المَكتَبَةُ الشَّامِلَةُ السُّنِّيَّةُ

الرئيسية

أقسام المكتبة

المؤلفين

القرآن

البحث 📚

‌المطلب الرابع: سير الأحداث: - غزوة مؤتة والسرايا والبعوث النبوية الشمالية

[بريك العمري]

فهرس الكتاب

- ‌مقدمة

- ‌تمهيد

- ‌الباب الأول: السرايا والبعوث النبوية الشمالية قبل غزوة مؤتة

- ‌الفصل الأول: سرايا زيد بن حارثة رضي الله عنه

- ‌المبحث الأول: سرية زيد بن حارثة رضي الله عنه إلى وادى القرى

- ‌المطلب الأول: التعريف بوادى القرى

- ‌المطلب الثاني: الخلاف في سبب السرية:

- ‌المطلب الثالث: الخلاف في قائد السرية:

- ‌المطلب الرابع: تاريخ السرية:

- ‌المطلب الخامس: سير الأحداث:

- ‌المطلب السادس: الأحكام المستنبطة، والدروس والعبر المستفادة:

- ‌المبحث الثاني: سرية زيد بن الحارث رضى الله عنه إلى حسمى (جذام)

- ‌المطلب الأول: التعريف بحسمى

- ‌المطلب الثاني: سبب السرية:

- ‌المطلب الثالث: تاريخ السرية:

- ‌المطلب الرابع: سير الأحداث:

- ‌المبحث الثالث: سرية زيد بن حارثة رضي الله عنه إلى مدين

- ‌المطلب الأول: التعريف بمدين

- ‌المطلب الثاني: راوي الخبر وسياقه:

- ‌المطلب الثالث: تاريخ السرية:

- ‌المطلب الرابع: سير الأحداث:

- ‌الفصل الثاني: السرايا والبعوث النبوية إلى فدك

- ‌المبحث الأول: سرية على بن أبي طالب رضي الله عنه إلى بني مرة بفدك

- ‌المطلب الأول: تعريف بفدك

- ‌المطلب الثاني: تاريخ السرية، وسببها

- ‌المطلب الثالث: سير الأحداث

- ‌المطلب الرابع: الدروس والعبر المستقاة من أحداث السرية:

- ‌المبحث الثاني: سرية بشير بن سعد رضي الله عنه إلى بني مرة بفدك

- ‌المطلب الأول: تاريخ السرية

- ‌المطلب الثاني: سبب السرية:

- ‌المطلب الثالث: سير الأحداث:

- ‌المبحث الثالث: سرية غالب بن عبد الله الليثي إلى مصاب أصحاب بشير بن سعد بفدك (الحرقات)

- ‌المطلب الأول: الخلاف في السرية

- ‌المطلب الثاني: "تاريخ السرية:

- ‌المطلب الثالث: سير الأحداث:

- ‌المطلب الرابع: "الأحكام المستنبطة والعبر والدروس المستفادة:

- ‌الفصل الثالث: بقية السرايا والبعوث النبوية الشمالية قبل غزوة مؤتة

- ‌المبحث الأول: سرية عبد الرحمن بن عوف رضي الله عنه إلى دومة الجندل

- ‌المطلب الأول: التعريف بدومة الجندل

- ‌المطلب الثاني: تاريخ السرية:

- ‌المطلب الثالث: سير الأحداث:

- ‌المطلب الرابع: الدروس والعظات المستفادة:

- ‌المبحث الثاني: سرية بشير بن سعد رضي الله عنه إلى الجناب (يمن، وجبار)

- ‌المطلب الأول: التعريف بالجناب، ويمن، وجبار

- ‌المطلب الثاني: تاريخ السرية:

- ‌المطلب الثالث: سبب السرية:

- ‌المطلب الرابع: سير الأحداث:

- ‌المطلب الخامس: الأحكام المستنبطة والدروس المستفادة:

- ‌المبحث الثالث: سرية كعب بن عمير الغفاري رضي الله عنه إلى أطلاح

- ‌المطلب الأول: التعريف بذات أطلاح

- ‌المطلب الثاني: تاريخ السرية:

- ‌المطلب الثالث: سبب السرية:

- ‌المطلب الرابع: سير الأحداث:

- ‌المطلب الخامس: الدروس المستفادة:

- ‌الباب الثاني: غزوة مؤتة

- ‌الفصل الأول: إسم المعركة، وموقعها

- ‌المبحث الأول: إسم المعركة

- ‌المبحث الثاني: موقع المعركة:

- ‌الفصل الثاني: أسباب الغزوة، وتاريخها

- ‌المبحث الأول: أسباب الغزوة

- ‌المبحث الثاني: تاريخ الغزوة:

- ‌الفصل الثالث: حشد القوات الإسلامية

- ‌المبحث الأول: عدد الجيش، وتولية القيادة

- ‌المبحث الثاني: الوصايا التي تزوَّد بها الجيش، وتوديعه:

- ‌الفصل الرابع: حشد القوات الرومانية وحلفائها من القبائل المتنصرة

- ‌المبحث الأول: الخلاف في عددهم

- ‌المبحث الثاني: الخلاف في قادتهم:

- ‌الفصل الخامس: سير الأحداث

- ‌المبحث الأول: إحداث الطريق إلى مؤتة

- ‌المطلب الأول: تشاور المسلمين في معان

- ‌المطلب الثاني: التحرشات العائية التى تعرض لها المسلمون في طريقهم إلى مؤتة

- ‌المبحث الثاني: وصف المعركة

- ‌المطلب الأول: تعبئة المسلمين

- ‌المطلب الثاني: وصف حي لقتال القادة الثلاثة واستشهادهم:

- ‌المطلب الثالث: اشتعال المعركة بين الجيشين:

- ‌المطلب الرابع: تولى خالد بن الوليد رضي الله عنه القيادة وانسحابه بالمسلمين

- ‌الفصل السادس: نتائج المعركة

- ‌المبحث الأول: نقل النبي صلى الله عليه وسلم لأصحابه في المدينة أحداث المعركة

- ‌المبحث الثاني: تحرُّك النَّبِيّ صلى الله عليه وسلم بالمسلمين سريعاً لإمداد أهل مؤتة:

- ‌المبحث الثالث: شهداء المسلمين في المعركة، وقتلى العدو:

- ‌المبحث الرابع: الخلاف في نتيجة المعركة:

- ‌المبحث الخامس: ردة فعل أهل المدينة لنتيجة المعركة:

- ‌المبحث السادس: حزن النبي صلى الله عليه وسلم وأصحابه على قتلى مؤتة

- ‌الفصل السابع: الأحكام المستنبطة والدروس المستفادة من الغزوة

- ‌المبحث الأول: الأحكام المستنبطة

- ‌المبحث الثّاني: الدروس المستفادة:

- ‌الباب الثالث: السرايا والبعوث النبوية الشمالية بعد غزوة مؤتة

- ‌الفصل الأول: سرية عمرو بن العاص رضي الله عنه إلى ذات السلاسل

- ‌المبحث الأول: مسمى السرية ومكانها

- ‌المطلب الأول: مسمى السرية

- ‌المطلب الثّاني: مكانها، أو الجهة التي توجَّهت إليها السّرية:

- ‌المبحث الثّاني: سبب السّرية:

- ‌المبحث الثّالث: تاريخ السّرية:

- ‌المبحث الرّابع: عدد الجيش، وقائده:

- ‌المبحث الخامس: سير الأحداث:

- ‌المبحث السّادس: الأحكام المستنبطة، والدّروس المستفادة:

- ‌الفصل الثاني: سرية خالد بن الوليد رضي الله عنه إلى الأكيدر

- ‌المبحث الأول: تاريخ السرية

- ‌المبحث الثّاني: قُوَّة السّريّة، وقَائدُها:

- ‌المبحث الثالث: سير الأحداث:

- ‌المبحث الرّابع: الخِلاف في إسلام الأكيدر:

- ‌المبحث الخامس: الدروس المستفادة

- ‌الفصل الثالث: سرية أسامة بن زيد رضي الله عنه إلى أبنى

- ‌المبحث الأول: التعريف بأبنى

- ‌المبحث الثّاني: تاريخ السّريّة:

- ‌المبحث الثّالث: سبب السّرية والمهمّة التي أُنيطت بها:

- ‌المبحث الرّابع: مراسم تولية القائد، ووصيّة النّبيّ صلى الله عليه وسلم

- ‌المبحث الخامس: الطّعن في قائد الجيش

- ‌المبحث السّادس: سير الأحداث:

- ‌المبحث السّابع: الأحكام المستنبطة، والدّروس المستفادة:

- ‌مصادر ومراجع

الفصل: ‌المطلب الرابع: سير الأحداث:

‌المطلب الرابع: سير الأحداث:

[4]

"قدم على رسول الله صلى الله عليه وسلم في هدنة الحديبية قبل خيبر رفاعة بن زيد الجذامي ثُمَّ الضبيبي"1 في وفد من قومه بني الضبيب ومعه أخاه بعجة2

[5]

"وأنيف3، وحبان4، ابنا ملة في اثنى عشر

1 أخرجه الطبري (تاريخ: 3/140) عن محمَّد بن إسحاق، عن يزيد بن أبي حبيب مصرحاً بالتحديث عنه، لكنه مرسل، فيزيد من الخامسة.

كذلك ذكره ابن هشام (سيرة 4/596) عن ابن إسحاق الذي رواه بلا سند، فهو معضل، ورفاعة بن زيد الجذامي، ذكر ابن إسحاق أنه وفد على النبي صلى الله عليه وسلم في هدنة الحديبية، قبل خيبر، فأسلم وحسن إسلامه، وأهدى إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم غلاماً يقال له مدعم. وذكره ابن منده في الصحابة.

(انظر: ابن هشام: سيرة 4/596، وابن حجر: إصابة: 1/518) .

2 بعجة بن زيد الجذامي. ذكره ابن إسحاق فيمن وفد على النبي صلى الله عليه وسلم، وذكره ابن حجر في القسم الأوّل حرف الباء من كتاب الصحابة، وروى عن ابن منده حديث خروجه مع رفاعة في اثني عشر رجلاً إلى النبي صلى الله عليه وسلم. انظر: ابن هشام: سيرة:613، وابن حجر: إصابة:1/78،145،162.

3 أنيف بن ملة الجذامي، من بني الضبيب، له صحبة، سكن الرملة ومات ببيت جبرين من كورة فلسطين، ذكره ابن حبان في الصحابة، وقال ابن السكن: ذكره ابن إسحاق فيمن وفد على النبي صلى الله عليه وسلم من جذام، وهو أخو حبان. (الإصابة: 1/78) .

4 حبان بن ملّة الجذامي، ثُمَّ الضبيبي. ذكره ابن حجر في ترجمة أخيه أنيف. قال: وهو أخو حبان الآتي ذكره في الحاء. وذكر أنه وفد مع أخيه إلى النبي صلى الله عليه وسلم، ولم أجده في حرف الحاء، فربما سقط اسمه سهواً من بعض النساخ، والله تعالى أعلم. انظر: الإصابة: 1/78.

ص: 83

رجلاً"1.

[6]

"فأهدى رفاعة بن زيد لرسول الله صلى الله عليه وسلم غلاماً يُقال له مدعم2"3. وأسلم وحَسُنَ إسلامه، وأسلم مَن كان معه، وعقد له رسول الله صلى الله عليه وسلم على قومه وكتب له كتاباً فيه:

[7]

"بسم الله الرحمن الرحيم. هذا كتاب محمَّد رسول الله، لرفاعة بن زيد. إني بعثته إلى قومه عامَّة، ومَن دخل فيهم، يدعوهم

1 ذكره ابن حجر (إصابة: 1/78) عن ابن منده من طريق معروف بن طريف، حدَّثتني عمتي ظبية بنت عمرو بن حزابة عن نهيشة مولاة لهم، فذكرت الحديث.

ولم أعثر على تراجم هذا الإسناد.

2 مدعم الأسود، مولى رسول الله صلى الله عليه وسلم، كان مولَّداً من حسمى أهداه رفاعة بن زيد الجذامي لرسول الله صلى الله عليه وسلم. ثبت ذكره في الموطأ والصحيحين من طريق سالم بن مطيع عن أبي هريرة في فتح خيبر، فذكر الحديث وفيه إنَّ مدعماً أصابه سهم عائر فقتله. (إصابة: 3/394) .

قلت: الثابت من روايات الصحيح أنه قتل أثناء محاصرة النبي صلى الله عليه وسلم لوادي القرى وليس خيبر.

انظر: فتح الباري: 7/487 – 488.

3 أخرجه البخاري (انظر: فتح الباري 7:487-488، 11/593) ، كتاب المغازي غزوة خيبر، وكتاب الأيمان والنذور، باب هل يدخل الإيمان الأرض والغنم.

ص: 84

إلى الله وإلى رسوله، فمَن آمن ففي حزب الله، وفي حزب رسوله صلى الله عليه وسلم، ومَن أدبر فله أمان شهرين"1.

فلمَّا قدم رفاعة على قومه أجابوا وأسلموا2، وسألوا الوفد عن بعض ما أمرهم به رسول الله صلى الله عليه وسلم، فقال أنيف ابن ملّة:

[8]

"أمرنا أن نضجع الشاة على شقها الأيسر ثُمَّ نذبحها ونتوجه للقبلة ونُسمي الله"3. ثُمَّ ساروا إلى الحرَّة حرَّة الرجلاء4 فنَزلوها5.

1 من رواية ابن إسحاق عند الطبراني (معجم:2/340) وقد سبق تخرجها برقم [1] .

2 من رواية ابن إسحاق عند الطبري، وابن هشام، وقد سبق تخريجها برقم [1] .

3 من رواية نهيشة عند ابن منده، وقد سبق تخريجها برقم [5] .

4 قال ابن الأعرابي: "الحرة الرجلاء الصلبة الشديدة. وقال غيره: هي التي أعلاها أسود وأسفلها أبيض، والرجلاء الصلبة الخشنة لا تعمل فيها خيل ولا إبل ولا يسلكها إلَاّ راجل، وهو علم لحرَّة في ديار بني القين بن جسر، بين المدينة والشام. قال الأخنس:

وكلبٌ لها خبت فرملة عالج

إلى الحرَّة الرجلاء حيث تحارب

قال البلادي: "والنص الذي في السيرة، ورواية ياقوت يجعلانها قريباً من حرة ليلى، ولعلَّها كانت جزءاً منها، لأنَّك إذا سرت في حرَّة ليلى من جهة المدينة باتجاه بلاد بلقين فإنَّك تسير في هذه الحرَّة، ولها عِدَّة نعوف وشماريخ، فإذا انقطعت من جهة الجناب انقطعت كل الحرار، فالحرَّة الرجلاء لا شك من تلك النعوف".

(الحموي: معجم: 2/246، 3/28، والبلادي: معجم: 97) .

5 من رواية ابن إسحاق عند الطبري، وابن هشام، وقد سبق تخريجها برقم [1] .

ص: 85

ثُمَّ إنَّ حبَّان بن ملة:

[9]

"صحب دحية الكلبي لما مضى بكتاب رسول الله صلى الله عليه وسلم إلى قيصر"1. فتعلَّم منه أُم الكتاب2.

[10]

"ثُمَّ لم يلبث أن أقبل دحية الكلبي من عند قيصر حين بعثه رسول الله صلى الله عليه وسلم حتى إذا كان بوادٍ من أوديتهم، يُقال له شنان3 ومعه تجارة له"4 - وكان هرقل قد أجازه بمالٍ وكساه كسىً، كما يذكر الواقدي، وابن سعد - 5 أغار عليه الهنيد بن عارض الضُليعي، وابنه عارض في ناس من جذام، فقطعوا عليه الطريق، وأصابوا كل شيء معه:

[11]

"فبلغ ذلك قوماً من الضبيب رهط رفاعة بن زيد مِمَّن كان أسلم وأجاب، فنفروا إلى الهنيد وابنه فيهم من بني الضبيب النعمان بن أبي جعال"6.

1 من رواية ابن إسحاق عند الأموي، وقد سبق تخريجها برقم [1] .

2 من رواية ابن إسحاق عند الطبراني، وقد سبق تخريجها برقم [1] .

3 أو شنار. وقد سبق الحديث عن الخلاف في اسم هذا الوادي ص70حاشية رقم (1) .

4 من رواية ابن إسحاق عند الطبراني، وقد سبق تخريجها برقم [1] .

5 الواقدي: مغازي: 2/56، وابن سعد: طبقات: 2/88.

6 من رواية ابن إسحاق، عند ابن هشام (سيرة: 4/613) وقد سبق تخريجها برقم [1] .

والنعمان بن أبي جعال الضبيبي من رهط رفاعة بن زيد، ذكره ابن إسحاق فيمن أسلم منهم ووفد على النَّبِيّ صلى الله عليه وسلم بعد أن غزاهم زيد بن حارثة حين غزا بني جذام من أرض حسمى. (إصابة: 3/560) .

ص: 86

[12]

"في عشرة نفر، وكان نعمان رجل الوادي ذا الجلد والرماية"1 حتى لقوا الهنيد ومن معه فاقتتلوا، وكان قتالاً خاطفاً بالسهام والحجارة حيث:

[13]

"رمى قرة بن أشقر الضليعي النعمان بن أبي جعال بحجر فأصاب كعبه وأدماه، وقال: أنا ابن أثالة، ثُمَّ رماه النعمان بن أبي جعال فأصاب ركبته"2 إصابة بالغة أثبتته.

[14]

"فاستنقذوا ما في أيديهم فردوه إلى دحية، وساعده حبَّان بن ملَّة"3.

[15]

"ثُمَّ إنَّ دحية قدم على النبي صلى الله عليه وسلم فأخبره خبرهم"4.

[16]

"فبعث رسول الله صلى الله عليه وسلم زيد بن حارثة، وبعث معه جيشاً"5.

يذكر الواقدي، وابن سعد أنَّهم كانوا حوالي خمسمائة

1 أخرجه الواقدي (مغازي: 2/556) .

2 من رواية ابن إسحاق عند الطبراني، وقد سبق تخريجها برقم [1] .

3 من رواية ابن إسحاق عند الطبراني، وقد سبق تخريجها برقم [1] .

4 من رواية ابن إسحاق عند الطبراني.

5 من رواية ابن إسحاق عند الطبراني.

ص: 87

رجل1، وردَّ معه دحية:

[17]

"فكان زيد يسير الليل ويكمن النهار، ومعه دليل من بني عُذْرة2، فأقبل بهم الدليل من ناحية الأولاج3، حتى هجم بهم مع الصبح على القوم فأغاروا عليهم، فقتلوا فيهم فأوجعوا، وقتلوا الهنيد وابنه، وأغاروا على ماشيتهم ونعمهم4ونسائهم، فأخذوا من النعم ألف بعير، ومن الشاء خمسة آلاف شاة، ومن السبي مائة من النساء والصبيان"5.

[18]

"فلمَّا سمعت بذلك بنو الضُّبيب، والجيش بفيفاء مدان6، ركب نفر منهم، وكان فيمن ركب معهم: حبّان بن ملّة على فرسٍ لسويد بن زيد، يُقال لها العجاجة، وأنيف بن ملّة على فرسٍ لملّة يُقال لها رغال، وأبو زيد بن عمرو على فرس يُقال لها شمر،

1 الواقدي: مغازي: 2/556، وابن سعد: طبقات: 2/88.

2 بنو عذرة - بضم العين المهملة، وسكون الذال المعجمة - قبيلة كبيرة من قضاعة، ينسبون إلى عذرة بن سعد، وكانوا معروفين بشدَّة العشق، وغلبة الهوى.

(القلقشندي: قلائد الجمان: 49، ابن حجر: فتح: 8/74) .

3 الأولاج: جمع ولجة، وهي معطف الوادي. (القاموس: ولج) .

4 النعم: الإبل.

5 أخرجه ابن سعد (طبقات: 2/88) عن شيوخه.

6 فيفاء مدان: الفيف: المفازة التي لا ماء فيها من الاستواء والسعة، فإذا أُنِّث فهي الفيفاء. والمدان: وادٍ في بلاد قضاعة بناحية حرة الرجلاء يسيل مشرقاً من الحرَّة.

(الحموي: معجم البلدان: 4/285، 5/74) .

ص: 88

انطلقوا حتى إذا دنوا من الجيش، قال أبو زيد، وحبان، لأنيف ابن ملّة: كُفَّ عنا وانصرِف فإنَّا نخشى لسانك، فوقف عنهما، فلم يَبْعُدا منه حتى جعلت فرسه تبحث بيديها وتوثب، فقال: لأنا أضنّ بالرجلين منك بالفرسين، فأرخى لها حتى أدركهما، فقالا له: أما إذا فعلت ما فعلت فكُفَّ عنَّا لسانك، ولا تشأمنا اليوم، فتواصوا ألاّ يتكلَّم منهم إلَاّ حبَّان بن ملّة، وكانت بينهم كلمة في الجاهلية قد عرفها بعضهم من بعض، إذا أراد أحدهم أن يضرب بسيفه قال: بُورِي أو ثُورِي؛ فلمَّا برزوا على الجيش، أقبل القوم يبتدرونهم، فقال لهم حبان: إنَّا قومٌ مُسلمون، وكان أوَّل مَن لقيهم رجل على فرسٍ أدهم، فأقبل يسوقهم، فقال أُنيف: بُوري، فقال حبَّان: مَهْلاً، فلمَّا وقفوا على زيد بن حارثة قال حبان: إنَّا قومٌ مسلمون، فقال له زيد: فاقرءوا أُمّ الكتاب، فقرأها حبَّان، فقال زيد بن حارثة: نادوا في الجَيْش أنَّ الله قد حرَّم علينا ثُغْرَة1 القوم التي جاءوا منها إلَاّ مَن خَتَر2. وإذا أخت حبان بن ملَّة، وهي امرأة أبي وَبْر بن عدي ابن أُميَّة ابن الضبيب في الأُسارى، فقال له زيد: خُذْها، وأخَذَت بحقويه3، فقالت أُم الفِزر الضُّلعية: أتنطلقون ببناتكم وتَذَرون

1 ثغرة القوم: ناحيتهم التي يحمونها.

2 خَتَرَ: نقضَ العهد.

3 بحقويه: بخصريه.

ص: 89

أُمَّهاتكم؟ فقال أحد بني الخصيب: إنَّها بنو الضبيب وسحر ألسنتهم سائرَ اليوم، فسمعها بعض الجيش، فأخبر بها زيد بن حارثة، فأمر بأُخت حبَّان ففُكَّت يداها من حِقْوَيه، وقال لها: اجلسي مع بنات عمك حتَّى يحكم الله فيكُنَّ حُكْمَه، فرجعوا، ونَهَى الجيش أن يهبطوا إلى واديهم الذي جاءوا منه، فأمسوا في أهليهم، واستعتموا ذوداً1 لسويد بن زيد، فلمَّا شربوا عتمتهم2، ركبوا إلى رفاعة بن زيد، وكان مِمَّن ركب إلى رفاعة بن زيد تلك الليلة: أبو زيد بن عمرو، وأبو شماس بن عمرو، وسويد بن زيد، وبعجة بن زيد، وبرذع بن زيد، وثعلبة ابن زيد، ومُخْرَبة بن عدي، وأُنَيْف بن ملَّة، وحبان بن ملة، حتَّى صبَّحوا رفاعة بن زيد بكراع رَبة3، بظهر الحرَّة، على بئر هنالك من حرَّة ليلى4؛ فقال له حبَّان بن ملَّة: إنَّك لجالس

1 الذود: ما بين الثلاث إلى العشرمن الإبل. واستمتعواذوداً: انتظروه إلىعتمة من الليل.

2 عتمتهم: لبنهم الذي انتظروه إلى ذلك الوقت.

3 كراع ربة - بالراء وتشديد الباء - بلفظ ربَّة البيت أو ربَّة المال، أي صاحبته، في ديار جذام. والكراع هو: الجانب المستطيل من الحرَّة.

(انظر: الحموي: معجم: 4/443، وابن الأثير: نهاية: 4/15) .

4 حرَّة ليلى: لبني مرّة بن عوف بن سعد بن ذبيان بن بغيض بن ريث بن غطفان، يطؤها الحاج في طريقهم إلى المدينة. وعن بعضهم: أنَّ حرَّة ليلى من وراء وادي القرى من جهة المدينة فيها نخل وعيون.

قلت: قد تكون هي نفسها التي لبني مرّة، لأنَّ ديارهم تقع في نفس المنطقة. قال البلادي: تُعْرَف اليوم بحرَّة خيبر، وحرَّة هتيم، ومنها حرَّة أو اثنان في نهايتها الشمالية الشرقية، وهي تسايرك إذا تجاوزت خيبر على يمينك حتى تصير في الجناب (الجهراء اليوم) .

(ياقوت: معجم البلدان: 2/247-248، والسمهودي: وفاء الوفاء:2/288، والبلادي: معجم: 97) .

ص: 90

تحلب المعزى ونساء جذام أُسارى قد غَرَّها كتابك الذي جئت به، فدعا رفاعة بن زيد بجملٍ له، فجعل يَشُدّ عليه رحله وهو يقول:

هل أنت حي أو تنادي حيّا

ثُمَّ غدا وهم معه، مبكرين من ظهر الحرَّة، فساروا إلى جوف المدينة ثلاث ليال؛ فلمَّا دخلوا المدينة، وانتهوا إلى المسجد، نظر إليهم رجلٌ من الناس، فقال: لا تنيخوا إبلكم، فتُقَطَّع أيديهنَّ، فنزلوا عنهنَّ وهُنَّ قيام؛ فلمَّا دخلوا على رسول الله صلى الله عليه وسلم ورآهم ألاح1 إليهم بيده: أن تعالوا من وراء الناس؛ فلمَّا استفتح رفاعة بن زيد المَنْطِق، قام رجلٌ من الناس فقال: يا رسول الله، إنَّ هؤلاء قوم سحرة، فردَّدَها مرَّتين، فقال رفاعة بن زيد: رحم الله مَن لم يحذُنا2 في يومه هذا إلَاّ خيراً، ثُمَّ دفع رفاعة بن زيد

1 ألاح: أشار.

2 لم يحذنا: لم يُعطِنا. وتُرْوَى: (لم يجدنا) : لم ينفعنا.

ص: 91

كتابَه إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم الذي كان كتبه له. فقال: دونك يا رسول الله. فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: اقرأه يا غلام، وأعْلِنْ؛ فلمَّا قرأ كتابه استخبره، فأخبروهم الخبر، فقال رسولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم: كيف أصنع بالقتلى؟ - ثلاث مرَّات -. فقال رفاعة: أنت يا رسول الله أعلم، لا نحرِّم عليك حلالاً، ولا نُحَلّل لك حراماً، فقال أبو زيد بن عمرو: أطلِق لنا يا رسول الله مَنْ كان حيّاً، ومَا قُتِلَ فهو تحت قَدَمي هذه. فقال له رسول الله صلى الله عليه وسلم: صدق أبو زيد، اركب معهم يا عليّ. فقال له عليٌّ رضي الله عنه: إنَّ زيداً لن يُطِيعني يا رسول الله، قال: فخُذ سيفي هذا، فأعطاه سيفه. فقال عليٌّ: ليس لي يا رسول الله راحلة أركبها، فحملوه على بعير لثعلبة بن عمرو، يُقال له مِكْحَال، فخرجوا، فإذا رسولٌ لزيد بن حارثة على ناقة من إبل أبي وبر، يُقال لها الشمر، فأنزلوه عنها، فقال: يا عليّ! ما شأني؟ فقال: ما لهم عرفوه فأخذوه، ثُمَّ ساروا فلقوا الجيش بفيفاء الفحلتين"1.

فقال علي بن أبي طالب - رضي الله تعالى عنه - لزيد بن حارثة:

[19]

"إنَّ رسول الله صلى الله عليه وسلم يأمرك أن تردَّ على هؤلاء القوم ما كان بيدك من أسير أو سبي أو مال. فقال زيد: علامة من رسول الله! قال علي: هذا! فعرف زيد السيف، فنَزل فصاح بالنَّاس، فاجتمعوا

1 من رواية ابن إسحاق عند ابن هشام، وقد سبق تخريجها برقم [1] .

ص: 92

فقال: مَن كان بيده شيء من سبي أو مال فليرده، فهذا رسول رسول الله، فردَّ إلى النَّاس كُلَّ ما أُخِذَ منهم، حتَّى إن كانوا ليأخذون المرأة من تحت فخذ الرجل"1.

1 من رواية الواقدي، وقد سبق تخريجها برقم [12] .

ص: 93