب من بني سعد بن بكر من التحشد لنصرة أو إمداد يهود خيبر ضد المسلمين في ذلك الوقت المبكر؟! والذي ربما لم يعقد فيه رسول الله صلى الله عليه وسلم العزم بعد لغزو خيبر، لأنَّ الاستراتيجية العسكرية في ذلك الوقت كانت موجهة وبتركيز أكبر نحو قريش وحلفائها، ولم تتغير تلك الاستراتيجية وتتحول نحو اليهود وحلفائهم في خيبر وما حولها إلَاّ بعد الحديبية وعقد الهدنة مع قريش وحلفائها.
وإذا فرضنا جدلاً وسلَّمنا بصحة هذا التوجه، وأنَّ ذلك فعلاً هو سبب هذه السرية، فلا يمكن حينها التسليم بصحة التاريخ المذكور للسرية لعدم التوافق والانسجام بينهما كما ذكرنا سلفاً. فلابدَّ أن يكون تاريخها متأخرٌ عمَّا ذكره الواقدي وابن سعد.
فيمكن أن تكون هذه السرية قبيل خيبر، وذلك ضمن الجهود المبذولة من النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم لتحطيم الحلف الخيبري الذي كان قائماً بين يهودها والقبائل المحيطة بخيبر، والذين كان لهم دورٌ بارزٌ في غزوة الأحزاب، وذلك
ضمن الاستراتيجية العسكرية التي وضحها بعد هزيمة الأحزاب بقوله: " (الآن نغزوهم ولا يغزونا".
وما قيل في سبب السرية يؤكِّد أنَّها قبل خيبر بقليل، أو في أثناء توجُّه النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم إليها، وهو الأرجح، ويؤيده قول الرجل لوبر بن عليم قائد بني سعد حينما رآه منهزماً مع قومه من أمام المسلمين:
[1]
"إني أرى أمر محمَّدٍ أمراً قد أمن وغلظ، أوقع بقريشٍ فصنع بهم ما صنع، ثُمَّ أوقع بأهل الحصون بيثرب، قينقاع وبني النضير وقريظة، وهو سائرٌ إلى هؤلاء بخيبر1".
فذلك دليل قوي على أنَّ السرية كانت في أثناء مسير النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم إلى خيبر، حيث وردت إليه معلومات استخبارتية أنَّ أولئك الأعراب من بني سعد في تحشُّدٍ سريعٍ لإمداد يهود خيبر، فسارع ببعث السرية إليهم قبل أن تستكمل استعداداتهم لذلك".
والغريب أنَّ الواقدي ساق هذه الرواية ولم يُعَلِّق عليها على الرغم من أنَّها تخالف ما ذكره من تاريخ السرية وأنه في شعبان سنة ست، فلعلَّه رحمه الله تعالى وَهِمَ في ذكر هذا التاريخ".
والله تعالى أعلم".
1 أخرجه الواقدي (مغازي2/563) بسنده عن عيسى بن عليلة، عن أبيه، عن جده.