المَكتَبَةُ الشَّامِلَةُ السُّنِّيَّةُ

الرئيسية

أقسام المكتبة

المؤلفين

القرآن

البحث 📚

‌المبحث الخامس: سير الأحداث: - غزوة مؤتة والسرايا والبعوث النبوية الشمالية

[بريك العمري]

فهرس الكتاب

- ‌مقدمة

- ‌تمهيد

- ‌الباب الأول: السرايا والبعوث النبوية الشمالية قبل غزوة مؤتة

- ‌الفصل الأول: سرايا زيد بن حارثة رضي الله عنه

- ‌المبحث الأول: سرية زيد بن حارثة رضي الله عنه إلى وادى القرى

- ‌المطلب الأول: التعريف بوادى القرى

- ‌المطلب الثاني: الخلاف في سبب السرية:

- ‌المطلب الثالث: الخلاف في قائد السرية:

- ‌المطلب الرابع: تاريخ السرية:

- ‌المطلب الخامس: سير الأحداث:

- ‌المطلب السادس: الأحكام المستنبطة، والدروس والعبر المستفادة:

- ‌المبحث الثاني: سرية زيد بن الحارث رضى الله عنه إلى حسمى (جذام)

- ‌المطلب الأول: التعريف بحسمى

- ‌المطلب الثاني: سبب السرية:

- ‌المطلب الثالث: تاريخ السرية:

- ‌المطلب الرابع: سير الأحداث:

- ‌المبحث الثالث: سرية زيد بن حارثة رضي الله عنه إلى مدين

- ‌المطلب الأول: التعريف بمدين

- ‌المطلب الثاني: راوي الخبر وسياقه:

- ‌المطلب الثالث: تاريخ السرية:

- ‌المطلب الرابع: سير الأحداث:

- ‌الفصل الثاني: السرايا والبعوث النبوية إلى فدك

- ‌المبحث الأول: سرية على بن أبي طالب رضي الله عنه إلى بني مرة بفدك

- ‌المطلب الأول: تعريف بفدك

- ‌المطلب الثاني: تاريخ السرية، وسببها

- ‌المطلب الثالث: سير الأحداث

- ‌المطلب الرابع: الدروس والعبر المستقاة من أحداث السرية:

- ‌المبحث الثاني: سرية بشير بن سعد رضي الله عنه إلى بني مرة بفدك

- ‌المطلب الأول: تاريخ السرية

- ‌المطلب الثاني: سبب السرية:

- ‌المطلب الثالث: سير الأحداث:

- ‌المبحث الثالث: سرية غالب بن عبد الله الليثي إلى مصاب أصحاب بشير بن سعد بفدك (الحرقات)

- ‌المطلب الأول: الخلاف في السرية

- ‌المطلب الثاني: "تاريخ السرية:

- ‌المطلب الثالث: سير الأحداث:

- ‌المطلب الرابع: "الأحكام المستنبطة والعبر والدروس المستفادة:

- ‌الفصل الثالث: بقية السرايا والبعوث النبوية الشمالية قبل غزوة مؤتة

- ‌المبحث الأول: سرية عبد الرحمن بن عوف رضي الله عنه إلى دومة الجندل

- ‌المطلب الأول: التعريف بدومة الجندل

- ‌المطلب الثاني: تاريخ السرية:

- ‌المطلب الثالث: سير الأحداث:

- ‌المطلب الرابع: الدروس والعظات المستفادة:

- ‌المبحث الثاني: سرية بشير بن سعد رضي الله عنه إلى الجناب (يمن، وجبار)

- ‌المطلب الأول: التعريف بالجناب، ويمن، وجبار

- ‌المطلب الثاني: تاريخ السرية:

- ‌المطلب الثالث: سبب السرية:

- ‌المطلب الرابع: سير الأحداث:

- ‌المطلب الخامس: الأحكام المستنبطة والدروس المستفادة:

- ‌المبحث الثالث: سرية كعب بن عمير الغفاري رضي الله عنه إلى أطلاح

- ‌المطلب الأول: التعريف بذات أطلاح

- ‌المطلب الثاني: تاريخ السرية:

- ‌المطلب الثالث: سبب السرية:

- ‌المطلب الرابع: سير الأحداث:

- ‌المطلب الخامس: الدروس المستفادة:

- ‌الباب الثاني: غزوة مؤتة

- ‌الفصل الأول: إسم المعركة، وموقعها

- ‌المبحث الأول: إسم المعركة

- ‌المبحث الثاني: موقع المعركة:

- ‌الفصل الثاني: أسباب الغزوة، وتاريخها

- ‌المبحث الأول: أسباب الغزوة

- ‌المبحث الثاني: تاريخ الغزوة:

- ‌الفصل الثالث: حشد القوات الإسلامية

- ‌المبحث الأول: عدد الجيش، وتولية القيادة

- ‌المبحث الثاني: الوصايا التي تزوَّد بها الجيش، وتوديعه:

- ‌الفصل الرابع: حشد القوات الرومانية وحلفائها من القبائل المتنصرة

- ‌المبحث الأول: الخلاف في عددهم

- ‌المبحث الثاني: الخلاف في قادتهم:

- ‌الفصل الخامس: سير الأحداث

- ‌المبحث الأول: إحداث الطريق إلى مؤتة

- ‌المطلب الأول: تشاور المسلمين في معان

- ‌المطلب الثاني: التحرشات العائية التى تعرض لها المسلمون في طريقهم إلى مؤتة

- ‌المبحث الثاني: وصف المعركة

- ‌المطلب الأول: تعبئة المسلمين

- ‌المطلب الثاني: وصف حي لقتال القادة الثلاثة واستشهادهم:

- ‌المطلب الثالث: اشتعال المعركة بين الجيشين:

- ‌المطلب الرابع: تولى خالد بن الوليد رضي الله عنه القيادة وانسحابه بالمسلمين

- ‌الفصل السادس: نتائج المعركة

- ‌المبحث الأول: نقل النبي صلى الله عليه وسلم لأصحابه في المدينة أحداث المعركة

- ‌المبحث الثاني: تحرُّك النَّبِيّ صلى الله عليه وسلم بالمسلمين سريعاً لإمداد أهل مؤتة:

- ‌المبحث الثالث: شهداء المسلمين في المعركة، وقتلى العدو:

- ‌المبحث الرابع: الخلاف في نتيجة المعركة:

- ‌المبحث الخامس: ردة فعل أهل المدينة لنتيجة المعركة:

- ‌المبحث السادس: حزن النبي صلى الله عليه وسلم وأصحابه على قتلى مؤتة

- ‌الفصل السابع: الأحكام المستنبطة والدروس المستفادة من الغزوة

- ‌المبحث الأول: الأحكام المستنبطة

- ‌المبحث الثّاني: الدروس المستفادة:

- ‌الباب الثالث: السرايا والبعوث النبوية الشمالية بعد غزوة مؤتة

- ‌الفصل الأول: سرية عمرو بن العاص رضي الله عنه إلى ذات السلاسل

- ‌المبحث الأول: مسمى السرية ومكانها

- ‌المطلب الأول: مسمى السرية

- ‌المطلب الثّاني: مكانها، أو الجهة التي توجَّهت إليها السّرية:

- ‌المبحث الثّاني: سبب السّرية:

- ‌المبحث الثّالث: تاريخ السّرية:

- ‌المبحث الرّابع: عدد الجيش، وقائده:

- ‌المبحث الخامس: سير الأحداث:

- ‌المبحث السّادس: الأحكام المستنبطة، والدّروس المستفادة:

- ‌الفصل الثاني: سرية خالد بن الوليد رضي الله عنه إلى الأكيدر

- ‌المبحث الأول: تاريخ السرية

- ‌المبحث الثّاني: قُوَّة السّريّة، وقَائدُها:

- ‌المبحث الثالث: سير الأحداث:

- ‌المبحث الرّابع: الخِلاف في إسلام الأكيدر:

- ‌المبحث الخامس: الدروس المستفادة

- ‌الفصل الثالث: سرية أسامة بن زيد رضي الله عنه إلى أبنى

- ‌المبحث الأول: التعريف بأبنى

- ‌المبحث الثّاني: تاريخ السّريّة:

- ‌المبحث الثّالث: سبب السّرية والمهمّة التي أُنيطت بها:

- ‌المبحث الرّابع: مراسم تولية القائد، ووصيّة النّبيّ صلى الله عليه وسلم

- ‌المبحث الخامس: الطّعن في قائد الجيش

- ‌المبحث السّادس: سير الأحداث:

- ‌المبحث السّابع: الأحكام المستنبطة، والدّروس المستفادة:

- ‌مصادر ومراجع

الفصل: ‌المبحث الخامس: سير الأحداث:

‌المبحث الخامس: سير الأحداث:

في شتاءٍ باردٍ عام ثمانٍ من الهجرة النبوية المباركة، وفي شهر جمادى الآخرة منه - كما حدّده أكثر أهل المغازي1 - بَعَثَ رسولُ الله صلى الله عليه وسلم إلى عمرو بن العاص رضي الله عنه.

[25]

"فقال: خُذ عليك ثيابك وسلاحك ثُمَّ ائتني"2.

قال عمرو رضي الله عنه:

[26]

"فأتيته وهو يتوضّأ، فصعّد فيَ النظر، ثُمَّ طَأطأ، فقال: إنّي أُريد أن أبعثك في جيشٍ فيُسَلِّمك الله ويُغَنِّمك، وأرغب لك من المال رغبةً صالحة، قال: قلت: يا رسول الله! ما أسلمت من أجل المال. ولكني أسلمت رغبة في الإسلام، وأن أكون مع رسول الله صلى الله عليه وسلم. فقال: يا عمرو! نِعْمَ المال الصّالح للمرء الصالح"3.

وفي المسجد النبوي الشريف، كما هو المعتاد في مثل هذه الحالة، تَتِمُّ مراسم تولية عمرو بن العاص رضي الله عنه رسميّاً قائداً على الجيش.

يُحدَّثُنا الحارث بن حسَّان رضي الله عنه قال: قدمت المدينة:

1 انظر: الأقوال في تاريخ السرية، في المبحث الثالث من هذا الفصل.

2 سبق تخريجها برقم: [15] .

3 سبق تخريجها برقم: [15] .

ص: 413

[27]

"فإذا المسجد غاصّ بأهله، وإذا راية سوداء تخفق، وبلال متقلِّد السيف بين يدي رسولِ الله صلى الله عليه وسلم، فقلت: ما شأن النّاس؟ "1.

[28]

"قالوا: هذا رسول الله صلى الله عليه وسلم يريد أن يبعث عمر بن العاص وجهاً"2.

وينفرد الواقدي، وابن سعد في تحديد عدد الجيش، فيذكران أنّهم كانوا:"ثلثمائة من سراة المهاجرين والأنصار، ومعهم ثلاثون فرساً"3.

ويسرد الواقدي أسماء بعض المشاركين من المهاجرين والأنصار، وبينما وردت أسماء أخر من خلال سياق الأحداث في جميع الروايات4.

ويذكر ابن سعد أنّ رسول الله صلى الله عليه وسلم عقد لعمرٍ لواءً أبيض، وجعل معه راية سوداء:

[29]

"وأمره أن يستعين بمن يَمُرُّ به من بليّ، وعذرة، وبلقين"5.

[30]

"وذلك أنّ أمّ العاص بن وائل كانت امرأة من بليّ، فبعثه رسول الله صلى الله عليه وسلم إليهم يستألفهم لذلك"6.

[31]

"فسار الليل وكمن النهار. فلمّا قرب من القوم بلغه أنّ لهم جمعاً كثيراً، فبعث رافع بن مكيث الجهني إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم يستمدّه"7.

1 سبق تخريجها برقم: [16] .

2 سبق تخريجها برقم: [16] .

3 هذا لفظ ابن سعد. وقد سبق تخريجها برقم: [3] . (انظر: المبحث الرابع) .

4 انظر ص:

5 من رواية ابن سعد. وقد سبق تخريجها برقم: [3] .

6 من رواية ابن إسحاق عند الطبري. وقد سبق تخريجها برقم: [1] .

7 أي: يطلب المدد والعون. وقد سبق تخريجها برقم: [3] .

ص: 414

[32]

"فندب رسول الله صلى الله عليه وسلم المهاجرين الأوّلين، فانتدب فيهم أبو بكر، وعمر بن الخطاب في سراة المهاجرين، وأمّر عليهم أبا عبيدة بن الجرّاح، فأمدّ بهم عمرو بن العاص"1. وقال لأبي عبيدة حين وجّهه: "لا تختلفا"2.

ويذكر الواقدي، وابن سعد: أنّهم كانوا مائتين من سراة المهاجرين والأنصار3.

[33]

"فلمّا قدموا على عمرو قال: أنا أميركم، وأنا أرسلت إلى رسول الله أستمده بكم. قال المهاجرون: بل أنت أمير أصحابك، وأبو عبيدة أمير المهاجرين، فقال عمرو: إنما أنتم مدد أُمْدِدتُ به، فلمّا رأى ذلك أبو عبيدة، وكان رجلاً حسن الخُلق، لَيِّن الشكيمة4، سعى لأمر رسول الله صلى الله عليه وسلم عليه، وعهده. قال: يا عمرو إنّ آخر ما عهد إليَّ رسول الله صلى الله عليه وسلم أن قال: إذا قدمت على صاحبك فتطاوعا، وإنّك إن عصيتني لأطيعنّك. فسلّم أبو عبيدة الإمارة لعمرو بن العاص"5.

1 من رواية موسى بن عقبة. وقد سبق تخريجها برقم: [8] .

2 من رواية ابن إسحاق عند الطبري. وقد سبق تخريجها برقم: [1] .

3 انظر: ص: 347.

4 أي: ليّن الخُلُق، سمحه.

5 من رواية موسى. وقد سبق تخريجها برقم: [8] .

ص: 415

[34]

وتذكر بعض الروايات1 أنّ ذلك الأمر لم يرق لبعض المهاجرين باعتبار أسبقيتهم للإسلام، ورأوا أن عمرو رضي الله عنه استبدّ بالإمارة دون أبي عبيدة بن الجراّح رضي الله عنه، وأنّه دارت مناقشات حول هذا الموضوع، ولكنّ أبا عبيدة رضي الله عنه وبِمّا عُرِفَ عنه من الحكمة والكياسة، استطاع إقناعهم بالحُسنى بأنّه آثر الطاعة والامتثال لأمر النّبيّ صلى الله عليه وسلم خشية الفرقة والفتنة بين المسلمين2.

فأطاع الجيش كله لعمرو بن العاص رضي الله عنه، فكان عمرو يُصَلِّي بالناس، وكان الجوّ شاتياً شديد البرودة في تلك المناطق، ويوماً مّا:

[35]

"أصابهم بردٌ شديدٌ، لَمْ يُرَ مثله، فخرج لصلاة الصّبْح فقال: والله لقد احتلمت البارحة، ولكنّي والله ما رأيت برداً مثل هذا، أهل مرَّ على وجوهكم مثله؟ قالوا: لا. فغسل مغابنه3 وتوضّأ وضوءه للصلاة، ثُمَّ صلَّى بهم". وفي رواية: "فتيمَّم"4

1 انظر رواية الشعبي عند أحمد (المسند 1/196، ورواية الزهري عند عبد الرّزّاق (المصنَّف 5/452-454) .

2 كان مِمَّا قال أبو عبيدة رضي الله عنه: "إن رسول الله صلى الله عليه وسلم عهد إليّ وإليه أن لا تتعاصيا، فخشيت إن لم أُطعه أن أعصى رسول الله صلى الله عليه وسلم ويدخل بيني وبينه الناس. وإني والله لأطيعنه حتى أقفل". (ابن عساكر: تاريخ: المجلدة الأولى (1/405-406) .

3 المغابن: الأرفاغ. وهي بواطن الأفخاذ عند الحوالب. (الجوهري: الصحاح، وابن الأثير: النهاية، مادة: غبن) .

4 أخرجه أبو داود (انظر: عون المعبود 1/532) ، والحاكم (المستدرك 1/285) وهذا لفظه.

ص: 416

.....................................................................................................

كلاهما من حديث عبد الله بن وهب عن ابن لهيعة وعمرو بن الحارث، عن يزيد بن أبي حبيب، عن عمران بن أنس، عن عبد الرحمن بن جبير، عن أبي قيس، مولى عمرو بن العاص، عن عمرو بن العاص رضي الله عنه.

وقال أبو داود: وروى هذه القصة عن الأوزاعي عن حسان بن عطية. قال: فيه فتيمم.

وقال الحاكم: هذا حديث صحيح على شرط الشيخين ولم يخرجاه. والذي عنده أنهما عللاه بحديث جرير بن خازم عن يحيى بن أيوب عن يزيد عن عمران عن عبد الرحمن بن جبير، عن عمرو بن العاص قال:"احتلمتُ في ليلة باردة في غزوة ذات السلاسل، فأشفقت إن اغتسلت أن أهلك فتيممت ثم صليت بأصحابي الصبح، فذكر للنبي صلى الله عليه وسلم. فقال: يا عمرو! صليت بأصحابك وأنت جنب؟ فأخبرته بالذي منعني من الاغتسال. وقلت: إني سمعت الله يقول: {وَلا تَقْتُلُوا أَنْفُسَكُمْ إِنَّ اللَّهَ كَانَ بِكُمْ رَحِيماً} . فضحك رسول الله صلى الله عليه وسلم ولم يقل شيئاً". ووافقه الذهبي في التلخيص.

قلت: أصل الحديث أخرجه البخاري (الصحيح 1/90) ، مُعَلَّقاً، وقال ابن حجر (فتح الباري 1/454) : هذا التعليق وصله أبو داود. (انظر: عون المعبود 1/530-531) ، والحاكم (المستدر 1/285) ، من طريق يحيى بن أيوب عن يزيد ابن أبي حبيب عن عمران بن أبي أنس عن عبد الرحمن بن جبير عن عمرو بن العاص، ثُمَّ ذكره مثله. وذكر أنَّ سنده قوّي وأنَّ البخاري علَّقه بصيغة التمريض لكونه اختصره ثُمَّ ذكر عن البيهقي (السنن 1/226) أنه يمكن الجمع بين الروايات بأنه توضأ، ثُمَّ تيمم عن الباقي.

ص: 417

[36]

وكان قبل ذلك قد أصدر أوامره بمنع إشعال النيران في المعسكر لمدّة ثلاثة أيام رغم حاجتهم للتدفئة1، فغضب عمر بن الخطاب رضي الله عنه وقال لأبي بكر:

[37]

"لِمَ لَمْ يدَع عمرو الناس أن يوقدوا ناراً ألا ترى إلى هذا الذي منع الناس منافعهم؟.فقال أبو بكر: دعه قائماً، ولاّه رسول الله صلى الله عليه وسلم علينا لعلمه بالحرب"2. "فهدأ عمر رضي الله عنه "3.

وتشير بعض الروايات بأنّ المسلمين:

[38]

"لقوا العدوّ فهزموهم"4.

1 ذكره الهيثمي (مجمع 5/319) وعزاه الطبراني، وقال: رواه بإسنادين، ورجال الأوّل رجال الصحيح.

قلت: لم أجده في المطبوع من المعجم فلعلّه من الجزء المفقود منه. والله تعالى أعلم.

2 أخرجه ابن أبي شيبه (المصنف 12/531) عن عبد الله بن بريدة الأسلمي، وهو ثقة. (تقريب297) ، وسند الحديث إليه صحيح. لكنّه مرسل. فعبد الله لم يدرك الواقعة.

3 من رواية بريدة عند الحاكم. وقد سبق تخريجها برقم: [22] .

4 أخرجه ابن حبان (انظر: الإحسان، حديث 4523) ، من طريق يحيى بن سعيد الأموي عن إسماعيل بن أبي خالد عن قيس بن أبي حازم عن عمرو بن العاص رضي الله عنه.

وسنده حسن. لأنَّ فيه الحسن بن حماد الخضرمي صدوق. (التقريب ص 160) . وبقية رجاله ثقات. وذكر ابن حجر (فتح الباري 7/26) أنه أخرجه ابن خزيمة، ولم أجده في المطبوع من صحيح ابن خزيمة. فلعلّه من الجزء المفقود منه. والله تعالى أعلم.

ص: 418

بينما يُفصِّل الواقدي، وابن سعد الحديث عن ذلك، فيذكر أنّ عمرو بن العاص رضي الله عنه:

[39]

"سار حتّى وطئ بلاد بليّ ودوخها حتى أتى إلى أقصى بلادهم، وبلاد عذرة وبلقين"1.

ويمكن تأويل روايةالطبراني عن رافع الطائيرضي الله عنهأنّ المسلمين انطلقوا:

[40]

"حتّى نزلوا جبل طئ، فقال عمرو: انظروا إلى رجلٍ دليلٍ بالطريق، فقالوا: ما نعلمه إلاّ رافع بن عمرو، فإنّه كان ربيلاً في الجاهلية"23. - بإمعان المسلمين في طلب القوم حتّى وصلوا إلى تلك المنطقة البعيدة نسبياً عن المنطقة المحدَّدة سلفاً لعمليات السّرية، ويُشير إليه طلب القائد البحث عن دليل بالطريق - ثُمَّ إنّهم لقوا:

[41]

"في آخر ذلك جمعاً فحمل عليهم المسلمون فهربوا في البلاد وتفرّقوا"4.

فنهاهم عمرو رضي الله عنه.

[42]

"أن يتبعوا العدوّ مخافة أن يكون لهم كمين من وراء الجبل"5.

1 لفظ ابن سعد، وقد سبق تخريجها برقم:[3] . وانظر: مغازي الواقدي 2/771.

2 أي: كان لِصّاً في الجاهلية.

3 سبق تخريجها برقم: [11] .

4 من رواية ابن سعد. وقد سبق تخريجها برقم: [3] .

5 أخرجه ابن أبي شيبه (المصنف 12/531) ، عن قيس بن أبي حازم، ثقة. مخضرم. (تقريب 456) . والسند إليه صحيح لكنّه مرسل. ومراسيل قيس من أقوى المراسيل. (الموقوظة 26) . وهو يروي عن عمرو بن العاص. (تهذيب 4/561) .

ص: 419

وتشير رواية الزهري أنّهم:

[43]

"أسروا ناساً كثيرين من العرب"1.

ويبدو أنّ نتيجة ذلك الإمعان في طلب العدوّ وتقصّيهم حتّى آخر بلادهم، نفذ تموين الجيش، يقول عوف بن مالك الأشجعي رضي الله عنه:

[44]

"فأصابتنا مخمصة2 شديدة فانْطَلقتُ ألتمس المعيشة فالتَقَيتُ قوماً يريدون أن ينحروا جزوراً لهم، فقلت: إن شئتم كفيتكم نحرها وعملها وأعطوني منها، ففعلتُ فأعطوني منها شيئاً فصنعته، ثُمّ أتيت عمرو بن العاص فسألني مِن أين هو؟ فأخبرته. فقال: أسمعك قد تعجّلت أجرك، وأبى أن يأكله، ثُمّ أتيت أبا عبيدة بن الجرّاح فأخبرته، فقال لي مثلها، وأبى أن يأكله، فلمّا رأيت ذلك تركتها"3.

1 سبق تخريجها برقم: [9] .

ويذكر البلاذري (أنساب 381) ن أنّ عمرو بن العاص رضي الله عنه لقي من العدوّ من قضاعة، وعاملة، ولخم، وجذام، وكانوا مجتمعين، ففضهم، وقتل منهم مقتلة عظيمة.

2 أي: جوع شديد.

3 أخرجه البيهقي (الدلائل 4/405) . وهذا لفظه من حديث سعيد بن أبي أيوب وابن لهيعة عن يزيد بن أبي حبيب عن ربيعة بن لقيط عن مالك بن هدم عن عوف بن مالك رضي الله عنه.

وسنده فيه ربيعة بن لقيط وثَّقه العجلي وابن حبان. وذكره ابن أبي حاتم ولم يقل شيئاً. (ابن أبي حاتم: الجرح والتعديل 3/475، وابن حبان: الثقات 4/230، وابن حجر: تعجيل المنفعة ص 88-89) .

ومالك بن هدم وثَّقه ابن حبان فقط. وذكره البخاري، وابن أبي حاتم، ولم يقولا عنه شيئاً. (البخاري: التاريخ 7/307، وابن أبي حاتم: الجرح والتعديل 8/217، وابن حبان: الثقات 5/385) .

وابن لهيعة، وحديثه مقرون. وبقية رجاله ثقات. وله متابعة ذكره ابن هشام (السيرة 4/625-626) ،والبيهقي (الدلائل4/404) ، وابن كثير (البداية والنهاية 4/274) ، جميعهم من طريق ابن إسحاق. أخبرني يزيد بن أبي حبيب أنّه حُدّث عن عوف بن مالك رضي الله عنه، فذكره نحوه.

قال ابن كثير: هكذا رواه ابن إسحاق عن يزيد بن حبيب عن عوف بن مالك، وهو منقطع، بل معضل.

وقال البيهقي: قصد بإسناده محمَّد بن إسحاق، رواه سعيد بن أبي أيوب وابن لهيعة عن يزيد بن أبي حبيب عن ربيعة بن لقيط. أخبره عن مالك بن هدم، أظنه عن عوف بن مالك، ثُمّ ذكر الحديث.

ص: 420

وبعد أن أدّت السرية مهمّتها على أكمل وجهٍ، رجع عمرو بن العاص رضي الله عنه بالجيش قافلاً إلى المدينة، وكان قد:

[45]

"بعث عوف بن مالك الأشجعي بريداً إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم يبشّره بما فتح الله عليهم"1.

قال عوف:

[46]

"فلمّا قفل الناس من ذلك السفر كنت أوّل قادم على رسول الله صلى الله عليه وسلم فجئته وهو يصلّي في بيته. فقلت: السلام عليك يا رسول الله

1 من رواية ابن سعد. وقد سبق تخريجها برقم: [3] .

ص: 421

ورحمة الله وبركاته"1.

[47]

"قال: صاحب الجزور، ولم يزد عليَّ شيئاً"2. وتلك معجزة من رسول الله صلى الله عليه وسلم، فقد ذكر له خبر الجزور، قبل أن يتكلم ويخبره عن خبرهم في تلك السّرية.

وأثناء عودة الجيش إلى المدينة، وفي الطريق أراد رافع الطائي رضي الله عنه دليل المسلمين في السرية - أن يصحب رجلاً صالحاً من أفرادها ينفعه الله به، فتوسّم في أبي بكر الصّدّيق رضي الله عنه خيراً، فصحبه، يقول رافع:

[48]

"فوفّق لي أبو بكر فكان يُنَيِّمني على فراشه، ويلبسني كساء له من أكسية فدك"3.

1 رواه ابن إسحاق (ابن هشام: سيرة 4/625-626) . وأخرجه ابن كثير عن ابن إسحاق (البداية 4/274) . وقال: هكذا رواه محمّد بن إسحاق عن يزيد بن أبي حبيب، عن عوف بن مالك، وهو منقطع، بل معضل. كما أخرجه البيهقي (دلائل 4/404)، عند أيضاً. وقال: قصّر بإسناده محمّد بن إسحاق. ورواه سعيد بن أبي أيوب، وابن لهيعة عن يزيد بن أبي حبيب عن ربيعة بن لقيط، أخبره عن مالك بن هرم، أظنه عن عوف بن مالك، ثُمّ ذكر الحديث.

قلت: ورجاله ثقات ما عدا مالك بن هرم، وثّقه ابن حبان فقط. (الثقات5/385) .

2 سبق تخريجها برقم: [44] .

3 أخرجه ابن خزيمة، كما ذكر ابن حجر (إصابة 1/497) . من طريق طلحة بن مصرّف عن سليمان، عن طارق بن شهاب، عن رافع الطائي.

قلت: وسنده رجاله ثقات. سليمان؛ هو: ابن ميسرة الأحمسي، وثّقه العجلي ويحيى ابن معين والنسائي وابن حبان.

ص: 422

[49]

"فلمّا دنونا من المدينة قافلين قال: قلت: يا أبا بكر! إنّما صحبتك لينفعني الله بك، فانصحني وعلّمني. قال: لو لم تسألنِ ذلك لفعلت"1.

[50]

"قال: أتحفظ أصابعك الخمس؟ قلت: نعم. قال: تشهد ألاّ إله إلاّ الله، وأن محمّداً عبده ورسوله، وتقيم الصلوات الخمس، وتؤتي الزكاة إن كان لك مال، وتحجّ البيت، وتصوم رمضان. حفِظت؟ قلت: نعم. قال: وأخرى لا تُؤَمَّرَنَّ على اثنين. قلت: هل تكون الإمرة إلاّ فيكم أهل بدر؟ قال: يوشك أن تفشو حتّى تبلغك ومَن هُو دونك، إنّ الله لَمَّا بعثَ نبيَّه صلى الله عليه وسلم دخل الناس في الإسلام، فمنهم من دخل فهداه الله، ومنهم مَن أكرهه السيف، فهم عوّاذ الله2، وجيران الله في خفارة الله3، إن الرجل إذا كان أميراً فتظالم الناس بينهم فلم يأخُذ لبعضهم من بعض، انتقمَ الله منه. إنّ الرجل لتُؤخذ شاة جاره فيظل ناتئ عضلته4 غضباً والله من وراء جاره"5.

1 ذكره ابن هشام (سيرة 4/624-625) ، عن ابن إسحاق الذي رواه بلاغاً. وهو منقطع، ولكن يشهد له حديث ابن خزيمة السابق، وحديث الطبراني الذي سبق تخريجها برقم:[11] .

2 أي: في عصمة الله ومنعه.

3 أي: في حراسة الله تبارك وتعالى.

4 أي: بارزاً عصب وجهه وحلقه، كنّى بذلك عن شدّة الغضب فإنه يبلغ من الشخص هذا المبلغ. والعضلة: هي كلّ لحمة مكتنزة غليظة.

5 من رواية رافع عند الطبراني. وقد سبق تخريجها برقم: [11] .

ص: 423

[51]

"قال: ففارقته على ذلك"1. فلمّا قدموا على النّبيّ صلى الله عليه وسلم:

[52]

"سأل رسول الله صلى الله عليه وسلم كيف وجدتم عمراً وصحابته لكم، فأثنوا عليه خيراً، وقالوا: يا رسول الله! صلّى بنا وهو جنب، فأرسل رسول الله صلى الله عليه وسلم إلى عمرو فسأله، فأخبره بذلك وبالذي لقي مِنَ البرد، فقال: يا رسول الله! إنّ الله قال: {وَلَا تَقْتُلُوا أَنْفُسَكُم} . [سورة النساء، الآية: 29] . ولو اغتسلت مُت. فضحك رسول الله صلى الله عليه وسلم إلى عمرو"2.

[53]

كما ذكروا للنّبيّ صلى الله عليه وسلم ما صنعه عمرو بن العاص رضي الله عنه من منعه إيّاهم إشعال النيران في معسكرهم رغم البرد الشديد، وحاجتهم للنار في التدفئة، ومنافعهم الأخرى، وشكوا إليه - أيضاً - منعه إيّاهم إتباع العدوّ رغم هزيمته وفراره3.

[54]

"فقال: يا رسول الله إنّي كرهت أن آذن لهم أن يوقدوا ناراً فيرى عدوّهم قِلتّهم، وكرهت أن يتبعوهم فيكون لهم مدد فيعطفوا عليهم، فحمد رسول الله صلى الله عليه وسلم أمره. فقال: يا رسول الله!

1 من رواية ابن إسحاق بلاغاً. وقد سبق تخريجها برقم: [49] .

2 من رواية أبي قيس مولى عمرو بن العاص عند الحاكم. وقدسبق تخريجهابرقم: [35] .

3 انظر: رواية الطبراني عند الهيثمي (مجمع 5/319) ، ورواية ابن أبي شيبه (المصنف 12/531) ، ورواية ابن حبان (كتاب السير، حديث 4523) ، والحاكم (المستدرك 3/45) ، وقد سبق تخريجها جميعاً.

ص: 424

من أحبّ الناس إليك؟ قال: لِمَ؟ قال: لأُحبَّ مَنْ تُحبّ. قال: عائشة. قال: من الرجال؟ قال: أبو بكر"1.

قال عمرو رضي الله عنه:

[55]

"قلت: ثُمَّ مَنْ؟ قال: عمر. فعدّ رجالاً فسكتُّ مخافة أن يجعلني في آخرهم"2.

1 من رواية عمرو بن العاص رضي الله عنه عند ابن حبان. وقد سبق تخريجها برقم: [38] .

2 أخرجه البخاري (الصحيح 4/192، 5/113)، بسنده عن أبي عثمان الهندي. قال ابن حجر: هذا صورته مرسل. بل جزم الإسماعيلي بأنه مرسل. لكن الحديث موصول لقوله بعد ذلك: "قال: فأتيته"، فإنّ المراد: قال عمرو بن العاص، وأبو عثمان سمع من عمرو بن العاص.

وقد أخرجه مسلم عن يحيى بن يحيى، والإسماعيلي من رواية وهب بن بقية، ومعلي ابن منصور، كلهم عن خالد بن عبد الله بالإسناد الذي أخرجه البخاري (فتح الباري 8/75) .

قلت: وقد أخرجه مسلم (الصحيح 5/9) وأحمد (المسند، حديث: 1777) ، موصولاً عن أبي عثمان، عن عمرو بن العاص. وذكره بنحوه.

ص: 425