الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
الحديث الثالث والخمسون
102 -
عن أبي قتادة الأنصاريّ رضي الله عنه ، قال: كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يقرأ في الرّكعتين الأوليين من صلاة الظّهر بفاتحة الكتاب وسورتين ، يطوّل في الأولى ، ويقصّر في الثّانية ، ويسمع الآية أحياناً، وكان يقرأ في العصر بفاتحة الكتاب وسورتين ، يطوّل في الأولى ، ويقصّر في الثّانية ، وفي الرّكعتين الأخريين بأمّ الكتاب. وكان يطوّل في الرّكعة الأولى من صلاة الصّبح ، ويقصّر في الثّانية. (1)
قوله: (عن أبي قتادة) الحارث بن ربعي. تقدَّمت ترجمته. (2)
قوله: (الأوليين) بتحتانيّتين تثنية الأولى.
قوله: (صلاة الظّهر) فيه جواز تسمية الصّلاة بوقتها.
وفيه إثبات القراءة في الظهر والعصر وأنّها تكون سرّاً خلافاً لابن عبّاسٍ ، فكان يشكّ في ذلك تارةً وينفي القراءة أخرى وربّما أثبتها.
أمّا نفيه ، فرواه أبو داود وغيره من طريق عبد الله بن عبيد الله بن عبّاسٍ عن عمّه ، أنّهم دخلوا عليه ، فقالوا له: هل كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يقرأ في الظّهر والعصر؟ قال: لا. قيل: لعله كان يقرأ في نفسه؟ قال
(1) أخرجه البخاري (725 ، 728 ، 743 ، 745 ، 746) ومسلم (451) من طرق عن يحيى بن أبي كثير عن أبي سلمة عن أبي قتادة رضي الله عنه.
(2)
في كتاب الطهارة رقم (17).
: هذه شرٌّ من الأولى، كان عبداً مأموراً بلغ ما أمر به.
وأمّا شكّه ، فرواه أبو داود أيضاً والطّبريّ من رواية حصينٍ عن عكرمة عن ابن عبّاسٍ قال: ما أدري أكان رسول الله صلى الله عليه وسلم يقرأ في الظّهر والعصر أم لا.
وقد أثبت قراءته فيهما خبّابٌ (1) وأبو قتادة وغيرهما، فروايتهم مقدّمةٌ على من نفى، فضلاً على من شكّ. ولأنّ ابن عباس احتجّ بقوله تعالى (لقد كان لكم في رسول الله أسوةٌ حسنةٌ) فيقال له: قد ثبت أنّه قرأ فيلزمك أن تقرأ، والله أعلم
وقد جاء عن ابن عبّاسٍ إثبات ذلك أيضاً رواه أيّوب عن أبي العالية البرَّاء (2) قال: سألت ابن عبّاسٍ: أقرأُ في الظّهر والعصر؟ ، قال: هو إمامك اقرأ منه ما قل أو كثر. أخرجه ابن المنذر والطّحاويّ وغيرهما.
قوله: (وسورتين) أي: في كل ركعة سورة كما في رواية البخاري " يقرأ في الركعتين من الظهر والعصر بفاتحة الكتاب وسورة سورة ".
واستدل به على أنّ قراءة سورةٍ أفضل من قراءة قدرها من طويلةٍ ، قاله النّوويّ.
(1) أخرجه البخاري (746) عن أبي معمر، قال: قلنا لخبَّاب: أكان رسول الله صلى الله عليه وسلم يقرأ في الظهر والعصر؟ قال: نعم، قلنا: بِمَ كنتم تعرفون ذاك؟ قال: باضطراب لحيته.
(2)
هو بتشديد الراء، كان يبري النبل، واسمه زياد ، وقيل غير ذلك، وهو غير أبي العالية الرياحي، وقد اشتركا في الرواية عن ابن عباس. قاله ابن حجر في الفتح.
وزاد البغويّ: ولو قصرت السّورة عن المقروء، كأنّه مأخوذٌ من قوله كان يفعل؛ لأنّها تدلّ على الدّوام أو الغالب.
قوله: (يطوّل في الأولى ويقصّر في الثّانية) قال الشّيخ تقيّ الدّين: كان السّبب في ذلك أنّ النّشاط في الأولى يكون أكثر فناسب التّخفيف في الثّانية حذراً من الملل. انتهى.
وروى عبد الرّزّاق عن معمرٍ عن يحيى. في آخر هذا الحديث: فظننّا أنّه يريد بذلك أن يدرك النّاس الرّكعة، ولأبي داود وابن خزيمة نحوه من رواية أبي خالد عن سفيان عن معمرٍ.
واستدل به على استحباب تطويل الأولى على الثّانية ، وهو ظاهر الحديث المذكور في الباب ، وعن أبي حنيفة: يطوّل في أولى الصّبح خاصّةً.
وقال البيهقيّ في الجمع بين أحاديث المسألة: يطوّل في الأولى إن كان ينتظر أحداً ، وإلَاّ فليسوّ بين الأوليين.
وروى عبد الرّزّاق نحوه عن ابن جريجٍ عن عطاءٍ قال: إنّي لأحبّ أن يطوّل الإمام الأولى من كل صلاةٍ حتّى يكثر النّاس، فإذا صليت لنفسي فإنّي أحرص على أن أجعل الأوليين سواءً.
وذهب بعض الأئمّة إلى استحباب تطويل الأولى من الصّبح دائماً، وأمّا غيرها فإن كان يترجّى كثرة المأمومين ويبادر هو أوّل الوقت فينتظر وإلا فلا.
وذكر في حكمة اختصاص الصّبح بذلك ، أنّها تكون عقب النّوم
والرّاحة ، وفي ذلك الوقت يواطئ السّمع واللسان القلب لفراغه وعدم تمكّن الاشتغال بأمور المعاش وغيرها منه، والعلم عند الله.
وجمع الشيخ تقي الدين بين حديث أبي قتادة وبين حديث سعدٍ حيث قال: أَمُدُّ في الأوليين " (1) أنّ المراد تطويلهما على الأخريين لا التّسوية بينهما في الطّول.
وقال من استحبّ استواءهما: إنّما طالت الأولى بدعاء الافتتاح والتّعوّذ، وأمّا في القراءة فهما سواء.
ويدلّ عليه حديث أبي سعيد عند مسلم: كان يقرأ في الظّهر في الأوليين في كل ركعة قدر ثلاثين آية ، وفي روايةٍ لابن ماجه: أنّ الذين حزروا ذلك كانوا ثلاثين من الصّحابة.
وادّعى ابن حبّان. أنّ الأولى إنّما طالت على الثّانية بالزّيادة في التّرتيل فيها مع استواء المقروء فيهما ، وقد روى مسلم من حديث حفصة ، أنّه صلى الله عليه وسلم كان يرتّل السّورة حتّى تكون أطول من أطول منها.
واستدل به بعض الشّافعيّة على جواز تطويل الإمام في الرّكوع لأجل الدّاخل. (2)
قال القرطبيّ: ولا حجّة فيه؛ لأنّ الحكمة لا يعلل بها لخفائها أو
(1) أخرجه البخاري في " الصحيح "(770) ومسلم (453) عن جابر بن سمرة، قال: قال عمر لسعد: لقد شكوك (أي أهل الكوفة) في كل شيء حتى الصلاة، قال: أما أنا، فأمدُّ في الأوليين وأحذف في الأخريين، ولا آلو ما اقتديتُ به من صلاة رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: صدقت ذاك الظن بك أو ظني بك.
(2)
تقدَّم نقل الخلاف في هذه المسألة في شرح حديث رقم (94)
لعدم انضباطها؛ ولأنّه لَم يكن يدخل في الصّلاة يريد تقصير تلك الرّكعة ثمّ يطيلها لأجل الآتي، وإنّما كان يدخل فيها ليأتي بالصّلاة على سنّتها من تطويل الأولى، فافترق الأصل والفرع فامتنع الإلحاق. انتهى.
وقد ذكر البخاريّ في " جزء القراءة " كلاماً معناه: أنّه لَم يرد عن أحدٍ من السّلف في انتظار الدّاخل في الرّكوع شيء.
ولَم يقع في بعض روايات حديث أبي قتادة هذا ذكر القراءة في الأخريين، فتمسّك به بعض الحنفيّة على إسقاطها فيهما؛ لكنّه ثبت في حديثه من وجهٍ آخر كما في الصحيح.
قوله: (ويُسمع الآية أحياناً) في رواية لهما " ويسمعنا ". وللنّسائيّ من حديث البراء: كنّا نُصلِّي خلف النّبيّ صلى الله عليه وسلم الظّهر ، فنسمع منه الآية بعد الآية من سورة لقمان والذّاريات ، ولابن خزيمة من حديث أنس نحوه ، لكن قال: بسبّح اسم ربّك الأعلى ، وهل أتاك حديث الغاشية.
واستدل به على جواز الجهر في السّرّيّة ، وأنّه لا سجود على من فعل ذلك ، خلافاً لِمَن قال ذلك من الحنفيّة وغيرهم ، سواء قلنا كان يفعل ذلك عمداً لبيان الجواز ، أو بغير قصدٍ للاستغراق في التّدبّر.
وفيه حجّةٌ على من زعم أنّ الإسرار شرط لصحّة الصّلاة السّرّيّة. وقوله " أحياناً " يدلّ على تكرّر ذلك منه.
وقال ابن دقيق العيد: فيه دليل على جواز الاكتفاء بظاهر الحال في
الإخبار دون التّوقّف على اليقين؛ لأنّ الطّريق إلى العلم بقراءة السّورة في السّرّيّة لا يكون إلَاّ بسماع كلها، وإنّما يفيد يقين ذلك لو كان في الجهريّة، وكأنّه مأخوذٌ من سماع بعضها مع قيام القرينة على قراءة باقيها.
ويحتمل: أن يكون الرّسول صلى الله عليه وسلم كان يخبرهم عقب الصّلاة دائماً أو غالباً بقراءة السّورتين، وهو بعيدٌ جدّاً. والله أعلم.
قوله: (وفي الركعتين الأخريين بأمّ الكتاب) ولمسلم " بفاتحة الكتاب " يعني بغير زيادة ، وسكت عن ثالثة المغرب رعايةً للفظ الحديث مع أنَّ حكمها حكم الأخريين من الرباعية.
ويحتمل: أن يكون لَم يذكرها. لِما رواه مالك من طريق الصنابحي ، أنه سمع أبا بكر الصديق يقرأ فيها (ربنا لا تزغ قلوبنا .. الآية). وفيه التّنصيص على قراءة الفاتحة في كل ركعةٍ.
قال ابن خزيمة: قد كنت زماناً أحسب أنّ هذا اللفظ لَم يروه عن يحيى غير همّامٍ. وتابعه أبان (1) ، إلى أن رأيت الأوزاعيّ قد رواه أيضاً عن يحيى.
يعني أنّ أصحاب يحيى اقتصروا على قوله " كان يقرأ في الأوّليّين بأمّ الكتاب وسورةٍ " كما تقدّم عنه من طرقٍ ، وأنّ همّاماً زاد هذه
(1) رواية همَّام أخرجها الشيخان. وهي التي أوردها صاحب العمدة هنا. أمَّا متابعة أبان بن يزيد العطار فهي عند مسلم. والحديث أخرجه الشيخان من طرق أخرى عن يحيى بن أبي كثير. دون هذه الزيادة. كما أشار إليه الشارح. وإخراجُ الشيخين لها مما يُطمْئن لثبوتها.
الزّيادة ، وهي الاقتصار على الفاتحة في الأخريين ، فكان يخشى شذوذها إلى أن قويت عنده بمتابعة من ذُكر.
لكنّ أصحاب الأوزاعيّ لَم يتّفقوا على ذكرها كما أخرجه البخاري عن محمد بن يوسف حدثنا الأوزاعي به. دونها.