الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
الحديث الرابع
53 -
عن أبي المنهال سيّار بن سلامة ، قال: دخلت أنا وأَبِي على أبي برزة الأسلميّ ، فقال له أَبِي: كيف كان النّبيّ صلى الله عليه وسلم يُصلِّي المكتوبة؟ فقال: كان يُصلِّي الهجير - التي تدعونها الأولى - حين تدحض الشّمس ، ويُصلِّي العصر ، ثمّ يرجع أحدنا إلى رَحْله في أقصى المدينة والشّمس حيّةٌ ، ونسيتُ ما قال في المغرب ، وكان يستحبُّ أنْ يؤخّر من العشاء التي تدعونها العتمة ، وكان يكره النّوم قبلها ، والحديث بعدها ، وكان ينفتل من صلاة الغداة حين يعرف الرّجل جليسه ، وكان يقرأ بالسّتّين إلى المائة. (1)
قوله: (دخلت أنا وأَبِي) زاد الإسماعيليّ " زمن أخرج ابن زيادٍ من البصرة ".
قلت: وكان ذلك في سنة أربعٍ وستّين، وسلامة والد سيّارٍ حكى عنه ولده هنا ، ولَم أجد من ترجمه، وقد وقعتْ لابنه عنه روايةٌ في الطّبرانيّ الكبير. في ذكر الحوض.
قوله: (على أبي برزة الأسلمي) اسمه نضلة بن عبيد. (2)
(1) أخرجه البخاري (516 ، 522 ، 543 ، 574 ، 737) ومسلم (461 ، 647) من طرق عن أبي المنهال عن أبي برزة رضي الله عنه به.
(2)
وهو قول الأكثر. قال أحمد بن سيار المروزي: نزل مرو. ومات بها ، ودفن في مقبرة كلاباذ وولده بمرو. وقيل: مات بالبصرة. وقيل: مات بمفازة سجستان وهراة. قال أبو عمر: وكان إسلامه قديماً ، وشهد فتح خيبر وفتح مكة وحنيناً.
وقال ابن سعد: كان من ساكني المدينة ثم نزل البصرة وغزا خراسان. وقال غيره: شهد مع علي قتل الخوراج بالنهروان وغزا خراسان بعد ذلك. ويقال إنه شهد صفين والنهروان مع عليٍّ. روى ذلك من طريق ثعلبة بن أبي برزة عن أبيه. وقال خليفة: مات بخراسان سنة 64 بعد ما أخرجه ابن زياد من البصرة. وقال غيره: مات في خلافة معاوية.
قلت: وجزم الحاكم أبو أحمد بالأول.
وقال ابن حبان: قيل إنه بقي إلى خلافة عبد الملك. وبه جزم البخاري في " التاريخ الأوسط " في فصل من مات بين الستين إلى السبعين.
قلت: ويؤيده ما جزم به محمد بن قدامة وغيره أنه مات في سنة 65 وكانت ولايةَ عبد الملك ، فإنَّ يزيد مات في أوائل سنة أربع. وولي ابنه معاوية أياماً يسيرة ثم قامت الفتنة إلى أن استقلَّ ابن الزبير بالحجاز والعراق وخراسان ومروان بالشام. ثم توجَّه إلى مصر فغلب عليها وعاش قليلاً. ومات في رمضان منها.
وقد أخرج البخاري في صحيحه ، أنه عاب على مروان وابن الزبير والقراء بالبصرة لَمَّا وقع الاختلاف بعد موت يزيد بن معاوية. فقال في قصة ذكرها حاصلها ، أنَّ الجميع إنما يقاتلون على الدنيا ، وفي صحيح البخاري ، أنه شهد قتال الخوارج بالأهواز. زاد الإسماعيلي في مستخرجه مع المهلب بن أبي صفرة. انتهى. كان ذلك في ولاية بشر بن مروان على البصرة من قِبل أخيه عبد الملك. قاله في الاصابة (6/ 431) بتجوز.
قوله: (المكتوبة) أي: المفروضة، واستدل به على أنّ الوتر ليس من المكتوبة لكون أبي برزة لَم يذكره ، وفيه بحثٌ.
قوله: (كان يُصلِّي الهجير) أي: صلاة الهجير، والهجير والهاجرة بمعنىً، وهو وقت شدّة الحرّ، وسمّيت الظّهر بذلك ، لأنّ وقتها يدخل حينئذٍ.
قوله: (تدعونها الأولى) قيل: سُمّيت الأولى لأنّها أوّل صلاة النّهار.
وقيل: لأنّها أوّل صلاةٍ صلاها جبريل بالنّبيّ صلى الله عليه وسلم حين بيّن له
الصّلوات الخمس
قال ابن إسحاق: حدّثني عتبة بن مسلم عن نافع بن جبير ، وقال عبد الرّزّاق عن ابن جريجٍ قال: قال نافع بن جبير وغيره: لَمّا أصبح النّبيّ صلى الله عليه وسلم من الليلة التي أسري به ، لَم يرعه إلَاّ جبريل نزل حين زاغت الشّمس، ولذلك سُمّيت الأولى. أي: صلاة الظّهر، فأمر فصيح بأصحابه: الصّلاة جامعة، فاجتمعوا، فصلَّى به جبريل ، وصلَّى النّبيّ صلى الله عليه وسلم بالنّاس. فذكر الحديث
قوله: (حين تدحض الشّمس) أي: تزول عن وسط السّماء مأخوذٌ من الدّحض وهو الزّلق، وفي روايةٍ لمسلمٍ " حين تزول الشّمس " ومقتضى ذلك أنّه كان يُصلِّي الظّهر في أوّل وقتها.
ولا يخالف ذلك الأمر بالإبراد لاحتمال أن يكون ذلك في زمن البرد أو قبل الأمر بالإبراد أو عند فقد شروط الإبراد ، لأنّه يختصّ بشدّة الحرّ، أو لبيان الجواز.
وقد يتمسّك بظاهره مَن قال: إنّ فضيلة أوّل الوقت لا تحصل إلَاّ بتقديم ما يمكن تقديمه من طهارةٍ وسترٍ وغيرهما قبل دخول الوقت، ولكنّ الذي يظهر أنّ المراد بالحديث التّقريب. فتحصل الفضيلة لمن لَم يتشاغل عند دخول الوقت بغير أسباب الصّلاة.
قوله: (ويُصلِّي العصر ، ثم يرجع أحدنا إلى رحله) بفتح الرّاء وسكون المهملة، أي: مسكنه.
قوله: (في أقصى المدينة) صفةٌ للرّحل. وللبخاري " وأحدنا
يذهب إلى أقصى المدينة ، رجع والشّمس حيّةٌ " كذا وقع في رواية أبي ذرٍّ (1) والأصيليّ (2)، وفي رواية غيرهما " ويرجع " بزيادة واوٍ وبصيغة المضارعة عليها شرح الخطّابيّ.
وظاهره حصول الذّهاب إلى أقصى المدينة والرّجوع من ثَمّ إلى المسجد، لكن في رواية عوف عن سيار عند البخاري " ثمّ يرجع أحدنا إلى رحله في أقصى المدينة والشّمس حيّةٌ " فليس فيه إلَاّ الذّهاب فقط دون الرّجوع.
وطريق الجمع بينها وبين تلك الرواية أن يقال: يحتمل أنّ الواو في قوله " وأحدنا " بمعنى " ثمّ " على قول مَن قال: إنّها ترد للتّرتيب مثل ثمّ، وفيه تقديمٌ وتأخيرٌ، والتّقدير ، ثمّ يذهب أحدنا. أي: ممّن صلَّى معه.
وأمّا قوله: " رجع ".
فيحتمل: أن يكون بمعنى يرجع ويكون بياناً لقوله يذهب.
ويحتمل: أن يكون رجع في موضع الحال. أي: يذهب راجعاً.
ويحتمل: أنّ أداة الشّرط سقطت إمّا لو أو إذا، والتّقدير. ولو يذهب أحدنا .. إلخ.
وجوّز الكرمانيّ (3). أن يكون " رجع " خبراً للمبتدأ الذي هو
(1) هو عبد بن أحمد الهروي ، سبق ترجمته (1/ 114)
(2)
هو عبدالله بن ابراهيم ، سبق ترجمته (1/ 114)
(3)
هو محمد بن يوسف ، سبق ترجمته (1/ 18)
أحدنا " ويذهب " جملةٌ حاليّةٌ - وهو وإن كان محتملاً من جهة اللفظ - لكنّه يغاير رواية عوفٍ، وقد رواه أحمد عن حجّاج بن محمّدٍ عن شعبة بلفظ " والعصر يرجع الرّجل إلى أقصى المدينة والشّمس حيّةٌ ".
ولمسلمٍ والنّسائيّ من طريق خالد بن الحارث عن شعبة مثله لكن بلفظ " يذهب " بدل يرجع.
وقال الكرمانيّ أيضاً بعد أن حكى احتمالاً آخر: وهو أي: قوله " رجع " عطفٌ على يذهب ، والواو مقدّرةٌ ، ورجع بمعنى يرجع. انتهى.
وهذا الاحتمال الأخير جزم به ابن بطّالٍ، وهو موافقٌ للرّواية التي حكيناها.
ويؤيّد ذلك رواية أبي داود عن حفص بن عمر - شيخ البخاري فيه - بلفظ " وإنّ أحدنا ليذهب إلى أقصى المدينة ويرجع والشّمس حيّةٌ ".
وقد قدّمنا ما يرد عليها ، وأنّ رواية عوفٍ أوضحت أنّ المراد بالرّجوع الذّهاب. أي: من المسجد، وإنّما سُمِّي رجوعاً لأنّ ابتداء المجيء كان من المنزل إلى المسجد فكان الذّهاب منه إلى المنزل رجوعاً.
قوله: (والشّمس حيّةٌ) أي: بيضاء نقيّةٌ.
قال الزين بن المنير (1): المراد بحياتها قوّة أثرها حرارةً ولوناً
(1) علي بن محمد الاسكندراني. وانظر ترجمته هو وأخوه أحمد في ص (376).
وشعاعاً وإنارةً، وذلك لا يكون بعد مصير الظّل مثلي الشّيء. انتهى.
وفي سنن أبي داود بإسنادٍ صحيحٍ عن خيثمة - أحد التّابعين - قال: حياتها أن تجد حرّها.
فائدة: أول وقت العصر هو مصيرُ ظلِّ كلِّ شيءٍ مثله ، وقد أخرج مسلم عدة أحاديث مصرِّحة بالمقصود (1). ولم يُنقل عن أحدٍ من أهل العلم مخالفةٌ في ذلك، إلَاّ عن أبي حنيفة، فالمشهور عنه أنه قال: أول وقت العصر مصير ظل كل شيء مثليه. بالتثنية.
قال القرطبي: خالفه الناس كلهم في ذلك حتى أصحابه - يعني الآخذين عنه - وإلَاّ فقد انتصر له جماعة ممن جاء بعدهم. فقالوا: ثبت الأمر بالإبراد ، ولا يحصل إلَاّ بعد ذهاب اشتداد الحر، ولا يذهب في تلك البلاد إلا بعد أن يصير ظل الشيء مثليه، فيكون أول وقت العصر مصير الظل مثليه، وحكاية مثل هذا تغني عن رده.
قوله: (ونسيت ما قال في المغرب) قائل ذلك هو سيّارٌ، بيّنه أحمد في روايته عن حجّاجٍ عن شعبة عنه.
قوله: (وكان يستحب أن يؤخّر من العشاء) أي: من وقت العشاء.
(1) منها ما رواه في " صحيحه "(612) عن عبدالله بن عمرو ، أنَّ رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: وقْت الظهر إذا زالت الشمس. وكان ظلُ الرجلِ كطولِه ما لم يحضر العصر ، ووقت العصر ما لم تصفرّ الشمس. الحديث. وفي رواية " إذا صلَّيتم الظهر فإنه وقت إلى أنْ يحضر العصر "
قال ابن دقيق العيد: فيه دليلٌ على استحباب التّأخير قليلاً لأنّ التّبعيض يدلّ عليه.
وتعقّب: بأنّه بعضٌ مطلقٌ لا دلالة فيه على قلةٍ ولا كثرةٍ، وتقدم من حديث جابرٍ ، أنّ التّأخير إنّما كان لانتظار من يجيء لشهود الجماعة.
قوله: (التي تدعونها العتمة) وللبخاري عن ابن عمر قال: صلَّى لنا رسول الله صلى الله عليه وسلم ليلةً صلاة العشاء، وهي التي يدعو النّاس العتمة، ثمّ انصرف .. الحديث
وفي كلّ ذلك إشعارٌ بغلبة استعمالهم لها بهذا الاسم، فصار من عرف النّهي عن ذلك يحتاج إلى ذكره لقصد التّعريف.
وأخرج مسلم من طريق أبي سلمة بن عبد الرّحمن عن ابن عمر بلفظ: لا تغلبنّكم الأعراب على اسم صلاتكم فإنّها في كتاب الله العشاء، وأنّهم يعتمون بحلاب الإبل، ولابن ماجه نحوه من حديث أبي هريرة. وإسناده حسن، ولأبي يعلى والبيهقيّ من حديث عبد الرّحمن بن عوف كذلك.
زاد الشّافعيّ في روايته في حديث ابن عمر: وكان ابن عمر إذا سمعهم يقولون العتمة. صاح وغضب.
وأخرج عبد الرّزّاق هذا الموقوف من وجه آخر عن ابن عمر.
واختلف السّلف في ذلك:
القول الأول: منهم من كرهه كابن عمر راوي الحديث.
القول الثاني: منهم من أطلق جوازه، نقله ابن أبي شيبة عن أبي بكر الصّدّيق وغيره.
القول الثالث: منهم من جعله خلاف الأولى. وهو الرّاجح، واختاره البخاري، وكذلك نقله ابن المنذر عن مالك والشّافعيّ واختاره.
ونقل القرطبيّ عن غيره: إنّما نهى عن ذلك تنزيهاً لهذه العبادة الشّرعيّة الدّينيّة عن أن يطلق عليها ما هو اسم لفعلةٍ دنيويّة ، وهي الْحَلْبة التي كانوا يجلبونها في ذلك الوقت ، ويسمّونها العتمة.
قلت: وذكر بعضهم أنّ تلك الحَلْبة إنّما كانوا يعتمدونها في زمان الجدب خوفاً من السّؤال والصّعاليك، فعلى هذا فهي فعلةٌ دنيويّة مكروهة لا تطلق على فعلةٍ دينيّة محبوبة، ومعنى العتم في الأصل تأخير مخصوص.
وقال الطّبريّ: العتمة بقيّة اللبن تغبق بها النّاقة بعد هوىً من الليل، فسمّيت الصّلاة بذلك لأنّهم كانوا يصلّونها في تلك السّاعة.
وروى ابن أبي شيبة من طريق ميمون بن مهران قال: قلت لابن عمر: مَن أوّل من سمّى صلاة العشاء العتمة؟ قال: الشّيطان
وفي الصحيحين عن أبي هريرة ، أنَّ النبي صلى الله عليه وسلم قال: ولو يعلمون ما في العتمة والصّبح لأتوهما ولو حبواً. حاصله ثبوت تسمية هذه الصّلاة تارةً عتمة وتارةً عشاء.
وأمّا الأحاديث التي لا تسمية فيها ، بل فيها إطلاق الفعل كقول
عائشة وابن عباس وغيرهما: أعتم النّبيّ صلى الله عليه وسلم .. " (1) فتفيد إلى أنّ النّهي عن ذلك إنّما هو لإطلاق الاسم، لا لمنع تأخير هذه الصّلاة عن أوّل الوقت.
قال النّوويّ وغيره: يجمع بين النّهي عن تسميتها عتمة ، وبين ما جاء من تسميتها عتمة بأمرين:
أحدهما: أنّه استعمل ذلك لبيان الجواز ، وأنّ النّهي للتّنزيه لا للتّحريم.
الثّاني: بأنّه خاطب بالعتمة من لا يعرف العشاء لكونه أشهر عندهم من العشاء، فهو لقصد التّعريف لا لقصد التّسمية.
ويحتمل: أنّه استعمل لفظ العتمة في العشاء ، لأنّه كان مشتهراً عندهم استعمال لفظ العشاء للمغرب، فلو قال: لو يعلمون ما في الصّبح والعشاء، لتوهّموا أنّها المغرب.
قلت: وهذا ضعيف ، لأنّه قد ثبت في نفس هذا الحديث " لو يعلمون ما في الصّبح والعشاء " فالظّاهر أنّ التّعبير بالعشاء تارةً وبالعتمة تارةً من تصرّف الرّواة.
وقيل: إنّ النّهي عن تسمية العشاء عتمة نسخ الجواز.
وتعقّب: بأنّ نزول الآية كان قبل الحديث المذكور، وفي كلٍّ من القولين نظرٌ للاحتياج في مثل ذلك إلى التّاريخ، ولا بُعد في أنّ ذلك
(1) حديث ابن عباس رضي الله عنه متفق عليه ، وسيأتي رقم (56). وكذا اتفق الشيخان على حديث عائشة.
كان جائزاً، فلمّا كثر إطلاقهم له نهوا عنه ، لئلا تغلب السّنّة الجاهليّة على السّنّة الإسلاميّة، ومع ذلك فلا يحرم ذلك بدليل أنّ الصّحابة الذين رووا النّهي استعملوا التّسمية المذكورة ، وأمّا استعمالها في مثل حديث أبي هريرة فلرفع الالتباس بالمغرب، والله أعلم.
وقال الطِّيبي (1): لعل تقييده الظّهر والعشاء دون غيرهما للاهتمام بأمرهما، فتسمية الظّهر بالأولى يشعر بتقديمها، وتسمية العشاء بالعتمة يشعر بتأخيرها.
قوله: (وكان يكره النّوم قبلها) قال التّرمذيّ: كره أكثر أهل العلم النّوم قبل صلاة العشاء، ورخّص بعضهم فيه في رمضان خاصّةً. انتهى.
ومن نُقلت عنه الرّخصة قُيّدت عنه في أكثر الرّوايات بما إذا كان له من يوقظه ، أو عرف من عادته أنّه لا يستغرق وقت الاختيار بالنّوم، وهذا جيّدٌ حيث قلنا إنّ عِلَّة النّهي خشية خروج الوقت.
وحمل الطّحاويّ الرّخصة على ما قبل دخول وقت العشاء، والكراهة على ما بعد دخوله.
قوله: (والحديث بعدها) أي: المحادثة والسّمر بعدها قد يؤدّي إلى النّوم عن الصّبح أو عن وقتها المختار أو عن قيام الليل، وكان عمر بن الخطّاب يضرب النّاس على ذلك ، ويقول: أسمراً أوّل الليل
(1) هو الحسن بن محمد ، سبق ترجمته (1/ 23)
ونوماً آخره؟ (1).
وإذا تقرّر أنّ عِلَّة النّهي ذلك. فقد يُفرّق فارقٌ بين الليالي الطّوال والقصار، ويمكن أن تحمل الكراهة على الإطلاق حسماً للمادّة، لأنّ الشّيء إذا شرع لكونه مظنّةً قد يستمرّ فيصير مئنّةً، والله أعلم.
وهذه الكراهة مخصوصة بما إذا لَم يكن في أمر مطلوب ، كالسمر في الفقه والخير ، وقد روى التّرمذيّ من حديث عمر محسّناً ، أنّ النّبيّ صلى الله عليه وسلم كان يسمر هو وأبو بكرٍ في الأمر من أمور المسلمين ، وأنا معهما.
أو في أمر مباح ، كالسمر مع الضيف والأهل.
قوله: (وكان ينفتل) أي: ينصرف من الصّلاة، أو يلتفت إلى المأمومين.
قوله: (من صلاة الغداة) أي: الصّبح، وفيه أنّه لا كراهة في تسمية الصّبح بذلك.
قوله: (حين يعرف الرّجل جليسه) أي: الذي بجنبه، ففي رواية الجوزقيّ من طريق وهب بن جريرٍ عن شعبة " فينظر الرّجل إلى جليسه إلى جنبه فيعرف وجهه " ولأحمد " فينصرف الرّجل فيعرف وجه جليسه ".
وفي روايةٍ لمسلمٍ " فينظر إلى وجه جليسه الذي يعرف فيعرفه ".
(1) أخرجه ابن أبي شيبة في " المصنف "(6681) وعبد الرزاق (2134) عن خرشة بن الحر الفزاري قال: رأى عمر بن الخطاب قوماً سمروا بعد العشاء ، ففرَّق بينهم بالدِّرة ، فقال: فذكره.
وله في أخرى " وننصرف حين يعرف بعضنا وجه بعضٍ "
واستدل بذلك على التّعجيل بصلاة الصّبح ، لأنّ ابتداء معرفة الإنسان وجه جليسه يكون في أواخر الغلس، وقد صحّ بأنّ ذلك كان عند فراغ الصّلاة. ومن المعلوم من عادته صلى الله عليه وسلم ترتيل القراءة وتعديل الأركان، فمقتضى ذلك أنّه كان يدخل فيها مغلساً.
وادّعى الزين بن المنير. أنّه مخالفٌ لحديث عائشة المتقدم حيث قالت فيه: لا يُعرفن من الغلس.
وتعقّب: بأنّ الفرق بينهما ظاهرٌ، وهو أنّ حديث أبي برزة متعلقٌ بمعرفة من هو مسفرٌ جالسٌ إلى جنب المُصلِّي فهو ممكنٌ، وحديث عائشة متعلقٌ بمن هو متلفّفٌ مع أنّه على بعدٍ فهو بعيدٌ.
قوله: (ويقرأ) أي: في الصّبح
قوله: (بالسّتّين إلى المائة) يعني من الآي. وقدّرها في رواية الطّبرانيّ " بسورة الحاقّة ونحوها " ، وفي رواية لهما بلفظ " ما بين السّتّين إلى المائة ".
وأشار الكرمانيّ: أنّ القياس أن يقول ما بين السّتّين والمائة ، لأنّ لفظ " بين " يقتضي الدّخول على متعدّدٍ.
قال: ويحتمل أن يكون التّقدير: ويقرأ ما بين السّتّين وفوقها إلى المائة، فحذف لفظ فوقها لدلالة الكلام عليه.
وللبخاري " وكان يقرأ في الرّكعتين أو إحداهما ما بين السّتّين إلى المائة " أي: من الآيات، وهذه الزّيادة تفرّد بها شعبة عن أبي المنهال.
والشّكّ فيه منه، وقد تقدّم عن رواية الطّبرانيّ تقديرها " بالحاقّة ونحوها ".
فعلى تقدير أن يكون ذلك في كل الرّكعتين ، فهو منطبقٌ على حديث ابن عبّاسٍ. في قراءته في صبح الجمعة تنزيل السّجدة ، وهل أتى (1).
وعلى تقدير أن يكون في كل ركعةٍ فهو منطبقٌ على حديث جابر بن سمرة في قراءاته في الصّبح بـ " ق " أخرجه مسلمٌ، وفي روايةٍ له بـ " الصّافّات " وفي أخرى عند الحاكم بـ " الواقعة ".
وفي السّياق تأدّب الصّغير مع الكبير، ومسارعة المسئول بالجواب إذا كان عارفاً به.