الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
الحديث السابع والأربعون
96 -
عن عبد الله بن مالكٍ بن بحينة رضي الله عنه: أنّ النّبيّ صلى الله عليه وسلم كان إذا صلَّى فرّج بين يديه ، حتّى يبدو بياض إبطيه. (1)
قوله: (عبد الله بن مالكٍ بن بحينة) وهو عبد الله بن مالك بن القشب - بكسر القاف وسكون المعجمة بعدها موحّدةٌ - وهو لقب ، واسمه جندب بن نضلة بن عبد الله.
قال ابن سعد: قدم مالك بن القشب مكّة - يعني في الجاهليّة - فحالف بني المطّلب بن عبد منافٍ ، وتزوّج بحينة بنت الحارث بن المطّلب واسمها عبدة، وبحينة لقبٌ، وأدركتْ بحينة الإسلام فأسلمتْ وصحِبَتْ، وأسلم ابنها عبد الله قديماً.
وحكى ابن عبد البرّ. اختلافاً في بحينة. هل هي أمّ عبد الله ، أو أمّ مالك؟
والصّواب أنّها أمّ عبد الله، فينبغي أن يكتب ابن بحينة بزيادة ألف ، ويعرب إعراب عبد الله كما في عبد الله بن أبيّ بن سلولٍ ومحمّد بن عليّ ابن الحنفيّة.
قوله: (فرّج بين يديه) أي: نحّى كلّ يد عن الجنب الذي يليها.
قال القرطبيّ: الحكمة في استحباب هذه الهيئة في السّجود. أنّه
(1) أخرجه البخاري (383 ، 774 ، 3371) ومسلم (495) من طريق جعفر بن ربيعة عن الأعرج عن عبد الله بن مالك به.
يخفّ بها اعتماده عن وجهه ولا يتأثّر أنفه ولا جبهته، ولا يتأذّى بملاقاة الأرض.
وقال غيره: هو أشبه بالتّواضع وأبلغ في تمكين الجبهة والأنف من الأرض. مع مغايرته لهيئة الكسلان.
وقال ناصر الدّين بن المنير في الحاشية: الحكمة فيه أن يظهر كلّ عضو بنفسه ويتميّز حتّى يكون الإنسان الواحد في سجوده كأنّه عدد، ومقتضى هذا أن يستقلّ كلّ عضو بنفسه ، ولا يعتمد بعض الأعضاء على بعض في سجوده، وهذا ضدّ ما ورد في الصّفوف من التصاق بعضهم ببعضٍ لأنّ المقصود هناك إظهار الاتّحاد بين المُصلِّين حتّى كأنّهم جسد واحد.
وروى الطّبرانيّ وغيره من حديث ابن عمر بإسنادٍ صحيح ، أنّه قال: لا تفترش افتراش السّبع، وادعم على راحتيك وأَبدِ ضبعيك، فإذا فعلت ذلك سجد كلّ عضو منك.
ولمسلمٍ من حديث عائشة: نهى النّبيّ صلى الله عليه وسلم أن يفترش الرّجل ذراعيه افتراش السّبع ، وأخرج التّرمذيّ وحسّنه من حديث عبد الله بن أرقم: صليت مع النّبيّ صلى الله عليه وسلم فكنت أنظر إلى عفرتي إبطيه إذا سجد.
ولابن خزيمة عن أبي هريرة رفعه: إذا سجد أحدكم فلا يفترش ذراعيه افتراش الكلب، وليضمّ فخذيه، وللحاكم من حديث ابن عبّاسٍ نحو حديث عبد الله بن أرقم، وعنه عند الحاكم: كان النّبيّ صلى الله عليه وسلم إذا سجد يُرى وضح إبطيه. وله من حديثه. ولمسلمٍ من حديث
البراء رفعه: إذا سجدت فضع كفّيك وارفع مرفقيك.
وهذه الأحاديث ، مع حديث ميمونة عند مسلم: كان النّبيّ صلى الله عليه وسلم يجافي يديه، فلو أنّ بهيمة أرادت أن تمرّ لَمرّت " مع حديث ابن بحينة ، ظاهرها وجوب التّفريج المذكور.
لكن أخرج أبو داود ما يدلّ على أنّه للاستحباب ، وهو حديث أبي هريرة: شكا أصحاب النّبيّ صلى الله عليه وسلم له مشقّة السّجود عليهم إذا انفرجوا، فقال: استعينوا بالرّكب. وترجم له " الرّخصة في ذلك " أي: في ترك التّفريج.
قال ابن عجلان أحد رواته: وذلك أن يضع مرفقيه على ركبتيه إذا طال السّجود وأعْيا.
وقد أخرج التّرمذيّ الحديث المذكور ، ولَم يقع في روايته " إذا انفرجوا " فترجم له " ما جاء في الاعتماد إذا قام من السّجود ". فجعل محلّ الاستعانة بالرّكب لمن يرفع من السّجود طالباً للقيام.
واللفظ محتمل ما قال، لكنّ الزّيادة التي أخرجها أبو داود تعيّن المراد.
وقال ابن التّين: فيه دليل على أنّه لَم يكن عليه قميص لانكشاف إبطيه.
وتعقّب: باحتمال أن يكون القميص واسع الأكمام، وقد روى التّرمذيّ في " الشّمائل " عن أمّ سلمة قالت: كان أحبّ الثّياب إلى النّبيّ صلى الله عليه وسلم القميص. أو أراد الرّاوي أنّ موضع بياضهما لو لَم يكن عليه
ثوب لرئي. قاله القرطبيّ.
واختلف في المراد بوصف إبطيه بالبياض.
فقيل: لَم يكن تحتهما شعر فكانا كلون جسده.
وقيل: لَم يكن تحت إبطيه شعر البتّة.
وفيه نظرٌ. فقد حكى المحبّ الطّبريّ في الاستسقاء من الأحكام له: أنّ من خصائصه صلى الله عليه وسلم أنّ الإبط من جميع النّاس متغيّر اللون غيره (1).
وقيل: كان لدوام تعهّده له لا يبقى فيه شعر.
ووقع عند مسلم في حديث " حتّى رأينا عفرة إبطيه " ولا تنافي بينهما لأنّ الأعفر ما بياضه ليس بالنّاصع، وهذا شأن المغابن يكون لونها في البياض دون لون بقيّة الجسد.
واستدل بإطلاقه على استحباب التّفريج في الرّكوع أيضاً، وفيه نظرٌ ، لأنّ في رواية قتيبة عن بكر بن مضر ، التّقييد بالسّجود، أخرجه البخاري، والمطلق إذا استعمل في صورة اكتفي بها.
(1) قال الشيخ ابن باز (2/ 380): مثل هذا التخصيص يحتاج إلى دليل ، ولا أعلم في الأحاديث ما يدلُّ على ما قاله المحب ، فالأقرب ما قاله القرطبي. وهو ظاهر كثيرٍ من الأحاديث ، ويحتمل أن يكون شعر إبطيه كان خفيفاً. فلا يتّضح للناظر من بُعدٍ سوى بياض الإبطين. والله أعلم