الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
الحديث الثامن عشر
67 -
عن عائشة رضي الله عنها ، قالت: لَم يكن النّبيّ صلى الله عليه وسلم على شيءٍ من النّوافل أشدَّ تعاهداً منه على ركعتي الفجر. (1)
وفي لفظٍ لمسلمٍ: ركعتا الفجر خيرٌ من الدّنيا وما فيها. (2)
قوله: (النوافل) في رواية أبي عاصم عن ابن جريجٍ عند البيهقيّ. قلت لعطاءٍ: أواجبة ركعتا الفجر ، أو هي من التّطوّع؟ فقال: حدّثني عبيد بن عمير عن عائشة. فذكر الحديث.
وجاء عن عائشة أيضاً تسميتها تطوّعاً من وجه آخر، فعند مسلم من طريق عبد الله بن شقيق ، سألت عائشة عن تطوّع النّبيّ صلى الله عليه وسلم. فذكر الحديث. وفيه " وكان إذا طلع الفجر صلَّى ركعتين ".
قوله: (أشدّ تعاهداً) في رواية ابن خزيمة " أشدّ معاهدة "(3)، ولمسلمٍ من طريق حفص عن ابن جريجٍ: ما رأيته إلى شيء من الخير أسرع منه إلى الرّكعتين قبل الفجر ، زاد ابن خزيمة من هذا الوجه " ولا إلى غنيمة ".
تكميلٌ: أخرج البخاري عن عائشة رضي الله عنها، قالت: صلَّى
(1) أخرجه البخاري (1116) ومسلم (724) من طريق ابن جريج، قال: حدثني عطاء عن عبيد بن عمير عن عائشة رضي الله عنها به.
(2)
مسلم (725) من ظريق قتادة عن زرارة بن أوفى عن سعد بن هشام عن عائشة به.
(3)
وهي رواية مسلم أيضاً.
النبي صلى الله عليه وسلم العشاء، ثم صلَّى ثماني ركعات، وركعتين جالساً، وركعتين بين النداءين ، ولَم يكن يدعهما أبدا.
قوله " ولَم يكن يدعهما أبداً " استدل به لِمَن قال بالوجوب، وهو منقول عن الحسن البصريّ أخرجه ابن أبي شيبة عنه بلفظ: كان الحسن يرى الرّكعتين قبل الفجر واجبتين. والمراد بالفجر هنا صلاة الصّبح.
ونقل المرغينانيّ مثله عن أبي حنيفة. وفي " جامع المحبوبيّ " عن الحسن بن زياد عن أبي حنيفة: لو صلاّهما قاعداً من غير عذر لَم يجز.
واستدل به بعض الشّافعيّة للقديم في أنّ ركعتي الفجر أفضل التّطوّعات.
وقال الشّافعيّ في الجديد: أفضلها الوتر.
وقال بعض أصحابه: أفضلها صلاة الليل لِمَا روى مسلم من حديث أبي هريرة ، أنَّ النبي صلى الله عليه وسلم قال: أفضل الصّلاة، بعد الفريضة، صلاة الليل.
فائدة: ورد في حديث أبي قتادة عند مسلم في قصة النوم عن صلاة الصبح ففيه " ثم صلى ركعتين قبل الصبح ثم صلى الصبح كما كان يصلي " ، وله من حديث أبي هريرة في هذه القصة أيضاً " ثم دعا بماء فتوضأ ثم صلى سجدتين - أي ركعتين - ثم أقيمت الصلاة فصلى صلاة الغداة " الحديث
قال صاحب الهدي (1): لم يُحفظ عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه صلَّى سنة الصلاة قبلها ولا بعدها في السفر، إلَاّ ما كان من سنة الفجر.
قلت: ويرِد على إطلاقه ما رواه أبو داود والترمذي من حديث البراء بن عازب قال: سافرت مع النبي صلى الله عليه وسلم ثمانية عشر سفراً فلم أره ترك ركعتين إذا زاغت الشمس قبل الظهر.
وكأنه لم يثبت عنده، لكن الترمذي استغربه ، ونقل عن البخاري أنه رآه حسناً، وقد حمله بعض العلماء على سنة الزوال لا على الراتبة قبل الظهر، والله أعلم
قوله: (وفي لفظٍ لمسلمٍ: ركعتا الفجر خيرٌ من الدّنيا وما فيها)(2)
(1) أي: ابن القيم رحمه الله في كتابه (زاد المعاد في هدي خير العباد)
(2)
قال ابن الملقن في الإعلام (2/ 417):
قال النووي في شرح مسلم: أي: خير من الدنيا ومتاعها.
وقال غيره: المراد بالدنيا حياتها وما فيها متاعها لا لذاتها ، وكأنه قال: خير من متاع الدنيا.
وقال غيرهما: إنما قال ذلك ، لأنه بشّر أن حساب أمته يقدر بهما ، فلهذا كانتا عنده خير من الدنيا وما فيها لِمَا يتذكر بها من عظم رحمة الله بأمته من ذلك الموقف العظيم.
وقال بعض فضلاء المالكية: في تفسير النووي السالف نظرٌ ، فإنه قد جاء في الحديث الآخر: الدنيا ملعونة ملعون مافيها إلَاّ ذكر الله الحديث "
وخير هنا أفعل تفضيل ، وهو يقتضي المشاركة في الأصل وزيادة كما تقرر ، ولا مشاركة بين فضيلة ركعتي الفجر ومتاع الدنيا المخبر عنه بأنه ملعون، ويبعد أن يحمل كلام الشارع على ما شذ من قولهم: العسل أحلى من الخل.
إلَاّ أن يقال: إنَّ المعنى مايحصل من نعيم ثواب ركعتي الفجر في الدار الآخرة خير مما يتنعم به في الدنيا فترجع المفاضلة إلى ذات النعيم الحاصل بين الدارين ، لا إلى نفس ركعتي الفجر ومتاع الدنيا. انتهى