الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
الحديث الثاني والسبعون
121 -
عن أبي هريرة رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: لا يُصلِّي أحدكم في الثّوب الواحد ، ليس على عاتقيه منه شيءٌ. (1)
قوله: (لا يُصلِّي) قال ابن الأثير: كذا هو في الصّحيحين بإثبات الياء، ووجهه أنّ " لا " نافية، وهو خبر بمعنى النّهي.
قلت: ورواه الدّارقطنيّ في " غرائب مالك " من طريق الشّافعيّ عن مالك عن أبي الزناد عن الأعرج عن أبي هريرة بلفظ " لا يصلِّ " بغير ياء، ومن طريق عبد الوهّاب بن عطاء عن مالك بلفظ " لا يصلّين " بزيادة نون التّأكيد، ورواه الإسماعيليّ من طريق الثّوريّ عن أبي الزّناد بلفظ " نهى رسول الله صلى الله عليه وسلم ".
قوله: (ليس على عاتقيه شيء) كذا للبخاري ، وزاد مسلم من طريق ابن عيينة عن أبي الزّناد " منه شيء " أي بعضه، وفي رواية " عاتقه "(2) بالإفراد.
والعاتق هو ما بين المنكبين إلى أصل العنق، وهو مذكّر ، وحكي:
(1) أخرجه البخاري (352) ومسلم (516) من طريق أبي الزناد عن الأعرج عن أبي هريرة رضي الله عنه.
تنبيه: في كثير من نسخ العمدة (عاتقه) بالإفراد ، والصواب ما أثبتّه ، وهو الموافق لرواية الصحيحين.
(2)
رواية عاتقه بالإفراد. أخرجها الإمام أحمد (9980) والنسائي (769) والبيهقي في " الكبرى "(2/ 316) وغيرهم.
تأنيثه.
والمراد أنّه لا يتّزر في وسطه ويشدّ طرفي الثّوب في حقويه ، بل يتوشّح بهما على عاتقيه ليحصل السّتر لجزءٍ من أعالي البدن وإن كان ليس بعورةٍ، أو لكون ذلك أمكن في ستر العورة.
وللبخاري من طريق شيبان عن يحيى بن أبي كثير عن عكرمة عن أبي هريرة مرفوعاً " من صلَّى في ثوب واحد فليخالف بين طرفيه " ، وعند أحمد من طريق معمر عن يحيى فيه " فليخالف بين طرفيه على عاتقيه " ، وكذا للإسماعيليّ وأبي نعيمٍ من طريق حسين عن شيبان.
القول الأول: حمل الجمهور هذا الأمر على الاستحباب، والنّهي في الذي قبله على التّنزيه.
القول الثاني: عن أحمد. لا تصحّ صلاة من قدر على ذلك فترَكَه ، جعله من الشّرائط.
القول الثالث: وعن أحمد: تصحّ ويأثم ، جعله واجباً مستقبلاً.
وقال الكرمانيّ: ظاهر النّهي يقتضي التّحريم ، لكنّ الإجماع منعقد على جواز تركه.
كذا قال ، وغفل عمّا ذكره بعد قليل عن النّوويّ من حكاية ما نقلناه عن أحمد، وقد نقل ابن المنذر عن محمّد بن عليّ عدم الجواز، وكلام التّرمذيّ يدلّ على ثبوت الخلاف أيضاً.
وعقد الطّحاويّ له باباً في شرح المعاني ، ونقل المنع عن ابن عمر ثمّ عن طاوسٍ والنّخعيّ، ونقله غيره عن ابن وهب وابن جرير.
وجمع الطّحاويّ بين أحاديث الباب: بأنّ الأصل أن يُصلِّي مشتملاً فإن ضاق اتّزر
ونقل الشّيخ تقيّ الدّين السّبكيّ وجوب ذلك عن نصّ الشّافعيّ واختاره، لكنّ المعروف في كتب الشّافعيّة خلافه.
واستدل الخطّابيّ على عدم الوجوب: بأنّه صلى الله عليه وسلم صلَّى في ثوب كان أحد طرفيه على بعض نسائه وهي نائمة (1).
قال: ومعلوم أنّ الطّرف الذي هو لابسه من الثّوب غير متّسع لأن يتّزر به ، ويفضل منه ما كان لعاتقه.
وفيما قاله نظرٌ لا يخفى. والظّاهر من تصرّف البخاري التّفصيل بين ما إذا كان الثّوب واسعاً فيجب، وبين ما إذا كان ضيّقاً فلا يجب وضع شيء منه على العاتق، وهو اختيار ابن المنذر.
وبذلك تظهر مناسبة تعقيبه بباب إذا كان الثوب ضيقاً. (2)
(1) أخرجه مسلم في صحيحه (514) عن عائشة، قالت: كان النبي صلى الله عليه وسلم يُصلِّي من الليل وأنا إلى جنبه، وأنا حائض ، وعليَّ مرط وعليه بعضُه إلى جنبه.
(2)
بوَّب البخاري على حديث الباب بقوله (باب: إذا صلَّى في الثوب الواحد فليجعل على عاتقيه) ثم ذكر حديث الباب ، وكذا حديث أبي هريرة الآخر بلفظ: من صلَّى في ثوب واحد فليخالف بين طرفيه ". ثم قال البخاري (باب إذا كان الثوب ضيقاً) ثم روى عن سعيد بن الحارث، قال: سألنا جابر بن عبد الله عن الصلاة في الثوب الواحد؟ فقال: خرجت مع النبي صلى الله عليه وسلم في بعض أسفاره، فجئت ليلة لبعض أمري، فوجدته يصلي، وعليَّ ثوب واحد فاشتملتُ به وصليتُ إلى جانبه، فلمَّا انصرف قال: ما السرى يا جابر؟ فأخبرته بحاجتي، فلما فرغت. قال: ما هذا الاشتمال الذي رأيت؟، قلت: كان ثوب - يعني ضاق - قال: فإن كان واسعاً فالتحف به، وإن كان ضيقاً فاتزر به ".
وساق أيضاً حديث سهل بن سعد، قال: كان رجالٌ يصلون مع النبي صلى الله عليه وسلم عاقدي أزرهم على أعناقهم كهيئة الصبيان، ويقال للنساء: لا ترفعن رءوسكن حتى يستوي الرجال جلوساً.