الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
الحديث الثامن والثلاثون
87 -
عن عائشة رضي الله عنها قالت: كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يستفتح الصّلاة بالتّكبير ، والقراءة بـ (الحمد لله ربّ العالمين) ، وكان إذا ركع لَم يُشخص رأسه ولَم يصوّبه ، ولكن بين ذلك ، وكان إذا رفع رأسه من الرّكوع لَم يسجد حتّى يستوي قائماً ، وكان إذا رفع رأسه من السّجدة لَم يسجد ، حتّى يستوي قاعداً ، وكان يقول في كل ركعتين التّحيّة ، وكان يفرش رجله اليسرى ، وينصب رجله اليمنى ، وكان ينهى عن عقبة الشّيطان، وينهى أن يفترش الرّجل ذراعيه افتراش السّبع ، وكان يختم الصّلاة بالتّسليم. (1)
قوله: (يستفتح الصّلاة بالتّكبير) تقدَّم الكلام عليه. (2)
قوله: (والقراءة بـ (الحمد لله ربّ العالمين). سيأتي الكلام عليه إن شاء الله. (3)
قوله: (وكان إذا ركع لَم يُشخص رأسه ولَم يصوّبه) أخرج البخاري من رواية يزيد بن أبي حبيب ويزيد بن محمد عن محمد بن عمرو بن حلحلة عن محمد بن عمرو بن عطاء عن أبي حميد رضي الله عنه رفعه. وفيه: وإذا ركع أمكن يديه من ركبتيه، ثم هصر ظهره.
قوله " هصر ظهره " بالهاء والصاد المهملة المفتوحتين. أي: ثناه في
(1) هذا الحديث لَم يخرجه البخاري في " صحيحه " ، وإنما انفرد بإخراجه مسلم (1138) من طريق بديل بن ميسرة عن أبي الجوزاء عن عائشة رضي الله عنها به.
(2)
انظر حديث أبي هريرة رضي الله عنه. رقم (80).
(3)
انظر حديث أنس رضي الله عنه رقم (107 ، 108).
استواء من غير تقويس. ذكره الخطابي ، وفي رواية البيهقي " غير مقنع رأسه ولا مصوّبه " ، ونحوه لعبد الحميد.
وفي رواية فليح عن عباس بن سهل عن أبي حميد عند أبي داود " فوضع يديه على ركبتيه كأنه قابضٌ عليهما ، ووتَّر يديه فتجافى عن جنبيه ".
وله في رواية ابن لهيعة عن يزيد بن أبي حبيب " وفرج بين أصابعه "
قوله: (وكان إذا رفع رأسه من الرّكوع .. حتّى يستوي قاعداً). سيأتي الكلام عليه إن شاء الله. (1)
قوله: (وكان يفرش رجله اليسرى وينصب رجله اليمنى) وللبخاري عن أبي حميد الساعدي رضي الله عنه " فإذا جلس في الركعتين جلس على رجله اليسرى ونصب اليمنى ". وقوله " في الركعتين " أي الأوليين ليتشهد. ولأبي داود " ثم جلس فافترش رجله اليسرى ، وأقبل بصدر اليمنى على قبلته ".
فائدة: قال ابن عبد البر: اختلفوا في التربع في النافلة وفي الفريضة للمريض ، وأمَّا الصحيح فلا يجوز له التربع في الفريضة بإجماع العلماء.
كذا قال. وروى ابن أبي شيبة عن ابن مسعود قال: لأن أقعد على رضفتين أحب إليَّ من أن أقعد متربعاً في الصلاة. وهذا يشعر بتحريمه عنده ، ولكن المشهور عن أكثر العلماء أن هيئة الجلوس في التشهد
(1) انظر حديث أنس برقم (93).
سنة ، فلعلَّ ابن عبد البر أراد بنفي الجواز إثبات الكراهة
قوله: (وينهى أنْ يفترش الرّجل ذراعيه افتراش السّبع). سيأتي الكلام عليه إن شاء الله. (1)
(1) انظر حديث ابن بحينة رضي الله عنه الآتي رقم (96).
وهذا الحديث لم يُخرِّجه البخاري ، وإنما انفرد به مسلم كما تقدم ، ولذا لم يتكلّم الحافظ رحمه الله على بعض معانيه.
قال الحافظ ابن الملقن في " الإعلام بفوائد عمدة الأحكام "(3/ 19):
الكلام فيه من أربعة وثلاثين وجهاً
أحدها: هذا الحديث سها المصنِّف في إيراده في كتابه فإنه من إفراد مسلم، وشرطه إخراج ما اتفقا عليه.
قلت: وفي إسناده عِلَّة. رواه مسلم من حديث أبي الجوازء الربعي عن عائشة. قال ابن عبد البر: ولَم يسمع منها، حديثه عنها مرسل.
قلت: إدراكه لها ممكن؛ بل ورد مشافهته لها بالسؤال، لكن قال البخاري: في إسناده نظرٌ.
ثانيها: كان تقتضي المداومة أو الأكثرية، لكن لا يأتي فيها هنا إلَاّ المداومة لافتتاح الصلاة بالتكبير ، والقراءة بالحمد لله رب العالمين ، أي: بسورة الحمد ، ومعلوم أنه صلى الله عليه وسلم لا يخل بالتكبير والقراءة.
ثالثها: الرواية في القراءة بالنصب عطفاً على مفعول يستفتح ، وهو الصلاة ، وفي الحمد ضم داله على الحكاية ، أي: ويستفتح القراءة بـ (الحمد لله رب العالمين) أي: بسورة الحمد ، ولا تعارض بين هذا الحديث وحديث أبي هريرة السالف قبله أذن. لأنَّ المعنى أنه يسكت السكوت المذكور بعد التكبير ، ثم يستفتح القراءة بذلك ، ولا يصحُّ الخفض في القراءة ، ويكون دليلاً على عدم السكوت لئلا يؤدي إلى معارضته لحديث أبي هريرة فاعمله.
رابعها: الفقهاء يستدلون بأفعاله صلى الله عليه وسلم في كثير منها في الصلاة على الوجوب ، لأنهم يرون أنَّ قوله تعالى:(وأقيمُواْ الصّلوة) خطاب مجمل مبين بالفعل ، والفعل المبيّن للمُجمل المأمور به يدخل تحت الأمر ، فيدل بمجموع ذلك على الوجوب ، لا لأنَّ الفعل بمجرده يدل على الوجوب ، وإذا كان المسلك ذلك ، ووجدت أفعال غير واجبة وجب أن يحال على دليلٍ آخر دلَّ على عدم وجوبها. =
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
= وفي ذلك بحث؛ وهو: أنَّ الخطاب المجمل يبين بأول الأفعال وقوعاً ، فلا يكون ما وقع بعده بياناً له بوقع البيان بالأول ، بل تبقى أفعالاً مجردة لا تدل على الوجوب ، إلَاّ أن يدل دليل على أنَّ الفعل المستدل به بياناً ، فيتوقف الاستدلال بهذه الطريقة على وجوده ، بل قد يقوم الدليل على خلافه: كمن رأى النبي صلى الله عليه وسلم يفعل فعلاً ، وهو من أصاغر الصحابة الذين لهم تمييز بعد أقامته صلى الله عليه وسلم مدة للصلاة مثلاً؛ فهذا مقطوعٌ بتأخيره عن وقت البيان ، وكذا من أسلم بعد مكة وأخبر برؤية الفعل ، فإنه حينئذ يتحقق تأخير الفعل.
قال الشيخ تقي الدين ابن دقيق العيد: وهذا تحقيق بالغ ، قال: وقد يجاب عنه بأنْ يقال: دلَّ الدليل من الحديث المعين على وقوع هذا الفعل ، والأصل عدم غيره ، فتعين أن يكون بياناً ، وهذا قوي فيما إذا وجدنا فعلاً لَم يقم الدليل على عدم وجوبه ، فأما إذا وجد فإن جعلناه مبيناً بدلالة الأصل على عدم غيره ، ودلّ الدليل على عدم وجوبه لزم النسخ لذلك الوجوب الذي ثبت فيه أولاً ، ولا شك أنَّ مخالفة الأصل أقرب من التزام النسخ.
خامسها: قولها: يستفتح الصلاة بالتكبير " تعني بالتكبير الذي هو تحريم للصلاة ، كما ثبت: تحريمها التكبير. صحَّحه الحاكم من حديث أبي سعيد على شرط مسلم ، ولا شك أنَّ التحريم لا يحصل بالتكبير وحده ، بل به وبالنية ، وهما أمران أحدهما قائم بالقلب ، والثاني بالمنطق ، فيتحمل أنها عبرت بالأخص عن الأعم للعلم به.
ويحتمل: أنها ذكرتْه للتنبيه على تعيّن لفظ التكبير دون غيره ، وأن استفتاح الصلاة بالنية كان معلوماً عندهم ، وهي قصد الطاعة بالصلاة ، كما أنَّ الإخلاص في الطاعة لله لا بدَّ منه في الاستفتاح وغيره ، وهو تصفية العمل من الشوائب ، بأن لا يقصد بالعمل للنفس ، ولا للهوى ، ولا للدنيا ، بل للتقرب إلى الله تعالى فكذلك النية ، وكلاهما كان عندهم معلوماً ، فلهذا استغنت بذكر التكبير عنهما ، ونقل خلاف ذلك عن بعض المتقدمين.
قال الشيخ تقي الدين: تأوله بعضهم على مالك ، والمعروف خلافه عنه وعن غيره.
سادسها: تكبيرة الإحرام: ركن على المشهور عندنا ، وبه قال مالك.
وقيل: شرط ، حكاه الروياني في بحره ، وهو مقتضى قول الطبري في الصلاة الرباعية: خمسة وأربعون خصلة: ثمانية منها قبل الدخول ، النية والتكبير ، ثم عد باقي الشروط ، وهو مذهب أبي حنيفة.
وتظهر فائدة الخلاف فيما لو كبّر وفي يده نجاسة ثم ألقاها في أثناء التكبير ، أو شرع في =
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
= التكبير قبل ظهور الزوال ، ثم ظهر الزوال قبل فراغها ، فلا تصح صلاته على المشهور عندنا فيهما ، وتصح على الثاني كستر العورة.
وقال بعض المالكية: فائدة الخلاف ما ذكره سحنون ، أنَّ الناظر إلى عورة إمامه في الصلاة متعمداً تبطل صلاته.
فإذا قيل: إنها ركنٌ بطلت صلاة الناظر ألى عورة إمامه حين إحرامه وإلَاّ فلا.
وقال بعضهم: فائدتة في صحة تقديم الإحرام على وقت العبادة فإن قلنا: بالأول فلا تصح ، وإلاّ صحّت ، إذ لا يشترط في إيقاع شرط العبادة المؤقتة دخول الوقت كالطهارة.
واحتج مَن قال: بأنها ركن بحديث المسيء صلاته: إذا قمت إلى الصلاة فكبِّر " الحديث ، واعترض بأنَّ فيه إسباغ الوضوء واستقبال القبلة ، وهما شرطان.
وأجيب: بأن الشرط قد لا يفارق الصلاة: كالستر والاستقبال
ويحتج له أيضاً بحديث معاوية بن الحكم السلمي في الصحيح " إن صلاتنا لا يصلح فيها شيء من كلام الآدميين. إنما هو التسبيح والتكبير وقراءة القرآن " فجعل التكبير منها.
واحتج مَن قال: بأنها شرط بقوله تعالى: (وَذَكَرَ اسمَ ربه فصلى) ، والفاء للتعقيب ، والذكر التكبير ، والصلاة معطوفة عليه بالفاء ، فهو غيرها.
قال الزمخشري: فصلّى صلاة العيد ، وذكر اسم ربه ، فكبَّر تكبيرة الافتتاح. وبه يحتج على وجوب تكبيرة الافتتاح وعلى أنها ليست من الصلاة ، لأنَّ الصلاة معطوفة عليها. وعلى أنَّ الافتتاح جائز بكل اسم من أسمائه عز وجل.
ثم قال: وعن ابن عباس: ذكر معاده وموقفه بين يدي ربه ، فصلَّى له.
وعن الضحاك: وذكر اسم ربه في طريق المصلَّى ، فصلَّى صلاة العيد.
وقال غيره: يحتمل أن يكون المراد بالذكر هنا النية ، فالآية خارجة عن النصوصية على ما ادَّعوه ، واذا تطرَّق إليها الاحتمال سقط بها الاستدلال.
وقال بعض المتأخرين: ليس المراد بالذكر هنا تكبيرة الإحرام بالإجماع قبل خلاف المخالف.
واحتجوا أيضاً: بالحديث السالف: تحريمها التكبير وتحليلها التسليم ، والمضاف غير المضاف إليه.
وجوابه: أنه قد يضاف البعض إلى الجملة. كما تقول: راس زيد ، فلا حجة فيه.
وفي المسألة قول ثالث: أنَّ تكبيرة الإحرام سنة. =
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
= روى ابن المنذر: عن ابن شهاب ، أنه قال في رجل نوى الصلاة ورفع يديه ولَم يحرم: إن الصلاة تجزئه. وحكى القاضي وجماعة: عن ابن المسيب والحسن والزهري والحكم والأوزاعي: أنَّ تكبيرة الإحرام سنة. وأنكر ذلك على ابن شهاب وابن المسيب. وقالوا: إنهما يريانها سنة في حق المأموم خاصة. واليه أشار ابن الموارد. قال: ولَم يختلف في الفذ والإمام ، وإنما اختلف في المأموم.
سابعها: إذا تقرَّر أنه لا بد من لفظٍ. فاختلف العلماء فيه. فعند أبي حنيفة أنه يكفي مجرد التعظيم كالله أجل ، أو أعظم فإن لَم يقصد ، فروايتان عنه. وروي عنه أنه قال: أكره أن تنعقد الصلاة بغير: الله أكبر. وعنه روايتان: فيما إذا قال: الله أو الرحمن ، واقتصر عليه. ووافقه على عدم الانعقاد بيا الله ارحمني ، وبيا اللهم اغفر لي ، وبالله أستعين.
والجمهور. على تعين لفظ التكبير ، وبه قال مالك والشافعي وأحمد.
مستدلين على وجوبه وتعينه بهذا النقل ، على الطريقة السابقه من كونه بياناً للمجمل ، وفيه ماذكرنا ، لكن انضم إليه قوله عليه أفضل الصلاة والسلام: صلَّوا كما رأيتموني أصلي ، فصار البيان بفعله وقوله.
وصحَّ من حديث أبي حميد الساعدي رضي الله عنه: قال: كان رسول الله صلى الله عليه وسلم إذا استفتح الصلاة: استقبل القبلة ، ورفع يديه ، وقال: الله أكبر ، رواه ابن ماجه ، وصحَّحه ابن حبان في كتابه وصف الصلاة بالسنة.
وذهب أبو يوسف إلى الانعقاد بالله الكبير. وجوابه: أن أكبر أبلغ.
واختلف أصحابنا في الانعقاد بقوله: الله الأكبر.
والأصح: نعم ، بل هو أبلغ في التعظيم. ووجه مقابله أنه إذا أدخل الألف واللام على أكبر صار نعتاً ، وبقي المبتدأ بلا خبر ، كذا علَّله الأبهري المالكي.
واعترض عليه: بأنه لا يمتنع أن يكون الأكبر خبراً ، لأنَّ خبر المبتدأ قد يكون معروفة ، إلَاّ أنه قد صار محتملاً للنعت وللخبر ، فكيف يقوم ذلك مقام الله أكبر الذي تعين فيه أن أكبر خبر ، ولعل هذا هو السر في اقتصار الشارع على الثاني.
واعترض الأبهري على مَن قال بالانعقاد بالله الأكبر: بأنه لا يجوز الجمع بين الألف واللام ، ومن في أفعل التفضيل إذ المعنى الله الأكبر من كل كبير.
فإن قلت: الأكبر جاز أن يكون معه من يشاركه في الكبر ، بخلاف أكبر.
وفيما ذكره نظرٌ ، لأنَّ صيغة أفعل التي للمفاضلة تقتضي وضعها للمشاركه في أصل الشيء والزيادة عليه ، كان فيه الألف واللام أو لَم يكن: كقولنا: زيد أفضل من عمرو ، =
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
= وزيد الأفضل. وكذا مع الإضافة نحو زيد أفضل القوم.
فرع: لو قال: الله أكبر بالتنوين أو بالنصب فلا نقل في ذلك ، والذي يظهر المنع إذ لَم يأت بالتكبير اللغوي ، كما صرَّحوا به فيما إذا مد الهمزة.
فرع: من عجَزَ عن النطق بالعربية ولَم يقدر على التعلم ترجم بلسانه ، ووجب عليه التعلم إن قدر ، فإنه فقد من يعلمه ترجم ولا إعادة ، فإنْ أهمل التعلم مع إمكانه وضاق الوقت صلَّى بالترجمة ، والأصح وجوب الأعادة لتقصيره. وللمالكية ثلاثة أقول فيما إذا ضاق الوقت عن التعلم:
أحدها: لا ينطق بغير التكبير إذ لا يقوم غيره مقامه ، ومقتضاه أن يدخل في الصلاة بالنية ، وهو قول الأبهري. وصوبه المازري. والثاني: يفتتح الصلاة بالحرف الذي دخل به في الإسلام ، قاله أبو الفرج ، وهو أولى من الاكتفاء بالنية. والثالث: كمذهبنا.
فرع: قال صاحب " البيان والتقريب " من المالكية: واختلف فيمن افتتح الصلاة ، ثم شك في صحة إحرامه ، فتمادى ، ثم تبين له أنه كان أحرم. وكذا من زاد في الصلاة متعمداً أو ساهياً ، ثم تبين له أنه الواجب ، ومن صلَّى شاكَّاً في إتمام صلاته ، ثم تبين له إنه أتم أو شك في طهارته فتمادى ، ثم تبين أنه متطهر. في جميع ذلك قولان: الإجزاء وعدمه.
فائدة: الحكمة في تقديم التكبير تنبيه للمصلي على معنى هذه الكلمة التي معناها أنه الموصوف بالجلال وكِبَر الشأن ، وأن كل شيء دون جلاله وسلطانه حقير ، وأنه جل وتقدس عن شبه المخلوقين والعابثين ، ولِيَشغل المُصلِّي فهمه وخاطره بمقتضى هذه اللفظة ، ويستحقر أن يذكر معه غيره أو يحدث نفسه بسواه جلَّ اسمه.
ثامنها: قوله: والقراءة بالحمد لله رب العالمين تمسك به مالك وأصحابه في ترك الذكر بين التكبير والقراءة ، لأنه لو تخلل بينهما ذكر لَم يكن الاستفتاح بـ (الحمد لله رب العالمين) ، وقد تقدم ما فيه في الوجه الثالث.
تاسعها: قولها: بالحمد استدل به أصحاب مالك وغيرهم على ترك التسمية في ابتداء الفاتحة ، وأنها ليست منها ، ونقله القرطبي في شرحه عن الجمهور.
وتأوله الشافعي والأكثرون القائلون بأنها من الفاتحة ، كما نقله عنهم النووي في " شرح مسلم ": على أنَّ المراد يستفتح القراءة بسورة الحمد ، لا بسورة أخرى ، وقد قامت أدلة على أنَّ البسملة منها ، وقد صنَّف في ذلك وفي الجهر بها أبو شامة المقدسي قدس الله روحه مجلدةً ضخمةً. فأفاد فيها وأجاد ، وأغنى عن الخوض فيها. وقد =
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
= صنَّف قبله في ذلك سليم الرازي ، والخطيب ، حتى ابن عبدالبر من المالكية.
وأجاب بعض المخالفين عن تأويل الشافعي وغيره: بأن لفظ الحديث. إن أُجري مجرى الحكاية اقتضى البداءة به بعينه فلا يكون غيره قبله ، لأنَّ الغير حينئذ يكون هو المفتتح به ، وإن جعل اسماً فالفاتحة لا تسمى سورتها مجموع الحمد الله رب العالمين ، بل بسورة الحمد. فلو كان لفظ الرواية كان يفتتح بالحمد لقوي تأويل الشافعي وغيره ، فإنه يدل حينئذ على الافتتاح بالسورة التي البسملة بعضها عندهم ، قاله الشيخ تقي الدين.
وقوله: لا تسمى بهذا المجموع غلطٌ. ففي سنن أبي داود من حديث أبي هريرة قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: الحمد لله رب العالمين: أم القرآن وأم الكتاب والسبع المثاني. وفيها أيضاً من حديث أبي سعيد بن المعلى: الحمد لله رب العالمين ، وهي السبع المثاني الذي أوتيت والقرآن العظيم. وهذا ظاهرٌ ، ونصَّ في أنَّ الفاتحة تسمى بهذا المجموع الذي هو: الحمد لله رب العالمين ، وبالله التوفيق.
وأجاب بعض المتأخرين من المخالفين؛ عن التأويل المذكور: بأن هذا الاحتجاج إنما كان يحتمل لو كانت الرواية بخفض الدال. وأما على الضم فهو على الحكاية كما تقدم ، أعني حكاية لفظ صلى الله عليه وسلم. وكأنها قالت: كان يبتدئ الصلاة بهذا اللفظ.
فائدة: تتعلق بإثبات البسملة في الفاتحة. روى الروياني في بحره عن أبي سهل الأبيوردي ، أنَّ خطيباً ببخارى من العلماء الزهاد رأى خبراً عن رسول الله صلى الله عليه وسلم ، أنَّ مَن قرأ قل هو الله أحد ألف مرة رفع الله عنه وجع السن فلا يجع أبداً فوجع سنه ، فقرأها ألفاً ، فلم يزل الوجع. وزاد. فرأى رسول الله صلى الله عليه وسلم في المنام فسأله عن وجع السنِّ وعما يفعل؟ فقال: رأيت خبراً عنك يارسول الله! كذا ، وفعلت كذا ، فلم يسكن وجعي ، فقال صلى الله عليه وسلم: لأنك قرأتها بلا تسمية ، فاقرأ بها بالتسمية ، فقرأها بها فزال وجع سنه ، ولَم يعد.
قال هذا الخطيب: فاعتقدت مذهب الشافعي في هذه المسألة. فلا أصلي إلَاّ بها.
وروى بعض العلماء عن بعض العارفين ، وقد قيل له: بماذا ترى ظهر اسم الإمام الشافعي وغلب ذكره؟ فقال: أرى ذلك بإظهار اسم الله في البسملة لكل صلاة.
عاشرها: قولها: (وكان إذا ركع لَم يشخص رأسه) هو بضم الياء ، وماضية أشخص ، أي: لَم يرفع رأسه. ومادة الإشخاص تدل على الارتفاع ، ومنه أشخص بصره إذا رفعه إلي العلو: ومنه الشخص لارتفاعه للأبصار. ومنه شَخَصَ المسافر إذا خرج من منزله إلى غيره ، والأصل شَخَصَ الرجل غير متعد ، فلما دخلت عليه همزة النقل =
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
= تعدى إلى مفعول واحد ، ويقال للرجل إذا ورد عليه أمرُ أقلقه: شخص. كأنه ارتفع عن الأرض لقلقه
الحادي عشر: قولها: (ولَم يُصوبه) هو بضم الياء وفتح الصاد وكسر الواو المشددة، أي: لَم ينكسه ، ومنه الصيب للمطر ، يقال: صاب يصوب إذا نزل، ومَن أطلق الصيب على الغيم، فهو من المجاز لأنه سبب الصيب الذي هو المطر.
الثاني عشر: قولها: (ولكن بين ذلك) أي: بين الارتفاع والتنكيس.
فأن قلت: الأصل في " بين " أن تضاف إلى شيئين فصاعداً كقولك: المال بين زيد وعمرو، وبين الزيدين ونحو ذلك ، فما بالها جاءت مضافة إلى مفرد وهو ذالك؟
فالجواب: أنه لَمَّا كانت الإشارة بـ ذلك إلى ما تقدم من الإشخاص والتصويب المفهومين من فعليهما ساغ فيها ذلك. ومنه قوله تعالى: (لا فارضُ ولا بكر عوان بين ذلك). وهذا منها إشارة إلى المسنون في الركوع ، وهو الاعتدال باستواء الظهر والعنق.
الثالث عشر: قولها: (وكان إذا رفع رأسه من الركوع لَم يسجد حتى يستوي قائماً). فيه دليل على الرفع من الركوع والاعتدال فيه بأن يستوي قائماً.
وقد اختلف الفقهاء فيه على ثلاثة أقوال. أحدها: يجب. وثانيها: يستحب. وثالثها: يجب فيما هو إلى الاعتدال أقرب ، ويستحب ما زاد عليه ، ولكن الرفع من الركوع من الأفعال التي ثبت استمرار النبي صلى الله عليه وسلم عليها ، ورواية ابن القاسم: أنه إذا أخلَّ به. وجبت الإعادة ، ولَم تجب في رواية ابن زياد.
فإذا قيل برواية ابن القاسم: فهل يجب الاعتدال أم لا؟ فيه الأقوال السالفة. الأول: لابن القاسم. والثاني: لأشهب. والثالث: للقاضي عبدالوهاب. وحيث قالوا بالوجوب فتجب الطمأنينة عندهم ، وقيل: لا.
ومن الفوائد الغريبة: أنَّ منصوراً التميمي من قدماء الشافعية، أخذ عن الربيع. ذَكَرَ في كتاب المسافر عن نصِّ الشافعي أنه يكفي الاعتدال في الرفع من الركوع وفي الجلوس بين السجدتين. وهذا غريب عن الشافعي.
وفي " التتمة " وجهٌ أنَّ الاعتدال لا يجب في النافلة ، وأجراه القفال فيما رأيته من " فتاويه " في الجلوس بين السجدتين. وبناه على أنَّ صلاة التطوع هل تجوز بالإيماء مع القدرة؟. وصحَّح الجواز ، وأما غيره فصحَّح عدم الجواز.
الرابع عشر: قولها: (وكان إذا رفع رأسه من السجود لَم يسجد حتى يتسوي قاعداً) فيه دليل على الرفع من السجود والاستواء في الجلوس بين السجدتين ، أما الرفع فلا =
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
= بد منه لعدم تصور عدد السجدتين بغيره. بخلاف الركوع فإنه غير متعدد فلهذا أجرى الخلاف في وجوب الرفع منه.
قال الشيح تقي الدين: وأجرى بعض الفضلاء من المتأخرين الخلاف الذي في الرفع من الركوع في الرفع من السجدة الأولى ، وقال: الرفع منها والاعتدال والطمأنينة: كالرفع من الركوع ، وهو سهو لعدم تصوره في الرفع من السجود لتعدده شرعاً بخلاف الركوع ، فأنه غير متعدد ، وهو متميز عن السجود بخلاف السجدة الثانية ، فإنها غير متميزة عن الأولى ، فافتقرت إلى التمييز بالرفع الفاصل بينهما ، وكأن الذي نسب إليه الشيخ هذا السهو - هو ابن الحاجب - فإنه قال: والرفع منه والاعتدال فيه: كالركوع. وبعض المالكية شرع يؤوله ، ويقوله: لا سهو فيه. وليس بظاهر.
ومحل الكلام في أقل السجود وأكمله كتب الفقه ، وقد بسطناه فيها ، فلا نطول بإيرادها منه.
ونص صاحب " الجواهر " من المالكية: على أنه يستحب كشف الكعبين ، واستحب متأخروا المالكية أن يسجد بين كفيه ، ولَم يحد مالك في ذلك حدّاً. ثم إذا سجد الثانيه قام مكبراً كسائر تكبيرات الانتقالات.
ومذهب مالك. أنه يستثنى من ذلك تكبيرة القيام من الجلوس ، فإنه لا يكبر حتى يستقبل قائماً ، وفرَّقوا بأن الشروع في تكبير الانتقال إنما هو في الأركان ، فلم ينتقل من ركن إلي ركن فيكبر فيه.
قال القاضي عياض: هو مذهب عمر بن عبدالعزيز. قال: وعامة الفقهاء على خلافه.
قال مالك: وإن كبرها في نهوضه فهو في سعة.
الخامس عشر: قولها: (وكان في كل ركعتين التحية) تريد التشهد كله ، وهو من باب إطلاق لفظ البعض على الكل ، وهذا الموضع مما فارق فيه الاسم المسمى فإن التحية: الملك أو البقاء أو غيرهما ، وذلك لا يتصور ، قوله: بل يقال: اسمه الدال عليه. بخلاف قولنا: أكلت الخبز وشربت الماء. فإن الاسم فيه أريد به المسمى.
وأما لفظ الاسم: فقد قيل فيها: إن الاسم هو المسمى ، وفيه نظرٌ دقيق ، كما قال الشيخ تقي الدين: وهذا بالنسبة إلينا ، وأما بالنسبة إلى الله تعالى فلا يقال الاسم غير المسمى ، ولا هو هو ، بل يجب إطلاقه كما أطلقه الله تعالى من غير خوض
وقد أفرد هذه المسألة بالتصنيف البطليموسي رحمه الله.
ولَم تعيِّن رضي الله عنها ما كان يتشهد به في هذا الحديث. وقد ورد في ذلك أحاديث عدة جمعتهم في تخريجي لأحاديث الرافعي. واختار الشافعي منها: حديث ابن عباس =
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
= الذي أخرجه مسلم ، واختار أبو حنيفة وأحمد: تشهد ابن مسعود. وإختار مالك: تشهد عمر.
السادس عشر: قولها: (وكان يفرش رجله اليسرى ، وينصب رجله اليمنى). يفرُش. بضم الراء أشهر من كسرها.
واستدل أصحاب أبي حنيفة: بهذا الحديث على اختيار هذه الهيئة في الجلوس من الرِّجل ، وهو مذهب سفيان.
ومالك: اختار التورك.
وأحمد: يتورك في آخر الرباعي.
والشافعي: فصل بين الأول والأخير ، فيفترش في الأول ، كما يجلس بين السجدتين وجلسة الاستراحة ، ويتورك في الأخير. واحتج بحديث أبي حميد الساعدي في صحيح البخاري: أنه لَمَّا وصف صلاة النبي صلى الله عليه وسلم قال: فإذا جلس في الركعتين جلس على رجله اليسرى ، ونصب اليمنى ، فإذا جلس في الركعة الأخيرة قدم رجله اليسرى ، ونصب الأخرى ، وقعد على مقعدته "
وحمل حديث عائشه هذا على غير الأخير ، جمعاً بينه وبين حديث أبي حميد ، ورجح من حيث المعنى بأمرين:
أحدهما: أنَّ المخالفة في هيئة الجلوس قد يكون سبباً للتذكير عند الشك في كونه الأول أو الأخير.
والثاني: أنَّ الافتراش هيئة استيفاز فناسب الجلسات الأُوَل. والتورك هيئة اطمئنان فناسب الأخير. كيف وهو مطابق للنقل في حديث أبي حميد السالف فكان أولى.
ومذهب الشافعي: جلوس المرأة كجلوس الرجل. وذهب بعض السلف. إلى أنَّ سنة المرأة التربع في الجلسات سواء فيه الفريضة والنافلة ، وخصَّه بعضهم بالنافلة ، حكاه عنهما القاضي. ومذهب الجمهور: أنه لا فرق.
وقد وردت هيئة التورك في بعض الأحاديث ، لكن ليست لها قوة في الصحة: كأحاديث الافتراش والتورك.
واختلف قول الشافعي رضي الله عنه في الأفضل في جلوس العاجز عن القيام في الفريضة وجلوس المتنفل الذي له أجر نصف القاعد على أقوال ، ذكرتها في شرح المناهج وغيره أصحها: الافتراش ، لأنه غالب جلسات الصلاة الأربع.
السابع عشر: قولها: (وكان ينهى عن عقبة الشيطان) هو بضم العين وإسكان القاف. يروى عقب بفتح العين وكسر القاف ، وحُكي ضم العين فيه وهو ضعيف. =
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
= وفسره أبو عبيدة وغيره بالإقعاء المنهي عنه. وهو أن يلصق إليته بالأرض وينصب ساقيه ويضع يديه على الأرض. كذا حكاه النووي في (شرحه لمسلم) عن أبي عبيدة وغيره ، وحكاه في " شرح المهذب " عن أبي عبيد: أنه حكاه عن شيخه أبي عبيدة.
وقال الشيخ تقي الدين: فسر بأن يفرش قدميه ويجلس بإليته على عقبيه ، وقد سمى ذلك بالأقعاء أيضاً.
قلت: فأمّا الإقعاء الذي هو سنة الثابت في صحيح مسلم من حديث ابن عباس فهو: أن ينصب أصابع قدميه ويجلس بوركيه على عقبيه ، فليس من هذين التفسيرين في شيء
وقال صاحب " التبصرة ": ولا يجوز أن يقعي في الجلوس بين السجدتين إقعاء الكلب. قال: هو أن يجلس على قدميه وهما منصوبتان
وقال البيهقي في سننه: يحتمل أن يكون حديث عائشة هذا وارداً في الجلوس في التشهد الأخير فلا منافاة.
وقال القاضي عياض: ذهب جماعة من السلف إلى أنَّ المنهي عنه من الإقعاء هو الرجوع على صدور القدمين فيما بين السجدتين وتمس أليته بعقبيه.
قلت: وهو ماصدره المحب الطبري في " أحكامه ". ثم قال: وقيل: هو أن يترك عقبيه غير مغسولتين في الوضوء ، ولَم يذكر غير ذلك في تفسيره.
الثامن عشر: قولها: (وينهى أن يفترش الرجل ذراعيه افترش السبع) هو أن يضع ذراعيه على الأرض في السجود ، والسنة ان يرفعهما ، ويكون الموضوع على الأرض كفيه ، وإنما نهى عن ذلك لأنها صفة الكاسل والمتهاون بحاله ، مع ما فيه من التشبه بالسباع والكلاب ، كما نهى عن التشبه بهما في الأفعال.
التاسع عشر: قولها: (وكان يختم الصلاة بالتسليم) معناه: يتحلّل منها بالتسليم ،كما قال عليه الصلاة والسلام في الحديث السالف: وتحليلها التسليم. ولا شك أنَّ تحريمها التكبير ، أو ما في معناه من التعظيم على قول أبي حنيفة ، فكذلك تحليلها فتقتضي الوجوب فيه مع قوله صلى الله عليه وسلم: صلّوا كما رأيتموني أصلّي "
وبوجوبه ، قال مالك والشافعي وأحمد والجمهور سلفاً وخلفاً ، وأن الصلاة لا تصحُّ إلَاّ به.
وقال أبو حنيفة والثوري والأوزاعي: هو سنة ولو تركه صحت صلاته.
قال أبو حنيفة: لو فعل فعلاً منافياً للصلاة من حدث ، أو غيره في آخرها صحت صلاته. واحتج: بأنه صلى الله عليه وسلم لَم يعلّمه الأعرابي حين علَّمه واجبات الصلاة. =
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
= واحتج الجمهور بفعله. وماذكرناه.
قال القاضي: وعندنا مثل قول أبي حنيفة عن ابن القاسم غير أنها قولةٌ منكرةٌ غير جارية على أصولنا.
واحتج له: بأنه صلى الله عليه وسلم علَّم ابن مسعود التشهد. وقال: إذا قضيت هذا فقد تمت صلاتك ، فإن شئت فقم ، وأن شئت فاقعد.
والجواب: أنَّ هذا مُدرج في الحديث كما نبَّه الحفاظ.
قال ابن العربي: وكان شيخنا فخر الدين ينشدنا في الدرس.
ويرى الخروج من الصلاة بظرطة
…
أين الضراط من السلام عليكم
ومحل الخلاف في أقل السلام وأكمله ، بسطناه في الفقه ، فراجعه منه.
وانفرد مالك من بين الأربعة فقال: المشروع تسليمة واحدة. وهو قول ضعيف
وشذ بعض الظاهرية والمالكية: فأوجب الثانية ، وهو رواية عن أحمد ، وهو مخالف لإجماع من قبله.
ولا يسلّم المأموم عند المالكيه: حتى يفرغ الإمام منها ، ويضيف إليها المأموم اثنتين على المشهور عندهم: أولاهما: يرد بها على إمامه ، والثانية: عن يساره إن كان عن يساره أحد.
وقيل: يبدأ منها باليسار.
وقيل: يتخير ولو كان مسبوقاً ، ففي رده على الإمام ومَن على يساره روايتان عندهم.
العشرون: في الحديث نقل أقواله وأفعاله وأحواله إلى الأمه كما فعلته عائشة رضي الله عنها
الحادي والعشرون: فيه افتتاح الصلاة بالتكبير ووجوبه وتعيننه. وقد سلف واضحاً.
الثاني والعشرون: فيه وجوب القراءة في الصلاة وأنه بالفاتحة. وفي الصحيحين من الحديث عبادة: لا صلاة لمن لَم يقرأ بفاتحة الكتاب.
وفي رواية للدارقطني ، وقال: إسنادها صحيح: لا تجزيء صلاة لا يقرأ فيها الرجل بفاتحة الكتاب
الثالث والعشرون: فيه تسمية السورة ببعضها. وكل سور القرآن في التسمية: كالفاتحة ، ثم التسمية بالبعض قد يكون لعظم لفظة ومعناه. وقد يكون لشهرة قصته. وقد يكون لعظم المثوبة. وقد يكون لتفخم ذكر المنعوت في السورة. وقد يكون لغير ذلك على ما اقتضته التسمية.
الرابع والعشرون: فيه تسوية الظهر في الركوع بحيث يستوي رأسه ومؤخره وقد مر ، =
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
= وفي الطبراني من حديث أبي برزة الأسلمي قال: كان رسول الله صلى الله عليه وسلم: إذا ركع لو صُب على ظهره ماءٌ لاستقرَّ.
الخامس والعشرون: فيه وجوب الاعتدال إذا رفع رأسه من الركوع بحيث يستوي قائماً.
السادس والعشرون: فيه وجوب الجلوس بين السجدتين.
السابع والعشرون: فيه وجوب التشهد الأول والأخير ، وهو مذهب أحمد وأصحاب الحديث
وقال الشافعي: الأول سنّة ، والثاني فرض
وقال مالك ، وأبو حنيفة والأكثرون: هما سنتان ، لكن أوجب أبو حنيفة الجلوس بقدره. والأشهر عن مالك أنه يجب الجلوس بعد السلام فقط.
دليل أحمد هذا الحديث مع حديث: صلّوا كما رأيتموني أصلي. ويقول ابن مسعود: كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يعلّمنا التشهد كما يعلّمنا السورة من القرآن ، وبقوله صلى الله عليه وسلم: إذا صلَّى أحدكم فليقل التحيات " والأمر للوجوب ، لكنه قال في التشهد: إن تركه عمداً بطلت صلاته ، وإن تركه سهواً أجزأته صلاته ، ويسجد للسهو ، لأنه صلى الله عليه وسلم تركه وجَبَرَه به. ونقيسه على واجب الحج في أنه إذا تركه جبر بدم.
لكن الفرق بينهما أنَّ الأصل في الواجب أنه يتعين الإتيان به ، ولا يجوز تركه ولا جبره. جُوّز في الحج لمشقة العبادة ، ولمواساة الفقراء من أهل الحرم ، ولدخول النيابة فيه للتخفيف ، بخلاف الصلاة فإنها عبادة بدنيه لا مشقة فيها ، ولا تدخلها النيابة ، ولا تكفر بالمال ، بل لا بد من الإتيان بها على كل حال ما دام العقل ثابتاً ، حتى في مقابلة العدو وغيره.
واحتج من أوجب الثاني: بأنه لَم ينقل عن النبي صلى الله عليه وسلم ولا عن غيره تركه عمداً ولا سهواً ، فاقتضى وجوبه: كالركوع والسجود ، بخلاف التشهد الأول مع أنَّ التشهد لَم يجر له ذكر فيما أعلم في حديث المسيء صلاته.
فيجاب عنه: بأنه كان معلوماً عنده ، ولهذا لَم يذكر له النية وقد أجمعنا على وجوبه ، ولَم يذكر القعود للتشهد ، وقد وافق أبو حنيفة على وجوبه ، لَم يذكر السلام. وقد وافق مالك والجمهور على وجوبه.
واعلم ان المحب الطبري نقل في " أحكامه ": عن الإمام أحمد أنه إنْ لَم يتشهد وسلَّم أجزأه ، كذا أطلق النقل عنه ، وقد عرفتَ تفصيل مذهبه فيه.
الثامن والعشرون: فيه شرعية الافتراش في جلسات الصلاة ، وقد تقدم مستوفى ، وكيف قَعَدَ جَازَ ، وانما الخلاف في الأفضل
التاسع والعشرون: فيه شرعية مخالفة الشيطان في الجلوس في الصلاة وغيرها ، ولا شكَّ أنَّ كل حالة من قول أو فعل أو حركة أو سكون أو خطرة أو نظرة أو فكرة مخالفة للشرع فهي شيطانية ، لكن بعضها دخل في المجاوزة التي امتن الله بها ، وبعضها لَم يدخل.
الثلاثون: فيه مخالفة الحيوان كالكلب وغيره في حالة افتراش ذراعيه وغيرها خصوصاً في الصلاة.
ولا شك أنَّ الله تعالى جبل الحيوانات على أحوال محمودةٍ ومذمومةٍ فبيَّن بالشرع محموداً منها ومذموماً للاكتساب وللاجتناب.
وقد صنَّف بعض العلماء كتاباً في " تفضيل الكلاب على كثير ممن لبس الثياب " ، ولنا به سماع متصل. وكل كذلك كرماً منه سبحانه لتفضيل النوع الإنساني ليقتدي أو يرتدي.
الحادي والثلاثون: فيه شرعية السلام آخر الصلاة ، وقد تقدم واضحاً.
الثاني والثلاثون: في دليل على أنَّ السلام ركنٌ من أركان الصلاة. لقولها: وكان يختم الصلاة بالتسليم ، وليس ذلك بقوي.
وادَّعى الرافعي الاتفاق على ركنيته ، وليس كما ادعى ، فقد حكى القاضي مجلِّي: أنه شرط.
الثالث والثلاثون: فيه حُجّة لمن نكَّر السلام ، وهو ماصحَّحه الرافعي ، وخالف النووي ، فصحح المنع ، وعلَّله بأنه لَم ينقل لكنه صحَّح إجزاء: عليكم السلام ، ولَم ينقل فيما أعلم.
فرع: لَم أره منقولاً لو قال: سِلْم عليكم بكسر السين واسكان اللام ، فظاهر كلامهم المنع ، لكنها لغة في السلام ، حكاها الحطابي.
الرابع والثلاثون: فيه استحباب مجافاة المرفقين عن الجنبين في السجود ، لأنه إذا نهى عنه افتراش ذراعيه لزم منه رفعهما ، فلزم منه مجافاتهما ، كما استنبطه بعضهم ، ووجه تلازمها غير ظاهر.