الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
الحديث السابع عشر
66 -
عن عبد الله بن عمر رضي الله عنه قال: صليتُ مع رسول الله صلى الله عليه وسلم ركعتين قبل الظّهر ، وركعتين بعدها ، وركعتين بعد الجمعة ، وركعتين بعد المغرب ، وركعتين بعد العشاء.
وفي لفظ: فأمّا المغرب والعشاء والجمعة ، ففي بيته.
وفي لفظٍ: أنّ ابن عمر قال: حدّثتني حفصة ، أنّ النّبيّ صلى الله عليه وسلم: كان يُصلِّي سجدتين خفيفتين بعدما يطلع الفجر ، وكانت ساعةً لا أدخل على النّبيّ صلى الله عليه وسلم فيها. (1)
قوله: (صليت مع رسول الله صلى الله عليه وسلم) المراد بقوله مع ، التّبعيّة. أي: أنّهما اشتركا في كون كلٍّ منهما صلاةً إلَاّ التّجميع ، فلا حجّة فيه لِمَن قال يجمع في رواتب الفرائض ، ولهما من رواية أيّوب عن نافع عن ابن عمر قال: حفظت من النّبيّ صلى الله عليه وسلم عشر ركعاتٍ. فذكرها.
قوله: (ركعتين قبل الظّهر) قال الدّاوديّ: وقع في حديث ابن عمر أنّ قبل الظّهر ركعتين ، وفي حديث عائشة عند البخاري: كان لا يدع أربعاً قبل الظهر. وهو محمولٌ على أنّ كلّ واحد منهما وصف ما رأى.
(1) أخرجه البخاري (593 ، 895 ، 1112 ، 1119 ، 1126) ومسلم (723 ، 729) من طرق عن نافع عن ابن عمر به.
وأخرجه البخاري (1112) ومسلم (723) من طريق سالم عن أبيه. ذكر البخاريُّ سنن الرواتب. وذكَرَ مسلمٌ ركعتي الفجر فقط.
قال: ويحتمل: أن يكون نسي ابن عمر ركعتين من الأربع.
قلت: هذا الاحتمال بعيد، والأولى أن يحمل على حالين: فكان تارةً يُصلِّي ثنتين وتارةً يُصلِّي أربعاً.
وقيل: هو محمولٌ على أنّه كان في المسجد يقتصر على ركعتين ، وفي بيته يُصلِّي أربعاً.
ويحتمل: أن يكون يُصلِّي إذا كان في بيته ركعتين ، ثمّ يخرج إلى المسجد فيصلي ركعتين ، فرأى ابن عمر ما في المسجد دون ما في بيته ، واطّلعت عائشة على الأمرين.
ويقوّي الأوّل. ما رواه أحمد وأبو داود في حديث عائشة: كان يُصلِّي في بيته قبل الظّهر أربعاً ثمّ يخرج.
قال أبو جعفر الطّبريّ: الأربع كانت في كثيرٍ من أحواله، والرّكعتان في قليلها.
قوله: (وركعتين بعد الجمعة) وللبخاري " وكان لا يُصلِّي بعد الجمعة حتى ينصرف فيصلي ركعتين " ولَم يذكر شيئاً في الصّلاة قبلها.
قال ابن المنير في الحاشية: كأنّه يقول (1) الأصل استواء الظّهر والجمعة حتّى يدل دليل على خلافه، لأنّ الجمعة بدل الظّهر.
قال: وكانت عنايته بحكم الصّلاة بعدها أكثر، ولذلك قدّمه في التّرجمة على خلاف العادة في تقديم القبل على البعد. اه
(1) أي: البخاري. فإنه ترجم على هذا الحديث بقوله (الصلاة بعد الجمعة وقبلها)
ووجه العناية المذكورة ورود الخبر في البعد صريحاً دون القبل.
وقال ابن بطّال: إنّما أعاد ابن عمر ذكر الجمعة بعد الظّهر من أجل أنّه صلى الله عليه وسلم كان يُصلِّي سنّة الجمعة في بيته بخلاف الظّهر، قال: والحكمة فيه أنّ الجمعة لَمّا كانت بدل الظّهر واقتصر فيها على ركعتين ترك التّنفّل بعدها في المسجد خشية أن يظنّ أنّها التي حذفت. انتهى.
وعلى هذا فينبغي أن لا يتنفّل قبلها ركعتين متّصلتين بها في المسجد لهذا المعنى.
وقال ابن التّين: لَم يقع ذكر الصّلاة قبل الجمعة في هذا الحديث، فلعل البخاريّ أراد إثباتها قياساً على الظّهر. انتهى.
وقوّاه الزين بن المنير: بأنّه قصد التّسوية بين الجمعة والظّهر في حكم التّنفّل كما قصد التّسوية بين الإمام والمأموم في الحكم، وذلك يقتضي أنّ النّافلة لهما سواء. انتهى
والذي يظهر أنّ البخاريّ أشار إلى ما وقع في بعض طرق حديث الباب، وهو ما رواه أبو داود وابن حبّان من طريق أيّوب عن نافعٍ قال: كان ابن عمر يطيل الصّلاة قبل الجمعة ، ويُصلِّي بعدها ركعتين في بيته ، ويحدّث أنّ رسول الله صلى الله عليه وسلم كان يفعل ذلك.
احتجّ به النّوويّ في الخلاصة على إثبات سنّة الجمعة التي قبلها.
وتعقّب: بأنّ قوله " وكان يفعل ذلك " عائد على قوله " ويُصلِّي بعد الجمعة ركعتين في بيته " ويدلّ عليه رواية الليث عن نافعٍ عن عبد الله ، أنّه كان إذا صلَّى الجمعة انصرف فسجد سجدتين في بيته ، ثمّ قال
: كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يصنع ذلك. أخرجه مسلم.
وأمّا قوله " كان يطيل الصّلاة قبل الجمعة " فإن كان المراد بعد دخول الوقت فلا يصحّ أن يكون مرفوعاً ، لأنّه صلى الله عليه وسلم كان يخرج إذا زالت الشّمس فيشتغل بالخطبة ثمّ بصلاة الجمعة، وإن كان المراد قبل دخول الوقت فذلك مطلق نافلة لا صلاة راتبة فلا حجّة فيه لسنّة الجمعة التي قبلها بل هو تنفّلٌ مطلق، وقد ورد التّرغيب فيه كما في حديث سلمان وغيره عند البخاري قال فيه: ثمّ صلَّى ما كُتب له.
وورد في سنّة الجمعة التي قبلها أحاديث أخرى ضعيفةٌ.
منها عن أبي هريرة رواه البزّار بلفظ: كان يُصلِّي قبل الجمعة ركعتين وبعدها أربعاً. وفي إسناده ضعفٌ، وعن عليٍّ مثله. رواه الأثرم والطّبرانيّ في " الأوسط " بلفظ: كان يُصلِّي قبل الجمعة أربعاً وبعدها أربعاً.
وفيه محمّد بن عبد الرّحمن السّهميّ وهو ضعيفٌ عند البخاريّ وغيره، وقال الأثرم: إنّه حديث واهٍ.
ومنها عن ابن عبّاس مثله. وزاد " لا يفصل في شيءٍ منهنّ " أخرجه ابن ماجه بسندٍ واهٍ.
قال النّوويّ في الخلاصة: إنّه حديث باطل.
وعن ابن مسعود عند الطّبرانيّ أيضاً مثله. وفي إسناده ضعف وانقطاع. ورواه عبد الرّزّاق عن ابن مسعود موقوفاً وهو الصّواب. وروى ابن سعد عن صفيّة زوج النّبيّ صلى الله عليه وسلم موقوفاً ، نحو حديث أبي
هريرة.
وقد تقدّم نقل المذاهب في كراهة التّطوّع نصف النّهار ، ومن استثنى يوم الجمعة دون بقيّة الأيّام في المواقيت (1).
وأقوى ما يتمسّك به في مشروعيّة ركعتين قبل الجمعة عموم ما صحَّحه ابن حبّان من حديث عبد الله بن الزّبير مرفوعاً: ما من صلاةٍ مفروضةٍ إلَاّ وبين يديها ركعتان. ومثله حديث عبد الله بن مغفّل رضي الله عنه " بين كل أذانين صلاة "(2)
قوله: (فأمّا المغرب والعشاء ففي بيته) استُدل به على أنّ فعل النّوافل الليليّة في البيوت أفضل من المسجد ، بخلاف رواتب النّهار ، وحُكي ذلك عن مالكٍ والثّوريّ.
وفي الاستدلال به لذلك نظرٌ ، والظّاهر أنّ ذلك لَم يقع عن عمدٍ ، وإنّما كان صلى الله عليه وسلم يتشاغل بالنّاس في النّهار غالباً ، وبالليل يكون في بيته غالباً ، وتقدّم من طريق مالكٍ عن نافعٍ بلفظ: وكان لا يُصلِّي بعد الجمعة حتّى ينصرف.
والحكمة في ذلك أنّه كان يبادر إلى الجمعة ثمّ ينصرف إلى القائلة بخلاف الظّهر فإنّه كان يبرد بها ، وكان يقيل قبلها.
وأغرب ابن أبي ليلى ، فقال: لا تجزئ سنّة المغرب في المسجد. حكاه عبد الله بن أحمد عنه عقب روايته لحديث محمود بن لبيد رفعه:
(1) انظر حديث أبي سعيد رضي الله عنه المتقدم برقم (60)
(2)
أخرجه البخاري (624) ومسلم (1977).
إنّ الرّكعتين بعد المغرب من صلاة البيوت. (1) وقال: إنّه حكى ذلك لأبيه عن ابن أبي ليلى. فاستحسنه.
قوله: (وحدّثتني حفصة) أي: أخته بنت عمر، وقائل ذلك. هو عبد الله بن عمر. وكانت حفصةُ أسنَّ من أخيها عبد الله. فإنها ولدت قبل البعثة بخمس سنين ، وعبد الله وُلد بعد البعثة بثلاث أو أربع.
وأخرج ابن سعد والدارمي والحاكم ، أنَّ النبي صلى الله عليه وسلم طلَّق حفصة ثم راجعها. ولابن سعد مثله من حديث ابن عباس عن عمر. وإسناده حسن، ومن طريق قيس بن زيد مثله. وزاد " فقال النبي صلى الله عليه وسلم: إنَّ جبريل أتاني فقال لي: راجع حفصة فإنها صوَّامة قوَّامة، وهي زوجتك في الجنة.
وقيس مختلف في صحبته، ونحوه عنده من مرسل محمد بن سيرين.
قوله: (سجدتين خفيفتين). اختلف في حكمة تخفيفهما.
فقيل: ليبادر إلى صلاة الصّبح في أوّل الوقت وبه جزم القرطبيّ.
(1) أخرجه الإمام أحمد (23624) وابن أبي شيبة في " المصنف "(6373) عن محمود بن لبيد أخي بني عبد الأشهل قال: أتانا رسول الله صلى الله عليه وسلم فصلّى بنا المغرب في مسجدنا ، فلمَّا سلَّم منها قال: اركعوا هاتين الركعتين في بيوتكم. لِلسُبحة بعد المغرب. وصحَّحه ابن خزيمة (1200)
ورواه ابن ماجه في " السنن "(1165) عن محمود عن رافع بن خديج ، وهو وهْم ، والصواب الأول.
ولأبي داود (1300) والترمذي. واستغربه (604) والنسائي (1600) من حديث كعب بن عُجْرة رضي الله عنه نحوه. وفيه " هذه صلاة البيوت " لفظ أبي داود.
وقيل: ليستفتح صلاة النّهار بركعتين خفيفتين كما كان يصنع في صلاة الليل ليدخل في الفرض أو ما شابهه في الفضل بنشاطٍ واستعداد تامّ. والله أعلم
ولهما عن عائشة، أنّها كانت تقول: كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يُصلِّي ركعتي الفجر فيخفّف، حتّى إنّي أقول: هل قرأ فيهما بأمّ القرآن؟.
وقد تمسّك به من زعم أنّه لا قراءة في ركعتي الفجر أصلاً. وهو قول محكي عن أبي بكر الأصم وإبراهيم بن علية
وتعقّب: بما ثبت في الأحاديث الآتية.
قال القرطبيّ: ليس معنى هذا أنّها شكّت في قراءته صلى الله عليه وسلم الفاتحة ، وإنّما معناه أنّه كان يطيل في النّوافل، فلمّا خفّف في قراءة ركعتي الفجر صار كأنّه لَم يقرأ بالنّسبة إلى غيرها من الصّلوات.
قلت: وفي تخصيصها أمّ القرآن بالذّكر إشارة إلى مواظبته لقراءتها في غيرها من صلاته.
وقد روى ابن ماجه بإسنادٍ قويّ عن عبد الله بن شقيق عن عائشة قالت: كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يُصلِّي ركعتين قبل الفجر ، وكان يقول: نِعْمَ السّورتان يقرأ بهما في ركعتي الفجر: قل يا أيّها الكافرون ، وقل هو الله أحد.
ولابن أبي شيبة من طريق محمّد بن سيرين عن عائشة ، كان يقرأ فيهما بهما ، ولمسلمٍ من حديث أبي هريرة ، أنّه صلى الله عليه وسلم قرأ فيهما بهما.
وللتّرمذيّ والنّسائيّ من حديث ابن عمر: رمقتُ النّبيّ صلى الله عليه وسلم شهراً
فكان يقرأ فيهما بهما. وللتّرمذيّ من حديث ابن مسعود مثله بغير تقييد، وكذا للبزّار عن أنس، ولابن حبّان عن جابر ما يدلّ على التّرغيب في قراءتهما فيهما.
واستدل بحديث عائشة.
القول الأول: على أنّه لا يزيد فيهما على أمّ القرآن. وهو قول مالك.
القول الثاني: في البويطيّ عن الشّافعيّ: استحباب قراءة السّورتين المذكورتين فيهما مع الفاتحة عملاً بالحديث المذكور، وبذلك قال الجمهور.
وقالوا: معنى قول عائشة " هل قرأ فيهما بأمّ القرآن " أي: مقتصراً عليها أو ضمّ إليها غيرها، وذلك لإسراعه بقراءتها، وكان من عادته أن يرتّل السّورة حتّى تكون أطول من أطول منها.
القول الثالث: ذهب بعضهم إلى إطالة القراءة فيهما ، وهو قول أكثر الحنفيّة، ونقل عن النّخعيّ، وأورد البيهقيّ فيه حديثاً مرفوعاً من مرسل سعيد بن جبير. وفي سنده راوٍ لَم يُسمّ.
القول الرابع: خصّ بعضهم ذلك. بمن فاته شيء من قراءته في صلاة الليل فيستدركها في ركعتي الفجر، ونقل ذلك عن أبي حنيفة. وأخرجه ابن أبي شيبة بسندٍ صحيح عن الحسن البصريّ.
واستُدل بالأحاديث المذكورة على أنّه لا يتعيّن قراءة الفاتحة في الصّلاة ، لأنّه لَم يذكرها مع سورتي الإخلاص.
وروى مسلم من حديث ابن عبّاس ، أنّه صلى الله عليه وسلم كان يقرأ في ركعتي الفجر (قولوا آمنّا بالله) التي في البقرة، وفي الأخرى التي في آل عمران. (1)
وأجيب: بأنّه ترك ذكر الفاتحة لوضوح الأمر فيها. ويؤيّده أنّ قول عائشة " لا أدري أقرأ الفاتحة أم لا؟. فدلَّ على أنّ الفاتحة كان مقرّراً عندهم أنّه لا بدّ من قراءتها. والله أعلم.
قوله: (وكانت ساعة) قائل ذلك هو ابن عمر.
وفي رواية لهما: وحدّثتني حفصة أنّه كان إذا أذّن المؤذّن ، وطلع الفجر صلَّى ركعتين ". وهذا يدلّ على أنّه إنّما أخذ عن حفصة وقت إيقاع الرّكعتين قبل الصّبح. لا أصل مشروعيّتهما.
وفي الحديث حجّةٌ لمن ذهب إلى أنّ للفرائض رواتب تستحبّ المواظبة عليها وهو قول الجمهور.
وذهب مالك في المشهور عنه. إلى أنّه لا توقيت في ذلك حماية للفرائض، لكن لا يمنع من تطوّعٍ بما شاء إذا أمن ذلك.
وذهب العراقيّون من أصحابه إلى موافقة الجمهور.
(1) وهي قوله تعالى {قُلْ يَا أَهْلَ الْكِتَابِ تَعَالَوْا إِلَى كَلِمَةٍ سَوَاءٍ بَيْنَنَا وَبَيْنَكُمْ أَلا نَعْبُدَ إِلا اللهَ وَلا نُشْرِكَ بِهِ شَيْئاً ، وَلا يَتَّخِذَ بَعْضُنَا بَعْضاً أَرْبَاباً مِنْ دُونِ اللهِ فَإِنْ تَوَلَّوْا فَقُولُوا اشْهَدُوا بِأَنَّا مُسْلِمُونَ (64).