الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
المبحث الثالث: سرية زيد بن حارثة رضي الله عنه إلى مدين
المطلب الأول: التعريف بمدين
…
المطلب الأول: التعريف بمدين:
مَدْيَنُ: "بفتح أوَّله، وسكون ثانيه، وفتح الياء المثناة من تحت، وآخره نون، بلد بالشام معلوم، تِلقاء غزَّة، وهو المذكور في كتاب الله تعالى1".
وقال الحازمي: "بين وادي القرى والشام".
وقيل: "مَدْيَن تجاه تبوك بَيْنَ المدينة والشام على ست مراحل، وبها استقى موسى عليه السلام لبنات شعيب، وبها بئر قد بُنِيَ عليها بيت".
قال أبو زيد: "مدين على بحر القلزم محاذية لتبوك، وبها البئر التي استقى منها موسى عليه السلام لسائمة شعيب قال: "ورأيت هذه البئر مغطاة قد بُنِيَ عليها بيت، وماء أهلها من عين تجري".
وقال محمَّد بن سهل الأحول: "ومَدْيَن من أعراض المدينة أيضاً مثل فدك والفُرع ورهاط".
وقيل: "مَدْيَن هي كفر مَنْده من أعمال طبرية، وعندها أيضاً البئر والصخرة".
ومَدْيَن: "منازل جذام، وشعيب النَّبِيّ عليه السلام، المبعوث إلى أهل مَدْين أحد بني وائل بن جذام، وقال النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم لوفد جذام: "مرحباً بقوم شعيب وأصهار موسى"2.
1 ورد ذكر مَدْيَن في عشرة مواضع من القرآن الكريم: (الأعراف 85، التوبة 70، هود 84، 95، طه 40، الحج 44، القصص 22، 23، 45، العنكبوت 36) .
2 البكري: معجم 4/1201.
فهي مدينة قوم شعيب، سُمِّيَت بِمَدْين بن إبراهيم عليه السلام ".
وقيل: "مَدْيَن اسم القبيلة". ولهذا قال الله تعالى: {وَإِلَى مَدْيَنَ أَخَاهُمْ
شُعَيْباً} . [سورة هود، الآية: "84] ".
قال البلادي: "أمَّا موقع مَدْيَن فهو بلا خلاف غرب تبوك، بينها وبين خليج العقبة، فإذا كان المقصود مدينة شعيب فهي تُعْرَف اليوم باسم البدع، وتقع على (220) كيلاً من تبوك، يصل بينهما طريق معبَّد، أمَّا إذا كان المقصود ديار القبيلة فإنَّ الموقع والحدود تتأثر بسعة انتشار تلك القبيلة وتقلُّصها، فإذا ثبت أنَّهم من جذام كانت تمتد من ساحل البحر إلى قُرب تبوك، ثُمَّ تدخل في الشراة شمالاً، وتقرب من ضبة جنوباً".
وإذا طبَّقنا نظرية الحدود الجغرافية التي تشمل مسمىً واحداً في الغالب، نستطيع القول بأنَّ أرض مدين تُحَدُّ من الشرق بسراة حسمى، ومن الغرب بالبحر، ومن الشمال حقل أو العقبة، أمَّا من الجنوب فلا تتجاوز ضِبة أو دونها والبِدع، قرية تتوسط أرض خالية من العمران، فأقرب قرية تبعد عنها قرابة ستين كيلاً، وهي - أيضاً - تتوسط وادي عفال الخالي من الزراعة والحياة إلَاّ من هذه القرية، وهي ذات زراعة لا بأس بها على آبار ضخ، وفيها سكان وحوانيت ومقاهٍ، وسكانها الحويطات، وجُلُّهم من المساعيد".
وهذا البلد يسميه الباحثون المحدِّثون "مَدْيَن" بينما عرَّفه الرحَّالون الحُجَّاج كالجزيري، وابن عبد السلام الدرعي باسم "مغائر شعيب"
ومغائر شعيب: "جمع مغارة، وهي الغار العميق في الجبل، وهي مغائر في صفراء شعيب التي تظلل البدع من الغرب، وفي هذه الصفراء من الميل الشمالي مكان يُقال إنه مُصَلَّى شعيب عليه السلام، والإجماع من زمن متقدِّم على أنَّ هذه مغائر شعيب، وأنَّ البلد هو بلد شعيب سواء كان اسمه مدين أو الأيكة، فقد مرَّ الرَحَّالون من حُجَّاج مصر من هنا منذ بداية القرن التاسع أو قبلها، فذكروا أنَّ الاسم هو مغائر شعيب وأنَّها مَدْيَن".
ويقول المساعيد - أهل هذه الديار -: "إن اسم البدع ناتج عن أنَّ هذه الأرض قد دُثِرَت، ثُمَّ بُدعت فيها آبار ومزارع، فسُمِّيَت بذلك1".
قلت: "هذا تعريف شامل بمَدْيَن الذي سُمِّيَت به هذه السرية، ولكن هناك إشارات وردت في روايات الخبر تشير إلى أنَّ المكان الذي توجَّهت إليه السرية هو مكان آخر، ربما يكون قريباً من مَدْيَن".
ففي رواية محمَّد بن إسحاق عند سعيد بن منصور في سننه قال: "
[1]
"بَعَث رسول الله صلى الله عليه وسلم زيد بن حارثة إلى مدينة مقنا". قال سعيد: "مقنا هي مَدْيَن"2".
1 انظر: البكري: معجم 4/1201، الحموي: معجم 5/77 - 78، البلادي: رحلات في بلاد العرب، في شمال الحجاز والأردن 123،131،131،138.
2 أخرجه سعيد بن منصور (سنن 2/248) من حديث ابن إسحاق. وبه أخرجه ابن سعد نحوه (طبقات، الجزء المتمم لتابعي المدينة 452) . وقال عنه ابن حجر (الإصابة 2/214) : سنده منقطع.
قلت: كذلك فيه عنعنة ابن إسحاق، وهو مدلّس. ولعلّ سبب الانقطاع هو أن فاطمة بنت الحسين لم تدرك النّبيّ صلى الله عليه وسلم.
وفي رواية ابن هشام بسنده عن فاطمة بنت الحسين بن علي قالت:
[2]
"إنَّ رسول الله صلى الله عليه وسلم بعث زيد بن حارثة نحو مَدْيَن، ومعه ضميرة مولى علي بن أبي طالب1 رضي الله عنه، وأخ له". قالت: "فأصاب سبياً من أهل ميناء، وهي الساحل، وفيها جُمَّاع2من النَّاس"3".
هذا ولم أجد في المعاجم الجغرافية مدينة باسم ميناء، وأظنّها والله تعالى أعلم تصحيف مقنا، لِعِدَّة قرائن:
1) لا توجد مدينة أو قرية في المنطقة باسم ميناء".
2) مشابهة لفظ (ميناء) للفظ (مقنا) خاصّةً وأنه ورد في بعض الروايات (مينا) بغير همز4".
1 ضميرة بن أبي ضميرة، مولى رسول الله صلى الله عليه وسلم، له ولأبيه صحبة، وهو جدّ حسين بن عبد الله بن ضميرة، يُعَد في أهل المدينة. وقيل: إنَّه ابن سعيد الحميري. وقال ابن حبان: ضميرة بن أبي ضميرة الضمري الليثي، وزعم عبد الغني المقدسي في العمدة أنَّ ضميرة هذا هو اليتيم الذي صلَّى مع أنس لمَّا صلَّى النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم في بيتهم، قال: فقمت أنا واليتيم وراءه والعجوز خلفنا.
ابن حبان: الثقات 3/199، ابن عبد البر: الاستيعاب، هامش الإصابة 2/214، ابن حجر: الإصابة 2/214.
2 الجماع: من الأضداد، ويكون تارة المجتمعين، وتارة المفترقين.
وأراد به هنا جماعات من الناس مختلطين.
3 رواه ابن هشام (سيرة 4/635) مُعَلَّقاً عن عبد الله بن حسن بن حسن.
4 انظر: الديار بكري: تاريخ 2/15.
3) ورد في الرواية أنَّها مكان ساحلي، وبلدة مقنا تقع على الساحل".
4) ورد في الرواية أنَّها كان فيها جُمَّاع من الناس، أي جماعات من الناس مختلطين، ومن عادة المناطق الساحلية أن يكون سكانها من جماعاتٍ شتَّى، وقد ورد في بعض الروايات أنّ سكان مقنا كانوا خليطاً من العرب بني حبيبة1، ومن اليهود". والله تعالى أعلم".
وقال ياقوت: "مقنا قُرْب أيلة، صالحهم النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم على ربع عروكهم، والعروك خشب يُصطاد عليه2".
وقال الواقدي: "صالحهم على عروكهم وربع ثمارهم، وكانوا يهوداً".
وقال البلادي: "وكانت مقنا بلدة عامرة عندما غزا رسول الله صلى الله عليه وسلم تبوك، وكان أهلها بني حبيبة، فصالحهم وأدخلهم في ذِمَّة المسلمين، وسكانها اليوم بنو عقبة والفوائدة، وهي وادٍ من نواحي البدع، يسيل من الصفر الواقعة غرب البدع، فيصب في خليج العقبة من الشرق، وعند مصبه قرية مقنا المشهورة بنخلها وزراعتها، وتقع غرب البدع عند الدرجة (25/28) شمالاً، (45/44) شرقاً تقريباً، وتبعد عن البدع بما يقرب من (37) كيلاً، وتوجد حولها آثار وبقايا مبانٍ قديمة3".
1 انظر: البلاذري: فتوح 80، الحموي: معجم 5/178، الحميري: الروض 526.
2 العروك: خشبة تُلْقَى في البحر يركبون عليها فيُلْقُون شباكهم يصيدون السمك.
انظر: (ابن سعد: طبقات 1/277) .
3 انظر: الواقدي: مغازي3/1032،الحموي: معجم5/178،البلادي: رحلات140.