الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
الحديث الأربعون
89 -
عن ابن عبّاسٍ رضي الله عنه ، قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: أُمرتُ أن أسجد على سبعة أعظمٍ: على الْجبهة - وأشار بيده إلى أنفه - واليدين ، والرّكبتين ، وأطراف القدمين. (1)
قوله: (قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: أُمرت أن أسجد) في رواية لهما " أُمرَ النّبيُّ صلى الله عليه وسلم أن يسجد " هو بضمّ الهمزة في جميع الرّوايات بالبناء لِمَا لَم يسمّ فاعله، والمراد به الله جل جلاله.
قال البيضاويّ: عرف ذلك بالعرف، وذلك يقتضي الوجوب، قيل: وفيه نظر لأنّه ليس فيه صيغة أفعل. ولَمّا كان هذا السّياق يحتمل الخصوصيّة عقّبه البخاري بلفظٍ آخر دالٌّ على أنّه لعموم الأمّة، وهو من رواية شعبة عن عمرو بن دينار عن طاوس بلفظ: أنّ النّبيّ صلى الله عليه وسلم قال: أمرنا.
وعُرف بهذا أنّ ابن عبّاسٍ تلقّاه عن النّبيّ صلى الله عليه وسلم إمّا سماعاً منه وإمّا بلاغاً عنه.
وقد أخرجه مسلم من حديث العبّاس بن عبد المطّلب بلفظ " إذا سجد العبد سجد معه سبعة آراب " الحديث. وهذا يرجّح أنّ النّون في أمرنا نون الجمع.
(1) أخرجه البخاري (776 ، 777 ، 779 ، 782 ، 783) ومسلم (490) من طرق عبد الله بن طاوس وعمرو بن دينار عن طاوس عن ابن عباس به.
والآراب بالمدّ جمع إرب - بكسر أوّله وإسكان ثانيه - وهو العضو. ويحتمل: أن يكون ابن عبّاسٍ تلقّاه عن أبيه رضي الله عنه.
قوله: (أَعْظُم) وللبخاري " أعضاء ".
قال ابن دقيق العيد: يسمّى كلّ واحد عظماً باعتبار الجملة وإن اشتمل كلّ واحد على عظام، ويجوز أن يكون من باب تسمية الجملة باسم بعضها.
قوله: (الْجبهة) زاد في رواية ابن طاوسٍ عن أبيه عند الشيخين " وأشار بيده على أنفه " كأنّه ضمّن " أشار " معنى أمرّ بتشديد الرّاء فلذلك عدّاه بعلى دون إلى.
ووقع في العمدة بلفظ " إلى " وهي في بعض النّسخ من رواية كريمة ، وعند النّسائيّ من طريق سفيان بن عيينة عن ابن طاوسٍ فذكر هذا الحديث ، وقال في آخره: قال ابن طاوسٍ: ووضع يده على جبهته وأمرّها على أنفه ، وقال: هذا واحدٌ. فهذه رواية مفسّرة.
قال القرطبيّ: هذا يدلّ على أنّ الجبهة الأصل في السّجود والأنف تبع.
وقال ابن دقيق العيد: قيل معناه أنّهما جعلا كعضوٍ واحد وإلا لكانت الأعضاء ثمانية، قال: وفيه نظر لأنّه يلزم منه أن يكتفى بالسّجود على الأنف كما يكتفى بالسّجود على بعض الجبهة، وقد احتجّ بهذا لأبي حنيفة في الاكتفاء بالسّجود على الأنف.
قال: والحقّ أنّ مثل هذا لا يعارض التّصريح بذكر الجبهة وإن
أمكن أن يعتقد أنّهما كعضوٍ واحد، فذاك في التّسمية والعبارة لا في الحكم الذي دلَّ عليه الأمر، وأيضاً فإنّ الإشارة قد لا تعيّن المشار إليه فإنّها إنّما تتعلق بالجبهة لأجل العبادة، فإذا تقارب ما في الجبهة أمكن أن لا يعيّن المشار إليه يقيناً، وأمّا العبارة فإنّها معيّنة لِمَا وضعت له فتقديمه أولى. انتهى.
وما ذكره من جواز الاقتصار على بعض الجبهة. قال به كثير من الشّافعيّة، وكأنّه أخذ من قول الشّافعيّ في " الأمّ " أنّ الاقتصار على بعض الجبهة يكره، وقد ألزمهم بعض الحنفيّة بما تقدّم.
ونقل ابن المنذر إجماع الصّحابة على أنّه لا يجزئ السّجود على الأنف وحده.
القول الأول: ذهب الجمهور. إلى أنّه يجزئ على الجبهة وحدها.
القول الثاني: عن الأوزاعيّ وأحمد وإسحاق وابن حبيب من المالكيّة وغيرهم ، يجب أن يجمعهما. وهو قولٌ للشّافعيّ أيضاً.
قوله: (واليدين) قال ابن دقيق العيد: المراد بهما الكفّان لئلا يدخل تحت المنهيّ عنه من افتراش السّبع والكلب. انتهى.
ووقع بلفظ " الكفّين " في رواية حمّاد بن زيد عن عمرو بن دينار عند مسلم.
قوله: (وأطراف القدمين) وللبخاري عن أبي حميد " فإذا سجد استقبل بأطراف أصابع رجليه القبلة ".
قال الزين بن المنير (1): المراد أن يجعل قدميه قائمتين على بطون أصابعهما وعقباه مرتفعان فيستقبل بظهور قدميه القبلة.
قال أخوه (2): ومن ثَمَّ ندب ضمّ الأصابع في السّجود لأنّها لو تفرّجت انحرفت رؤوس بعضها عن القبلة.
قال ابن دقيق العيد: ظاهره يدلّ على وجوب السّجود على هذه الأعضاء. واحتجّ بعض الشّافعيّة على أنّ الواجب الجبهة دون غيرها بحديث المسيء صلاته حيث قال فيه " ويمكّن جبهته " قال: وهذا غايته أنّه مفهوم لقب، والمنطوق مقدّم عليه، وليس هو من باب تخصيص العموم.
قال: وأضعف من هذا استدلالهم بحديث " سجد وجهي " فإنّه لا يلزم من إضافة السّجود إلى الوجه انحصار السّجود فيه، وأضعف منه قولهم إنّ مسمّى السّجود يحصل بوضع الجبهة ، لأنّ هذا الحديث يدلّ على إثبات زيادة على المسمّى ، وأضعف منه المعارضة بقياسٍ شبهيّ كأن يقال: أعضاء لا يجب كشفها فلا يجب وضعها.
(1) علي بن محمد بن منصور الجذامي الاسكندرانى زين الدين المعروف بابن المنير المحدث الفقيه المالكى قاضى الاسكندرية توفي سنة 699. من تصانيفه " حواشى على شرح البخاري " لابن بطال المغربي. وشرح الجامع الصحيح للبخاري. والمتوارى على تراجم البخاري.
هداية العارفين (1/ 714) لإسماعيل بن محمد الباباني البغدادي.
(2)
أي: أخو الزين بن المنير الذي تقدَّمت ترجمته. وهو أحمد بن محمد المعروف بابن المنير الاسكندرانى المالكى القاضى ناصر الدين أبو العباس. ولد سنة620 ، وتوفي قتيلاً سنة 683. له تصانيف منها ، مناسبات تراجم البخاري. هداية العارفين (1/ 99)
قال: وظاهر الحديث أنّه لا يجب كشف شيء من هذه الأعضاء ، لأنّ مسمّى السّجود يحصل بوضعها دون كشفها، أما الأحاديث الواردة بالاقتصار على الجبهة كحديث البراء: لَم يحنِ أحد منا ظهره حتى يضع النبي صلى الله عليه وسلم جبهته على الأرض. (1) ، فلا تعارض الحديث المنصوص فيه على الأعضاء السّبعة، بل الاقتصار على ذكر الجبهة ، إمّا لكونها أشرف الأعضاء المذكورة ، أو أشهرها في تحصيل هذا الرّكن، فليس فيه ما ينفي الزّيادة التي في غيره.
وقال الكرمانيّ: إنّ العادة أنّ وضع الجبهة إنّما هو باستعانة الأعظم السّتّة غالباً. ولَم يُختلف في أنّ كشف الرّكبتين غير واجب لِمَا يحذر فيه من كشف العورة، وأمّا عدم وجوب كشف القدمين فلدليلٍ لطيف. وهو أنّ الشّارع وقّت المسح على الخفّ بمدّةٍ تقع فيها الصّلاة بالخفّ، فلو وجب كشف القدمين لوجب نزع الخفّ المقتضي لنقض الطّهارة فتبطل الصّلاة. انتهى.
وفيه نظرٌ. فللمخالف أن يقول: يخصّ لابس الخفّ لأجل الرّخصة.
وأمّا كشف اليدين. فأخرج البخاري معلَّقاً (2) ووصله عبد الرّزّاق عن هشام بن حسّان عن الحسن ، أنّ أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم كانوا يسجدون وأيديهم في ثيابهم ، ويسجد الرّجل منهم على قلنسوته
(1) متفق عليه ، وقد تقدَّم برقم (82)
(2)
في باب " السجود على الثوب في شدة الحر "
وعمامته. وهكذا رواه ابن أبي شيبة من طريق هشامٍ.
تكميلٌ: زاد الشيخان في هذا الحديث " ولا نكفت الثياب والشعر " والكفت بمثنّاةٍ في آخره هو الضّمّ ، وهو بمعنى الكفّ.
والمراد أنّه لا يجمع ثيابه ولا شعره، وظاهره يقتضي أنّ النّهي عنه في حال الصّلاة، وإليه جنح الدّاوديّ، وترجم البخاري " باب لا يكفّ ثوبه في الصّلاة " وهي تؤيّد ذلك.
وردّه عياض بأنّه خلاف ما عليه الجمهور، فإنّهم كرهوا ذلك للمصلي سواء فعله في الصّلاة أو قبل أن يدخل فيها.
واتّفقوا على أنّه لا يفسد الصّلاة، لكن حكى ابن المنذر عن الحسن وجوب الإعادة.
قيل: والحكمة في ذلك أنّه إذا رفع ثوبه وشعره عن مباشرة الأرض أشبه المتكبّر.
وقيل: إنَّ الشّعر يسجد مع الرّأس إذا لَم يكفّ أو يلفّ.
وجاء في حكمة النّهي عن ذلك: أنّ غرزة الشّعر يقعد فيها الشّيطان حالة الصّلاة. وفي سنن أبي داود بإسنادٍ جيّد ، أنّ أبا رافع رأى الحسن بن عليّ يُصلِّي قد غرز ضفيرته في قفاه فحلَّها ، وقال: سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: ذلك مقعد الشّيطان.