الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
المبحث الثاني: الخلاف في قادتهم:
وكما اختلفوا في عددهم، اختلفوا أيضاً في قوَّادهم.
[38]
ففي رواية عروة - وهي الرواية الأكثر شهرة بين روايات أهل المغازي في هذه الغزوة - يذكر أنَّ الروم كانوا بقيادة ملكهم هرقل، والحلفاء من القبائل العربية المتنصرة، كانوا بقيادة رجلٍ من بلى، ثُمَّ أحد أراشة يُقال له:"مالك بن زافلة1".
[39]
أمَّا رواية الواقدي فيشوبها بعض الاضطراب، حيث ذكر أنَّ الذي حشد الجموع رجلٌ من الأزد، يُقال له:"شرحبيل بن عمرو2، وأنه قدَّم الطلائع أمامه بقيادة أخيه سدوس، فقتله المسلمون، فخاف شرحبيل وتحصَّن3، وبعث أخاً له آخر، يُقال له: "وبر بن عمرو، ثُمَّ يذكر بعد ذلك أنَّ هرقل نزل مآب، من أرض البلقاء في بهراء، ووائل، وبكر، ولخم، وجذام، في مائة ألف، عليهم رجل من بلى، يُقال له:"مالك4".
1 من رواية عروة عند ابن هشام، وقد سبق تخريجها برقم [31] .
2 شرحبيل بن عمرو هذا هو أحد أمراء هرقل على الشام، وهو الذي قَتَل الحارث بن عمير الأزدي رضي الله تعالى عنه رسول رسول الله صلى الله عليه وسلم، فكان ذلك سبب وقعة مؤتة، كما ذكر الواقدي ومتابعيه.
3 تحصَّن: أي دخل موضعاً حصيناً لا يوصل إلى جوفه.
4 المغازي 2/760.
وتابعه في ذلك تلميذه ابن سعد، كما مرَّ في المبحث السابق1".
[40]
ويذكر الزهري، وموسى بن عقبة في روايتهما أنه كان عليهم ابن أبي سبرة الغساني2".
[41]
أمَّا ابن عائذ فلم تحدِّد روايته اسم القائد3".
[42]
وكان للمسعودي رأي آخر، حيث يذكر أنَّ هرقل أنفذ الجيوش للقاء المسلمين من مكان إقامته في أنطاكية، وكان على الروم تيادوقس البطريق4، وعلى متنصرة العرب من غسَّان وقضاعة وغيرهم شرحبيل بن عمرو الغساني5".
1 سبق تخريجها برقم [3] .
2 أعتقد - والله تعالى أعلم - أنَّ ذلك تصحيف (ابن أبي شمر الغساني) ملك بصرى والجولان، واسمه الحارث بن جبلة، حيث لم تذكر المصادر الأُخرى أنَّ هنالك حاكم آخر في المنطقة اسمه (ابن أبي سبرة) ، كما أنَّ مشاركة ابن أبي شمر في الأحداث من حيث أنه هو الذي هدَّد بالمسير إلى المسلمين حينما وصله كتاب النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم، ترجِّح ما ذكرناه. والله تعالى أعلم.
3 أخرجه ابن عساكر (تاريخ دمشق، المجلدة الأولى ص 396) من حديث ابن عائذ عن الوليد بن مسلم، ولكنه منقطع.
4 البطريق: رتبة عسكرية بيزنطية تُمَاثل أمير الجيش عند المسلمين في ذلك الوقت. وهي تساوي رتبة لواء في الجيوش العربية الحديثة.
انظر: (مجلة الأزهر، رقم 43، الجزء السابع، ص 644) .
5 المسعودي: التنبيه والإشراف 265.
ويؤكِّد بروكلمان ما ذهب إليه المسعودي، مُصَحِّحاً اسم القائد البيزنطي وأنه (ثيودورس)1.
وأعتقد أنَّ ما ذهب إليه المسعودي، وأكَّده بروكلمان من قيادة ثيودورس أخي الأمبراطور هرقل لجيوش الحلفاء في مؤتة هو الأصوب، لأنه لم يرد ذكر هرقل في أحداث المعركة رغم شهرته ومعرفة المسلمين له جيداً، فلو كان هو القائد فعلاً لما أغفلت المصادر الإسلامية - ومنها التي ذكرت قيادته لجيوش الروم - أخباره في ميدان المعركة وأحداثها.
كما أنَّ القول بقيادته للمعركة يتعارض مع ما هو مألوف في نظام الحكم في بيزنطة في ذلك الحين، حيث لم يسبق لإمبراطور بيزنطي قاد جيشاً إلَاّ مرَّتين: "الأولى حينما قاد الإمبراطور موريس حملة لمحاربة الآفار، والثانية حينما قاد هرقل نفسه الجيش البيزنطي في محاولة منه لاسترداد هيبة الإمبراطورية البيزنطية التي فُقِدَت حينما دحرت القوات الفارسية القوات الرومانية في معركة فحل الفاصلة - التي ورد ذكرها في القرآن2 - ثُمَّ خرَّبت بيت المقدس، واحتلَّت شطراً كبيراً من أرض الإمبراطورية، حتى أحدقت بالقسطنطينية، وقد قُوبِل كُلٌّ من الإمبراطوريين
1 انظر: عماد الدين خليل: دراسة في السيرة 296، بروكلمان: تاريخ الشعوب الإسلامية 59.
وثيودورس: هو أخو الإمبراطور هرقل، وقد قُتِلَ في معركة اليرموك علي يد المسلمين
(الطبري: تاريخ 3/401) .
2 في الآيتين 2 - 3 من سورة الروم.
بمقاومة عنيفة ومعارضة شديدة من مستشاريهما حين قرَّرا قيادة جيشهما آنذاك1".
والأهم من ذلك كُلِّه هو أنَّ هرقل، بعد أن وصله كتاب النَّبيّ صلى الله عليه وسلم بعد الحديبية، وعرف صدق نبوءته صلى الله عليه وسلم، أصبح غير متحمسٍ للقاء المسلمين في ميادين القتال، لمعرفته التامَّة بأنَّهم سيظهرون على غيرهم من الأُمَم بما فيهم الرومان2، عَرَفَ ذلك من خلال كُتُب النصارى التي بشَّرت بنبي الإسلام أحمد صلى الله عليه وسلم 3، ومن خلال المنجّمين الذين حذروه من أمة الختان التي ستسلب مكّة منه".
وهكذا، فإنه في معارك أُخرى جرت بعد ذلك بين المسلمين والبيزنطيين، لم يتولّ هرقل قيادة أي معركة منها، حتى المعارك الحاسمة الضخمة، كاليرموك مثلاً، والتي تُعدّ من حيث حشد القوَّات فيها مِن قِبَل الطرفين، والاستعدادات المبكرة لها، واستشعار الروم وملكهم بخطر المسلمين المستفحل عليهم4، وما كان سيترتب عليها من نتائج في حال ظفر أو هزيمة أيٍّ من الفريقين، أكبر بكثر من مؤتة". والله تعالى أعلم".
1 ذكر ذلك (الباز، العريني: الدولة البيزنطية 124) نقلاً عن:
Ostrogarowski. G. History of Byzantine State: 90.
2 في حديث أبي سفيان الذي أخرجه البخاري (الصحيح 1/5) قال هرقل: ((فإن كان ما تقول حقّاً، فسيملك موضع قدميَّ هاتين
…
)) الخ.
3 انظر: سورة الصف، الآية:6.
4 بدليل أنَّ هرقل ودَّع بعد المعركة سورية الوداع الأخير.