الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
الحديث الواحد والسبعون
120 -
عن أنس بن مالكٍ رضي الله عنه ، قال: كنّا نُصلِّي مع رسول الله صلى الله عليه وسلم في شدّة الحرّ. فإذا لَم يستطع أحدنا أنْ يُمكِّن جبهته من الأرض ، بسط ثوبه فسجد عليه. (1)
قوله: (بسط ثوبه فسجد عليه) وللبخاري من رواية بشر بن المفضل عن غالب " فيضع أحدنا طرف الثّوب " وله من طريق خالد بن عبد الرّحمن عن غالب: سجدنا على ثيابنا اتّقاء الحرّ.
والثّوب في الأصل يطلق على غير المخيط. وقد يطلق على المخيط مجازاً.
وفي الحديث جواز استعمال الثّياب ، وكذا غيرها في الحيلولة بين المُصلِّي وبين الأرض لاتّقاء حرّها وكذا بردها.
وفيه إشارة إلى أنّ مباشرة الأرض عند السّجود هو الأصل؛ لأنّه علق بسط الثّوب بعدم الاستطاعة.
واستدل به على إجازة السّجود على الثّوب المتّصل بالمُصلِّي.
قال النّوويّ: وبه قال أبو حنيفة والجمهور، وحمله الشّافعيّ على الثّوب المنفصل. انتهى.
وأيّد البيهقيّ هذا الحملَ بما رواه الإسماعيليّ من هذا الوجه بلفظ " فيأخذ أحدنا الحصى في يده ، فإذا برد وضعه وسجد عليه "، قال:
(1) أخرجه البخاري (378 ، 517 ، 1150) ومسلم (620) من طريق غالب القطان، عن بكر بن عبد الله، عن أنس بن مالك رضي الله عنه.
فلو جاز السّجود على شيء متّصل به لَمَا احتاجوا إلى تبريد الحصى مع طول الأمر فيه.
وتعقّب: باحتمال أن يكون الذي كان يبرّد الحصى لَم يكن في ثوبه فضلة يسجد عليها مع بقاء سترته له.
وقال ابن دقيق العيد: يحتاج من استدل به على الجواز إلى أمرين:
أحدهما: أنّ لفظ " ثوبه " دالٌّ على المتّصل به، إمّا من حيث اللفظ ، وهو تعقيب السّجود بالبسط يعني كما في رواية مسلم، وإمّا من خارج اللفظ ، وهو قلة الثّياب عندهم.
وعلى تقدير أن يكون كذلك - وهو الأمر الثّاني - يحتاج إلى ثبوت كونه متناولاً لمحل النّزاع، وهو أن يكون ممّا يتحرّك بحركة المُصلِّي، وليس في الحديث ما يدلّ عليه. والله أعلم.
وفيه جواز العمل القليل في الصّلاة، ومراعاة الخشوع فيها؛ لأنّ الظّاهر أنّ صنيعهم ذلك لإزالة التّشويش العارض من حرارة الأرض.
وفيه تقديم الظّهر في أوّل الوقت، وظاهر الأحاديث الوارد في الأمر بالإبراد كما تقدّم يعارضه، فمَن قال الإبراد رخصة فلا إشكال.
ومَن قال سنّة. فإمّا أن يقول التّقديم المذكور رخصة، وإمّا أن يقول منسوخ بالأمر بالإبراد.
وأحسن منهما أن يقال: إنّ شدّة الحرّ قد توجد مع الإبراد فيحتاج إلى السّجود على الثّوب أو إلى تبريد الحصى؛ لأنّه قد يستمرّ حرّه بعد
الإبراد، وتكون فائدة الإبراد وجود ظلٍّ يمشي فيه إلى المسجد أو يُصلِّي فيه في المسجد، أشار إلى هذا الجمع القرطبيّ ثمّ ابن دقيق العيد، وهو أولى من دعوى تعارض الحديثين.
وفيه أنّ قول الصّحابيّ " كنّا نفعل كذا " من قبيل المرفوع لاتّفاق الشّيخين على تخريج هذا الحديث في صحيحيهما ، بل ومعظم المصنّفين.
لكن قد يقال إنّ في هذا زيادة على مجرّد الصّيغة لكونه في الصّلاة خلف النّبيّ صلى الله عليه وسلم، وقد كان يرى فيها من خلفه كما يرى من أمامه فيكون تقريره فيه مأخوذاً من هذه الطّريق لا من مجرّد صيغة " كنّا نفعل ".