الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
المطلب الثالث: سير الأحداث:
كانت الأجواء التي تمَّ فيها إرسال هذه السرية تفيض علماً، وتفوح عبقاً مباركاً، وقد كانت فرصة مناسبة للتعرُّف على مجالس العلم التي كانت تُعقد في المسجد النبوي، وكذلك معرفة المراسم التي يتم من خلالها بعْث السرايا، وتولية الأُمراء عليها، وذلك من خلال راوي الحديث الذي كان شاهد عيان يصف لنا ذلك كُلّه بأدقّ عبارة، وأسهل جملة، يقول عبد الله ابن عمر - رضي الله تعالى عنهما:
[1]
"كنت عاشر عشرة رهط1 من أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم في مسجده: "أبو بكر، وعمر، وعثمان، وعبد الرحمن بن عوف، وابن مسعود، ومعاذ بن جبل، وحذيفة بن اليمان، وأبو سعيد الخدري، وأنا مع رسول الله صلى الله عليه وسلم"2".
1 رهط: جماعة.
2 ذكره ابن هشام: (سيرة 4/631 - 632) عن ابن إسحاق الذي رواه بسند فيه مبهمان عن عطاء بن أبي رباح، عن عبد الله بن عمر رضي الله تعالى عنهما. وأخرجه البزَّار كما في (كشف الأستار، حديث رقم: 1676) ، بإسناده عن الهيثم ابن حميد بن حفص بن غيلان، وأخرجه بان ابن ماجه (السنن 2/1332-1333) . بعضه باختصار عن ابن أبي مالك عن أبيه، كلاهما عن عطاء بن أبي رباح عنه. قال عنه الهيثمي (المجمع 5/318) :وابن حجر (مختصر مسند البزّار1/711) .رجاله ثقات.
قلت: الهيثم وشيخه حفص بن غيلان صدوقان، وابن أبي مالك هو: خالد بن يزيد ابن عبد الرحمن ضعيف. كما قال الحافظ وأبوه صدوق. فيكون الإسناد حسناً إن شاء الله. وقد يرتفع إلى الصحيح لغيره بالمتابعة. والله تعالى أعلم.
وقال عنه الألباني (صحيح سنن ابن ماجه 2/370) : حسن.
[2]
"فجاء فتى من الأنصار، فسلَّم على رسول الله صلى الله عليه وسلم ثُمَّ جلس، فقال: "يا رسول الله! أي المؤمنين أفضل؟ قال: "أحسنهم خُلُقاً". قال: "أي المؤمنين أكيس؟ 1 قال: "أكثرهم للموت ذكراً، وأكثرهم له استعداداً قبل أن ينْزل بهم - أو قال:"ينْزل به - أولئك الأكياس، ثُمَّ سكت"2 الفتى3
و [3]"أقبل علينا رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال: "يا معشر المهاجرين! 4، خمسٌ إذا ابتليتُم بهنَّ، وأعوذ بالله أن تدركوهنَّ: "لم تظهر الفاحشة في قومٍ
1 أي أعقل. والكَيِّس هو العاقل الفطن.
2 زيادة من البزَّار. انظر: كشف الأستار، حديث رقم: 1676، ومختصر مسند البزَّار حديث رقم: 1317) .
قلت: لكن في إسناده الهيثم، وحفص بن غيلان (صدوقين، ورُميا بالقدر) .
والله تعالى أعلم.
3 زيادة من ابن إسحاق (ابن هشام: سيرة 4/631) .
4 هكذا وقع في رواية ابن ماجه، وكذلك رواية ابن إسحاق، ولعلَّه دعاهم بذلك تغليباً لأنَّ أكثرهم في ذلك المجلس كانوا من المهاجرين، وإلَاّ فإنه كان فيهم من الأنصار أيضاً. ووقع في رواية الواقدي:"يا أيها النَّاس"، بينما في رواية البزَّار لم يعين أحداً في خطابه، وإنَّما قال مباشرةً: "لم تظهر الفاحشة في قومٍ
…
" الخ.
قطّ حتَّى يعلنوا بها، إلَاّ فشا فيهم الطاعون والأوجاع التي لم تكن مضت في أسلافهم الذين مضوا، ولم ينقصوا المكيال والميزان إلَاّ أُخِذُوا بالسنين وشِدَّة المؤونة وجَوْر السلطان عليهم، ولم يَمْنَعُوا زكاة أموالهم إلَاّ مُنِعُوا القَطر من السماء، ولولا البهائم لم يُمْطَروا. ولم ينقضوا عهد الله وعهد رسوله إلَاّ سلَّط الله عليهم عدواً من غيرهم، فأخذوا بعض ما في أيديهم، وما لم تحكم أئمتهم بكتاب الله ويتخيَّروا1 مِمَّا أنزل الله إلَاّ جعل الله بأسهم بينهم"2".
[4]
"قال: "ثُمَّ أمر عبد الرحمن بن عوف يتجهَّز لسريةٍ أمَّره عليها، فأصبح قد اعتمَّ بعمامة كرابيس3 سوداء، فدعاه النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم فنقضها وعمَّمه وأرسل مِن خلفه أربع أصابع، ثُمَّ قال:"هكذا يا ابن عوف، فاعتمَّ بها فإنه أعرب4 وأحسن"5".
1 هكذا وقعت في رواية ابن ماجه. وفي رواية ابن إسحاق: "وتجبَّروا فيما أنزل الله". ولعلَّه حصل تصحيف في اللفظة. وفي رواية البزَّار قال: "ولم يحكم أئمتهم كتاب الله إلَاّ جعل بأسهم بينهم".
2 هكذا في رواية ابن ماجه (سنن 2/1332 - 1333) .
3 عمامة من قطن غليظة.
4 هكذا وقعت في رواية البزَّار، بينما وقعت في رواية ابن إسحاق:"فإنه أحسن وأعرف".وربما تصحَّفت اللفظة عند أحدهما. أمَّا في رواية الواقدي فإنَّه لم يعلِّق شيئاً.
5 من رواية البزَّار، وقد سبق تخريجها برقم [2] .
ثُمَّ بدأت مراسم تولية عبد الرحمن بن عوف-رضي الله تعالى عنه- على الجيش، وهي مراسم بسيطة جداً ولكنَّها ذات مغزى عظيم ومؤثّر".
حيث أمر النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم بلالاً أن يدفع إليه اللواء، فدفعه إليه، فحمد الله تعالى، ثُمَّ قال: "خذه يا ابن عوف:
[5]
"اغزوا جميعاً في سبيل الله، فقاتلوا مَن كفر بالله، لا تَغُلُّوا، ولا تغدروا، ولا تمثلوا، ولا تقتلوا وليداً، فهذا عهد رسول الله صلى الله عليه وسلم وسنَّته فيكم"1".
فأخذ عبد الرحمن بن عوف رضي الله تعالى عنه اللواء، وعقد له رسول الله صلى الله عليه وسلم على سبعمائة رجل - كما يذكر الواقدي2- وأمره بالمسير إلى دومة الجندل، فيدعوهم إلى الإسلام، وأشار عليه النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم قائلاً:
[6]
"إن استجابوا لك فتزوَّج ابنة ملكهم، فسار عبد الرحمن حتى قدم دومة الجندل3".
[7]
"فلمَّا حلَّ بها دعاهم إلى الإسلام، فمكث بها ثلاثة أيام يدعوهم إلى الإسلام، وقد كانوا أبوا أوَّل ما قدم يعطونه إلَاّ السيف، فلمَّا كان اليوم الثالث أسلم الأصبغ بن عمرو الكلبي، وكان نصرانياً، وكان رأسهم"4".
1 من رواية البزَّار، وقد سبق تخريجها برقم [2] .
2 مغازي: 2/560 – 561.
3 أخرجه ابن سعد (طبقات 2/89) عن شيوخه بلفظ: قالوا.
4 أخرجه الواقدي (مغازي 2/560 - 562) ، وعزاه ابن حجر (إصابة 1/108) للدارقطني في الافراد، من طريق محمَّد بن الحسن صاحب أبي حنيفة، عن سعيد بن مسلم بن فاتك (مالك) شك النَّاسخ، وهي تصحيف (قمارين) كما وردت عند الواقدي، عن عطاء، عن ابن عمر رضي الله تعالى عنهما، وقال الدارقطني: تفرَّد به محمَّد الحسن عن سعيد، ولم يروه عنه غير أبي سليمان. قال ابن حجر: رواية الواقدي له عن سعيد ترد على هذا الإطلاق. والله أعلم.
قلت: قال ابن أبي حاتم (الجرح 7/227) : سمعت أبي يقول: وجدت في كتاب السير لمحمَّد بن الحسن صاحب الرأي، عن الواقدي أحاديث، فلم يضبطوا عن محمَّد ابن الحسن، فرووا عن محمَّد بن الحسن، عن الواقدي، أحاديث، ورووا الباقي عن مشايخ الواقدي، وهذا كُلّه عن الواقدي، فجعلوه عن محمَّد ابن الحسن عن هؤلاء المشايخ. انتهى.
قلت: أخشى أن يكون هذا الحديث منها، لأنه مطابقٌ تماماً لرواية الواقدي في المغازي. والله تعالى أعلم.
وذكر السيوطي (خصائص 2/23) أنَّ ابن عساكر أخرجه من طريق الزبير ابن بكار، حدَّثني عبد الرحمن بن عبد الله بن عبد العزيز الزهري، عن عمومته: موسى، وعمران، وإسماعيل نحوه.
قلت: هذا مرسل، وعبد الرحمن بن عبد الله الزهري، ذكره ابن أبي حاتم (الجرح 5/205) ولم يذكر فيه جرحاً ولا تعديلاً.
[8]
"وأسلم معه ناس كثير من قومه، وأقام مَن أقام على إعطاء الجزية، وتزوَّج عبد الرحمن تماضر بنت الأصبغ، وقدم بها إلى المدينة، وهي أُم أبي سلمة بن عبد الرحمن"1".
1 من رواية ابن سعد، وقد سبق تخريجها برقم [6] .
وكان عبد الرحمن بن عوف رضي الله تعالى عنه قد بعث قبله رافع ابن مكيث الجهني إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم بشيراً، يخبره بما فتح الله عليهم، وبإسلام الأصبغ وقومه".