المَكتَبَةُ الشَّامِلَةُ السُّنِّيَّةُ

الرئيسية

أقسام المكتبة

المؤلفين

القرآن

البحث 📚

‌الحديث الرابع والستون - فتح السلام شرح عمدة الأحكام من فتح الباري - جـ ٢

[عبد السلام العامر]

فهرس الكتاب

- ‌كتاب الصلاة

- ‌باب المواقيت

- ‌الحديث الأول

- ‌الحديث الثاني

- ‌الحديث الثالث

- ‌الحديث الرابع

- ‌الحديث الخامس

- ‌الحديث السادس

- ‌الحديث السابع

- ‌الحديث الثامن

- ‌الحديث التاسع

- ‌الحديث العاشر

- ‌الحديث الحادي عشر

- ‌الحديث الثاني عشر

- ‌باب فضل الجماعة ووجوبها

- ‌الحديث الثالث عشر

- ‌الحديث الرابع عشر

- ‌الحديث الخامس عشر

- ‌الحديث السادس عشر

- ‌الحديث السابع عشر

- ‌الحديث الثامن عشر

- ‌باب الأذان والإقامة

- ‌الحديث التاسع عشر

- ‌الحديث العشرون

- ‌الحديث الواحد والعشرون

- ‌الحديث الثاني والعشرون

- ‌باب استقبال القبلة

- ‌الحديث الثالث والعشرون

- ‌الحديث الرابع والعشرون

- ‌الحديث الخامس والعشرون

- ‌باب الصّفوف

- ‌الحديث السادس والعشرون

- ‌الحديث السابع والعشرون

- ‌الحديث الثامن والعشرون

- ‌الحديث التاسع والعشرون

- ‌باب الإمامة

- ‌الحديث الثلاثون

- ‌الحديث الواحد والثلاثون

- ‌الحديث الثاني والثلاثون

- ‌الحديث الثالث والثلاثون

- ‌الحديث الرابع والثلاثون

- ‌الحديث الخامس والثلاثون

- ‌الحديث السادس والثلاثون

- ‌باب صفة صلاة النبيّ صلى الله عليه وسلم

- ‌الحديث السابع والثلاثون

- ‌الحديث الثامن والثلاثون

- ‌الحديث التاسع والثلاثون

- ‌الحديث الأربعون

- ‌الحديث الواحد والأربعون

- ‌الحديث الثاني والأربعون

- ‌الحديث الثالث والأربعون

- ‌الحديث الرابع والأربعون

- ‌الحديث الخامس والأربعون

- ‌الحديث السادس والأربعون

- ‌الحديث السابع والأربعون

- ‌الحديث الثامن والأربعون

- ‌الحديث التاسع والأربعون

- ‌الحديث الخمسون

- ‌باب وجوب الطمأنينة في الركوع والسجود

- ‌الحديث الواحد والخمسون

- ‌باب القراءة في الصّلاة

- ‌الحديث الثاني والخمسون

- ‌الحديث الثالث والخمسون

- ‌الحديث الرابع والخمسون

- ‌الحديث الخامس والخمسون

- ‌الحديث السادس والخمسون

- ‌الحديث السابع والخمسون

- ‌باب ترك الجهر بـ (بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ)

- ‌الحديث الثامن والخمسون

- ‌الحديث التاسع والخمسون

- ‌باب سجود السّهو

- ‌الحديث الستون

- ‌الحديث الواحد والستون

- ‌باب المرور بين يدي المُصلِّي

- ‌الحديث الثاني والستون

- ‌الحديث الثالث والستون

- ‌الحديث الرابع والستون

- ‌الحديث الخامس والستون

- ‌بابٌ جامعٌ

- ‌الحديث السادس والستون

- ‌الحديث السابع والستون

- ‌الحديث الثامن والستون

- ‌الحديث التاسع والستون

- ‌الحديث السبعون

- ‌الحديث الواحد والسبعون

- ‌الحديث الثاني والسبعون

- ‌الحديث الثالث والسبعون

- ‌الحديث الرابع والسبعون

الفصل: ‌الحديث الرابع والستون

‌الحديث الرابع والستون

113 -

عن عبد الله بن عبّاسٍ رضي الله عنه ، قال: أقبلْتُ راكباً على حمارٍ أتانٍ ، وأنا يومئذٍ قد ناهزتُ الاحتلام ، ورسول الله صلى الله عليه وسلم يُصلِّي بالنّاس بمنىً إلى غير جدارٍ. فمررتُ بين يدي بعض الصّفّ فنزلت ، فأرسلت الأتان ترتع. ودخلت في الصّفّ ، فلم ينكر ذلك عليَّ أحدٌ. (1)

قوله: (على حمار) هو اسم جنس يشمل الذّكر والأنثى كقولك بعير. وقد شذّ حمارة في الأنثى. حكاه في الصّحاح.

قوله: (أتان) بفتح الهمزة وشذّ كسرها كما حكاه الصّغانيّ ، هي الأنثى من الحمير، وربّما قالوا للأنثى: أتانة حكاه يونس وأنكره غيره، فجاء في الرّواية على اللّغة الفصحى.

وحمارٌ أتانٌ بالتّنوين فيهما على النّعت أو البدل، وروي بالإضافة.

وذكر ابن الأثير: أنّ فائدة التّنصيص على كونها أنثى للاستدلال بطريق الأولى على أنّ الأنثى من بني آدم لا تقطع الصّلاة ، لأنّهنّ أشرف.

وهو قياس صحيح من حيث النّظر، إلَاّ أنّ الخبر الصّحيح (2) لا

(1) أخرجه البخاري (76 ، 471، 823، 1758، 4150) ومسلم (504) من طرق عن الزهري عن عبيد الله بن عبد الله بن عتبة عن ابن عباس به.

(2)

أي: حديث أبي ذر الآتي إن شاء الله.

ص: 476

يدفع بمثله.

قوله: (ناهزت) أي: قاربت، والمراد بالاحتلام البلوغ الشّرعيّ.

وفي البخاري من رواية أبي بشر عن سعيد بن جبيرٍ قال: قال ابن عبّاسٍ: توفّي رسول الله صلى الله عليه وسلم وأنا ابن عشر سنين.

وقد استشكل عياض قول ابن عبّاسٍ: توفّي رسول الله صلى الله عليه وسلم وأنا ابن عشر سنين " وقوله " أنّه كان في حجّة الوداع ناهز الاحتلام " ، وللبخاري عن ابن عباس ، أنّ النّبيّ صلى الله عليه وسلم مات وأنا ختينٌ ، وكانوا لا يختنون الرّجل حتّى يدرك ، وعنه أيضاً ، أنّه كان عند موت النّبيّ صلى الله عليه وسلم ابن خمس عشرة سنةً.

وسبق إلى استشكال ذلك الإسماعيليّ ، وبالغ الداودي ، فقال: حديث أبي بشرٍ وهْمٌ.

وقال عمرو بن عليٍّ الفلاس: الصّحيح عندنا أنّ ابن عبّاسٍ كان له عند وفاة النّبيّ صلى الله عليه وسلم ثلاث عشرة سنةً قد استكملها.

وأسند البيهقيّ عن مصعب الزبيري ، أنه كان بن أربع عشرة ، وبه جزم الشّافعيّ في الأمّ ، ثمّ حكى أنّه قيل: ستّ عشرة ، وحكى: ثلاث عشرة. وهو المشهور.

وأورد البيهقيّ عن أبي العالية عن ابن عبّاسٍ: قرأت المحكم على عهد رسول الله صلى الله عليه وسلم وأنا ابن ثنتي عشرة. فهذه ستّة أقوالٍ ، ولو ورد إحدى عشرة لكانت سبعةً ، لأنّها من عشرٍ إلى ستّ عشرة.

قلت: والأصل فيه قول الزّبير بن بكّارٍ وغيره من أهل النّسب ، أنَّ

ص: 477

ولادة ابن عبّاس كانت قبل الهجر بثلاث سنين ، وبنو هاشمٍ في الشِّعْب (1) ، وذلك قبل وفاة أبي طالبٍ. ونحوه لأبي عبيدٍ ، وبذلك

(1) قال الحافظ في " الفتح "(7/ 192): قال ابن إسحاق وموسى بن عقبة وغيرهما من أصحاب المغازي: لَمَّا رأت قريش أنَّ الصحابة قد نزلوا أرضاً أصابوا بها أماناً وأنَّ عمر أسلم وأنَّ الإسلام فشا في القبائل أجمعوا على أن يقتلوا رسول الله صلى الله عليه وسلم ، فبلغ ذلك أبا طالب فجمع بني هاشم وبني المطلب فأدخلوا رسول الله صلى الله عليه وسلم شِعبَهم ومنعوه ممن أراد قتله، فأجابوه إلى ذلك حتى كفارهم فعلوا ذلك حمية على عادة الجاهلية.

فلما رأتْ قريشٌ ذلك أجمعوا أن يكتبوا بينهم وبين بني هاشم والمطلب كتاباً أن لا يعاملوهم ولا يناكحوهم حتى يسلموا إليهم رسول الله صلى الله عليه وسلم، ففعلوا ذلك، وعلَّقوا الصحيفة في جوف الكعبة، وكان كاتبها منصور بن عكرمة بن عامر بن هاشم بن عبد مناف بن عبد الدار بن قصي فشلّت أصابعه، ويقال: إنَّ الذي كتبها النضر بن الحارث، وقيل: طلحة بن أبي طلحة العبدري، قال ابن إسحاق، فانحازت بنو هاشم وبنو المطلب إلى أبي طالب فكانوا معه كلهم إلا أبا لهب فكان مع قريش.

وقيل: كان ابتداء حصرهم في المحرم سنة سبع من المبعث.

قال ابن إسحاق: فأقاموا على ذلك سنتين أو ثلاثاً.

وجزم موسى بن عقبة بأنها كانت ثلاث سنين حتى جهدوا ، ولَم يكن يأتيهم شيء من الأقوات إلا خفية، حتى كانوا يؤذون من اطلعوا على أنه أرسل إلى بعض أقاربه شيئاً من الصِلات، إلى أن قام في نقْض الصحيفة نفرٌ من أشدهم في ذلك صنيعاً هشام بن عمرو بن الحارث العامري، وكانت أم أبيه تحت هاشم بن عبد مناف قبل أن يتزوجها جدُّه، فكان يصِلهم وهم في الشعب، ثم مشى إلى زهير بن أبي أمية - وكانت أمه عاتكة بنت عبد المطلب - فكلَّمه في ذلك فوافقه، ومشيا جميعاً إلى المطعم بن عدي وإلى زمعة بن الأسود فاجتمعوا على ذلك، فلمَّا جلسوا بالْحِجر تكلَّموا في ذلك وأنكروه وتواطئوا عليه. فقال أبو جهل: هذا أمرٌ قُضي بليل. وفي آخر الأمر أخرجوا الصحيفة فمزقوها وأبطلوا حكمها.

وذكر ابن هشام: أنهم وجدوا الأرضة قد أكلتْ جميع ما فيها إلَاّ اسم الله تعالى.

وأما ابن إسحاق وموسى بن عقبة وعروة فذكروا عكس ذلك: أنَّ الأرضة لَم تدع اسماً لله تعالى إلَاّ أكلته، وبقي ما فيها من الظلم والقطيعة، فالله أعلم.

وذكر الواقدي. أنَّ خروجهم من الشعب كان في سنة عشر من المبعث، وذلك قبل الهجرة بثلاث سنين، ومات أبو طالب بعد أن خرجوا بقليل.

قال ابن إسحاق: ومات هو وخديجة في عام واحد، فنالت قريش من رسول الله صلى الله عليه وسلم ما لَم تكن تنله في حياة أبي طالب. انتهى

ص: 478

قطع أهل السّير ، وصحَّحه ابن عبد البر ، وأورد بسند صحيح عن ابن عبّاسٍ ، أنّه قال: ولدت وبنو هاشمٍ في الشِّعْب.

ويمكن الجمع بين مختلف الرّوايات إلَاّ ستّ عشرة وثنتي عشرة ، فإنّ كلاًّ منهما لَم يثبت سنده. أنّ المحفوظ الصّحيح ، أنّه ولد بالشِّعْب ، وذلك قبل الهجرة بثلاث سنين ، فيكون له عند الوفاة النّبويّة ثلاث عشرة سنةً.

وهذا لا ينافي قوله " ناهزت الاحتلام " أي: قاربته ، ولا قوله " وكانوا لا يختنون الرّجل حتّى يدرك " ، لاحتمال أن يكون أدرك فختن قبل الوفاة النّبويّة وبعد حجّة الوداع.

وأما قوله " وأنا ابن عشرٍ " ، فمحمولٌ على إلغاء الكسر ، وروى أحمد من طريق أخرى عن ابن عبّاس ، أنه كان حينئذٍ ابن خمس عشرة ".

يمكن ردّه إلى رواية ثلاث عشرة ، بأن يكون ابن ثلاث عشرة وشيء ، وولد في أثناء السّنة ، فجبر الكسرين ، بأن يكون ولد مثلاً في شوّالٍ فله من السّنة الأولى ثلاثة.

قوله: (يُصلِّي بالنّاس بمنىً) كذا قال مالك وأكثر أصحاب الزّهريّ عنه، ووقع عند مسلم من رواية ابن عيينة " بعرفة ".

ص: 479

قال النّوويّ: يُحمل ذلك على أنّهما قضيّتان.

وتعقّب: بأنّ الأصل عدم التّعدّد ولا سيّما مع اتّحاد مخرج الحديث، فالحقّ أنّ قول ابن عيينة " بعرفة " شاذّ. ووقع عند مسلم أيضاً من رواية معمرٍ عن الزّهريّ " وذلك في حجّة الوداع أو الفتح " ، وهذا الشّكّ من معمرٍ لا يعوّل عليه، والحقّ أنّ ذلك كان في حجّة الوداع.

قوله: (إلى غير جدار) أي: إلى غير سترة. قاله الشّافعيّ. وسياق الكلام يدلّ على ذلك؛ لأنّ ابن عبّاس أورده في معرض الاستدلال على أنّ المرور بين يدي المُصلِّي لا يقطع صلاته.

ويؤيّده رواية البزّار بلفظ: والنّبيّ صلى الله عليه وسلم يُصلِّي المكتوبة ليس لشيءٍ يستره.

وقال بعض المتأخّرين: قوله " إلى غير جدار ": لا ينفي غير الجدار، إلَاّ أنّ إخبار ابن عبّاس عن مروره بهم وعدم إنكارهم لذلك مشعر بحدوث أمرٍ لَم يعهدوه، فلو فرض هناك سترةٌ أخرى غير الجدار لَم يكن لهذا الإخبار فائدة، إذ مروره حينئذٍ لا ينكره أحد أصلاً.

وقد بوب البخاريّ على الحديث " باب سترة الإمام سترة لمن خلفه " ، فحمل الأمرَ في ذلك على المألوف المعروف من عادته صلى الله عليه وسلم ، أنّه كان لا يُصلِّي في الفضاء إلَاّ والعنزة أمامه، ثمّ أيّد ذلك بحديثي ابن عمر وأبي جحيفة (1)، وفي حديث ابن عمر ما يدلّ على المداومة. وهو قوله

(1) حديث أبي جحيفة تقدّم الكلام عليه في الأذان. في المجلد الأول رقم (69).

أمّا حديث ابن عمر. فأخرجه البخاري (494) ومسلم (501). أنَّ رسول الله صلى الله عليه وسلم كان إذا خرج يوم العيد أمر بالحربة فتوضع بين يديه، فيصلّي إليها والناس وراءه، وكان يفعل ذلك في السفر. فمِن ثَم اتخذها الأمراء.

ص: 480

بعد ذكر الحربة " وكان يفعل ذلك في السّفر ".

وقد تبعه النّوويّ. فقال في شرح مسلمٍ في كلامه على فوائد هذا الحديث: فيه أنّ سترة الإمام سترة لمن خلفه، والله أعلم.

قوله: (بين يدي بعض الصّفّ) هو مجاز عن الأمام بفتح الهمزة؛ لأنّ الصّفّ ليس له يد. وبعض الصّفّ. يحتمل: أن يراد به صفّ من الصّفوف ، أو بعض من أحد الصّفوف. قاله الكرمانيّ.

زاد البخاري من رواية ابن أخي ابن شهاب عن عمّه " حتّى سِرْت بين يدي بعض الصّفّ الأوّل " ، وهو يعيّن أحد الاحتمالين.

قوله: (ترتع) بمثنّاتين مفتوحتين وضمّ العين. أي: تأكل ما تشاء، وقيل: تسرع في المشي، وجاء أيضاً بكسر العين بوزن يفتعل من الرّعي، وأصله ترتعي لكن حذفت الياء تخفيفاً.

والأوّل أصوب، ويدلّ عليه رواية البخاري " نزلت عنها فرتعت ".

قوله: (ودخلت) وللكشميهنيّ: " فدخلت " بالفاء.

قوله: (فلم ينكر ذلك عليّ أحد) قال ابن دقيق العيد: استدل ابن عبّاس بترك الإنكار على الجواز، ولَم يستدل بترك إعادتهم للصّلاة؛ لأنّ ترك الإنكار أكثر فائدةً.

قلت: وتوجيهه أنّ ترك الإعادة يدلّ على صحّتها فقط لا على

ص: 481

جواز المرور، وترك الإنكار يدلّ على جواز المرور وصحّة الصّلاة معاً.

ويستفاد منه أنّ ترك الإنكار حجّة على الجواز بشرطه ، وهو انتفاء الموانع من الإنكار وثبوت العلم بالاطّلاع على الفعل، ولا يقال لا يلزم ممّا ذكر اطّلاع النّبيّ صلى الله عليه وسلم على ذلك لاحتمال أن يكون الصّفّ حائلاً دون رؤية النّبيّ صلى الله عليه وسلم له؛ لأنّا نقول إنّه صلى الله عليه وسلم كان يرى في الصّلاة من ورائه كما يرى من أمامه.

وتقدّم أنّ في رواية البخاري " أنّه مرّ بين يدي بعض الصّفّ الأوّل "، فلم يكن هناك حائل دون الرّؤية، ولو لَم يرد شيء من ذلك لكان توفّر دواعيهم على سؤاله صلى الله عليه وسلم عمّا يحدث لهم كافياً في الدّلالة على اطّلاعه على ذلك. والله أعلم.

واستدل به على مرور الحمار لا يقطع الصّلاة، فيكون ناسخاً لحديث أبي ذرٍّ الذي رواه مسلم في كون مرور الحمار يقطع الصّلاة ، وكذا مرور المرأة والكلب الأسود (1)

وتعقّب: بأنّ مرور الحمار متحقّق في حال مرور ابن عبّاس وهو

(1) ولفظه عند مسلم (510) من طريق عبد الله بن الصامت عن أبي ذر، قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: إذا قام أحدكم يُصلِّي، فإنه يستره إذا كان بين يديه مثل آخرة الرحل، فإذا لَم يكن بين يديه مثل آخرة الرَّحْل، فإنه يقطع صلاتَه الحمارُ، والمرأةُ، والكلبُ الأسودُ ، قلت: يا أبا ذر، ما بال الكلب الأسود من الكلب الأحمر من الكلب الأصفر؟ قال: يا ابن أخي، سألت رسول الله صلى الله عليه وسلم كما سألتني؟ فقال: الكلب الأسود شيطان.

ص: 482

راكبه، وقد تقدّم أنّ ذلك لا يضرّ لكون الإمام سترة لمن خلفه. وأمّا مروره بعد أن نزل عنه فيحتاج إلى نقل.

وقال ابن عبد البرّ: حديث ابن عبّاس هذا يخصّ حديث أبي سعيد: إذا كان أحدكم يُصلِّي فلا يدع أحداً يمرّ بين يديه. فإنّ ذلك مخصوص بالإمام والمنفرد، فأمّا المأموم فلا يضرّه من مرّ بين يديه لحديث ابن عبّاس هذا، قال: وهذا كلّه لا خلاف فيه بين العلماء.

وكذا نقل عياض الاتّفاق على أنّ المأمومين يصلّون إلى سترة، لكن اختلفوا هل سترتهم سترة الإمام ، أم سترتهم الإمام نفسه. انتهى.

فيه نظرٌ، لِمَا رواه عبد الرّزّاق عن الحكم بن عمرو الغفاريّ الصّحابيّ ، أنّه صلَّى بأصحابه في سفرٍ وبين يديه سترة، فمرّت حميرٌ بين يدي أصحابه ، فأعاد بهم الصّلاة. وفي رواية له ، أنّه قال لهم: إنّها لَم تقطع صلاتي ، ولكن قطعت صلاتكم. فهذا يعكّر على ما نقل من الاتّفاق.

وقد ورد في حديثٍ مرفوعٍ رواه الطّبرانيّ في " الأوسط " من طريق سويد بن عبد العزيز عن عاصمٍ عن أنس مرفوعاً: سترة الإمام سترة لمن خلفه. وقال: تفرّد به سويدٌ عن عاصم. انتهى.

وسويدٌ ضعيف عندهم. ووردت أيضاً في حديثٍ موقوفٍ على ابن عمر. أخرجه عبد الرّزّاق.

ويظهر أثر الخلاف الذي نقله عياض. فيما لو مرّ بين يدي الإمام أحد، فعلى قول من يقول: إنّ سترة الإمام سترة من خلفه. يضرّ

ص: 483

صلاته وصلاتهم معاً، وعلى قول من يقول: إنّ الإمام نفسه سترة من خلفه يضرّ صلاته ولا يضرّ صلاتهم.

قيل فيه جواز تقديم المصلحة الرّاجحة على المفسدة الخفيفة؛ لأنّ المرور مفسدة خفيفة، والدّخول في الصّلاة مصلحة راجحة.

واستدلَّ ابنُ عبّاس على الجواز بعدم الإنكار لانتفاء الموانع إذ ذاك، ولا يقال منع من الإنكار اشتغالهم بالصّلاة لأنّه نفى الإنكار مطلقاً فتناول ما بعد الصّلاة. وأيضاً فكان الإنكار يمكن بالإشارة.

وفيه أنّ التّحمّل لا يشترط فيه كمال الأهليّة ، وإنّما يشترط عند الأداء. ويلحق بالصّبيّ في ذلك العبد والفاسق والكافر. وقامت حكاية ابن عبّاس لفعل النّبيّ صلى الله عليه وسلم وتقريره مقام حكاية قوله، إذ لا فرق بين الأمور الثّلاثة في شرائط الأداء.

وفيه اختلاف وقع بين أحمد بن حنبل ويحيى بن معين. رواه الخطيب في الكفاية عن عبد الله بن أحمد وغيره ، أنّ يحيى قال: أقلّ سنّ التّحمّل خمس عشرة سنة لكون ابن عمر ردّ يوم أحد إذ لَم يبلغها. فبلغ ذلك أحمدَ ، فقال: بل إذا عقل ما يسمع، وإنّما قصّة ابن عمر في القتال.

ثمّ أورد الخطيب أشياء ممّا حفظها جمع من الصّحابة ومن بعدهم في الصّغر وحدّثوا بها بعد ذلك وقُبلت عنهم، وهذا هو المعتمد.

وما قاله ابن معين ، إن أراد به تحديد ابتداء الطّلب بنفسه فموجّه، وإن أراد به ردّ حديث من سمع اتّفاقاً أو اعتنى به فسمع وهو صغير

ص: 484

فلا. وقد نقل ابن عبد البرّ الاتّفاق على قبول هذا، وفيه دليل على أنّ مراد ابن معين الأوّل.

وأمّا احتجاجه: بأنّ النّبيّ صلى الله عليه وسلم ردّ البراء وغيره يوم بدر (1) ممّن كان لَم يبلغ خمس عشرة ، فمردود: بأنّ القتال يقصد فيه مزيد القوّة والتّبصّر في الحرب، فكانت مظنّته سنّ البلوغ، والسّماع يقصد فيه الفهم فكانت مظنّته التّمييز.

وقد احتجّ الأوزاعيّ لذلك بحديث: " مروهم بالصّلاة لسبعٍ "(2)

(1) أخرجه البخاري (3956) عن البراء ، قال: استُصغرت أنا وابن عمر يوم بدر، وكان المهاجرون يوم بدر نيفاً على ستين، والأنصار نيفاً وأربعين ومائتين.

(2)

أخرجه أبو داود (495) وأحمد (2/ 187) والحاكم (1/ 197) وغيرهم من حديث عمرو بن شعيب عن أبيه عن جده رفعه: مروا أولادكم بالصلاة، وهم أبناء سبع سنين واضربوهم عليها وهم أبناء عشر سنين، وفرقوا بينهم في المضاجع.

وأخرجه أبو داود (494) والترمذي (407) من طريق عبد الملك بن الربيع بن سبرة عن أبيه عن جده عن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: فذكره. دون التفرقة.

وقال الترمذي: حسن صحيح. وصحَّحه ابن خزيمة والحاكم.

أمَّا اللفظ الذي ذكره الشارح. فأخرجه الطبراني في " الأوسط "(4129) والدارقطني (891) من حديث أنس رفعه: مروهم بالصلاة لسبع سنين واضربوهم عليها لثلاث عشرة. وسنده ضعيف جداً. ولفظه منكر.

قال ابن حجر في التلخيص (1/ 331): وفي إسناده داود بن الْمُحبَّر، وهو متروك، وقد تفرد به. فيما قاله الطبراني.

ص: 485