الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
الحديث الثالث والأربعون
92 -
عن البراء بن عازبٍ رضي الله عنه ، قال: رمقْتُ (1) الصّلاة مع محمّدٍ صلى الله عليه وسلم فوجدت قيامه ، فركعته فاعتداله بعد ركوعه ، فسجدته ، فجلسته بين السّجدتين ، فسجدته فجلسته ما بين التّسليم والانصراف ، قريباً من السّواء. (2)
وفي رواية البخاريّ: ما خلا القيام والقعود قريباً من السّواء. (3)
قوله: (فوجدت قيامه) كذا لمسلم ، وحكى ابن دقيق العيد عن بعض العلماء ، أنّه نسب هذه الرّواية إلى الوهم ثمّ استبعده ، لأنّ توهيم الرّاوي الثّقة على خلاف الأصل، ثمّ قال في آخر كلامه: فلينظر ذلك من الرّوايات ويحقّق الاتّحاد أو الاختلاف من مخارج الحديث. انتهى.
وقد جمعتُ طرقَه فوجدتُ مداره على ابن أبي ليلى عن البراء، لكن الرّواية التي فيها زيادة ذكر القيام من طريق هلال بن أبي حميدٍ عنه، ولَم يذكره الحَكَم بن عُتيبة عنه.
وليس بينهما اختلاف في سوى ذلك، إلَاّ ما زاده بعض الرّواة عن
(1) أَيْ: نَظَرْت وَتَأَمَّلْت. قاله السندي.
(2)
أخرجه البخاري (768 ، 786) ومسلم (471) من طريق الحكم ، ومسلم (471) من طريق هلال بن أبي حميد كلاهما عن ابن أبي ليلى عن البراء.
ولفظ العمدة لابن أبي هلال كما سيذكره الشارح.
(3)
أخرجه البخاري (759) حدّثنا بدل بن الْمُحبَّر عن شعبة عن الحكم به.
شعبة عن الحكم من قوله " ما خلا القيام والقعود " وإذا جمع بين الرّوايتين ظهر من الأخذ بالزّيادة فيهما أنّ المراد بالقيام المستثنى القيام للقراءة، وكذا القعود والمراد به القعود للتّشهّد.
قال ابن دقيق العيد: هذا الحديث يدلّ على أنّ الاعتدال ركن طويل.
وحديث أنس (1) أصرح في الدّلالة على ذلك، بل هو نصّ فيه فلا ينبغي العدول عنه لدليلٍ ضعيف. وهو قولهم: لَم يسنّ فيه تكرير التّسبيحات كالرّكوع والسّجود.
ووجَّه ضعفه أنّه قياس في مقابلة النّصّ وهو فاسد، وأيضاً فالذّكر المشروع في الاعتدال أطول من الذّكر المشروع في الرّكوع، فتكرير سبحان ربّي العظيم ثلاثاً يجيء قدر قوله: اللهمّ ربّنا ولك الحمد حمداً كثيراً طيّباً مباركاً فيه.
وقد شرع في الاعتدال ذكر أطول. كما أخرجه مسلم من حديث عبد الله بن أبي أوفى وأبي سعيد الخدريّ وعبد الله بن عبّاسٍ بعد قوله " حمداً كثيراً طيّباً " ملء السّموات وملء الأرض وملء ما شئت من شيء بعد ".
زاد في حديث ابن أبي أوفى " اللهمّ طهّرني بالثّلج .. إلخ " وزاد في حديث الآخرين " أهل الثّناء والمجد إلخ ".
وقد جاء في البخاري. أنَّ النّبيّ صلى الله عليه وسلم ترك الإنكار على من زاد في
(1) يقصد بذلك حديث أنس الآتي بعد حديث البراء في العمدة
الاعتدال ذِكْراً غير مأثور (1)، ومن ثَمَّ اختار النّوويّ جواز تطويل الرّكن القصير بالذّكر خلافاً للمرجّح في المذهب.
واستدل لذلك أيضاً بحديث حذيفة في مسلم ، أنّه صلى الله عليه وسلم قرأ في ركعة بالبقرة أو غيرها ثمّ ركع نحواً ممّا قرأ ، ثمّ قام بعد أن قال: ربّنا لك الحمد. قياماً طويلاً قريباً ممّا ركع.
قال النّوويّ: الجواب عن هذا الحديث صعب، والأقوى جواز الإطالة بالذّكر.
وقد أشار الشّافعيّ في الأمّ إلى عدم البطلان ، فقال في ترجمة " كيف القيام من الرّكوع ": ولو أطال القيام بذكر الله أو يدعو أو ساهياً وهو لا ينوي به القنوت ، كرهتُ له ذلك ولا إعادة، إلى آخر كلامه في ذلك.
فالعجب ممّن يصحّح مع هذا بطلان الصّلاة بتطويل الاعتدال، وتوجيههم ذلك أنّه إذا أطيل انتفت الموالاة ، معترض بأنّ معنى الموالاة أن لا يتخلَّل فصْلٌ طويل بين الأركان بما ليس منها، وما ورد به الشّرع لا يصحّ نفي كونه منها، والله أعلم
وأجاب بعضهم عن حديث البراء: أنّ المراد بقوله " قريباً من
(1) صحيح البخاري (799) عن رفاعة بن رافع الزرقي، قال: كنا يوماً نُصلِّي وراء النبي صلى الله عليه وسلم فلمَّا رفع رأسه من الركعة. قال: سمع الله لمن حمده، قال رجلٌ وراءه: ربنا ولك الحمد حمداً كثيراً طيباً مباركاً فيه، فلما انصرف، قال: مَن المتكلم؟ قال: أنا. قال: رأيت بضعة وثلاثين ملكاً يبتدرونها أيهم يكتبها أول. ولمسلم (600) عن أنس نحوه
السّواء " ليس أنّه كان يركع بقدر قيامه وكذا السّجود والاعتدال بل المراد أنّ صلاته كانت قريباً معتدلة ، فكان إذا أطال القراءة أطال بقيّة الأركان ، وإذا أخفّها أخفّ بقيّة الأركان.
فقد ثبت أنّه قرأ في الصّبح بالصّافّات (1) ، وثبت في السّنن عن أنس ، أنّهم حزروا في السّجود قدر عشر تسبيحات ، فيُحمل على أنّه قرأ بدون الصّافّات اقتصر على دون العشر، وأقلّه كما ورد في السّنن أيضاً ثلاث تسبيحات.
قوله: (ما خلا القيام والقعود) بالنّصب فيهما.
قيل: المراد بالقيام الاعتدال وبالقعود الجلوس بين السّجدتين، وجزم به بعضهم ، وتمسّك به في أنّ الاعتدال والجلوس بين السّجدتين لا يطوّلان.
وردّه ابن القيّم في كلامه على حاشية السّنن ، فقال: هذا سوء فهم من قائله، لأنّه قد ذكرهما بعينهما فكيف يستثنيهما؟ وهل يحسن قول القائل. جاء زيد وعمرو وبكر وخالد إلَّا زيداً وعمراً، فإنّه متى أراد نفي المجيء عنهما كان تناقضاً. انتهى.
وتعقّب: بأنّ المراد بذكرها إدخالها في الطّمأنينة. وباستثناء بعضها إخراج المستثنى من المساواة.
وقال بعض شيوخ شيوخنا: معنى قوله " قريباً من السّواء " أنّ
(1) أخرجه الإمام أحمد (2/ 26) والنسائي (2/ 95) من حديث ابن عمر. وصحَّحه ابن خزيمة (1606) وابن حبان (1817)
كلّ ركن قريب من مثله، فالقيام الأوّل قريب من الثّاني والرّكوع في الأولى قريب من الثّانية، والمراد بالقيام والقعود اللذين استثنيا الاعتدال والجلوس بين السّجدتين ولا يخفى تكلّفه.
واستدل بظاهره على أنّ الاعتدال ركنٌ طويلٌ ، ولا سيّما قوله في حديث أنس: حتّى يقول القائل قد نسي. وفي الجواب عنه تعسّف. والله أعلم.
وقيل: المراد بالقيام والقعود. القيام للقراءة والجلوس للتّشهّد ، لأنّ القيام للقراءة أطول من جميع الأركان في الغالب.
واستدل به على تطويل الاعتدال والجلوس بين السّجدتين ، وسيأتي في الحديث بعده