الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
الحديث الثاني والعشرون
71 -
عن أبي سعيدٍ الخدريّ رضي الله عنه ، قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: إذا سمعتم المؤذّن فقولوا مثل ما يقول. (1)
قوله: (إذا سمعتم) ظاهره اختصاص الإجابة بمن يسمع حتّى لو رأى المؤذّن على المنارة مثلاً في الوقت ، وعَلِم أنّه يؤذّن لكن لَم يسمع أذانه لبُعدٍ أو صمَمٍ. لا تشرع له المتابعة، قاله النّوويّ في شرح المهذّب.
قوله: (فقولوا مثل ما يقول) وللشيخين " ما يقول المؤذن ".
ادّعى ابن وضّاحٍ أنّ قول " المؤذّن " مدرجٌ، وأنّ الحديث انتهى عند قوله " مثل ما يقول ".
وتعقّب: بأنّ الإدراج لا يثبت بمجرّد الدّعوى، وقد اتّفقت الرّوايات في الصّحيحين والموطّأ على إثباتها، ولَم يصب صاحب العمدة في حذفها.
قوله: (ما يقول) قال الكرمانيّ: قال " ما يقول " ولَم يقل مثل ما قال. ليشعر بأنّه يجيبه بعد كل كلمةٍ مثل كلمتها.
(1) أخرجه البخاري (586) ومسلم (383) من طريق مالك عن الزهري عن عطاء بن يزيد عن أبي سعيد به بلفظ (إذا سمعتم النداء ..
وقد رواه الإمام أحمد (3/ 90) والدارمي (1247) وابن حبان (1686) وغيرهم بلفظ (المؤذن) وهما بمعنى واحد.
قلت: والصّريح في ذلك ما رواه النّسائيّ من حديث أمّ حبيبة ، أنّه صلى الله عليه وسلم كان يقول كما يقول المؤذّن حتّى يسكت.
وأمّا أبو الفتح اليعمريّ فقال: ظاهر الحديث أنّه يقول مثل ما يقول عقب فراغ المؤذّن، لكنّ الأحاديث التي تضمّنت إجابة كل كلمةٍ عقبها دلَّتْ على أنّ المراد المساوقة، يشير إلى حديث عمر بن الخطّاب الذي عند مسلم (1) وغيره، فلو لَم يجاوبه حتّى فرغ استحبّ له التّدارك إن لَم يطل الفصل. قاله النّوويّ في شرح المهذّب بحثاً.
وقد قالوه فيما إذا كان له عذرٌ كالصّلاة، وظاهر قوله " مثل " أنّه يقول مثل قوله في جميع الكلمات، لكنّ حديث عمر أيضاً ، وحديث معاوية (2) يدلان على أنّه يستثنى من ذلك " حيّ على الصّلاة وحيّ
(1) صحيح مسلم برقم (385) عن عمر قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: " إذا قال المؤذن: الله أكبر الله أكبر، فقال أحدكم: الله أكبر الله أكبر، ثم قال: أشهد أن لا إله إلَاّ الله، قال: أشهد أن لا إله إلَاّ الله، ثم قال: أشهد أن محمدا رسول الله ، قال: أشهد أن محمدا رسول الله، ثم قال: حي على الصلاة، قال: لا حول ولا قوة إلَاّ بالله، ثم قال: حي على الفلاح، قال: لا حول ولا قوة إلَاّ بالله، ثم قال: الله أكبر الله أكبر، قال: الله أكبر الله أكبر، ثم قال: لا إله إلَاّ الله، قال: لا إله إلَاّ الله من قلبه دخل الجنة.
(2)
حديث معاوية رضي الله عنه. أخرجه البخاري (612 ، 613) نحو حديث عمر الماضي
قال ابن حجر في " الفتح "(2/ 124): أخرج مسلم من حديث عمر بن الخطاب نحو حديث معاوية، وإنما لَم يخرّجه البخاري لاختلاف وقع في وصله وإرساله كما أشار إليه الدارقطني، ولَم يخرّج مسلمٌ حديث معاوية ، لأن الزيادة (الحوقلة) المقصودة منه ليست على شرط الصحيح للمبهم الذي فيها، لكن إذا انضمَّ أحدُ الحديثين إلى الآخر قوي جداً. وفي الباب أيضاً عن الحارث بن نوفل الهاشمي وأبي رافع - وهما في الطبراني وغيره - وعن أنس في البزار وغيره، والله تعالى أعلم. انتهى
على الفلاح " فيقول بدلهما " لا حول ولا قوّة إلَاّ بالله " كذلك استدل به ابن خزيمة. وهو المشهور عند الجمهور
وقال ابن المنذر: يحتمل أن يكون ذلك من الاختلاف المباح ، فيقول تارةً كذا وتارةً كذا.
وحكى بعض المتأخّرين عن بعض أهل الأصول: أنّ الخاصّ والعامّ إذا أمكن الجمع بينهما وجب إعمالهما، قال: فلِمَ لا يقال يستحبّ للسّامع أن يجمع بين الحيعلة والحوقلة، وهو وجهٌ عند الحنابلة.
أجيب عن المشهور من حيث المعنى: بأنّ الأذكار الزّائدة على الحيعلة يشترك السّامع والمؤذّن في ثوابها، وأمّا الحيعلة فمقصودها الدّعاء إلى الصّلاة، وذلك يحصل من المؤذّن، فعوّض السّامع عمّا يفوته من ثواب الحيعلة بثواب الحوقلة.
ولقائلٍ أن يقول: يحصل للمجيب الثّواب لامتثاله الأمر، ويمكن أن يزداد استيقاظاً وإسراعاً إلى القيام إلى الصّلاة إذا تكرّر على سمعه الدّعاء إليها من المؤذّن ومن نفسه ، ويقرب من ذلك الخلاف في قول المأموم " سمع الله لمن حمده " كما سيأتي في موضعه (1).
وقال الطّيبيّ: معنى الحيعلتين. هلمّ بوجهك وسريرتك إلى الهدى عاجلاً والفوز بالنّعيم آجلاً، فناسب أن يقول: هذا أمرٌ عظيمٌ لا
(1) انظر حديث أبي هريرة الآتي برقم (90)
أستطيع مع ضعفي القيام به إلَاّ إذا وفّقني الله بحوله وقوّته.
وممّا لوحظت فيه المناسبة ما نقل عبد الرّزّاق عن ابن جريجٍ قال: حُدّثت أنّ النّاس كانوا ينصتون للمؤذّن إنصاتهم للقراءة ، فلا يقول شيئاً إلَاّ قالوا مثله حتّى إذا قال: حيّ على الصّلاة ، قالوا: لا حول ولا قوّة إلَاّ بالله ، وإذا قال: حيّ على الفلاح ، قالوا: ما شاء الله. انتهى.
وإلى هذا صار بعض الحنفيّة ، وروى ابن أبي شيبة مثله عن عثمان. وروى عن سعيد بن جبيرٍ قال: يقول في جواب الحيعلة: سمعنا وأطعنا.
ووراء ذلك وجوه من الاختلاف أخرى.
قيل: لا يجيبه إلَاّ في التّشهّدين فقط، وقيل: هما والتّكبير.
وقيل: يضيف إلى ذلك الحوقلة دون ما في آخره.
وقيل: مهما أتى به ممّا يدلّ على التّوحيد والإخلاص كفاه. وهو اختيار الطّحاويّ.
وحكوا أيضاً خلافاً: هل يجيب في التّرجيع أو لا؟، وفيما إذا أذّن مؤذّن آخر ، هل يجيبه بعد إجابته للأوّل أو لا؟.
قال النّوويّ: لَم أرَ فيه شيئاً لأصحابنا.
وقال ابن عبد السّلام: يجيب كل واحدٍ بإجابةٍ لتعدّد السّبب، وإجابة الأوّل أفضل، إلَاّ في الصّبح والجمعة فإنّهما سواء لأنّهما مشروعان.
وفي الحديث دليل على أنّ لفظ المثل لا يقتضي المساواة من كلّ جهة، لأنّ قوله مثل ما يقول لا يقصد به رفع الصّوت المطلوب من المؤذّن.
كذا قيل. وفيه بحثٌ، لأنّ المماثلة وقعت في القول لا في صفته، والفرق بين المؤذّن والمجيب في ذلك أنّ المؤذّن مقصوده الإعلام فاحتاج إلى رفع الصّوت، والسّامع مقصوده ذكر الله فيكتفي بالسّرّ أو الجهر لا مع الرّفع. نعم: لا يكفيه أن يجريه على خاطره من غير تلفّظٍ لظاهر الأمر بالقول.
وأغرب ابن المنير فقال: حقيقة الأذان جميع ما يصدر عن المؤذّن من قول وفعلٍ وهيئة.
وتعقّب: بأنّ الأذان معناه الإعلام لغةً، وخصّه الشّرع بألفاظٍ مخصوصةٍ في أوقاتٍ مخصوصة فإذا وجدت الأذان، وما زاد على ذلك من قول أو فعلٍ أو هيئة يكون من مكمّلاته صلى الله عليه وسلم ، ويوجد الأذان من دونها. ولو كان على ما أطلق لكان ما أحدث من التّسبيح قبل الصّبح وقبل الجمعة ومن الصّلاة على النّبيّ صلى الله عليه وسلم من جملة الأذان، وليس كذلك لا لغةً ولا شرعاً.
واستدل به على جواز إجابة المؤذّن في الصّلاة عملاً بظاهر الأمر، ولأنّ المجيب لا يقصد المخاطبة.
وقيل: يؤخّر الإجابة حتّى يفرغ لأنّ في الصّلاة شغلاً.
وقيل: يجيب إلَاّ في الحيعلتين ، لأنّهما كالخطاب للآدميّين والباقي من ذكر الله فلا يمنع. لكن قد يقال: من يبدّل الحيعلة بالحوقلة لا
يمنع، لأنّها من ذكر الله، قاله ابن دقيق العيد.
وفرّق ابن عبد السّلام في فتاويه: بين ما إذا كان يقرأ الفاتحة فلا يجيب بناءً على وجوب موالاتها وإلا فيجيب، وعلى هذا إن أجاب في الفاتحة استأنف.
وهذا قاله بحثاً، والمشهور في المذهب كراهة الإجابة في الصّلاة بل يؤخّرها حتّى يفرغ، وكذا في حال الجماع والخلاء، لكن إن أجاب بالحيعلة بطلت كذا أطلقه كثيرٌ منهم، ونصّ الشّافعيّ في " الأمّ " على عدم فساد الصّلاة بذلك.
واستدل به على مشروعيّة إجابة المؤذّن في الإقامة، قالوا: إلَاّ في كلمَتَي الإقامة فيقول " أقامها الله وأدامها "(1). وقياس إبدال الحيعلة بالحوقلة في الأذان أن يجيء هنا، لكن قد يفرّق بأنّ الأذان إعلام عامٌّ فيعسر على الجميع أن يكونوا دعاة إلى الصّلاة، والإقامة إعلام خاصٌّ وعدد من يسمعها محصور فلا يعسر أن يدعو بعضهم بعضاً.
واستدل به على وجوب إجابة المؤذّن، حكاه الطّحاويّ عن قوم من السّلف ، وبه قال الحنفيّة وأهل الظّاهر وابن وهبٍ.
(1) أخرج أبو داود (528) والطبراني في " الدعاء "(491) والبيهقي (1/ 605) من طريق محمد بن ثابت حدَّثني رجلٌ من أهل الشام عن شهر بن حوشب عن أبي أمامة أو عن بعض أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم، أنَّ بلالاً أخذ في الإقامة، فلمَّا أنْ قال: قد قامت الصلاة، قال النبي صلى الله عليه وسلم: أقامها الله وأدامها. وقال في سائر الإقامة: كنحو حديث عمر رضي الله عنه في الأذان.
قال الشارح في " التلخيص "(1/ 378): وهو ضعيف. والزيادة فيه لا أصل لها.
واستدل للجمهور: بحديثٍ أخرجه مسلم وغيره ، أنّه صلى الله عليه وسلم سمع مؤذّناً فلمّا كبّر ، قال: على الفطرة، فلمّا تشهّد ، قال: خرج من النّار.
قال: فلمّا قال صلى الله عليه وسلم غير ما قال المؤذّن ، علِمْنا أنّ الأمر بذلك للاستحباب.
وتعقّب: بأنّه ليس في الحديث أنّه لَم يقل مثل ما قال، فيجوز أن يكون قاله ، ولَم ينقله الرّاوي اكتفاءً بالعادة ، ونقل القول الزّائد.
ويحتمل: أن يكون ذلك وقع قبل صدور الأمر.
ويحتمل: أن يكون الرّجل لَمّا أُمر ، لَم يرد أن يدخل نفسه في عموم من خوطب بذلك.
ويحتمل: أن يكون الرّجل لَم يقصد الأذان.
لكن يردّ هذا الأخير أنّ في بعض طرقه " أنّه حضرته الصّلاة ".
ويحتمل: أن يكون الرّجل لَمّا أُمر ، لَم يرد أن يدخل نفسه في عموم من خوطب بذلك.
ويحتمل: أن يكون الرّجل لَم يقصد الأذان.
لكن يردّ هذا الأخير أنّ في بعض طرقه " أنّه حضرته الصّلاة ".