الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
الحديث الرابع والثلاثون
83 -
عن أبي هريرة رضي الله عنه ، أنّ رسول الله صلى الله عليه وسلم ، قال: إذا أمّن الإمام فأمّنوا ، فإنّه من وافق تأمينُه تأمينَ الملائكة ، غُفر له ما تقدّم من ذنبه. (1)
قوله: (إذا أمَّن الإمام فأمّنوا) ظاهرٌ في أنّ الإمام يؤمّن.
وقيل: معناه إذا دعا، والمراد دعاء الفاتحة من قوله:(اهدنا) إلى آخره بناءً على أنّ التّأمين دعاءٌ.
وقيل: معناه إذا بلغ إلى موضعٍ استدعى التّأمين ، وهو قوله:(ولا الضّالين)
ويردُّ ذلك التّصريح بالمراد في حديث الباب.
واستدل به على مشروعيّة التّأمين للإمام.
قيل: وفيه نظرٌ ، لكونها قضيّةً شرطيّةً.
وأجيب: بأنّ التّعبير بإذا يشعر بتحقيق الوقوع.
وخالف مالكٌ في إحدى الرّوايتين عنه ، وهي رواية ابن القاسم. فقال: لا يؤمّن الإمام في الجهريّة، وفي روايةٍ عنه: لا يؤمّن مطلقاً.
وأجاب عن حديث ابن شهابٍ هذا: بأنّه لَم يره في حديثٍ غيره.
وهي عِلَّة غير قادحةٍ فإنّ ابن شهابٍ إمامٌ لا يضرّه التّفرّد، مع ما
(1) أخرجه البخاري (747 ، 6039) ومسلم (410) من طرق الزهري عن ابن المسيب وأبي سلمة كلاهما عن أبي هريرة به.
وأخرجه البخاري (748) ومسلم (410) من طرق أخرى عن أبي هريرة به.
سيُذكر قريباً أنّ ذلك جاء في حديثٍ غيره.
ورجّح بعض المالكيّة كون الإمام لا يُؤمّن من حيث المعنى: بأنّه داعٍ فناسب أن يختصّ المأموم بالتّأمين، وهذا يجيء على قولهم إنّه لا قراءة على المأموم، وأمّا من أوجبها عليه فله أن يقول: كما اشتركا في القراءة فينبغي أن يشتركا في التّأمين.
ومنهم: من أوّل قوله " إذا أمّن الإمام " فقال: معناه دعا، قال: وتسمية الدّاعي مؤمّناً سائغةٌ لأنّ الْمُؤمِّن يُسمّى داعياً كما جاء في قوله تعالى (قد أجيبت دعوتكما) ، وكان موسى داعياً وهارون مُؤمِّناً كما رواه ابن مردويه من حديث أنسٍ.
وتعقّب: بعدم الملازمة فلا يلزم من تسمية المؤمّن داعياً عكسه. قاله ابن عبد البرّ. على أنّ الحديث في الأصل لَم يصحّ، ولو صحّ فإطلاق كون هارون داعياً إنّما هو للتّغليب.
وقال بعضهم: معنى قوله " إذا أمّن " بلغ موضع التّأمين. كما يقال: أنجد إذا بلغ نجداً. وإن لَم يدخلها.
قال ابن العربيّ: هذا بعيدٌ لغةً وشرعاً.
وقال ابن دقيق العيد: وهذا مجازٌ، فإن وجد دليلٌ يرجّحه عمل به. وإلاّ فالأصل عدمه.
قلت: استدلّوا له برواية أبي صالحٍ عن أبي هريرة في الصحيحين بلفظ " إذا قال الإمام ولا الضّالين فقولوا: آمين ".
قالوا: فالجمع بين الرّوايتين يقتضي حمل قوله " إذا أمّن " على
المجاز.
وأجاب الجمهور - على تسليم المجاز المذكور -: بأنّ المراد بقوله إذا أمّن ، أي: أراد التّأمين ليتوافق تأمين الإمام والمأموم معاً، ولا يلزم من ذلك أن لا يقولها الإمام، وقد ورد التّصريح بأنّ الإمام يقولها. وذلك في روايةٍ.
ويدلّ على خلاف تأويلهم رواية معمرٍ عن ابن شهابٍ عن ابن المسيب عن أبي هريرة في هذا الحديث بلفظ " إذا قال الإمام (ولا الضّالين) فقالوا: آمين ، فإنّ الملائكة تقول: آمين ، وإنّ الإمام يقول: آمين الحديث.
أخرجه أبو داود (1) والنّسائيّ والسّرّاج. وهو صريحٌ في كون الإمام يؤمّن.
وقيل في الجمع بينهما: المراد بقوله " إذا قال ولا الضّالين فقولوا: آمين " أي: ولو لَم يقل الإمام آمين.
وقيل: يؤخذ من الخبرين تخيير المأموم في قولها مع الإمام أو بعده. قاله الطّبريّ.
وقيل: الأوّل لمن قرُب من الإمام ، والثّاني لمن تباعد عنه، لأنّ جهر الإمام بالتّأمين أخفض من جهره بالقراءة، فقد يسمع قراءته من لا يسمع تأمينه، فمن سمع تأمينه أمّن معه، وإلا يؤمّن إذا سمعه
(1) لَم أجده في سنن أبي داود ، وهو في سنن النسائي رقم (927) والسراج (417) والدارمي (1282) وغيرهم
يقول ولا الضّالين ، لأنّه وقت تأمينه. قاله الخطّابيّ.
وهذه الوجوه كلّها محتملةٌ. وليست بدون الوجه الذي ذكروه، وقد ردّه ابن شهابٍ بقوله: وكان رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: آمين. (1) كأنّه استشعر التّأويل المذكور فبيّن أنّ المراد بقوله " إذا أمّن " حقيقة التّأمين.
وهو - وإن كان مرسلاً - فقد اعتضد بصنيع أبي هريرة ، فأخرج النّسائيّ وابن خزيمة والسّرّاج وابن حبّان وغيرهم من طريق سعيد بن أبي هلالٍ عن نعيمٍ الْمُجمر قال: صليت وراء أبي هريرة فقرأ بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ، ثمّ قرأ بأمّ القرآن حتّى بلغ ولا الضّالين ، فقال: آمين ، وقال النّاس: آمين، ويقول كلَّما سجد: الله أكبر، وإذا قام من الجلوس في الاثنتين ، قال: الله أكبر، ويقول إذا سلم: والذي نفسي بيده إنّي لأشبهكم صلاةً برسول الله صلى الله عليه وسلم.
وإذا ترجّح أنّ الإمام يؤمّن. فيجهر به في الجهريّة. وهو قول الجمهور.
خلافاً للكوفيين. ورواية عن مالكٍ ، فقال: يسرّ به مطلقاً.
ووجه الدّلالة من الحديث. أنّه لو لَم يكن التّأمين مسموعاً للمأموم
(1) قول ابن شهابٍ هذا. أورده البخاري عقب حديث أبي هريرة حديث الباب.
قال الحافظ في " الفتح "(2/ 265): هو متّصلٌ إليه برواية مالكٍ عنه، وأخطأ من زعم أنّه معلّقٌ. ثمّ هو من مراسيل ابن شهابٍ، وقد ذكرنا وجه اعتضاده. وروي عنه موصولاً. أخرجه الدّارقطنيّ في الغرائب والعلل من طريق حفص بن عمر العدنيّ عن مالكٍ عنه. وقال الدّارقطنيّ: تفرّد به حفص بن عمر وهو ضعيفٌ. انتهى
لَم يعلم به ، وقد علَّق تأمينه بتأمينه.
وأجابوا: بأنّ موضعه معلومٌ فلا يستلزم الجهر به.
وفيه نظرٌ: لاحتمال أن يخل به فلا يستلزم علم المأموم به، وقد روى روح بن عبادة عن مالكٍ في هذا الحديث ، قال ابن شهابٍ: وكان رسول الله صلى الله عليه وسلم إذا قال: ولا الضّالين جهر بآمين. أخرجه السّرّاج.
ولابن حبّان من رواية الزّبيديّ في حديث الباب عن ابن شهابٍ: كان إذا فرغ من قراءة أمّ القرآن رفع صوته ، وقال: آمين. وللحميديّ من طريق سعيدٍ المقبريّ عن أبي هريرة نحوه بلفظ: إذا قال ولا الضّالين.
ولأبي داود من طريق أبي عبد الله - ابن عمّ أبي هريرة - عن أبي هريرة مثله. وزاد " حتّى يسمع من يليه من الصّفّ الأوّل " ، ولأبي داود وصحَّحه ابن حبّان من حديث وائل بن حجرٍ. نحو رواية الزّبيديّ.
وفيه ردٌّ على من أومأ إلى النّسخ ، فقال: إنّما كان صلى الله عليه وسلم يجهر بالتّأمين في ابتداء الإسلام ليعلمهم ، فإنّ وائل بن حجرٍ إنّما أسلم في أواخر الأمر.
قوله: (فأمِّنوا) استدل به على تأخير تأمين المأموم عن تأمين الإمام ، لأنّه رتّب عليه بالفاء، لكن تقدّم في الجمع بين الرّوايتين أنّ المراد المقارنة. وبذلك قال الجمهور.
وقال الشّيخ أبو محمّدٍ الجوينيّ: لا تستحبّ مقارنة الإمام في شيءٍ من الصّلاة غيره.
قال إمام الحرمين: يمكن تعليله بأنّ التّأمين لقراءة الإمام لا لتأمينه، فلذلك لا يتأخّر عنه وهو واضحٌ.
القول الأول. أنّ هذا الأمر عند الجمهور للنّدب.
القول الثاني: حكى ابن بزيزة عن بعض أهل العلم وجوبه على المأموم عملاً بظاهر الأمر، قال: وأوجبه الظّاهريّة على كل مصلٍّ ، ثمّ في مطلق أمر المأموم بالتّأمين أنّه يؤمّن ولو كان مشتغلاً بقراءة الفاتحة، وبه قال أكثر الشّافعيّة
ثمّ اختلفوا هل تنقطع بذلك الموالاة؟.
على وجهين: أصحّهما. لا تنقطع ، لأنّه مأمورٌ بذلك لمصلحة الصّلاة، بخلاف الأمر الذي لا يتعلق بها كالحمد للعاطس (1) والله أعلم.
قوله: (فإنّه من وافق) زاد يونس عن ابن شهابٍ عند مسلمٍ " فإنّ الملائكة تؤمّن " قَبْل قوله " فمن وافق " وكذا لابن عيينة عن ابن شهابٍ عند البخاري.
وهو دالٌّ على أنّ المراد الموافقة في القول والزّمان، خلافاً لِمَن قال المراد الموافقة في الإخلاص والخشوع كابن حبّان ، فإنّه لَمّا ذكر الحديث
(1) قال الشيخ ابن باز (2/ 343): الصواب أنَّ تأمين الإمام وحمده إذا عطس لا يقطع عليه قراءته. لكونه شيئاً يسيراً مشروعاً.
قال: يريد موافقة الملائكة في الإخلاص بغير إعجابٍ، وكذا جنح إليه غيره فقال نحو ذلك من الصّفات المحمودة، أو في إجابة الدّعاء، أو في الدّعاء بالطّاعة خاصّةً، أو المراد بتأمين الملائكة استغفارهم للمؤمنين.
وقال ابن المنير: الحكمة في إيثار الموافقة في القول والزّمان أن يكون المأموم على يقظةٍ للإتيان بالوظيفة في محلها، لأنّ الملائكة لا غفلة عندهم، فمن وافقهم كان متيقّظاً.
ثمّ إنّ ظاهره أنّ المراد الملائكة جميعهم، واختاره ابن بزيزة. وقيل: الحفظة منهم، وقيل: الذين يتعاقبون منهم إذا قلنا إنّهم غير الحفظة.
والذي يظهر أنّ المراد بهم من يشهد تلك الصّلاة من الملائكة ممّن في الأرض أو في السّماء ، وللبخاري في رواية الأعرج " وقالت الملائكة في السّماء: آمين " ، وفي رواية محمّد بن عمرٍو عن أبي سلمة عن أبي هريرة عند البخاري مُعلَّقاً ووصلها أحمد والدارمي وابن خزيمة " فوافق ذلك قول أهل السّماء ". ونحوها لسهيلٍ عن أبيه عند مسلمٍ.
وروى عبد الرّزّاق عن عكرمة قال: صفوف أهل الأرض على صفوف أهل السّماء، فإذا وافق آمين في الأرض آمين في السّماء غفر للعبد " انتهى.
ومثله لا يقال بالرّأي ، فالمصير إليه أولى.
قوله: (تأمينه) التّأمين مصدر أمّن بالتّشديد. أي: قال آمين ،
وهي بالمدّ والتّخفيف في جميع الرّوايات وعن جميع القرّاء، وحكى الواحديّ عن حمزة والكسائيّ الإمالة.
وفيها ثلاث لغاتٍ أخرى شاذّةٌ:
القصر: حكاه ثعلبٌ ، وأنشد له شاهداً، وأنكره ابن درستويه. وطعن في الشّاهد بأنّه لضرورة الشّعر، وحكى عياضٌ ومن تبعه عن ثعلبٍ ، أنّه إنّما أجازه في الشّعر خاصّةً.
والتّشديد مع المدّ والقصر، وخطّأهما جماعةٌ من أهل اللّغة.
وآمين من أسماء الأفعال مثل صهٍ للسّكوت، وتفتح في الوصل لأنّها مبنيّةٌ بالاتّفاق مثل كيف، وإنّما لَم تكسر لثقل الكسرة بعد الياء.
ومعناها اللهمّ استجب عند الجمهور.
وقيل: غير ذلك ممّا يرجع جميعه إلى هذا المعنى، كقول مَن قال: معناه اللهمّ آمنّا بخيرٍ، وقيل: كذلك يكون، وقيل: درجةٌ في الجنّة تجب لقائلها، وقيل: لمن استجيب له كما استجيب للملائكة.
وقيل: هو اسمٌ من أسماء الله تعالى. رواه عبد الرّزّاق عن أبي هريرة بإسنادٍ ضعيفٍ ، وعن هلال بن يساف التّابعيّ مثله، وأنكره جماعةٌ.
وقال من مدّ وشدّد: معناها قاصدين إليك. ونقل ذلك عن جعفرٍ الصّادق؛ وقال من قصر وشدّد: هي كلمةٌ عبرانيّةٌ أو سريانيّةٌ.
وعند أبي داود من حديث أبي زهيرٍ النّميريّ الصّحابيّ ، أنّ آمين مثل الطّابع على الصّحيفة، ثمّ ذكر قوله صلى الله عليه وسلم: إن خَتَم بآمين فقد أوجب.
قوله: (غفر له ما تقدّم من ذنبه) ظاهره غفران جميع الذّنوب الماضية، وهو محمولٌ عند العلماء على الصّغائر.
وقد تقدّم البحث في ذلك في الكلام على حديث عثمان فيمن توضّأ كوضوئه صلى الله عليه وسلم في كتاب الطّهارة (1).
فائدةٌ: وقع في " أمالي الجرجانيّ " عن أبي العبّاسٍ الأصمّ عن بحر بن نصرٍ عن ابن وهبٍ عن يونس في آخر هذا الحديث " وما تأخّر ".
وهي زيادةٌ شاذّةٌ ، فقد رواه ابن الجارود في " المنتقى " عن بحر بن نصرٍ بدونها، وكذا رواه مسلمٌ عن حرملة ، وابن خزيمة عن يونس بن عبد الأعلى كلاهما عن ابن وهبٍ.
وكذلك في جميع الطّرق عن أبي هريرة ، إلَاّ أنّي وجدته في بعض النّسخ من ابن ماجه عن هشام بن عمّارٍ وأبي بكر بن أبي شيبة كلاهما عن ابن عيينة بإثباتها، ولا يصحّ، لأنّ أبا بكرٍ قد رواه في " مسنده ومصنّفه " بدونها، وكذلك حفّاظ أصحاب ابن عيينة الحميديّ وابن المدينيّ وغيرهما.
وله طريقٌ أخرى ضعيفةٌ من رواية أبي فروة محمّد بن يزيد بن سنانٍ عن أبيه عن عثمان والوليد ابني ساجٍ عن سهيلٍ عن أبيه عن أبي هريرة.
وفي الحديث حجّةٌ على الإماميّة (2) في قولهم: إنّ التّأمين يبطل
(1) انظر حديث رقم (8)
(2)
قال ابن باز (2/ 344): ما كان يحسن بالشارح أن يذكر خلاف الإمامية ، لأنها طائفة ضالة وهي من أخبث طوائف الشيعة. وقد سبق للشارح أنَّ خلاف الزيدية لا يعتبر ، والإمامية شر من الزيدية ، وكلاهما من الشيعة ، وليسوا أهلاً لأنْ يُذكر خلافهم في مسائل الإجماع والخلاف. والله أعلم
الصّلاة، لأنّه ليس بلفظ قرآنٍ ولا ذكرٍ.
ويمكن أن يكون مستندهم ما نقل عن جعفرٍ الصّادق ، أنّ معنى " آمين " أي: قاصدين إليك، وبه تمسّك مَن قال: إنّه بالمدّ والتّشديد، وصرّح المتولي من الشّافعيّة بأنّ مَن قاله هكذا. بطلت صلاته.
وفيه فضيلة الإمام ، لأنّ تأمين الإمام يوافق تأمين الملائكة، ولهذا شرعت للمأموم موافقته. وظاهر سياق الأمر أنّ المأموم إنّما يؤمّن إذا أمّن الإمام لا إذا ترك، وقال به بعض الشّافعيّة كما صرّح به صاحب " الذّخائر ". وهو مقتضى إطلاق الرّافعيّ الخلاف.
وادّعى النّوويّ في " شرح المهذّب " الاتّفاق على خلافه، ونصّ الشّافعيّ في " الأمّ " على أنّ المأموم يؤمّن ولو تركه الإمام عمداً أو سهواً.
واستدل به القرطبيّ على تعيين قراءة الفاتحة للإمام، وعلى أنّ المأموم ليس عليه أن يقرأ فيما جهر به إمامه.
فأمّا الأوّل: فكأنّه أخذه من أنّ التّأمين مختصٌّ بالفاتحة فظاهر السّياق يقتضي أنّ قراءة الفاتحة كان أمراً معلوماً عندهم.
وأمّا الثّاني: فقد يدلّ على أنّ المأموم لا يقرأ الفاتحة حال قراءة الإمام لها ، لا أنّه لا يقرؤها أصلاً.
وفي الحديث مشروعية جهر المأموم بالتأمين.
قال الزين بن المنير: مناسبة الحديث (1) من جهة أنّ في الحديث الأمر بقول آمين، والقول إذا وقع به الخطاب مطلقاً حمل على الجهر، ومتى أريد به الإسرار أو حديث النّفس قيّد بذلك.
وقال ابن رشيدٍ: تؤخذ المناسبة منه من جهاتٍ:
منها أنّه قال " إذا قال الإمام ، فقولوا " فقابل القول بالقول، والإمام إنّما قال ذلك جهراً ، فكان الظّاهر الاتّفاق في الصّفة.
ومنها: أنّه قال " فقولوا " ولَم يقيّده بجهرٍ ولا غيره، وهو مطلقٌ في سياق الإثبات، وقد عمل به في الجهر بدليل ما تقدّم يعني في مسألة الإمام، والمطلق إذا عمل به في صورةٍ لَم يكن حجّةً في غيرها باتّفاقٍ.
ومنها: أنّه تقدُّم أنّ المأموم مأمورٌ بالاقتداء بالإمام، وقد تقدّم أنّ الإمام يجهر فلزم جهره بجهره. انتهى.
وهذا الأخير سبق إليه ابن بطّالٍ.
وتعقّب: بأنّه يستلزم أن يجهر المأموم بالقراءة لأنّ الإمام جهر بها، لكن يمكن أن ينفصل عنه بأنّ الجهر بالقراءة خلف الإمام قد نهي عنه، فبقي التّأمين داخلاً تحت عموم الأمر باتّباع الإمام.
ويتقوّى بما رواه عبد الرّزّاق عن ابن جريجٍ عن عطاءٍ قال: قلت له: أكان ابن الزّبير يؤمّن على إثر أمّ القرآن؟ قال: نعم. ويؤمّن مَن وراءه؛ حتّى إنّ للمسجد للجّةً، ثمّ قال: إنّما آمين دعاءٌ.
(1) أي: لترجمة البخاري حيث ترجم له " باب جهر الإمام بالتأمين "
وروى البيهقيّ من وجهٍ آخر عن عطاءٍ قال: أدركت مائتين من أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم في هذا المسجد ، إذا قال الإمام " ولا الضّالين " سمعت لهم رجّةً بآمين.
والجهر للمأموم ذهب إليه الشّافعيّ في القديم. وعليه الفتوى.
وقال الرّافعيّ: قال الأكثر: في المسألة قولان ، أصحّهما أنّه يجهر.
تكميلٌ: في رواية للبخاري " إذا أمّن القارئ فأمنوا " المراد بالقارئ هنا الإمام إذا قرأ في الصّلاة.
ويحتمل: أن يكون المراد بالقارئ أعمّ من ذلك.
وورد في التّأمين مطلقاً أحاديث.
منها حديث عائشة مرفوعاً " ما حسدتكم اليهود على شيء ما حسدتكم على السّلام والتّأمين " رواه ابن ماجه وصحَّحه ابن خزيمة. وأخرجه ابن ماجه أيضاً من حديث ابن عبّاس بلفظ " ما حسدتكم على آمين، فأكثروا من قول آمين.
وأخرج الحاكم عن حبيب بن مسلمة الفهريّ ، سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: لا يجتمع ملأ فيدعو بعضهم ، ويؤمّن بعضهم إلَاّ أجابهم الله تعالى.
ولأبي داود من حديث أبي زهير النّميريّ قال: وقف النّبيّ صلى الله عليه وسلم على رجلٍ قد أَلَحّ في الدّعاء ، فقال: أوجب إن ختم، فقال: بأيّ شيء؟ قال بآمين. فأتاه الرّجل فقال: يا فلان اختم بآمين وأبشر.
وكان أبو زهير يقول: آمين مثل الطّابع على الصّحيفة.