الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
الحديث الواحد والثلاثون
80 -
عن أبي هريرة رضي الله عنه عن النّبيّ صلى الله عليه وسلم ، قال: إنّما جُعل الإمام ليؤتمّ به. فلا تختلفوا عليه. فإذا كبّر فكبّروا ، وإذا ركع فاركعوا. وإذا قال: سَمِع الله لمن حَمِده ، فقولوا: اللهم ربّنا ولك الحمد. وإذا سجد فاسجدوا. وإذا صلَّى جالساً فصلّوا جلوساً أجمعون. (1)
قوله: (إنّما جعل الإمام ليؤتمّ به) الائتمام يقتضي متابعة المأموم لإمامه في أحوال الصّلاة، فتنتفي المقارنة والمسابقة والمخالفة إلَاّ ما دلَّ الدّليل الشّرعيّ عليه ، لأن النّبيّ صلى الله عليه وسلم صلَّى في مرضه الذي توفّي فيه. وهو جالس، أي: والنّاس خلفه قياماً. ولَم يأمرهم بالجلوس كما سيأتي، فدلَّ على دخول التّخصيص في عموم قوله " إنّما جعل الإمام ليؤتمّ به "
قال البيضاويّ وغيره: الائتمام الاقتداء والاتّباع. أي جعل الإمام إماماً ليقتدى به ويتّبع، ومن شأن التّابع أن لا يسبق متبوعه ولا يساويه ولا يتقدّم عليه في موقفه، بل يراقب أحواله ويأتي على أثره بنحو فعله، ومقتضى ذلك أن لا يخالفه في شيء من الأحوال.
(1) أخرجه البخاري (701) ومسلم (414) من طريق أبي الزناد عن الأعرج عن أبي هريرة به. وليس عند البخاري قوله (اللهم)
وأخرجه البخاري (689) ومسلم (414) من طريق معمر عن همام عن أبي هريرة مثله.
وأخرجه مسلم (415) من طرق أخرى عن أبي هريرة نحوه.
وقال النّوويّ وغيره: متابعة الإمام واجبه في الأفعال الظّاهرة، وقد نبّه عليها في الحديث ، فذكر الرّكوع وغيره ، بخلاف النّيّة فإنّها لَم تذكر وقد خرجت بدليلٍ آخر. انتهى.
وكأنّه يعني قصّة معاذٍ الآتية (1).
ويمكن أن يستدل من هذا الحديث على عدم دخولها ، لأنّه يقتضي الحصر في الاقتداء به في أفعاله لا في جميع أحواله كما لو كان محدثاً أو حامل نجاسة ، فإنّ الصّلاة خلفه تصحّ لمن لَم يعلم حاله على الصّحيح عند العلماء، ثمّ مع وجوب المتابعة ليس بشيءٍ منها شرطاً في صحّة القدوة إلَاّ تكبيرة الإحرام.
واختلف في الائتمام.
القول الأول: المشهور عند المالكيّة اشتراطه مع الإحرام والقيام من التّشهّد الأوّل.
القول الثاني: خالف الحنفيّة ، فقالوا: تكفي المقارنة، قالوا: لأنّ معنى الائتمام الامتثال ، ومن فعل مثل فعل إمامه عدّ ممتثلاً.
قوله: (فلا تختلفوا عليه) أفادت هذه الرواية ، أنّ الأمر بالاتّباع يعمّ جميع المأمومين ، ولا يكفي في تحصيل الائتمام اتّباع بعضٍ دون بعضٍ.
ولمسلمٍ من رواية الأعمش عن أبي صالحٍ عن أبي هريرة: لا تبادروا الإمام، إذا كبّر فكبّروا. الحديث. زاد أبو داود من رواية
(1) انظر الحديث الآتي برقم (119)
مصعب بن محمّد عن أبي صالح " ولا تركعوا حتّى يركع ولا تسجدوا حتّى يسجد ".
وهي زيادة حسنة تنفي احتمال إرادة المقارنة من قوله " إذا كبّر فكبّروا ".
قوله: (فإذا كبّر فكبّروا) ولمسلم من حديث عائشة: كان النّبيّ صلى الله عليه وسلم يفتتح بالتّكبير. وللبخاري عن ابن عمر: رأيت النّبيّ صلى الله عليه وسلم افتتح التّكبير في الصّلاة.
واستدل به وبحديث عائشة.
القول الأول. على تعيّن لفظ التّكبير دون غيره من ألفاظ التّعظيم، وهو قول الجمهور، ووافقهم أبو يوسف.
القول الثاني: عن الحنفيّة. تنعقد بكل لفظٍ يُقصد به التّعظيم.
ومن حجّة الجمهور. حديث رفاعة في قصّة المسيء صلاته ، أخرجه أبو داود بلفظ: لا تتمّ صلاة أحد من النّاس حتّى يتوضّأ فيضع الوضوء مواضعه ، ثمّ يكبّر. ورواه الطّبرانيّ بلفظ " ثمّ يقول: الله أكبر ".
وحديث أبي حميد: كان رسول الله صلى الله عليه وسلم إذا قام إلى الصّلاة اعتدل قائماً ورفع يديه ، ثمّ قال: الله أكبر. أخرجه ابن ماجه وصحَّحه ابن خزيمة وابن حبّان، وهذا فيه بيان المراد بالتّكبير. وهو قول " الله أكبر ".
وروى البزّار بإسنادٍ صحيحٍ على شرط مسلم عن عليٍّ ، أنّ النّبيّ
- صلى الله عليه وسلم كان إذا قام إلى الصّلاة قال: الله أكبر.
ولأحمد والنّسائيّ من طريق واسع بن حبّان ، أنّه سأل ابن عمر عن صلاة رسول الله صلى الله عليه وسلم ، فقال: الله أكبر كلّما وضع ورفع.
واعترض الإسماعيليّ (1) فقال: ليس في الحديث بيان إيجاب التّكبير ، وإنّما فيه الأمر بتأخير المأموم عن الإمام ، قال: ولو كان ذلك إيجاباً للتّكبير لكان قوله " فقولوا ربّنا ولك الحمد " إيجاباً لذلك على المأموم.
وأجيب: بأنّه صلى الله عليه وسلم فعل ذلك، وفعله بيان لمجمل الصّلاة، وبيان الواجب واجب، كذا وجّهه ابن رشيد.
وتعقّب: بالاعتراض الثّالث وليس بواردٍ على البخاريّ لاحتمال أن يكون قائلاً بوجوبه كما قال به شيخه إسحاق بن راهويه.
وقيل في الجواب أيضاً: إذا ثبت إيجاب التّكبير في حالةٍ من الأحوال طابق التّرجمة، ووجوبه على المأموم ظاهر من الحديث، وأمّا الإمام فمسكوت عنه.
ويمكن أن يقال: في السّياق إشارة إلى الإيجاب لتعبيره بإذا التي تختصّ بما يجزم بوقوعه.
وقال الكرمانيّ في قوله " فقولوا: ربّنا ولك الحمد " لولا الدّليل الخارجيّ وهو الإجماع على عدم وجوبه لكان هو أيضاً واجباً. انتهى.
(1) أي: اعترض على تبويب البخاري على الحديث " باب إيجاب التكبير وافتتاح الصلاة ".
وقد قال بوجوبه جماعة من السّلف ، منهم الحميديّ شيخ البخاريّ، وكأنّه لَم يطّلع على ذلك.
فائدتان:
الفائدة الأولى: جزم ابن بطّال ومن تبعه حتّى ابن دقيق العيد ، أنّ الفاء في قوله " فكبّروا " للتّعقيب، قالوا: ومقتضاه الأمر بأنّ أفعال المأموم تقع عقب فعل الإمام.
لكن تعقّب: بأنّ الفاء التي للتّعقيب هي العاطفة، وأمّا التي هنا فهي للرّبط فقط لأنّها وقعت جواباً للشّرط، فعلى هذا لا تقتضي تأخّر أفعال المأموم عن الإمام إلَاّ على القول بتقدّم الشّرط على الجزاء، وقد قال قوم: إنّ الجزاء يكون مع الشّرط، فعلى هذا لا تنفي المقارنة، لكنّ رواية أبي داود هذه صريحة في انتقاء التّقدّم والمقارنة (1). والله أعلم.
الفائدة الثانية:
تكبيرة الإحرام ركنٌ عند الجمهور.
وقيل: شرطٌ وهو عند الحنفيّة، ووجهٌ عند الشّافعيّة.
وقيل سُنّة. قال ابن المنذر: لَم يقل به أحدٌ غير الزّهريّ، ونقله غيره عن سعيد بن المسيّب والأوزاعيّ ومالك ، ولَم يثبت عن أحدٍ منهم تصريحاً، وإنّما قالوا فيمن أدرك الإمام راكعاً: تجزئه تكبيرة الرّكوع.
(1) تقدمت رواية أبي داود أثناء الشرح ، وهي (ولا تركعوا حتّى يركع ، ولا تسجدوا حتّى يسجد)
نعم. نقله الكرخيّ من الحنفيّة عن إبراهيم بن عليّة وأبي بكر الأصمّ، ومخالفتهما للجمهور كثيرة.
تنبيهٌ: لَم يختلف في إيجاب النّيّة في الصّلاة، وقد أشار إليه البخاري في أواخر الإيمان حيث قال:" باب ما جاء في قول النّبيّ صلى الله عليه وسلم الأعمال بالنّيّة " فدخل فيه الإيمان والوضوء والصّلاة والزّكاة إلى آخر كلامه.
وبقية مباحث الحديث ستأتي في حديث عائشة الذي بعده.