المَكتَبَةُ الشَّامِلَةُ السُّنِّيَّةُ

الرئيسية

أقسام المكتبة

المؤلفين

القرآن

البحث 📚

‌المطلب الأول: الخلاف في السرية - غزوة مؤتة والسرايا والبعوث النبوية الشمالية

[بريك العمري]

فهرس الكتاب

- ‌مقدمة

- ‌تمهيد

- ‌الباب الأول: السرايا والبعوث النبوية الشمالية قبل غزوة مؤتة

- ‌الفصل الأول: سرايا زيد بن حارثة رضي الله عنه

- ‌المبحث الأول: سرية زيد بن حارثة رضي الله عنه إلى وادى القرى

- ‌المطلب الأول: التعريف بوادى القرى

- ‌المطلب الثاني: الخلاف في سبب السرية:

- ‌المطلب الثالث: الخلاف في قائد السرية:

- ‌المطلب الرابع: تاريخ السرية:

- ‌المطلب الخامس: سير الأحداث:

- ‌المطلب السادس: الأحكام المستنبطة، والدروس والعبر المستفادة:

- ‌المبحث الثاني: سرية زيد بن الحارث رضى الله عنه إلى حسمى (جذام)

- ‌المطلب الأول: التعريف بحسمى

- ‌المطلب الثاني: سبب السرية:

- ‌المطلب الثالث: تاريخ السرية:

- ‌المطلب الرابع: سير الأحداث:

- ‌المبحث الثالث: سرية زيد بن حارثة رضي الله عنه إلى مدين

- ‌المطلب الأول: التعريف بمدين

- ‌المطلب الثاني: راوي الخبر وسياقه:

- ‌المطلب الثالث: تاريخ السرية:

- ‌المطلب الرابع: سير الأحداث:

- ‌الفصل الثاني: السرايا والبعوث النبوية إلى فدك

- ‌المبحث الأول: سرية على بن أبي طالب رضي الله عنه إلى بني مرة بفدك

- ‌المطلب الأول: تعريف بفدك

- ‌المطلب الثاني: تاريخ السرية، وسببها

- ‌المطلب الثالث: سير الأحداث

- ‌المطلب الرابع: الدروس والعبر المستقاة من أحداث السرية:

- ‌المبحث الثاني: سرية بشير بن سعد رضي الله عنه إلى بني مرة بفدك

- ‌المطلب الأول: تاريخ السرية

- ‌المطلب الثاني: سبب السرية:

- ‌المطلب الثالث: سير الأحداث:

- ‌المبحث الثالث: سرية غالب بن عبد الله الليثي إلى مصاب أصحاب بشير بن سعد بفدك (الحرقات)

- ‌المطلب الأول: الخلاف في السرية

- ‌المطلب الثاني: "تاريخ السرية:

- ‌المطلب الثالث: سير الأحداث:

- ‌المطلب الرابع: "الأحكام المستنبطة والعبر والدروس المستفادة:

- ‌الفصل الثالث: بقية السرايا والبعوث النبوية الشمالية قبل غزوة مؤتة

- ‌المبحث الأول: سرية عبد الرحمن بن عوف رضي الله عنه إلى دومة الجندل

- ‌المطلب الأول: التعريف بدومة الجندل

- ‌المطلب الثاني: تاريخ السرية:

- ‌المطلب الثالث: سير الأحداث:

- ‌المطلب الرابع: الدروس والعظات المستفادة:

- ‌المبحث الثاني: سرية بشير بن سعد رضي الله عنه إلى الجناب (يمن، وجبار)

- ‌المطلب الأول: التعريف بالجناب، ويمن، وجبار

- ‌المطلب الثاني: تاريخ السرية:

- ‌المطلب الثالث: سبب السرية:

- ‌المطلب الرابع: سير الأحداث:

- ‌المطلب الخامس: الأحكام المستنبطة والدروس المستفادة:

- ‌المبحث الثالث: سرية كعب بن عمير الغفاري رضي الله عنه إلى أطلاح

- ‌المطلب الأول: التعريف بذات أطلاح

- ‌المطلب الثاني: تاريخ السرية:

- ‌المطلب الثالث: سبب السرية:

- ‌المطلب الرابع: سير الأحداث:

- ‌المطلب الخامس: الدروس المستفادة:

- ‌الباب الثاني: غزوة مؤتة

- ‌الفصل الأول: إسم المعركة، وموقعها

- ‌المبحث الأول: إسم المعركة

- ‌المبحث الثاني: موقع المعركة:

- ‌الفصل الثاني: أسباب الغزوة، وتاريخها

- ‌المبحث الأول: أسباب الغزوة

- ‌المبحث الثاني: تاريخ الغزوة:

- ‌الفصل الثالث: حشد القوات الإسلامية

- ‌المبحث الأول: عدد الجيش، وتولية القيادة

- ‌المبحث الثاني: الوصايا التي تزوَّد بها الجيش، وتوديعه:

- ‌الفصل الرابع: حشد القوات الرومانية وحلفائها من القبائل المتنصرة

- ‌المبحث الأول: الخلاف في عددهم

- ‌المبحث الثاني: الخلاف في قادتهم:

- ‌الفصل الخامس: سير الأحداث

- ‌المبحث الأول: إحداث الطريق إلى مؤتة

- ‌المطلب الأول: تشاور المسلمين في معان

- ‌المطلب الثاني: التحرشات العائية التى تعرض لها المسلمون في طريقهم إلى مؤتة

- ‌المبحث الثاني: وصف المعركة

- ‌المطلب الأول: تعبئة المسلمين

- ‌المطلب الثاني: وصف حي لقتال القادة الثلاثة واستشهادهم:

- ‌المطلب الثالث: اشتعال المعركة بين الجيشين:

- ‌المطلب الرابع: تولى خالد بن الوليد رضي الله عنه القيادة وانسحابه بالمسلمين

- ‌الفصل السادس: نتائج المعركة

- ‌المبحث الأول: نقل النبي صلى الله عليه وسلم لأصحابه في المدينة أحداث المعركة

- ‌المبحث الثاني: تحرُّك النَّبِيّ صلى الله عليه وسلم بالمسلمين سريعاً لإمداد أهل مؤتة:

- ‌المبحث الثالث: شهداء المسلمين في المعركة، وقتلى العدو:

- ‌المبحث الرابع: الخلاف في نتيجة المعركة:

- ‌المبحث الخامس: ردة فعل أهل المدينة لنتيجة المعركة:

- ‌المبحث السادس: حزن النبي صلى الله عليه وسلم وأصحابه على قتلى مؤتة

- ‌الفصل السابع: الأحكام المستنبطة والدروس المستفادة من الغزوة

- ‌المبحث الأول: الأحكام المستنبطة

- ‌المبحث الثّاني: الدروس المستفادة:

- ‌الباب الثالث: السرايا والبعوث النبوية الشمالية بعد غزوة مؤتة

- ‌الفصل الأول: سرية عمرو بن العاص رضي الله عنه إلى ذات السلاسل

- ‌المبحث الأول: مسمى السرية ومكانها

- ‌المطلب الأول: مسمى السرية

- ‌المطلب الثّاني: مكانها، أو الجهة التي توجَّهت إليها السّرية:

- ‌المبحث الثّاني: سبب السّرية:

- ‌المبحث الثّالث: تاريخ السّرية:

- ‌المبحث الرّابع: عدد الجيش، وقائده:

- ‌المبحث الخامس: سير الأحداث:

- ‌المبحث السّادس: الأحكام المستنبطة، والدّروس المستفادة:

- ‌الفصل الثاني: سرية خالد بن الوليد رضي الله عنه إلى الأكيدر

- ‌المبحث الأول: تاريخ السرية

- ‌المبحث الثّاني: قُوَّة السّريّة، وقَائدُها:

- ‌المبحث الثالث: سير الأحداث:

- ‌المبحث الرّابع: الخِلاف في إسلام الأكيدر:

- ‌المبحث الخامس: الدروس المستفادة

- ‌الفصل الثالث: سرية أسامة بن زيد رضي الله عنه إلى أبنى

- ‌المبحث الأول: التعريف بأبنى

- ‌المبحث الثّاني: تاريخ السّريّة:

- ‌المبحث الثّالث: سبب السّرية والمهمّة التي أُنيطت بها:

- ‌المبحث الرّابع: مراسم تولية القائد، ووصيّة النّبيّ صلى الله عليه وسلم

- ‌المبحث الخامس: الطّعن في قائد الجيش

- ‌المبحث السّادس: سير الأحداث:

- ‌المبحث السّابع: الأحكام المستنبطة، والدّروس المستفادة:

- ‌مصادر ومراجع

الفصل: ‌المطلب الأول: الخلاف في السرية

‌المبحث الثالث: سرية غالب بن عبد الله الليثي إلى مصاب أصحاب بشير بن سعد بفدك (الحرقات)

‌المطلب الأول: الخلاف في السرية

المطلب الأول: الخلاف في السرية:

اختلف في هذه السرية، في قائدها، وفي سببها، وفي الوجهة التي أُرْسِلَت إليها، في عِدَّة أقوال بين روايات أهل المغازي، وروايات أهل الحديث، حيث:

يرى ابن إسحاق، والواقدي:"أنَّ هذه السرية هي سرية غالب ابن عبد الله الليثي رضي الله عنه إلى أرض بني مُرَّة بفدك، وأنَّ أُسامة ابن زيد - رضي الله تعالى عنه - خرج فيها، وأنَّه قتل مرداس بن نهيك بعد أن قال: "لا إله إلَاّ الله".

وأضاف الواقدي: "أنَّ سبب السرية هو تأديب المرِّيين الذين أصابوا أصحاب بشير بن سعد في السرية السابقة1".

أمَّا ابن سعد فعنون لها بـ"سرية غالب بن عبد الله الليثي إلى مصاب أصحاب بشير بن سعد بفدك". وذكر خروج أُسامة بن زيد - رضي الله تعالى عنه - فيها، ولكن دون أن يشير إلى أنه قَتَل فيها المتعوِّذ، وذلك لأنه يرى أنَّ أُسامة لم يقتل ذلك الرجل في هذه السرية، وإنَّما في سرية أُخرى لغالب بن عبد الله الليثي كانت لبني عوال، وبني عبد ثعلبة بالميفعة2".

1 ابن هشام: سيرة 4/622، والواقدي: مغازي 2/723.

2 ابن سعد: طبقات 2/119، 126.

ص: 141

وتابعه في ذلك ابن سيد الناس1، والقسطلاني2، والقطب الحلبي في المورد العذب3".

وقد أخذ ابن حجر برأي ابن سعد هذا ونسبه خطئاً إلى أهل المغازي4 حيث لم يذكر ذلك غير ابن سعد، ومَن تابعه كما أسلفنا".

وعَنْوَنَ الطبريُّ للسرية بقوله: "وفيها "سرية غالب بن عبد الله في شهر رمضان إلى الميفعة"". ثُمَّ ذكر بسنده عن ابن إسحاق أحداث سرية غالب بن عبد الله الكلبي، إلى أرض بني مرَّة5".

ومعلومٌ عند أهل المغازي أنَّ الميفعة ليست أرض بني مرّة، بل أرض

بني عوال، وبني عبد ثعلبة، وهي وراء بطن نخل إلى النقرة، قليلاً بناحية نجد6، أمَّا بنو مرَّة فكانوا يسكنون بالقرب من فدك".

كما أخرج ابن سعد قصَّة أُسامة بن زيد - رضي الله تعالى عنهما - في مكانٍ آخر، فساق بسنده إلى الحضرمي، رجلٌ من أهل اليمامة قال:

[1]

"بلغني أنَّ رسول الله صلى الله عليه وسلم بعث أُسامة بن زيد، وكان يحبه ويحب أباه قبله، فبعثه على جيش".".". فذكر الحديث"7".

1 عيون الأثر 2/196.

2 المواهب اللدنية 1/548.

3 ذكر ذلك الشامي: سبل 6/211.

4 فتح الباري 7/518.

5 تاريخ الأمم والملوك 3/22.

6 انظر: ابن سعد: طبقات 2/119.

7 أخرجه ابن سعد (طبقات 4/69) وسنده منقطع، وفيه جهالة الحضرمي.

ص: 142

فقوله: "فبعثه على جيش" يُشْعِر أنه كان قائداً لذلك الجيش، وكأنَّ الحاكم يرى ذلك - أيضاً - حيث ذكر في الإكليل، كما نقل عنه القسطلاني:

[2]

"أنَّ أُسامة فعل ذلك في سرية كان هو أميراً عليها في سنة ثمان"1".

وكذلك بوَّب لها البخاري في الصحيح بما يفيد أنه كان أميراً عليها حيث قال: ""باب بعث النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم أسامة بن زيد إلى الحرقات من جهينة"2، ثُمَّ ساق بسنده الحديث إلى أسامة بن زيد - رضي الله تعالى عنهما - فقال:

[3]

"بعثنا رسول الله صلى الله عليه وسلم إلى الحرقة"34".

وقد نفى ابن حجر وبناءً على قول أسامة - رضي الله تعالى عنه

1 عزاه القسطلاني (المواهب 1/538) للحاكم في الإكليل، وكتاب الإكليل مفقود.

2 البخاري: الصحيح 3/88، ابن حجر: فتح 7/517.

3 قال ابن هشام: الحُرَقة فيما ذكر أبو عبيدة. وقال السهيلي: قال ابن حبيب: في يشكر، حرقة بن ثعلبة، وحرقة بن مالك، كلاهما من بني حبيب بن كعب بن يشكر، وفي قضاعة: حرقة بن جذيمة بن نهد، وفي تميم حرقة بن زيد بن مالك بن حنظلة. وقال القاضي أبو الوليد: هكذا وقعت هذه الأسماء كلها بالقاف، وذكرها الدارقطني كلها بالفاء. وقال السويدي في نسبة الحميس: بنو الحميس بطن من جهينة ويسمون الحرقة، سُمُّوا بذلك لأنَّهم أحرقوا بني مرّة بن عوف بن سعد بن ذبيان بالنبل، أي قتلوهم. انظر: ابن هشام: سيرة 4/623، السهيلي: الروض 7/527، السويدي: سبائك الذهب 91.

4 أخرجه البخاري (الصحيح 3/88) ، وأخرجه مسلم (الصحيح 1/133) .

ص: 143

- "بعثنا" أن يكون دليلاً على إمارته للجيش1".

وكذلك أخرج الحديث مسلم بسنده عن أُسامة - رضي الله تعالى عنه - إلَاّ أنه قال فيه:

[4]

"فصبَّحنا الحرقات من جهينة"".23".

والسؤال هنا هو هل هذه السرية التي خرج فيها أسامة بن زيد - رضي الله تعالى عنهما - وقَتَل فيها ذلك الرجل المتعوِّذ: "سرية غالب ابن عبد الله الليثي رضي الله عنه إلى بني مرّة بفدك، كما ذكر ابن إسحاق والواقدي؟ أم سرية غالب بن عبد الله الليثي - أيضاً - إلى بني عوال، وبني عبد ثعلبة بالميفعة كما ذكر ابن سعد ومتابعوه؟ أم هي سرية أخرى كان أسامة بن زيد رضي الله تعالى عنهما هو قائدها، كما أشار لذلك البخاري، والحاكم؟!

1 ابن حجر: فتح 7/518 وقال في مكان آخر: وترجم البخاري في المغازي " بعث النَّبِيّ صلى الله عليه وسلم أسامة بن زيد إلى الحرقات من جهينة "، فجرى الداودي في شرحه على ظاهره فقال فيه:" تأمير مَن لم يبلغ ". وتُعُقِّبَ من وجهين:

أحدهما: ليس فيه تصريح بأنَّ أُسامة كان الأمير، إذ يُحتمل أن يكون جعل الترجمة باسمه لكونه وقعت له تلك الواقعة لا لكونه كان الأمير.

والثاني: أنها كانت سنة سبع أو ثمان، فما كان أُسامة يومئذٍ إلَاّ بالغاً، لأنَّهم ذكروا أنه كان له لمَّا مات النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم ثمانية عشر عاماً. (فتح 12/194) .

2 قال الزرقاني (شرح المواهب 2/251) ، والجمع في الترجمة باعتبار بطون تلك القبيلة.

3 أخرجه مسلم (الصحيح 1/134) . وأخرجه أبو داود (سنن 3/102 - 103) .

ص: 144

وأيضاً هل كانت وجهة هذه السرية إلى بني مرة، أو إلى بني عوال

وبني عبد ثعلبة، أو إلى الحرقات من جهينة؟!

وكما وقع هذا الخلاف بين أهل المغازي، كذلك وقع خلاف آخر بين أهل التفسير في تفسير قوله تبارك وتعالى {يَا أَيُّها الَّذِينَ آمَنُواْ إِذَا ضَرَبْتُمْ فِي سَبِيلِ اللهِ فَتَبَيَّنُواْ وَلاً تَقُولُواْ لِمَنْ أَلْقَى إِلَيْكُمُ السَّلامَ لَسْتَ مُؤْمِناً تَبْتَغُونَ عَرَضَ الْحَيَاة الدُّنْيَا فَعِنْدَ اللهِ مَغَانِمَ كَثِيرَة كَذَلِكَ كُنْتُم مِنْ قَبْل فَمَنَّ اللهُ عَلَيْكُم} . [سورة النساء، الآية: "94] ".

فقد أخرج الطبري بسنده عن السدّي1. والثعلبي2 من طريق الكلبي3، عن أبي صالح4، عن ابن عباس".

وهذا حديث ابن جرير بسنده من طريق أسباط5،عن السدّي قال:

1 إسماعيل بن عبد الرحمن بن أبي كريمة السُدِّي - بضم المهملة وتشديد الدال - أبو محمَّد الكوفي (صدوق يهم، ورُمِيَ بالتشيُّع) من الرابعة، مات سنة سبعٍ وعشرين. (تقريب 108) .

2 أحمد بن محمَّد بن إبراهيم النيسابوري الثعلبي، شيخ التفسير، كان أحد أوعية العلم، وكان صادقاً موثقاً بصيراً في العربية، توفي سنة سبعٍ وعشرين وأربعمائة. (الذهبي: سير 17/436 - 437) .

3 محمَّد بن السائب بن بشر الكلبي، أبو النضر، الكوفي، النسابة، المفسر (متَّهم بالكذب، ورُمِيَ بالرَّفْض) من السادسة، مات سنة ستٍ وأربعين. (تقريب 479) .

4 باذام - بالذال المعجمة - ويقال: آخره نون، أبو صالح، مولى أُمّ هانئ (ضعيف، يرسل) من الثالثة. (تقريب 120) .

5 أسباط بن نصر الهمْداني - بسكون الميم - أبو يوسف، ويقال: أبو نصر (صدوق، كثير الخطأ، يغرب) من الثامنة. (تقريب 98) .

ص: 145

[5]

"بعث رسول الله صلى الله عليه وسلم سرية عليها أُسامة بن زيد إلى بني مرة1، فلقوا رجلاً يُدْعَى مرداس بن نهيك، معه غنيمة له وجمل أحمر، فلمَّا رآهم أوى إلى كهف جبل، واتَّبعه أُسامة، فلمَّا بلغ مرداس الكهف وضع فيه غنمه، ثُمَّ أقبل إليهم، فقال: "السلام عليكم، أشهد أن لا إله إلَاّ الله وأنَّ محمَّداً رسول الله، فشدَّ عليه أسامه فقتله من أجل جمله وغنيمته"

فذكر الحديث 2.

وأخرج الطبري - أيضاً - بسنده عن قتادة في قوله: {يَا أَيُّهَا الذِينَ آمَنُواْ إِذَا ضَرَبْتُمْ فِي سَبِيلِ اللهِ فَتَبَيَّنواْ} الآية". قال: "هذا الحديث في شأن مرداس، رجل من غطفان، ذكر لنا:

[6]

"أنَّ نَبِيَّ الله صلى الله عليه وسلم بعث جيشاً عليهم غالب الليثي إلى أهل فدك وبه ناس من غطفان، وكان مرداس منهم، ففرَّ أصحابه، فقال مرداس إني مؤمن، وإني غير متبعكم، فصبَّحته الخيل غدوة، فلمَّا لقوهسلَّم عليهم مرداس، فتلقاه أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم فقتلوه

1 في الأصل: (بني ضمرة) وهو تصحيف.

2 أخرجه الطبري (تفسير 5/224) من حديث أسباط عن السُدِّي، والثعلبي (الجزء الثاني / لوحة 18) من طريق الكلبي، عن أبي صالح، عن ابن عباس.

وسند الطبري مرسل ضعيف، السُدِّي صدوق يهم، وأسباط كثير الخطأ والاغراب، وذلك واضح في متنه حيث الاغراب والوهم والخلط بحديث عامر بن الاضبط. أمَّا متابعة الكلبي عن أبي صالح فلا يُعتد بها، لأنه متَّهم بالكذب، وابو صالح ضعيف.

وقد ذكر الزرقاني (شرح 2/251) أنه أخرجه ابن أبي حاتم، عن جابر، وأبو نعيم عن أبي سعيد نحوه.

ص: 146

وأخذوا ما كان معه من متاع، فأنزل الله جلَّ وعزَّ في شأنه {وَلَا تَقُولُواْ لِمَن أَلْقَى إِلَيْكُمُ السَّلام لَسْتَ مُؤمِناً} . [سورة النساء، الآية: "94]".لأنَّ تحية المسلمين السلام بها يتعارفون، وبها يُحَيِّي بعضهم بعضا"1".

وقد رُوِيَ من وجهٍ آخر عن قتادة، وأخرجه الطبري من حديث عبد الرزَّاق بسنده عنه وقال فيه:

[7]

"بلغني أنَّ رجلاً من المسلمين أغار على رجلٍ من المشركين فحمل عليه، فقال له المشرك: "إني مسلم، أشهد أن لا إله إلَاّ الله، فقتله المسلم بعد أن قالها، فبلغ ذلك صلى الله عليه وسلم، فقال للذي قتله:"أقتلته وقد قال لا إله إلَاّ الله؟ فقال وهو يعتذر: "يا نبي الله إنَّما قالها متعوِّذاً وليس كذلك، فقال النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم:"فهلَاّ شققت عن قلبه؟ ثُمَّ مات قاتل الرجل فقُبِرَ، فلفظته الأرض، فذُكِرَ ذلك للنَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم فأمرهم أن يقبروه، ثُمَّ لفظته الأرض، حتى فُعِلَ به ذلك ثلاث مرَّات، فقال النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم: "إنَّ الأرض أبت أن تقبله، فألقوه في غارٍ من الغيران".

قال معمر: "وقال بعضهم: "إنَّ الأرض تقبل من هو شر منه، ولكن الله جعله لكم عبرة2".

1 أخرجه الطبري: (تفسير4/224) بسنده عن قتادة، وسنده حسن إليه، لكنَّه مرسل.

2 أخرجه الطبري (تفسير 5/224) من حديث عبد الرزَّاق بسنده عن قتادة، وسنده صحيح، لكنَّه مرسل.

ص: 147

قلت: "هذه القصة هي بعينها قصة محلم بن جثامة مع عامر بن الأضبط المشهورة عند أهل المغازي التي حدثت في سرية أبي قتادة - رضي الله تعالى عنه - إلى إضم، وهي تعتبر أحسن ما رُوِيَ في سبب نزول الآية، كما قال الشوكاني1".

وهذه القصة أخرجها ابن جرير من حديث ابن إسحاق بسنده عن ابن عمر - رضي الله تعالى عنهما - قال:

[8]

"بعث النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم محلم بن جثامة2 مبعثاً، فلقيهم عامر بن الأضبط فحيَّاهم بتحية الإسلام، وكانت بينهم إحنة3 في الجاهلية، فرماه محلم بسهم فقتله، فجاء الخبر إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم، فتكلَّم فيه عيينة4،

1 الشوكاني: فتح القدير 1/502.

2 قال ابن حجر: "محلم بن جثامة الليثي، أخو الصعب بن جثامة، قال ابن عبد البر: يُقال: إنه الذي قتل عامر بن الأضبط، وقيل: إنَّ محلماً غير الذي قتل، وأنَّه نزل حمص ومات بها أيام ابن الزبير، ويقال: إنه الذي مات في حياة رسول الله صلى الله عليه وسلم ودُفِنَ فلفظته الأرض مرّة بعد أُخرى، وجزم بالأول ابن السكن".

(ابن حجر: إصابة 3/369) .

3 الإحنة - بالكسر - الحقد، والغضب. (القاموس: الإحنة) .

4 عيينة بن حصن بن حذيفة بن زيد الفزاري، أبو مالك، يقال: كان اسمه حذيفة فلُقِّبَ عُيَيْنَة لأنه أصابته شجة فجحظت عيناه. قال ابن السكن: له صحبة، وكان من المؤلَّفة، ولم يصِحّ له رواية، أسلم قبل الفتح وشهدها وشهد حنين والطائف، ثُمَّ كان مِمَّن ارتد في عهد أبي بكر ومال إلى طليحة فبايعه، ثُمَّ عاد إلى الإسلام، وكان فيه جفاء البوادي، وكان من الجرارين في الجاهلية، يقود عشرة آلاف. وقد قال عنه النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم:(هذا الأحمق المطاع - يعني في قومه) . عاش إلى خلافة عثمان. (ابن الأثير: أُسْد 4/331 - ابن حجر: إصابة 3/54 - 55) .

ص: 148

والأقرع1، فقال الأقرع:"يا رسول الله سُنَّ اليوم وغَيِّر غداً، فقال عيينة: "لا والله حتَّى تذوق نساؤه من الثُّكل2 ما ذاق نسائي، فجاء محلم في بردين، فجلس بين يدي رسول الله صلى الله عليه وسلم ليستغفر له، فقال النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم:"لا غفر الله لك، فقام وهو يتلقى دموعه ببرديه، فما مضت سابعة حتَّى مات ودفنوه، فلفظته الأرض، فجاءوا إلى النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم فذكروا ذلك له، فقال: "إنَّ الأرض تقبل مَن هو شرّ من صاحبكم، ولكنَّ الله جلَّ وعزَّ أراد أن يعظكم، ثُمَّ طرحوه بين صدفي جبل، وألقوا عليه من الحجارة، ونزلت آية {يا أَيُّهَا الذينَ آمَنُواْ إِذَا ضَرَبْتُمْ فِي سَبِيلِ اللهِ فَتَبَيَّنُواْ} الآية". [سورة النساء، الآية: "94] 3".

1 الأقرع بن حابس بن عقال التميمي المجاشعي الدارمي، سُمِّي الأقرع لقرع كان في رأسه، وكان شريفاً في الجاهلية وفي الإسلام. قال ابن إسحاق: وفد على النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم وشهد فتح مكَّة، وحنيناً، والطائف، وهو من المؤلَّفة، وقد حسُنَ إسلامه.

وقال الزبير في النسب: "كان الأقرع حكماً في الجاهلية، وقد ذكر أنه كان في وفد بني تميم الذين نزلت فيهم سورة الحجرات، وشهد الأقرع مع خالد بن الوليد رضي الله تعالى عنه اليمامة وغيرها، واستعمله عبد الله بن عامر على جيش سيَّره إلى خراسان فأُصيبَ هو والجيش بالجوزجان، وذلك في زمن عثمان".

(ابن الأثير: أُسْد 1/128 - 130، ابن حجر: إصابة 1/58 - 59) .

2 الثُّكل - بالضم - الموت والهلاك، وفقدان الحبيب أو الولد (القاموس: الثكل) .

3 وقد أخرجه الطبري (تفسير 5/222) وسنده فيه أبو وكيع (صدوق يهم) كما في التقريب ص 138 وفيه أيضاً عنعنة ابن إسحاق، وهو مدلِّس.

ص: 149

وقد أخرجه الطبري أيضاً من حديث ابن إسحاق أيضاً بسنده عن عبد الله بن أبي حدرد1 قال:

[9]

"بعثنا رسول الله صلى الله عليه وسلم إلى إضم، فخرجت في نفر من المسلمين فيهم أبو قتادة الحارث بن ربعي2، ومحلم بن جثامة بن قيس الليثي، فخرجنا حتى إذا كنا ببطن إضم3، مرَّ بنا عامر بن

1 عبد الله بن أبي حدرد، له ولأبيه صحبة. وقال ابن منده: لا خلاف في صحبته. وقال ابن سعد: أوَّل مشاهده الحديبية، ثُمَّ خيبر. وقال ابن عساكر:"روى عن النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم، وعن عمر، وشهد الجابية مع عمر. وقال ابن البرقي: جاءت عنه أربع أحاديث، وتوفي سنة إحدى وسبعين".

(ابن سعد: طبقات 4/310، ابن حجر: إصابة 2/295) .

2 أبو قتادة الأنصاري، هو الحارث، ويقال: عمرو، أو النعمان، بن رِبْعِي - بكسر الراء وسكون الموحدة - السَّلَمي - بفتحتين - المدني، شهد أُحُداً وما بعدها، ولم يصح شهوده بدراً، وكان يقال له: فارس رسول الله صلى الله عليه وسلم، ثبت ذلك في صحيح مسلم، ومات سنة أربعٍ وخمسين.

(ابن حجر: إصابة 4/158، تقريب 666) .

3 إضم: قال البكري: وادٍ دون المدينة. وقال أبو عمرو الشيباني، وابن الأعرابي: إضم جبل لأشجع وجهينة، وقيل: وادٍ لهم، وذكر الشريف: أنَّ وادي إضم من أعظم أودية الحجاز، ويُسَمَّى اليوم وادي الحمض، وهو يسيل من الجنوب الشرقي لحرَّة خيبر، ويسير نحو الجنوب الغربي حتَّى يقارب المدينة، حيث تتصل به أودية فرعية منها وادي العقيق، ويبلغ طوله زهاء 900 كيلو متر.

وقال البلادي: إضم هو وادي المدينة إذا اجتمعت أوديتها الثلاثة: بطحان، وقناة، والعقيق، بين أُحُد والشرثاء، يُسَمَّى الوادي الخليل إلى أن يتجاوز كتانة فيُسَمَّى وادي الحمض، إلى أن يَصُبَّ في البحر بين الوجه وأملج.

(البكري: معجم1/165 - 166،الشريف: مكَّة والمدينة26، البلادي: معجم 29) .

ص: 150

الأضبط الأشجعي على قعودٍ له معه متيع له ووطب من لبن1، فلمَّا مرَّ بنا سلَّم علينا بتحية الإسلام، فأمسكنا عنه، وحمل عليه محلم بن جثامة الليثي لشيءٍ كان بينه وبينه، فقتله وأخذ بعيره ومتيعه، فلمَّا قدمنا على رسول الله صلى الله عليه وسلم وأخبرناه الخبر، نزل فينا القرآن"2".

كما ورد عن المفسرين أنَّ الآية نزلت في المقداد بن الأسود رضي الله عنه، أخرج ذلك الطبري من حديث سعيد بن جبير قال:

[10]

"خرج المقداد بن الأسود في سرية بعثه رسول الله صلى الله عليه وسلم، قال: "فمرَّوا برجلٍ في غنيمةٍ له، فقال:"إني مسلم، فقتله المقداد، فلمَّا قدموا ذكروا ذلك للنَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم، فنزلت هذه الآية"3".

هكذا أخرجه مرسلاً عن سعيد، وقد ورد مطولاً موصولاً عند البزار من حديث سعيد أيضاً عن ابن عباس، حيث قال فيه:

1 الوطب: سقاء اللبن، وهو جلد الجذع فما فوقه. (القاموس: الوطب) .

2 أخرجه الطبري (تاريخ 5/223) ، وسنده مداره على ابن إسحاق الذي عنعنه عند الطبري في روايتي سلمة، والمحاربي عنه، ولكنَّه صرَّح بالتحديث في الروايات الأخرى عند كُلٍّ من أحمد، والطبراني، وابن هشام، والبيهقي. (انظر: بريك بن محمَّد أبو مايلة: السرايا والبعوث النبوية بين مكَّة والمدينة 276) فهو حسن وإن كان الهيثمي قال عنه: رجاله ثقات.

3 أخرجه الطبري (تفسير 5/225) مرسلاً عن سعيد. وسعيد لم يدرك النّبيّ صلى الله عليه وسلم.

ص: 151

الأضبط الأشجعي على قعودٍ له معه متيع له ووطب من لبن1، فلمَّا مرَّ بنا سلَّم علينا بتحية الإسلام، فأمسكنا عنه، وحمل عليه محلم بن جثامة الليثي لشيءٍ كان بينه وبينه، فقتله وأخذ بعيره ومتيعه، فلمَّا قدمنا على رسول الله صلى الله عليه وسلم وأخبرناه الخبر، نزل فينا القرآن"2".

كما ورد عن المفسرين أنَّ الآية نزلت في المقداد بن الأسود رضي الله عنه، أخرج ذلك الطبري من حديث سعيد بن جبير قال:

[10]

"خرج المقداد بن الأسود في سرية بعثه رسول الله صلى الله عليه وسلم، قال: "فمرَّوا برجلٍ في غنيمةٍ له، فقال:"إني مسلم، فقتله المقداد، فلمَّا قدموا ذكروا ذلك للنَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم، فنزلت هذه الآية"3".

هكذا أخرجه مرسلاً عن سعيد، وقد ورد مطولاً موصولاً عند البزار من حديث سعيد أيضاً عن ابن عباس، حيث قال فيه:

1 الوطب: سقاء اللبن، وهو جلد الجذع فما فوقه. (القاموس: الوطب) .

2 أخرجه الطبري (تاريخ 5/223) ، وسنده مداره على ابن إسحاق الذي عنعنه عند الطبري في روايتي سلمة، والمحاربي عنه، ولكنَّه صرَّح بالتحديث في الروايات الأخرى عند كُلٍّ من أحمد، والطبراني، وابن هشام، والبيهقي. (انظر: بريك بن محمَّد أبو مايلة: السرايا والبعوث النبوية بين مكَّة والمدينة 276) فهو حسن وإن كان الهيثمي قال عنه: رجاله ثقات.

3 أخرجه الطبري (تفسير 5/225) مرسلاً عن سعيد. وسعيد لم يدرك النّبيّ صلى الله عليه وسلم.

ص: 152

[12]

"مرَّ رجلٌ من بني سليم بنفر من أصحاب النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم يرعى غنماً له، فسلَّم عليهم، فقالوا: "لا يسلِّم علينا إلَاّ ليتعوَّذ منا، فعمدوا إليه فقتلوه، وأتوا بغنمه النَّبِيَّ صلى الله عليه وسلم، فنزلت هذه الآية"1".

وأخرج الطبري بسنده عن ابن زيد2 قال:

[13]

"نزل ذلك في رجلٍ قتله أبو الدرداء".. فذكرمن قصة أبي الدرداء نحو القصة التي ذُكِرَت عن أُسامة"3".

وذكر الحافظ ابن حجر في ترجمة جزء بن الجدرجان، أنَّ ابن منده أخرج بسنده عنه:

[14]

"أنَّ أخاه فداد بن الجدرجان وفَدَ على رسول الله فلقيته سرية له فقتلوه بعد أن قال لهم: "إنه مؤمن، فنزلت فيه الآيات"4".

قال ابن عبد البر: ""والاختلاف في المراد بهذه الآية كثير مضطرب فيه جداً، قيل:"نزلت في أُسامة بن زيد، وقيل: "في محلم بن جثامة، وقال ابن عباس:"نزلت في سرية ولم يسمّ أحداً، وقيل: "نزلت في غالب

1 انظر: المسند، حديث رقم: 2022، وسنن الترمذي 8/386، والمستدرك للحاكم 2/235.

2 محمَّد بن زيد بن المهاجر بن قُنْفُذ - بضم القاف والفاء بينهما نون ساكنة - التميمي المدني (ثقة) من الخامسة. (تقريب 279) .

3 أخرجه الطبري (التفسير 5/225) وسنده إلى ابن زيد صحيح لكنَّه منقطع، محمَّد ابن زيد من الخامسة.

4 عزاه ابن حجر (إصابة 1/233) لابن منده، ثُمَّ قال عن إسناده: هذا إسنادٌ مجهول.

ص: 153

الليثي، وقيل:"نزلت في رجل من بني ليث يقال له: "فليت، كان على سرية، وقيل:"نزلت في أبي الدرداء، وهذا اضطراب شديد جداً"1".

وقال القرطبي: "واختلف في تعيين القاتل، والمقتول في هذه النازلة، فالذي عليه الأكثر وهو في سيرة ابن إسحاق، ومصنَّف أبي داود، والاستيعاب لابن عبد البر: "أنَّ القاتل محلم بن جثامة، والمقتول عامر بن الأضبط، ولا خلاف أنَّ الذي لفظته الأرض حين مات هو محلم بن جثامة الذي ذكرناه، ولعلَّ هذه الأحوال جرت في زمان متقارب، فنزلت الآية في الجميع"2".

وقال القريبي: "والأحاديث مجموعها تدل على أنَّ هذه القصة حصلت لمحلم بن جثامة الليثي في قتله عامر بن الأضبط الأشجعي، بعد أن ظهر منه ما يدل على أنه مسلم، وأنه نزل في ذلك قوله تعالى: {يَا أَيُّهَا الذِينَ آمَنُواْ إِذَا ضَرَبْتُمْ فِي سَبِيلِ اللهِ فَتَبَيَّنُواْ} 3".

وقال ابن حجر: "وإن ثبت الاختلاف في تسمية من باشر القتل مع الاختلاف في المقتول احتمل تعدُّد القِصَّة4".

وقال الزرقاني: "يُحْتَمَل تعدُّد القِصَّة، وتكرير نزول الآية5".

1 ابن عبد البر: الاستيعاب، هامش الإصابة لابن حجر 3/497 – 498.

2 الجامع لأحكام القرآن 5/336 – 338.

3 مرويات غزوة حنين وحصار الطائف 2/627.

4 إصابة 3/401.

5 شرح المواهب 2/286.

ص: 154

وقال المراغي: "ولا مانع من تعدُّد الوقائع قبل نزول الآية، وأنَّ النَّبِيَّ صلى الله عليه وسلم كان يقرأها على أصحاب كُلّ واقعة، فيرون أنَّهم سبب نزولها1".

قلت: "إن ثبت تعدُّد هذه القصة، فإنَّ الآية لا يمكن أن تكون نصّاً عليها جميعها، فإنَّ هنالك اختلافاً بيِّناً في بعض عناصرها، وإن بدت وكأنَّ نتيجتها واحدة، وهي زجر رسول صلى الله عليه وسلم عن قتل مَن بدت منه شبهة تدرأ عنه ذلك حتَّى يتم التأكد من حقيقته، فمثلاً قصة أسامة بن زيد رضي الله تعالى عنهما، لا تنطبق عليها هذه الآية من عِدَّة وجوه:

- الأحاديث التي أوردت قصة أُسامة - رضي الله تعالى عنه، ومنها أحاديث الصحيحين لم تتطرَّق لذكر نزول آية في قصَّته، ولو كانت الآية نزلت فيه فعلاً لما أغفلتها تلك الأحاديث نظراً لأهمية الآية فيموضوع القصة وتدعيماً لها، ونظراً لاستقصاء المحدثين وتتبعهم الشديد والمتقن لمثل هذه الأمور".

- الآية نفسها لا تنطبق على أُسامة بن زيد - رضي الله تعالى عنهما، لأنه لم يك مشركاً في يومٍ من الأيام، بل إنه وُلِدَ في الإسلام، كما شبَّ وترعرع في عزه ودولته في المدينة، فلم يك هنالك داعٍ لكتمان إيمانه، كما أوضحت بعض الروايات قصة المقداد".

1 تفسير المراغي 5/126.

ص: 155

- التقريع والتوبيخ الوارد في الآية لا يتناسب - أيضاً - مع ما صحَّ في قصَّة أُسامة بن زيد - رضي الله تعالى عنهما، من أنه قتل ذلك الرجل المتعوِّذ اجتهاداً منه في أنه لم ينطق بالشهادة إلَاّ خوفاً من السيف، بخلاف ما وقع في قصَّة محلم بن جثامة، فالدوافع التي جعلته يقتل عامر ابن الأضبط تختلف عنها في قصَّة أسامة حيث إنَّ قتله لعامر لم يكن اجتهاداً منه بقدر ما كان طمعاً في ماله، وبسبب ما كان بين الاثنين من إحن وتخاصُم في الجاهلية".

الأمر الآخر، وهو الذي يهمنا هنا بالدرجة الأولى هو عدم إمكان تعدُّد قصَّة أُسامة - رضي الله تعالى عنه - في عِدَّة مواطن، كما أشار بذلك الحلبي1". بل هي قصَّة واحدة حدثت في موطنٍ واحدٍ". ولكنَّ السؤال هو:"أين حدثت؟ ".

فالذي في الصحيحين، وكتب الحديث الأخر:"أنَّ البعث كان إلى الحرقات من جهينة، والذي في المغازي أنه كان لبني مرة بالقرب من فدك، وأنَّ المقتول كان حليفاً لهم من الحرقة".

فهل يُعد ذلك تبايناً بين الروايتين، رواية أهل الحديث، ورواية أهل المغازي؟ ".

1 سيرة 3/194.

ص: 156

فالذي تشير إليه كتب الأنساب أنَّ ديار الحرقات كانت قريبة من ديار بني مرة، بدليل أنَّ الحرقة، وهم بنو الحميس لُقِّبوا بالحرقة لأنهم أحرقوا بني مرّة قتلاً بالنبل في حربٍ دارت بينهما، ومعلومٌ بداهةً أنَّ كلتا القبيلتين غطفانيتان، ومنازل غطفان تمتد حول منطقة خيبر، ووادي القرى، وفدك".

كما أنَّ ما ذكر في روايات أهل المغازي من أنَّ المقتول كان حليفاً لبني مرة، وما أخرجه البخاري في التاريخ، والبيهقي بسندٍ لا بأس به، عن أُسامة بن زيد - رضي الله تعالى عنهما - قال:

[15]

"أدركت أنا ورجل من الأنصار - يعني مرداس بن نهيك - ثُمَّ ذكر الحديث"

1.

فالنَّص على تسمية الرجل هنا، وموافقة ذلك لروايات أهل المغازي السابقة، كُلُّ ذلك يعدّ قرائن على اتحاد قصَّة أهل الحديث بقصة أهل المغازي، وأنَّهما قصة واحدة، رويت بأسانيد مختلفة، وسياق مختلف نوعاً ما". والله تعالى أعلم".

1 أخرجه البخاري (تاريخ 1/20) ، والبيهقي (دلائل 4/297) من حديث محمَّد بن أُسامة بن محمَّد بن أُسامة، عن أبيه، عن جده أُسامة بن زيد.

ص: 157