الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
الحديث التاسع والعشرون
78 -
عن عبد الله بن عبّاسٍ رضي الله عنه ، قال: بِتُّ عند خالتي ميمونة. فقام النّبيّ صلى الله عليه وسلم يُصلِّي من الليل ، فقمتُ عن يساره. فأخذ برأسي فأقامني عن يمينه. (1)
قوله: (بِتُّ عند خالتي ميمونة) زاد شريك بن أبي نمر عن كريب عن ابن عباس عند مسلم " فرقبت رسول الله صلى الله عليه وسلم كيف يُصلِّي " ، زاد أبو عوانة في " صحيحه " من هذا الوجه " بالليل ".
ولمسلمٍ من طريق عطاء عن ابن عبّاس قال: بعثني العبّاس إلى النّبيّ صلى الله عليه وسلم. زاد النّسائيّ من طريق حبيب بن أبي ثابت عن كريب " في إبل أعطاه إيّاها من الصّدقة ".
ولأبي عوانة من طريق عليّ بن عبد الله بن عبّاس عن أبيه ، أنّ العبّاس بعثه إلى النّبيّ صلى الله عليه وسلم في حاجة، قال: فوجدته جالساً في المسجد فلم أستطع أن أُكلّمه، فلمّا صلَّى المغرب قام فركع حتّى أذن بصلاة العشاء.
ولابن خزيمة من طريق طلحة بن نافع عنه: كان رسول الله صلى الله عليه وسلم وعد العبّاس ذوداً من الإبل، فبعثني إليه بعد العشاء. وكان في بيت
(1) أخرجه البخاري (138 ، 693 ، 821 ، 947 ، 1140 ، 4293 ، 4296 ، 5861 ، 5957 ، 7014) ومسلم (763) من طرق عن كريب عن ابن عبّاس به. مطوّلا ومختصراً. واقتصر المصنف على موضع الشاهد منه.
وأخرجه البخاري (117 ، 665 ، 667 ، 695 ، 5575) ومسلم (763) من طرق أخرى عن ابن عبّاس نحوه. وسيذكر الشارح رحمه الله بعضها.
ميمونة.
وهذا يخالف ما قبله، ويُجمع. بأنّه لَمّا لَم يكلمه في المسجد أعاده إليه بعد العشاء إلى بيت ميمونة، ولمحمّد بن نصر في كتاب قيام الليل من طريق محمّد بن الوليد بن نويفع عن كريب عن الزّيادة " فقال لي: يا بنيّ بِت الليلة عندنا " وفي رواية حبيب المذكورة " فقلت: لا أنام حتّى أنظر ما يصنع في صلاة الليل ".
وفي رواية مسلم من طريق الضّحّاك بن عثمان عن مخرمة ، فقلت لميمونة: إذا قام رسول الله صلى الله عليه وسلم فأيقظيني. وكان عزم في نفسه على السّهر ليطّلع على الكيفيّة التي أرادها، ثمّ خشي أن يغلبه النّوم فوصّى ميمونة أن توقظه.
قوله: (فقام النّبيّ صلى الله عليه وسلم يُصلِّي من الليل) وللبخاري " فنام حتى انتصف الليل أو قريبا منه " وجزم شريك بن أبي نمر في روايته المذكورة " بثلث الليل الأخير ".
ويجمع بينهما: بأنّ الاستيقاظ وقع مرّتين:
ففي الأولى: نظر إلى السّماء ثمّ تلا الآيات ثمّ عاد لمضجعه فنام.
وفي الثّانية: أعاد ذلك ثمّ توضّأ وصلَّى، وقد بيّن ذلك محمّد بن الوليد عن كريب عند محمد بن نصر. وفي رواية الثّوريّ عن سلمة بن كهيلٍ عن كريب في الصّحيحين ، فقام رسول الله صلى الله عليه وسلم من الليل فأتى حاجته ثمّ غسل وجهه ويديه ثمّ نام، ثمّ قام فأتى القرية. الحديث.
وفي رواية سعيد بن مسروق عن سلمة عند مسلم " ثمّ قام قومة
أخرى " وعنده من رواية شعبة عن سلمة " فبال " بدل فأتى حاجته. وفي رواية محمّد بن الوليد " ثمّ أخذ بُرداً له حضرميّاً فتوشّحه ، ثمّ دخل البيت فقام يُصلِّي "
قوله: (فقمتُ عن يساره) فيه عدم فساد صلاة المأموم إذا قام عن يسار الإمام فحوّله عن يمينه ، ووجه الدّلالة من حديث ابن عبّاسٍ المذكور ، أنّه صلى الله عليه وسلم لَم يبطل صلاة ابن عبّاسٍ مع كونه قام عن يساره أوّلاً.
وعن أحمد: تبطل؛ لأنّه صلى الله عليه وسلم لَم يقرّه على ذلك.
والأوّل هو قول الجمهور، بل قال سعيد بن المسيّب: إنّ موقف المأموم الواحد يكون عن يسار الإمام، ولَم يُتابع على ذلك.
قوله: (فأخذ برأسي) وفي رواية لهما " فوضع رسول الله صلى الله عليه وسلم يده اليمنى على رأسي، وأخذ بأذني اليمنى يفتلها " زاد محمّد بن الوليد عن ابن نصر في روايته " فعرفت أنّه إنّما صنع ذلك ليؤنسني بيده في ظلمة الليل ". وفي رواية الضّحّاك بن عثمان عند مسلم " فجعلت إذا أغفيت أخذ بشحمة أذني ".
وفي هذا ردّ على من زعم أنّ أخذ الأذن إنّما كان في حالة إدارته له من اليسار إلى اليمين ، متمسِّكاً برواية سلمة بن كهيلٍ في البخاري حيث قال: فأخذ بأذني فأدارني عن يمينه.
لكن لا يلزم من إدارته على هذه الصّفة أن لا يعود إلى مسك أذنه لِمَا ذكره من تأنيسه وإيقاظه ، لأنّ حاله كانت تقتضي ذلك لصغر سنّه.
قوله: (فجعلني عن يمينه) وللبخاري من رواية مخرمة عن كريبٍ عن ابن عبّاسٍ بلفظ " فقمت إلى جنبه " وظاهره المساواة.
وروى عبد الرزاق عن ابن جريجٍ قال: قلت لعطاءٍ: الرّجل يُصلِّي مع الرّجل أين يكون منه؟ قال: إلى شقّه الأيمن. قلت: أيحاذي به حتّى يصفّ معه لا يفوت أحدهما الآخر؟ قال: نعم. قلت: أتحبّ أن يساويه حتّى لا تكون بينهما فرجةٌ؟ قال: نعم.
وفي الموطّأ عن عبد الله بن عتبة بن مسعودٍ قال: دخلت على عمر بن الخطّاب بالهاجرة فوجدته يسبّح فقمت وراءه فقرّبني حتّى جعلني حذاءه عن يمينه.
وقد نقل بعضهم الاتّفاق على أنّ المأموم الواحد يقف عن يمين الإمام إلَاّ النّخعيّ فقال: إذا كان الإمام ورجلٌ قام الرّجل خلف الإمام، فإن ركع الإمام قبل أن يجيء أحدٌ قام عن يمينه. أخرجه سعيد بن منصورٍ.
ووجّهه بعضهم: بأنّ الإمام مظنّة الاجتماع فاعتبرت في موقف المأموم حتّى يظهر خلاف ذلك، وهو حسنٌ لكنّه مخالفٌ للنّصّ، وهو قياسٌ فاسدٌ.
ثمّ ظهر لي: أنّ إبراهيم إنّما كان يقول بذلك حيث يظنّ ظنّاً قويّاً مجيء ثانٍ، وقد روى سعيد بن منصورٍ أيضاً عنه قال: ربّما قمت خلف الأسود وحدي حتّى يجيء المؤذّن.
وفي الحديث مشروعية الجماعة في النافلة.
وفيه الائتمام بمن لَم ينو الإمامة ، وليس في حديث ابن عبّاسٍ التّصريح بأنّ النّبيّ صلى الله عليه وسلم لَم ينو الإمامة، كما أنّه ليس فيه أنّه نوى لا في ابتداء صلاته ولا بعد أن قام ابن عبّاسٍ فصلَّى معه، لكن في إيقافه إيّاه منه موقف المأموم ما يشعر بالثّاني، وأمّا الأوّل فالأصل عدمه.
وهذه المسألة مختلفٌ فيها.
والأصحّ عند الشّافعيّة: لا يشترط لصحّة الاقتداء أن ينوي الإمام الإمامة.
واستدل ابن المنذر أيضاً بحديث أنسٍ ، أنّ رسول الله صلى الله عليه وسلم صلَّى في شهر رمضان. قال: فجئت فقمتُ إلى جنبه، وجاء آخر فقام إلى جنبي حتّى كنّا رهطاً، فلمّا أحسّ النّبيّ صلى الله عليه وسلم بنا تجوّز في صلاته " الحديث.
وهو ظاهرٌ في أنّه لَم ينو الإمامة ابتداءً، وائتمّوا هم به وأقرّهم. وهو حديثٌ صحيحٌ. أخرجه مسلم ، وعلَّقه البخاريّ.
وذهب أحمد. إلى التّفرقة بين النّافلة والفريضة ، فشرط أن ينوي في الفريضة دون النّافلة.
وفيه نظرٌ؛ لحديث أبي سعيدٍ ، أنّ النّبيّ صلى الله عليه وسلم رأى رجلاً يُصلِّي وحده. فقال: ألا رجلٌ يتصدّق على هذا فيصلي معه. أخرجه أبو داود وحسّنه التّرمذيّ. وصحَّحه ابن خزيمة وابن حبّان والحاكم.