الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
المطلب الرابع: الدروس والعبر المستقاة من أحداث السرية:
أوضحت هذه السرية، والسرايا السابقة بعض الاستراتيجيات العسكرية التي كان يطبقها الرسول القائد صلى الله عليه وسلم مع أعدائه، وهي:
ما ورد أنَّ سبب السرية هو تلك الأخبار التي بلغت النَّبِيَّ صلى الله عليه وسلم عن تحرُّكات بني سعد بن بكر المعادية للمسلمين، ذلك يعطينا دلالة واضحة أنَّ النَّبِيَّ صلى الله عليه وسلم كان يتتبع أخبار الأعداء أولاً بأول".
ومثل هذه الروايات تؤكِّد لنا أنَّ رسول الله صلى الله عليه وسلم كانت لديه شبكة شبه منظَّمة من العيون، مبثوثة بين أعدائه، جعلته دائماً وأبداً في الصورة معهم، يعرف سكناتهم وحركاتهم أولاً بأول، مِمَّا مكَّنه كثيراً من القضاء على مخطَّطاتهم العدوانية ضد المسلمين ووئدها في مهدها قبل أن تستفحل، مِمَّا وفَّر على المسلمين الكثير من الجهد، وحقن الكثير من الدماء التي كانت ستسيل لو تمكَّن أولئك الأعداء من استكمال مخطَّطاتهم تلك وتنفيذها ضد المسلمين، وذلك ما كان يصبو إليه المصطفى صلى الله عليه وسلم في جهاده مع أعدائه، لأنه عليه الصلاة والسلام كان حريصاً أشدَّ الحِرْصِ على بلوغ أهدافه السامية من ذلك الجهاد المُقَدَّس بأقلِّ قدرٍ ممكنٍ من الخسائر، ودونما إراقة دماء كثيرة".
إلَاّ ما كان من بعض أولئك الأعداء الذين كانوا يشكلون تهديداً قوياً ومستمراً للمسلمين بقواهم العسكرية والسياسية، والتي كانت تشكل حاجزاً قوياً أمام الناس لاعتناق ما يريدون بحرِّية، فكان لابُدَّ
من الإثخان في تلك القوى المسيطرة لإضعافها والقضاء على هيمنتها في المنطقة".
إنَّ نظام المخابرات تفتخر به اليوم الدول المتقدمة مادياً، وله أولوية كبيرة في جيوشها المتطورة، وتمارسه بأساليب غير حضارية ارتبطت بالظلم والعدوان والغدر".
ولكنَّ الرسول القائد صلى الله عليه وسلم كان له قصب السَّبْق فيه، كما أنه مارسه في نطاق الحرب الفروسية المشرفة، دون المساس بالأخلاقيات والمُثُل العُليا".
تحرَّكت هذه السرية كما ورد في رواية الواقدي، وابن سعد، في مسيرٍ ليلي إلى أرض العدو، وقد كانت تلك استراتيجية ذكية تزوَّد بها قائدالسرية من مُبْتَكِر الاستراتيجيات العسكرية، رسولِ الله صلى الله عليه وسلم التي استطاع بها تحقيق مبدأ الكتمان مع أعدائه، حرمهم من معرفة نواياه، واتجاه حركة قوَّاته".
لقد كانت معظم القبائل التي غزاها النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم، وبعث إليها سراياه قبائل "قوية ولها حلفاء وأنصار، فلو أنها عرفت بمسيره لسارعت بالاستعداد للقائه ولاستعانت عليه بحلفائها وأنصارها لمعاونتها يوم اللقاء، ولكن عناية الله أولاً، ثُمَّ المسير الليلي حال بينها وبين ذلك كله، فاستطاع النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم بقواته القليلة بالنسبة لقوات تلك القبائل، أن يتغلَّب عليها ويقضي على نياتها العدوانية، ويُلْقِي الرُّعْبَ في نفوسها ونفوس القبائل الأخر التي سمعت بانتصار المسلمين"1".
1 خطّاب: الرسول صلى الله عليه وسلم القائد 216 - 217.
أيضاً ما ورد في هذه السرية والسرايا قبلها من شن الغارة على الأعداء ومباغتتهم في ديارهم في غفلةٍ منهم، وتلك استراتيجيةٌ اتَّبعها الرسول صلى الله عليه وسلم مع نوعٍ معيَّنٍ من الأعداء، وهم الأعراب، حيث كان دائماً يترصَّد أخبارهم من خلال شبكة العيون المبثوثة في ديارهم، فكان دائماً يباغتهم في ديارهم قبل استكمال جاهزتهم واستعدادهم، فالأعراب أشداء إذا ما استعدوا جيداً للقتال، وانتظمت صفوفهم فيه، عندها تكون مقاومتهم أكبر، وقتالهم أشرس، كما أنَّهم يستطيعون وبسرعة فائقة حشد قوَّة إمدادات كبيرة يتمكنون بها من الإطباق على أعدائهم وحصرهم من كُلِّ الجهات، وقد عرف رسول الله صلى الله عليه وسلم ذلك من خلال تجارب سابقة معهم في الرجيع، وبئر معونة، وسرية زيد بن حارثة - رضي الله تعالى عنه - الأولى إلى بني فزارة، وغيرها".
لذلك فإنَّ في شَنِّ الغارة عليهم ومباغتتهم قبل ذلك، ولو من قوة مهاجمة صغيرة تُفْقِدهم اتزانهم، وتبُثُّ الرُّعْبَ في قلوبهم1، وتثير الاضطراب والفوضى في صفوفهم، فيسهل حين ذاك السيطرة عليهم وهزيمتهم، كما حدث في هذه السرية". والله تعالى أعلم".
وفي الاستيلاء على أموال الأعراب التي كانت في غالبها من الماشية والإبل، إضعافٌ لهم اقتصادياً، لأنَّها تعدّ عصب حياتهم اليومية، لاعتمادهم عليها كثيراً، كما أنَّ في ذلك تحفيزاً للمسلمين وتشجيعاً لهم للغزو في سبيل الله لإصابة الغنائم الدنيوية العاجلة، إضافةً لما رُصِدَ لهم من الأجر العظيم عند الله، ولكن ذلك لا يعني بالضرورة أنَّ ذلك يعدّ دافعاً وهدفاً من أهداف الجهاد في سبيل الله بقدر ما هو ممارسة المسلمين لحقهم المشروع في الغنائم التي أحلَّها الله لهذه الأُمَّة واختصَّها به دون غيرها من الأُمم السابقة".
كما أنَّ ذلك يُعَدُّ تمشياً مع عادة قديمة متَّبعة لدى العرب في حروبهم في الجاهلية أبقى عليها الإسلام بعد تنظيمها وتقنينها وفق أنظمة الشريعة الإسلامية". والله تعالى أعلم".
1 المباغتة أقوى العوامل وأبعدها أثراً في الحرب، وتأيرها المعنوي عظيم جداً، وتأثيرها من الناحية النفسية يكمن فيما تحدثه من شللٍ متوقّعٍ في تفكير القائد الخصم.
(خطّاب: الرسول القائد صلى الله عليه وسلم 451) .
وفي الاستيلاء على أموال الأعراب التي كانت في غالبها من الماشية والإبل، إضعافٌ لهم اقتصادياً، لأنَّها تعدّ عصب حياتهم اليومية، لاعتمادهم عليها كثيراً، كما أنَّ في ذلك تحفيزاً للمسلمين وتشجيعاً لهم للغزو في سبيل الله لإصابة الغنائم الدنيوية العاجلة، إضافةً لما رُصِدَ لهم من الأجر العظيم عند الله، ولكن ذلك لا يعني بالضرورة أنَّ ذلك يعدّ دافعاً وهدفاً من أهداف الجهاد في سبيل الله بقدر ما هو ممارسة المسلمين لحقهم المشروع في الغنائم التي أحلَّها الله لهذه الأُمَّة واختصَّها به دون غيرها من الأُمم السابقة".
كما أنَّ ذلك يُعَدُّ تمشياً مع عادة قديمة متَّبعة لدى العرب في حروبهم في الجاهلية أبقى عليها الإسلام بعد تنظيمها وتقنينها وفق أنظمة الشريعة الإسلامية". والله تعالى أعلم".