الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
الحديث الخامس والثلاثون
84 -
عن أبي هريرة رضي الله عنه: أنّ رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: إذا صلَّى أحدكم للنّاس فليخفّف فإنّ فيهم الضّعيف والسّقيم وذا الحاجة ، وإذا صلَّى أحدكم لنفسه فليطوّل ما شاء. (1)
الحديث السادس والثلاثون
85 -
وما في معناه من حديث أبي مسعودٍ الأنصاريّ رضي الله عنه قال: جاء رجلٌ إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال: إنّي لأتأخّر عن صلاة الصّبح من أجل فلانٍ ، ممّا يُطيل بنا ، قال: فما رأيت النّبيّ صلى الله عليه وسلم غضب في موعظةٍ قطّ أشدّ ممّا غضب يومئذٍ ، فقال: يا أيّها النّاس ، إنّ منكم مُنفّرين ، فأيّكم أمّ النّاس فليوجز ، فإنّ من ورائه الكبير والضّعيف وذا الحاجة. (2)
قوله: (إذا صلَّى أحدكم للنّاس فليخفّف) عموم الأمر بالتّخفيف مختصّ بالأئمّة، فأمّا المنفرد فلا حجر عليه في ذلك. لكن اختلف فيما إذا أطال القراءة حتّى خرج الوقت كما سنذكره.
قوله: (فإنّ فيهم) كذا للأكثر، وللكشميهنيّ " فإنّ منهم ".
(1) أخرجه البخاري (671) ومسلم (467) من طريق أبي الزناد عن الأعرج عن أبي هريرة رضي الله عنه به.
ورواه مسلم (467) من طريقين آخرين عن أبي هريرة نحوه. كما سيذكره الشارح.
(2)
أخرجه البخاري (90 ، 670 ، 672 ، 5759 ، 6740) ومسلم (466) من طرق عن إسماعيل بن أبي خالد عن قيس بن أبي حازم عن أبي مسعود رضي الله عنه به.
قوله: (الضّعيف والسّقيم) المراد بالضّعيف هنا ضعيف الخلقة ، وبالسّقيم من به مرضٌ، زاد مسلم من وجهٍ آخر عن أبي الزّناد " والصّغير والكبير ".
وزاد الطّبرانيّ من حديث عثمان بن أبي العاص " والحامل والمرضع " وله من حديث عديّ بن حاتم " والعابر السّبيل " وقوله في حديث أبي مسعود الآتي (1)" وذا الحاجة " وهي أشمل الأوصاف المذكورة.
قوله: (فليطوّل ما شاء) ولمسلم " فليصل كيف شاء " أي: مخفّفاً أو مطوّلاً.
واستدل به على جواز إطالة القراءة ولو خرج الوقت، وهو المصحّح عند بعض أصحابنا.
وفيه نظرٌ؛ لأنّه يعارضه عموم قوله في حديث أبي قتادة: إنّما التّفريط أن يؤخّر الصّلاة حتّى يدخل وقت الأخرى. أخرجه مسلم.
وإذا تعارضتْ مصلحة المبالغة في الكمال بالتّطويل ومفسدة إيقاع الصّلاة في غير وقتها كانت مراعاة ترك المفسدة أولى، واستدل بعمومه أيضاً على جواز تطويل الاعتدال والجلوس بين السّجدتين.
قوله: (حديث أبي مسعود) عقبة بن عمرو الأنصاري. المعروف
(1) أي: الحديث الذي بعد هذا مباشرةً ، وقول ابن حجر هذا يدلُّ على أن لفظة (ذا الحاجة) ليست في البخاري ، وهو كذلك. فقد انفرد بها مسلم.
بالبدري (1).
قوله: (أنّ رجلاً) لَم أقف على اسمه، ووهِم من زعم أنّه حزم بن أَبِي كعب (2)؛ لأنّ قصّته كانت مع معاذ (3). لا مع أُبي بن كعب.
(1) مشهور بكنيته. اتفقوا على أنه شهد العقبة ، واختلفوا في شهوده بدراً. فقال الأكثر: نزلها فنسب إليها. وجزم البخاري بأنه شهدها. واستدلَّ بأحاديث أخرجها في صحيحه في بعضها التصريح بأنه شهدها.
وقال ابن سعد عن الواقدي: ليس بين أصحابنا اختلاف في أنه لَم يشهدها. وقيل: إنه نزل ماء ببدر فنسب إليه وشهد أحداً وما بعدها. ونزل الكوفة ، وكان من أصحاب عليٍّ. واستخلف مرةً على الكوفة.
قال خليفة: مات قبل سنة 40 ، وقال المدائني: مات سنة 40 قلت: والصحيح أنه مات بعدها ، فقد ثبت أنه أدرك إمارة المغيرة على الكوفة. وذلك بعد سنة 40 قطعاً. قيل: مات بالكوفة. وقيل: مات بالمدينة. قاله في الإصابة (4/ 425)
(2)
وقع في نُسخ الفتح. وكذا في سنن أبي داود (حزم بن أبي - بن - كعب) بزيادة ابن. وهي خطأ. والصواب ما أثبتُّه. وهو صحابي كما جزم بذلك غير واحد من المؤرخين كما سيأني في التعليق الآتي.
قال الحافظ في " الإصابة "(5/ 663): كعب بن أبي حزَّة - بفتح الحاء المهملة وتشديد الزاي بعدها تاء تأنيث - كذا ضبطه الشيخ تاج الدين الفاكهي في شرح العمدة. وزعم أنه هو الذي صلَّى العشاء مع معاذ ثم انصرف. وقد وهِم فيه. فإنَّ الحديث في سنن أبي داود ، وسَمَّاه حزم بن أبي كعب. فانقلب على التاج وتحرَّف ولَم يَشْعر. وما اكتفى بذلك حتى ضبطه بالحروف. وهذا شأن مَن يأخذ الحديث من الصُّحف. نبَّه على ذلك شيخنا سراج الدين بن الملقن في شرح العمدة. اهـ
(3)
قصة معاذ رضي الله عنه. أخرجها البخاري (673) ومسلم (465) عن جابر بن عبد الله الأنصاري رضي الله عنه قال: أقبل رجلٌ بناضِحَين وقد جنح الليل، فوافق معاذاً يُصلِّي، فترك ناضحه. وأقبل إلى معاذ، فقرأ بسورة البقرة أو النساء فانطلق الرجل. وبلغه أنَّ معاذاً نال منه، فأتى النبي صلى الله عليه وسلم، فشكا إليه معاذاً، فقال النبي صلى الله عليه وسلم: يا معاذ، أفتان أنت أو أفاتن؟ ثلاث مرار: فلولا صلَّيت بسبح اسم ربك، والشمس وضحاها، والليل إذا يغشى، فإنه يُصلِّي وراءك الكبير ، والضعيف ، وذو الحاجة. هذا لفظ البخاري.
وله ألفاظ أخرى مطولة ومختصرة عند مسلم أيضاً. =
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
= وأورده صاحب العمدة مختصراً برقم (109)
قال ابن حجر في " الفتح "(1/ 263) بعد أن ذكر بعض روايات الحديث والاختلاف في الصلاة هي هل المغرب أو العشاء؟ وكذا الاختلاف في أي سورة قرأ؟ قال:
ولَم يقع في شيء من الطرق المتقدمة تسمية هذا الرجل، لكن روى أبو داود الطيالسي في " مسنده " والبزار من طريقه عن طالب بن حبيب عن عبد الرحمن بن جابر عن أبيه قال: مرَّ حزم بن أبي كعب بمعاذ بن جبل وهو يصلي بقومه صلاة العتمة. فافتتح بسورة طويلة ومع حزم ناضح له " الحديث. قال البزار: لا نعلم أحداً سَمَّاه عن جابر إلا ابن جابر. انتهى.
وقد رواه أبو داود في " السنن " من وجه آخر عن طالب فجعله عن ابن جابر عن حزم صاحب القصة، وابن جابر لَم يدرك حزماً. ووقع عنده " صلاة المغرب " وهو نحو ما تقدم من الاختلاف، ورواه ابن لهيعة عن أبي الزبير عن جابر فسمَّاه حازماً. وكأنَّه صحفه، أخرجه ابن شاهين من طريقه.
ورواه أحمد والنسائي وأبو يعلى وابن السكن بإسناد صحيح عن عبد العزيز بن صهيب عن أنس قال: كان معاذ يؤمُّ قومه فدخل حرامٌ وهو يريد أن يسقي نخله " الحديث.
كذا فيه بِراءٍ بعدها ألف، وظن بعضهم أنه حرام بن ملحان خال أنس. وبذلك جزم الخطيب في المبهمات، لكن لَم أره منسوباً في الرواية.
ويحتمل: أن يكون تصحيفاً من حزم فتجتمع هذه الروايات، وإلى ذلك يومئ صنيع ابن عبد البر فإنه ذكر في الصحابة حرام بن أبي كعب. وذكر له هذه القصة، وعزا تسميته لرواية عبد العزيز بن صهيب عن أنس، ولَم أقف في رواية عبد العزيز على تسمية أبيه ، وكأنه بنى على أنَّ اسمه تصحف والأب واحدٌ، سَمَّاه جابرٌ. ولَم يُسمّه أنس.
وجاء في تسميته قول آخر. أخرجه أحمد أيضاً من رواية معاذ بن رفاعة عن رجلٍ من بني سلمة - يقال له سليم - أنه ، أتى النبي صلى الله عليه وسلم فقال: يا نبي الله. إنا نظل في أعمالنا فنأتي حين نمسي فنصلي، فيأتي معاذ بن جبل فينادي بالصلاة فنأتيه فيطول علينا. الحديث، وفيه أنه استشهد بأحد، وهذا مرسل؛ لأنَّ معاذ بن رفاعة لَم يدركه، وقد رواه الطحاوي والطبراني من هذا الوجه عن معاذ بن رفاعة ، أنَّ رجلاً من بني سلمة. فذكره مرسلاً.
ورواه البزار من وجه آخر عن جابر. وسَمَّاه سُليماً أيضاً، لكن وقع عند ابن حزم من هذا الوجه ، أنَّ اسمه سَلْم - بفتح أوله وسكون اللام - وكأنه تصحيف. والله أعلم
وجمع بعضهم بين هذا الاختلاف بأنهما واقعتان، وأيَّد ذلك بالاختلاف في الصلاة. هل هي العشاء أو المغرب؟ وبالاختلاف في السورة هل هي البقرة أو اقتربت؟ وبالاختلاف في عذر الرجل. هل هو لأجل التطويل فقط لكونه جاء من العمل وهو تعبان ، أو لكونه أراد أن يسقي نخله إذ ذاك ، أو لكونه خاف على الماء في النخل كما في حديث بريدة؟.
واستشكل هذا الجمع؛ لأنه لا يظن بمعاذ أنه صلى الله عليه وسلم يأمره بالتخفيف ثم يعود إلى التطويل.
ويجاب عن ذلك. باحتمال: أن يكون قرأ أولاً بالبقرة فلمَّا نهاه قرأ اقتربت وهي طويلة بالنسبة إلى السور التي أمره أن يقرأ بها كما سيأتي (وانظر حديث جابر الآتي 106)
ويحتمل: أن يكون النهي أولاً وقع لِمَا يخشى من تنفير بعض من يدخل في الإسلام، ثم لَمَّا اطمأنت نفوسهم بالإسلام ظن أن المانع زال فقرأ باقتربت؛ لأنه سمع النبي صلى الله عليه وسلم يقرأ في المغرب بالطور فصادف صاحب الشغل.
وجمع النووي باحتمال أن يكون قرأ في الأولى بالبقرة فانصرف رجلٌ، ثم قرأ اقتربت في الثانية فانصرف آخر. ووقع في رواية أبي الزبير عند مسلم " فانطلق رجلٌ منا " وهذا يدلُّ على أنه كان من بني سلمة، ويقوي رواية من سَمَّاه سُليماً. والله أعلم. انتهى
قوله: (إنّي لأتأخّر عن صلاة الغداة) أي: فلا أحضرها مع الجماعة لأجل التّطويل، وفي رواية ابن المبارك عن إسماعيل بن أبي خالد عن قيس بن أبي حازم عن أبي مسعود عند البخاري " والله إنّي لأتأخّر " بزيادة القسم.
وفيه جواز مثل ذلك؛ لأنّه لَم ينكر عليه، وللبخاري عن محمد بن كثير عن سفيان عن إسماعيل لفظ " إنّي لا أكاد أدرك الصّلاة ".
قال القاضي عياض: ظاهره مشكل؛ لأنّ التّطويل يقتضي الإدراك لا عدمه، قال: فكأنّ الألف زيدت بعد لا ، وكأنّ أدرك كانت أترك.
قلت: هو توجيه حسن لو ساعدته الرّواية.
وقال أبو الزّناد بن سراج: معناه أنّه كان به ضعف، فكان إذا طوّل به الإمام في القيام لا يبلغ الرّكوع إلَاّ وقد ازداد ضعفه ، فلا يكاد يتمّ معه الصّلاة.
قلت: وهو معنىً حسن، لكن رواه البخاري عن الفريابيّ عن سفيان بهذا الإسناد بلفظ: إنّي لأتأخّر عن الصّلاة " فعلى هذا فمراده بقوله: إنّي لا أكاد أدرك الصّلاة. أي: لا أقرب من الصّلاة في الجماعة بل أتأخّر عنها أحياناً من أجل التّطويل.
ويحتمل أيضاً: أن يكون المراد أنّ الذي أَلِفَه من تطويله اقتضى له أن يتشاغل عن المجيء في أوّل الوقت وثوقاً بتطويله، بخلاف ما إذا لَم يكن يطوّل فإنّه كان يحتاج إلى المبادرة إليه أوّل الوقت، وكأنّه يعتمد على تطويله فيتشاغل ببعض شغله ، ثمّ يتوجّه فيصادف أنّه تارةً يدركه وتارةً لا يدركه فلذلك قال " لا أكاد أدرك ممّا يطوّل بنا " أي: بسبب تطويله.
واستدل به على تسمية الصّبح بذلك، ووقع في رواية سفيان " عن الصّلاة في الفجر " وإنّما خصّها بالذّكر؛ لأنّها تطوّل فيها القراءة غالباً؛ ولأنّ الانصراف منها وقت التّوجّه لمن له حرفة إليها.
قوله: (من أجل فلان) وهم من فسّر الإمام المبهم هنا بمعاذ، فقصّة معاذ مُغايرة لحديث أبي مسعود؛ لأنّ قصّة معاذ كانت في العشاء ، وكان الإمام فيها معاذاً ، وكانت في مسجد بني سلمة، وهذه
كانت في الصّبح ، وكانت في مسجد قباء.
بل المراد به أُبيّ بن كعب كما أخرجه أبو يعلى بإسنادٍ حسنٍ من رواية عيسى بن جارية - وهو بالجيم - عن جابر قال: كان أُبَيّ بن كعب يُصلِّي بأهل قباء فاستفتح سورة طويلة، فدخل معه غلام من الأنصار في الصّلاة، فلمّا سمعه استفتحها انفتل من صلاته، فغضب أبيٌّ ، فأتى النّبيّ صلى الله عليه وسلم يشكو الغلام، وأتى الغلام يشكو أبيّاً، فغضب النّبيّ صلى الله عليه وسلم حتّى عرف الغضب في وجهه ، ثمّ قال: إنّ منكم منفّرين، فإذا صليتم فأوجزوا، فإنّ خلفكم الضّعيف والكبير والمريض وذا الحاجة.
فأبان هذا الحديث أنّ المراد بقوله في حديث أبي مسعود " ممّا يطيل بنا فلان " أي: في القراءة، واستفيد منه أيضاً تسمية الإمام. وبأيّ موضعٍ كان.
وفي الطّبرانيّ من حديث عديّ بن حاتم " من أمّنا فليتمّ الرّكوع والسّجود "
قوله: (أشدّ) بالنّصب وهو نعتٌ لمصدرٍ محذوفٍ. أي: غضباً أشدّ، وسببه إمّا لمخالفة الموعظة أو للتّقصير في تعلّم ما ينبغي تعلّمه، كذا قاله ابن دقيق العيد.
وتعقّبه تلميذه أبو الفتح اليعمريّ: بأنّه يتوقّف على تقدُّم الإعلام بذلك.
قال: ويحتمل أن يكون ما ظهر من الغضب لإرادة الاهتمام بما
يلقيه لأصحابه ليكونوا من سماعه على بالٍ ، لئلا يعود من فعل ذلك إلى مثله.
وأقول: هذا أحسن في الباعث على أصل إظهار الغضب، أمّا كونه أشدّ فالاحتمال الثّاني أوجه ، ولا يَرِد عليه التّعقّب المذكور.
قوله: (إنّ منكم منفّرين) فيه تفسير للمراد بالفتنة في قوله في حديث معاذ " أفتّان أنت "، ويحتمل: أن تكون قصّة أُبيٍّ هذه بعد قصّة معاذ، فلهذا أتى بصيغة الجمع. وفي قصّة معاذٍ واجهه وحده بالخطاب، وكذا ذكر في هذا الغضب ، ولَم يذكره في قصّة معاذ.
وبهذا يتوجّه الاحتمال الأوّل لابن دقيق العيد.
قوله: (فليخفّف) قال ابن دقيق العيد: التّطويل والتّخفيف من الأمور الإضافيّة فقد يكون الشّيء خفيفاً بالنّسبة إلى عادة قوم طويلاً بالنّسبة لعادة آخرين.
قال: وقول الفقهاء لا يزيد الإمام في الرّكوع والسّجود على ثلاث تسبيحاتٍ لا يخالف ما ورد عن النّبيّ صلى الله عليه وسلم أنّه كان يزيد على ذلك؛ لأنّ رغبة الصّحابة في الخير تقتضي ألَاّ يكون ذلك تطويلاً.
قلت: وأولى ما أخذ حدّ التّخفيف من الحديث الذي أخرجه أبو داود والنّسائيّ عن عثمان بن أبي العاص ، أنّ النّبيّ صلى الله عليه وسلم قال له: أنت إمام قومك، واقدر القوم بأضعفهم. إسناده حسنٌ. وأصله في مسلم.
قوله: (فإنّ فيهم) في رواية سفيان " فإنّ خلفه " وهو تعليل الأمر المذكور، ومقتضاه أنّه متى لَم يكن فيهم متّصفٌ بصفةٍ من المذكورات
لَم يضرّ التّطويل، وقد قدّمت ما يردّ عليه في الباب الذي قبله من إمكان مجيء من يتّصف بإحداها.
وقال اليعمريّ: الأحكام إنّما تناط بالغالب لا بالصّورة النّادرة، فينبغي للأئمّة التّخفيف مطلقاً. قال: وهذا كما شرع القصر في صلاة المسافر وعلَّل بالمشقّة ، وهو مع ذلك يشرع - ولو لَم يشقّ - عملاً بالغالب؛ لأنّه لا يدري ما يطرأ عليه، وهنا كذلك.
قوله: (الضّعيف والكبير) كذا للأكثر، ووقع في رواية سفيان في العلم " فإنّ فيهم المريض والضّعيف " وكأنّ المراد بالضّعيف هنا المريض ، وهناك من يكون ضعيفاً في خلقته كالنّحيف والمسنّ.
تكميل: بوب البخاري على الحديث بقوله: (باب تخفيف الإمام في القيام وإتمام الركوع والسجود)
قال الكرماني: الواو بمعنى مع. كأنه قال: باب التخفيف بحيث لا يفوته شيء من الواجبات، فهو تفسير لقوله في الحديث " فليتجوز " لأنه لا يأمر بالتجوز المؤدِّي إلى فساد الصلاة.
قال ابن المنير وتبعه ابن رشيد وغيره: خص التخفيف في الترجمة بالقيام مع أنَّ لفظ الحديث أعمُّ حيث قال " فليتجوَّز " لأن الذي يطول في الغالب إنما هو القيام، وما عداه لا يشق إتمامه على أحد، وكأنه حمل حديث الباب على قصة معاذ، فإن الأمر بالتخفيف فيها مختص بالقراءة. انتهى ملخصاً.
والذي يظهر لي أنَّ البخاري أشار بالترجمة إلى بعض ما ورد في
بعض طرق الحديث كعادته، وأما قصة معاذ فمغايرة لحديث الباب.
وفي قول ابن المنير " إنَّ الركوع والسجود لا يشق إتمامهما " نظرٌ. فإنه إن أراد أقل ما يطلق عليه اسم تمام فذاك لا بُدَّ منه. وإن أراد غاية التمام فقد يشق، فسيأتي حديث البراء قريباً (1) أنه صلى الله عليه وسلم كان قيامه وركوعه وسجوده قريباً من السواء.
(1) انظره برقم (92) من العمدة.