المَكتَبَةُ الشَّامِلَةُ السُّنِّيَّةُ

الرئيسية

أقسام المكتبة

المؤلفين

القرآن

البحث 📚

‌الحديث الحادي عشر - فتح السلام شرح عمدة الأحكام من فتح الباري - جـ ٢

[عبد السلام العامر]

فهرس الكتاب

- ‌كتاب الصلاة

- ‌باب المواقيت

- ‌الحديث الأول

- ‌الحديث الثاني

- ‌الحديث الثالث

- ‌الحديث الرابع

- ‌الحديث الخامس

- ‌الحديث السادس

- ‌الحديث السابع

- ‌الحديث الثامن

- ‌الحديث التاسع

- ‌الحديث العاشر

- ‌الحديث الحادي عشر

- ‌الحديث الثاني عشر

- ‌باب فضل الجماعة ووجوبها

- ‌الحديث الثالث عشر

- ‌الحديث الرابع عشر

- ‌الحديث الخامس عشر

- ‌الحديث السادس عشر

- ‌الحديث السابع عشر

- ‌الحديث الثامن عشر

- ‌باب الأذان والإقامة

- ‌الحديث التاسع عشر

- ‌الحديث العشرون

- ‌الحديث الواحد والعشرون

- ‌الحديث الثاني والعشرون

- ‌باب استقبال القبلة

- ‌الحديث الثالث والعشرون

- ‌الحديث الرابع والعشرون

- ‌الحديث الخامس والعشرون

- ‌باب الصّفوف

- ‌الحديث السادس والعشرون

- ‌الحديث السابع والعشرون

- ‌الحديث الثامن والعشرون

- ‌الحديث التاسع والعشرون

- ‌باب الإمامة

- ‌الحديث الثلاثون

- ‌الحديث الواحد والثلاثون

- ‌الحديث الثاني والثلاثون

- ‌الحديث الثالث والثلاثون

- ‌الحديث الرابع والثلاثون

- ‌الحديث الخامس والثلاثون

- ‌الحديث السادس والثلاثون

- ‌باب صفة صلاة النبيّ صلى الله عليه وسلم

- ‌الحديث السابع والثلاثون

- ‌الحديث الثامن والثلاثون

- ‌الحديث التاسع والثلاثون

- ‌الحديث الأربعون

- ‌الحديث الواحد والأربعون

- ‌الحديث الثاني والأربعون

- ‌الحديث الثالث والأربعون

- ‌الحديث الرابع والأربعون

- ‌الحديث الخامس والأربعون

- ‌الحديث السادس والأربعون

- ‌الحديث السابع والأربعون

- ‌الحديث الثامن والأربعون

- ‌الحديث التاسع والأربعون

- ‌الحديث الخمسون

- ‌باب وجوب الطمأنينة في الركوع والسجود

- ‌الحديث الواحد والخمسون

- ‌باب القراءة في الصّلاة

- ‌الحديث الثاني والخمسون

- ‌الحديث الثالث والخمسون

- ‌الحديث الرابع والخمسون

- ‌الحديث الخامس والخمسون

- ‌الحديث السادس والخمسون

- ‌الحديث السابع والخمسون

- ‌باب ترك الجهر بـ (بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ)

- ‌الحديث الثامن والخمسون

- ‌الحديث التاسع والخمسون

- ‌باب سجود السّهو

- ‌الحديث الستون

- ‌الحديث الواحد والستون

- ‌باب المرور بين يدي المُصلِّي

- ‌الحديث الثاني والستون

- ‌الحديث الثالث والستون

- ‌الحديث الرابع والستون

- ‌الحديث الخامس والستون

- ‌بابٌ جامعٌ

- ‌الحديث السادس والستون

- ‌الحديث السابع والستون

- ‌الحديث الثامن والستون

- ‌الحديث التاسع والستون

- ‌الحديث السبعون

- ‌الحديث الواحد والسبعون

- ‌الحديث الثاني والسبعون

- ‌الحديث الثالث والسبعون

- ‌الحديث الرابع والسبعون

الفصل: ‌الحديث الحادي عشر

‌الحديث العاشر

59 -

عن عبد الله بن عبّاسٍ رضي الله عنه قال: شهد عندي رجالٌ مرضيّون وأرضاهم عندي عمر ، أنّ النّبيّ صلى الله عليه وسلم: نهى عن الصّلاة بعد الصّبح حتّى تطلع الشّمس ، وبعد العصر حتّى تغرب. (1)

‌الحديث الحادي عشر

60 -

عن أبي سعيدٍ الخدريّ رضي الله عنه عن رسول الله صلى الله عليه وسلم أنّه قال: لا صلاة بعد الصّبح حتّى ترتفع الشّمس ، ولا صلاة بعد العصر حتّى تغيب الشّمس (2)

قال المصنف: وفي الباب عن عليّ بن أبي طالبٍ، وعبد الله بن مسعودٍ، وعبد الله بن عمر بن الخطاب، وعبد الله بن عمرو بن العاص، وأبي هريرة، وسمرة بن جندب، وسلمة بن الأكوع، وزيد بن ثابتٍ ومعاذ بن جبلٍ، ومعاذ بن عفراء، وكعب بن مرّة، وأبي أُمامة الباهليّ، وعمرو بن عبسة السلميّ، وعائشة رضي الله عنهم، والصّنابحيّ، ولَم يسمع من النبيّ صلى الله عليه وسلم.

(1) أخرجه البخاري (556 ، 557) ومسلم (826) من طرق عن قتادة عن أبي العالية عن ابن عباس به.

(2)

أخرجه البخاري (561) ومسلم (827) من طريق الزهري عن عطاء بن يزيد الليثي عن أبي سعيد به.

ورواه البخاري (1139) من وجه آخر عن قزعة عن أبي سعيد نحوه. وزاد فيه " شد الرحال. والنهي عن سفر المرأة بلا محرم ".

ص: 69

قوله: (عن عبد الله بن عبّاسٍ) تقدمت ترجمته. (1)

قوله: (شهد عندي) أي: أعلمني أو أخبرني، ولَم يرد شهادة الحكم.

قوله: (مرضيّون) أي: لا شكّ في صدقهم ودينهم، وفي رواية الإسماعيليّ من طريق يزيد بن زريعٍ عن هشامٍ عن قتادة " شهد عندي رجال مرضيّون فيهم عمر " ، وله من رواية شعبة عن قتادة " حدّثني رجال أحبّهم إليّ عمر ".

وللبخاري عن مسدد عن يحيى عن شعبة " حدثني ناس بهذا " أي: بهذا الحديث بمعناه، فإنّ مسدّداً رواه في " مسنده ". ومن طريقه البيهقيّ. ولفظه " حدّثني ناس أعجبهم إليّ عمر. وقال فيه " حتّى تطلع الشّمس ".

ووقع في التّرمذيّ عنه: سمعت غير واحد من أصحاب النّبيّ صلى الله عليه وسلم منهم عمر، وكان من أحبّهم إليّ. (2)

قوله: (بعد الصّبح) أي: بعد صلاة الصّبح لأنّه لا جائز أن يكون الحكم فيه مُعلَّقاً بالوقت، إذ لا بدّ من أداء الصّبح، فتعيّن التّقدير المذكور.

قال ابن دقيق العيد: هذا الحديث معمول به عند فقهاء الأمصار، وخالف بعض المتقدّمين وبعض الظّاهريّة من بعض الوجوه.

(1) انظر حديث رقم (18).

(2)

وهي عند مسلم أيضاً (826) من رواية منصور عن قتادة به.

ص: 70

قوله: (حتّى تشرق) بضمّ أوّله من أشرق، يقال أشرقت الشّمس ارتفعت وأضاءت، ويؤيّده حديث أبي سعيد الآتي بعده بلفظ " حتّى ترتفع الشّمس ".

ويروى بفتح أوّله وضمّ ثالثه بوزن تَغْرُب. يقال: شرقت الشّمس. أي: طلعت، ويؤيّده رواية البيهقيّ من طريقٍ أخرى عن ابن عمر (1) - شيخ البخاريّ فيه - بلفظ " حتّى تشرق الشّمس أو تطلع " على الشّكّ.

وقد ذكرنا أنّ في رواية مسدّدٍ " حتّى تطلع الشّمس " بغير شكٍّ، وكذا هو في حديث أبي هريرة عند البخاري بلفظ " حتّى تطلع الشّمس " بالجزم.

ويُجمع بين الحديثين بأنّ المراد بالطّلوع طلوع مخصوص، أي: حتّى تطلع مرتفعة.

قال النّوويّ: أجمعت الأمّة على كراهة صلاة لا سبب لها في الأوقات المنهيّ عنها، واتّفقوا على جواز الفرائض المؤدّاة فيها.

واختلفوا في النّوافل التي لها سبب كصلاة تحيّة المسجد وسجود التّلاوة والشّكر وصلاة العيد والكسوف وصلاة الجنازة وقضاء الفائتة.

القول الأول: ذهب الشّافعيّ وطائفة إلى جواز ذلك كلّه بلا

(1) أي: حفص بن عمر الحوضي.

ص: 71

كراهة.

القول الثاني: ذهب أبو حنيفة وآخرون إلى أنّ ذلك داخل في عموم النّهي.

واحتجّ الشّافعيّ بأنّه صلى الله عليه وسلم قضى سنّة الظّهر بعد العصر. (1) وهو صريح في قضاء السّنّة الفائتة فالحاضرة أولى والفريضة المقضيّة أولى، ويلتحق ما له سبب. انتهى

قلت: وما نقله من الإجماع والاتّفاق متعقّبٌ. فقد حكى غيره عن طائفة من السّلف الإباحة مطلقاً ، وأنّ أحاديث النّهي منسوخة، وبه قال داود وغيره من أهل الظّاهر، وبذلك جزم ابن حزمٍ.

وعن طائفة أخرى المنع مطلقاً في جميع الصّلوات، وصحّ عن أبي بكرة وكعب بن عُجْرة المنع من صلاة الفرض في هذه الأوقات.

وما ادّعاه ابن حزمٍ وغيره من النّسخ مستنداً إلى حديث " من أدرك من الصّبح ركعة قبل أن تطلع الشّمس فليصل إليها أخرى " فدلَّ على إباحة الصّلاة في الأوقات المنهيّة. انتهى.

وقال غيرهم: ادّعاء التّخصيص أولى من ادّعاء النّسخ. فيُحمل النّهي على ما لا سبب له، ويخصّ منه ما له سبب جمعاً بين الأدلة (2)،

(1) متفق عليه. وسيأتي الكلام عليه في شرح الحديث الذي بعده.

(2)

قال الشيخ ابن باز رحمه الله (2/ 78): هذا القول هو أصحُّ الأقوال ، وهو مذهب الشافعي وإحدى الروايتن عن أحمد ، واختاره شيخ الاسلام ابن تيمية وتلميذه العلامة ابن القيم ، وبه تجتمع الأدلّة.

ص: 72

والله أعلم.

وقال البيضاويّ (1): اختلفوا في جواز الصّلاة بعد الصّبح والعصر وعند الطّلوع والغروب وعند الاستواء، فذهب داود إلى الجواز مطلقاً ، وكأنّه حمل النّهي على التّنزيه.

قلت: بل المحكيّ عنه أنّه ادّعى النّسخ كما تقدّم.

قال (2): وقال الشّافعيّ: تجوز الفرائض وما له سبب من النّوافل.

وقال أبو حنيفة: يحرم الجميع سوى عصر يومه، وتحرم المنذورة أيضاً.

وقال مالك: تحرم النّوافل دون الفرائض، ووافقه أحمد، لكنّه استثنى ركعتي الطّواف.

وحكى آخرون الإجماع على جواز صلاة الجنازة في الأوقات المكروهة.

وهو مُتعقّب. فروى سعيد بن منصور من طريق أيّوب عن نافع قال: كان ابن عمر إذا سئل عن الجنازة بعد صلاة الصّبح وبعد صلاة العصر يقول: ما صلّيتا لوقتهما " وما في قوله " ما صلّيتا " ظرفيّة.

يدلّ عليه رواية مالك عن نافع قال: كان ابن عمر يُصلِّي على الجنازة بعد الصّبح والعصر إذا صلّيتا لوقتهما. ومقتضاه أنّهما إذا أخّرتا إلى وقت الكراهة عنده لا يُصلَّى عليها حينئذٍ.

(1) هو عبدالله بن عمر الشيرازي ، سبق ترجمته (1/ 191)

(2)

أي: البيضاوي.

ص: 73

ويبيّن ذلك ما رواه مالك أيضاً عن محمّد بن أبي حرملة ، أنّ ابن عمر قال وقد أتي بجنازةٍ بعد صلاة الصّبح بغلسٍ: إمّا أن تصلّوا عليها ، وإمّا أن تتركوها حتّى ترتفع الشّمس.

فكأنّ ابن عمر يرى اختصاص الكراهة بما عند طلوع الشّمس وعند غروبها لا مطلق ما بين الصّلاة وطلوع الشّمس أو غروبها.

وروى ابن أبي شيبة من طريق ميمون بن مهران قال: كان ابن عمر يكره الصّلاة على الجنازة إذا طلعت الشّمس وحين تغرب.

وإلى قول ابن عمر في ذلك ، ذهب مالك والأوزاعيّ والكوفيّون وأحمد وإسحاق.

تنبيهٌ: لَم يقع لنا تسمية الرّجال المرضيّين الذين حدّثوا ابن عبّاس بهذا الحديث، وبلغني أنّ بعض من تكلم على العمدة تجاسر ، وزعم أنّهم المذكورون فيها عند قول مصنّفها: وفي الباب عن فلان وفلان. ولقد أخطأ هذا المتجاسر خطأً بيّناً. فلا حول ولا قوّة إلَاّ بالله.

قوله في الحديث الثاني: (عن أبي سعيد الْخُدري) هو سعد بن مالك بن سنان. (1)

(1) بن عبيد بن ثعلبة بن الأبجر، وهو خدرة بن عوف بن الحارث بن الخزرج الأنصاريّ الخزرجيّ، مشهور بكنيته، استصغر بأحد، واستشهد أبوه بها وغزا هو ما بعدها.

وروى ابن سعد من طريق حنظلة بن سفيان الجمحيّ عن أشياخه، قال: لم يكنْ أحدٌ من أحداث أصحاب رسول اللَّه صلى الله عليه وسلم أفقه من أبي سعيد الخدريّ. ومن طريق يزيد بن عبد اللَّه بن الشّخّير، قال: خرج أبو سعيد يوم الحرّة فدخل غاراً فدخل عليه شاميّ، فقال: اخرج، فقال: لا أخرج. وإنْ تدخل عليّ أقتلك، فدخل عليه فوضع أبو سعيد السيف. وقال: بؤ بإثمك. قال: أنت أبو سعيد الخدريّ؟ قال: نعم. قال: فاستغفر لي. وقال شعبة عن أبي سلمة: سمعت أبا نضرة، عن أبي سعيد رفعه: لا يمنعن أحدكم مخافة النّاس أنّ يتكلّم بالحقّ إذا رآه أو علمه " قال أبو سعيد: فحملني ذلك على أنْ ركبت إلى معاوية فملأت أذنيه ثم رجعت.

وروى عليّ بن الجعد. عن أبي سعيد قال: تحدَّثوا، فإنَّ الحديث يهيج الحديث.

قال الواقديّ: مات سنة 74. وقيل 64. وقال المدائني: مات سنة 63. وقال العسكريّ: مات سنة 65. من الإصابة (3/ 65) بتجوز

ص: 74

قوله: (لا صلاة) قال ابن دقيق العيد: صيغة النّفي في ألفاظ الشّارع. إذا دخلتْ على فعلٍ كان الأولى حملها على نفي الفعل الشّرعيّ لا الحسّيّ، لأنّا لو حملناه على نفي الفعل الحسّيّ لاحتجنا في تصحيحه إلى إضمار، والأصل عدمه.

وإذا حملناه على الشّرعيّ لَم نحتج إلى إضمار، فهذا وجه الأولويّة. وعلى هذا فهو نفيٌ بمعنى النّهي، والتّقدير لا تصلّوا.

وحكى أبو الفتح اليعمريّ عن جماعة من السّلف أنّهم قالوا: إنّ النّهي عن الصّلاة بعد الصّبح وبعد العصر إنّما هو إعلام بأنّهما لا يتطوّع بعدهما، ولَم يقصد الوقت بالنّهي كما قصد به وقت الطّلوع ووقت الغروب.

ويؤيّد ذلك ما رواه أبو داود والنّسائيّ بإسنادٍ حسن عن النّبيّ صلى الله عليه وسلم قال: لا تصلّوا بعد الصّبح ولا بعد العصر، إلَاّ أن تكون الشّمس نقيّةً. وفي رواية: مرتفعة. فدلَّ على أنّ المراد بالبعديّة ليس على عمومه، وإنّما المراد وقت الطّلوع ووقت الغروب ما قاربهما. والله أعلم

ص: 75

قوله: (لا صلاة بعد الصّبح) أي: بعد صلاة الصّبح، وصرّح به مسلمٌ من هذا الوجه في الموضعين

تكميلٌ: أخرج الشيخان عن ابن عمر ، أنَّ النبي صلى الله عليه وسلم قال: لا تحرَّوا بصلاتكم طلوع الشمس ولا غروبها.

اختلف أهل العلم في المراد بذلك.

القول الأول: منهم من جعله تفسيراً للحديث السّابق ومبيّناً للمراد به. فقال: لا تُكره الصّلاة بعد الصّبح ولا بعد العصر إلَاّ لمن قصد بصلاته طلوع الشّمس وغروبها، وإلى ذلك جنح بعض أهل الظّاهر ، وقوّاه ابن المنذر ، واحتجّ له.

وقد روى مسلم من طريق طاوسٍ عن عائشة قالت: وهِمَ عمر، إنّما نهى رسول الله صلى الله عليه وسلم أنّ يتحرّى طلوع الشّمس وغروبها.

وأخرج البخاري من قول ابن عمر أيضاً ما يدلّ على ذلك. قال: أصلّى كما رأيت أصحابى يصلّون، لا أنهى أحدًا يُصلِّي بليلٍ ولا نهارٍ ما شاء، غير أن لا تحرّوا طلوع الشّمس ولا غروبها.

وربّما قوّى ذلك بعضهم بحديث " من أدرك ركعة من الصّبح قبل أن تطلع الشّمس فليضف إليها الأخرى "(1) فأمر بالصّلاة حينئذٍ،

(1) أخرج البخاري (531) ومسلم (608) عن أبي هريرة رضي الله عنه مرفوعاً: إذا أدرك أحدكم سجدةً من صلاة العصر قبل أنْ تغربَ الشمس فليتم صلاته ، وإذا أدرك سجدةً من صلاة الصبح قبل أنْ تطلعَ الشمس فليتمّ صلاته.

ولأحمد (2/ 347) وابن خزيمة (986) وابن حبان (1581) من وجه آخر مرفوعاً: من أدرك ركعة قبل أنْ تطلعَ الشمسُ ثم طلعتِ الشمس فليصلِّ إليها أخرى.

ص: 76

فدلَّ على أنّ الكراهة مختصّة بمن قصد الصّلاة في ذلك الوقت لا من وقع له ذلك اتّفاقاً.

القول الثاني: منهم من جعله نهياً مستقلاً، وكره الصّلاة في تلك الأوقات سواء قصد لها أم لَم يقصد، وهو قول الأكثر.

قال البيهقيّ: إنّما قالت ذلك عائشة لأنّها رأت النّبيّ صلى الله عليه وسلم يُصلِّي بعد العصر، فحملت نهيه على من قصد ذلك لا على الإطلاق.

وقد أجيب عن هذا: بأنّه صلى الله عليه وسلم إنّما صلَّى حينئذٍ قضاء، وأمّا النّهي فهو ثابت من طريق جماعة من الصّحابة غير عمر رضي الله عنه فلا اختصاص له بالوهم. والله أعلم

فوائد:

الفائدة الأولى: مُحصّل ما ورد من الأخبار في تعيين الأوقات التي تُكره فيها الصّلاة ، أنّها خمسة:

الأول: عند طلوع الشّمس. الثاني: عند غروبها، الثالث: بعد صلاة الصّبح، الرابع: بعد صلاة العصر، الخامس: عند الاستواء.

وترجع بالتّحقيق إلى ثلاثة: من بعد صلاة الصّبح إلى أن ترتفع الشّمس، فيدخل فيه الصّلاة عند طلوع الشّمس، وكذا من صلاة العصر إلى أن تغرب الشّمس.

ولا يعكّر على ذلك أنّ من لَم يصلِّ الصّبح مثلاً حتّى بزغت الشّمس يكره له التّنفّل حينئذٍ ، لأنّ الكلام إنّما هو جارٍ على الغالب المعتاد، وأمّا هذه الصّورة النّادرة فليست مقصودة.

ص: 77

وفي الجملة عدّها أربعةً أجودُ.

وبقي خامس. وهو الصّلاة وقت استواء الشّمس ، وكأنّه لَم يصحّ عند البخاري على شرطه فترجم على نفيه (1)، وفيه أربعة أحاديث:

حديث عقبة بن عامر. وهو عند مسلم ، ولفظه " وحين يقوم قائم الظّهيرة حتّى ترتفع "، وحديث عمرو بن عبسة. وهو عند مسلم أيضاً. ولفظه " حتّى يستقل الظّلّ بالرّمح، فإذا أقبل الفيء فصلِّ ".

وفي لفظ لأبي داود " حتّى يعدل الرّمح ظلّه "، وحديث أبي هريرة. وهو عند ابن ماجه والبيهقيّ. ولفظه " حتّى تستوي الشّمس على رأسك كالرّمح، فإذا زالت فصلِّ ".

وحديث الصّنابحيّ. وهو في الموطّأ. ولفظه " ثمّ إذا استوت قارَنَها، فإذا زالت فارَقَها " وفي آخره " ونهى رسول الله صلى الله عليه وسلم عن الصّلاة في تلك السّاعات " وهو حديث مرسلٌ مع قوّة رجاله.

وفي الباب أحاديث أخر ضعيفةٌ.

وبقضيّة هذه الزّيادة قال عمر بن الخطّاب. فنهى عن الصّلاة نصف النّهار. وعن ابن مسعود قال: كنّا ننهى عن ذلك " وعن أبي سعيد المقبريّ ، قال: أدركت النّاس وهم يتّقون ذلك " وهو مذهب الأئمّة الثّلاثة والجمهور.

وخالف مالك. فقال: ما أدركت أهل الفضل إلَاّ وهم يجتهدون

(1) فقال " باب من لَم يكره الصلاة إلَاّ بعد العصر والفجر "

ص: 78

ويصلّون نصف النّهار.

وقال ابن عبد البرّ: وقد روى مالك حديث الصّنابحيّ، فإمّا أنّه لَم يصحّ عنده ، وإمّا أنّه ردّه بالعمل الذي ذكره. انتهى.

وقد استثنى الشّافعيّ ومن وافقه مِن ذلك يوم الجمعة.

وحجّتهم: أنّه صلى الله عليه وسلم ندب النّاس إلى التّبكير يوم الجمعة ورغّب في الصّلاة إلى خروج الإمام، وجعل الغايةَ خروج الإمام، وهو لا يخرج إلَاّ بعد الزّوال، فدلَّ على عدم الكراهة.

وجاء فيه حديثٌ عن أبي قتادة مرفوعاً " أنّه صلى الله عليه وسلم كره الصّلاة نصف النّهار إلَاّ يوم الجمعة "(1) في إسناده انقطاع.

وقد ذكر له البيهقيّ شواهد ضعيفة إذا ضُمّت قوي الخبر. والله أعلم.

الفائدة الثانية. فرّق بعضهم بين حكمة النّهي عن الصّلاة بعد صلاة الصّبح والعصر، وعن الصّلاة عند طلوع الشّمس وعند غروبها.

فقال: يُكره في الحالتين الأوليين، ويحرم في الحالتين الأخريين. وممّن قال بذلك محمّد بن سيرين ومحمّد بن جرير الطّبريّ.

(1) أخرجه أبو داود في " السنن "(1083) والبيهقي في " الكبرى "(2/ 464) من طريق ليث بن أبي سليم عن مجاهد عن أبي الخليل عن أبي قتادة عن النبي صلى الله عليه وسلم ، أنه كرِه الصلاة نصف النهار إلَاّ يوم الجمعة ، وقال: إنَّ جهنم تُسجّر إلَاّ يوم الجمعة.

قال أبو داود: وهو مرسلٌ ، مجاهدٌ أكبر من أبي الخليل ، وأبو الخليل لَم يسمع من أبي قتادة.

ص: 79

واحتجّ بما يثبت عنه صلى الله عليه وسلم أنّه صلَّى بعد العصر، (1) فدلَّ على أنّه لا يحرم، وكأنّه يَحمل فعله على بيان الجواز.

وأجاب عنه من أطلق الكراهة: بأن فعله هذا يدل على جواز استدراك ما فات من الرواتب من غير كراهة، وأما مواظبته صلى الله عليه وسلم على ذلك فهو من خصائصه.

والدليل عليه رواية ذكوان مولى عائشة أنها حدثته أنه صلى الله عليه وسلم ، كان يُصلِّي بعد العصر وينهى عنها، ويواصل وينهى عن الوصال " رواه أبو داود.

ورواية أبي سلمة ، أنّه سأل عائشة عن السّجدتين اللّتين كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يصلّيهما بعد العصر ، فقالت: كان يصلّيهما قبل العصر ، ثمّ إنّه شُغل عنهما أو نسيهما فصلاّهما بعد العصر ثمّ أثبتهما ، وكان إذا صلَّى صلاةً أثبتها " رواه مسلم

قال البيهقي: الذي اختصّ به صلى الله عليه وسلم المداومة على ذلك لا أصل القضاء، وأما ما روى عن ذكوان عن أم سلمة قالت: صلَّى رسول الله صلى الله عليه وسلم العصر ثم دخل بيتي فصلَّى ركعتين ، فقلت: يا رسولَ الله. صليت صلاة لَم يكن تصليها ، قال: قدم على مال فشغلنى عن ركعتين كنت أصليهما بعد الظهر فصليتهما الآن ، قلت: يا رسولَ الله. أنقضيهما إذا فاتتا؟ فقال: لا. (2) فهي رواية ضعيفة لا تقوم بها

(1) وهي في صحيح البخاري ، وستأتي في كلام الشارح رحمه الله.

(2)

أخرجه الإمام أحمد (26778) والطحاوي في " شرح معاني الآثار "(1/ 306) وأبو يعلي (7028) من طريق حماد بن سلمة عن الأزرق بن قيس عن ذكوان به.

وأصله في صحيح البخاري (1223) ومسلم (1970) من طريق كريب عن أم سلمة. بأطول من هذا السياق ، دون قوله (أنقضيهما إذا فاتتا).

ص: 80

حجة.

قلت: أخرجها الطحاوي ، واحتج بها على أنَّ ذلك كان من خصائصه صلى الله عليه وسلم. وفيه ما فيه.

وروي عن ابن عمر تحريم الصّلاة بعد الصّبح حتّى تطلع الشّمس، وإباحتها بعد العصر حتّى تصفرّ، وبه قال ابن حزمٍ.

واحتجّ بحديث عليٍّ ، أنّه صلى الله عليه وسلم نهى عن الصّلاة بعد العصر إلَاّ والشّمس مرتفعة. ورواه أبو داود بإسنادٍ صحيحٍ قويٍّ.

والمشهور إطلاق الكراهة في الجميع ، فقيل: هي كراهة تحريم ، وقيل: كراهة تنزيه، والله أعلم.

الفائدة الثالثة: روى الترمذي من طريق جرير عن عطاء بن السائب عن سعيد بن جبير عن ابن عباس قال: إنما صلَّى النبي صلى الله عليه وسلم الركعتين بعد العصر لأنه أتاه مال فشغله عن الركعتين بعد الظهر، فصلاهما بعد العصر، ثم لَم يعد.

قال الترمذي: حديثٌ حسنٌ.

قلت: وهو من رواية جرير عن عطاء، وقد سمع منه بعد اختلاطه، وإن صحَّ فهو شاهد لحديث أم سلمة.

لكن ظاهر قوله " ثم لَم يعد " معارِضٌ لحديث عائشة في البخاري:

ص: 81

ما ترك النبى صلى الله عليه وسلم السجدتين بعد العصر عندى قط. فيُحمل النفي على علم الراوي فإنه لَم يطلع على ذلك، والمثبت مقدم على النافي.

وكذا ما رواه النسائي من طريق أبي سلمة عن أم سلمة ، أنَّ رسول الله صلى الله عليه وسلم صلَّى في بيتها بعد العصر ركعتين مرة واحدة. الحديث، وفي رواية له عنها " لَم أره يصلّيهما قبل ولا بعد ".

فيجمع بين الحديثين بأنه صلى الله عليه وسلم لَم يكن يصلّيهما إلَاّ في بيته، فلذلك لَم يره ابن عباس ولا أم سلمة، ويشير إلى ذلك قول عائشة في البخاري " وكان لا يصليهما في المسجد مخافة أن يثقل على أمته ".

تنبيه:

قال بعض العلماء: المراد بحصر الكراهة في الأوقات الخمسة إنّما هو بالنّسبة إلى الأوقات الأصليّة ، وإلاّ فقد ذكروا أنّه يكره التّنفّل وقت إقامة الصّلاة، ووقت صعود الإمام لخطبة الجمعة، وفي حالة الصّلاة المكتوبة جماعةً لمن لَم يصلها.

وعند المالكيّة. كراهة التّنفّل بعد الجمعة حتّى ينصرف النّاس.

وعند الحنفيّة. كراهة التّنفّل قبل صلاة المغرب، وأخرج البخاري ثبوت الأمر به (1).

(1) صحيح البخاري (1183) عن عبد الله المزني رضي الله عنه عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: صلّوا قبل صلاة المغرب، قال في الثالثة: لمن شاء، كراهية أن يتخذها الناس سنة.

انظر الفتح (2/ 140) كتاب الأذان " باب كم بين الأذان والإقامة ، ومن ينتظر الإقامة "

ص: 82