الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
باب الذكر عقب الصّلاة
الحديث الثالث والثمانون
132 -
عن عبد الله بن عبّاسٍ رضي الله عنه: أنّ رفع الصّوت بالذّكر حين ينصرف النّاس من المكتوبة كان على عهد رسول الله صلى الله عليه وسلم.
قال ابن عبّاسٍ: كنت أعلم إذا انصرفوا بذلك إذا سمعته. (1)
وفي لفظٍ: ما كنّا نعرف انقضاء صلاة رسول الله صلى الله عليه وسلم ، إلَاّ بالتّكبير. (2)
قوله: (كان على عهد رسول الله صلى الله عليه وسلم) فيه أنّ مثل هذا عند البخاريّ يُحكم له بالرّفع خلافاً لمن شذّ ومنع ذلك، وقد وافقه مسلم والجمهور على ذلك.
وفيه دليل على جواز (3) الجهر بالذّكر عقب الصّلاة.
قال الطّبريّ: فيه الإبانة عن صحّة ما كان يفعله بعض الأمراء من التّكبير عقب الصّلاة.
وتعقّبه ابن بطّال: بأنّه لَم يقف على ذلك عن أحد من السّلف إلَاّ ما
(1) أخرجه البخاري (805) ومسلم (583) من طريق ابن جريج عن عمرو بن دينار عن أبي معبد مولى ابن عباس عنه به.
(2)
أخرجه البخاري (806) ومسلم (583) من طريق سفيان بن عيينة عن عمرو بن دينار عن أبي معبد عن ابن عباس رضي الله عنه به. واللفظ لمسلم.
(3)
قال الشيخ ابن باز رحمه الله (2/ 420) لو قال " شرعية الجهر " لكان أصح. والله أعلم
حكاه ابن حبيب في " الواضحة " أنّهم كانوا يستحبّون التّكبير في العساكر عقب الصّبح والعشاء تكبيراً عالياً ثلاثاً، قال: وهو قديم من شأن النّاس.
قال ابن بطّال: وفي " العتبيّة " عن مالك أنّ ذلك محدث.
قال: وفي السّياق إشعار بأنّ الصّحابة لَم يكونوا يرفعون أصواتهم بالذّكر في الوقت الذي قال فيه ابن عبّاسٍ ما قال.
قلت: في التّقييد بالصّحابة نظر، بل لَم يكن حينئذٍ من الصّحابة إلَاّ القليل.
وقال النّوويّ: حمل الشّافعيُّ هذا الحديث على أنّهم جهروا به وقتاً يسيراً لأجل تعليم صفة الذّكر، لا أنّهم داوموا على الجهر به، والمختار أنّ الإمام والمأموم يخفيان الذّكر إلَاّ إن احتيج إلى التّعليم.
قوله: (قال ابن عباس: كنت أعلم) فيه إطلاق العلم على الأمر المستند إلى الظّنّ الغالب.
قوله: (إذا انصرفوا) أي: أعلم انصرافهم بذلك. أي: برفع الصّوت إذا سمعته. أي: الذّكر، والمعنى كنت أعلم بسماع الذّكر انصرافهم.
قوله: (ما كنّا نعرف انقضاء صلاة رسول الله صلى الله عليه وسلم إلَاّ بالتّكبير) بصيغة الحصر كذا أخرجه مسلم ، وللبخاري: كنت أعرف انقضاء صلاة النّبيّ صلى الله عليه وسلم بالتّكبير.
واختلف في كون ابن عبّاسٍ قال ذلك.
فقال عياض: الظّاهر أنّه لَم يكن يحضر الجماعة ، لأنّه كان صغيراً ممّن لا يواظب على ذلك ولا يلزم به، فكان يعرف انقضاء الصّلاة بما ذكر.
وقال غيره: يحتمل أن يكون حاضراً في أواخر الصّفوف ، فكان لا يعرف انقضاءها بالتّسليم، وإنّما كان يعرفه بالتّكبير.
وقال ابن دقيق العيد: يؤخذ منه أنّه لَم يكن هناك مبلِّغ جهير الصّوت يُسمع من بعُد.
قوله: (بالتّكبير) هو أخصّ من رواية " الذكر " التي قبلها، لأنّ الذّكر أعمّ من التّكبير.
ويحتمل: أن تكون هذه مفسّرة لذلك ، فكان المراد أنّ رفع الصّوت بالذّكر. أي: بالتّكبير، وكأنّهم كانوا يبدءون بالتّكبير بعد الصّلاة قبل التّسبيح والتّحميد (1)
(1) قال ابن رجب الحنبلي في فتح الباري (6/ 398): ورواه (أي حديث الباب) الإمام أحمد عن سفيان عن عمروٍ به، وزاد: قال عمروٌ: قلت له: إنَّ الناس كانوا إذا سلَّم الإمام من صلاة المكتوبة كبَّروا ثلاث تكبيرات. وهكذا هنا ثلاث تهليلات [
…
].
وقال حنبلٌ: سمعت أبا عبد الله يقول: ثنا عليٌ بن ثابتٍ: ثنا واصلٌ، قال: رأيتُ عليَّ بنَ عبد الله بن عباسٍ إذا صلَّى كبَّر ثلاث تكبيراتٍ.
قلت لأحمد: بعد الصلاة؟ قال: هكذا. قلت له: حديث عمرو عن أبي معبد عن ابن عباسٍ: كنا نعرف انقضاء صلاة رسول الله صلى الله عليه وسلم بالتكبير. هؤلاء أخذوه عن هذا؟. قال: نعم. ذكره أبو بكرٍ عبد العزيز بن جعفر في كتابه الشافي. فقد تبَّين بهذا أنَّ معنى التكبير الذي كان في عهد رسول الله صلى الله عليه وسلم عقب الصلاة المكتوبة: هو ثلاث تكبيراتٍ متواليةٍ. =
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
= ويشهد لذلك: ما روي عن مسعرٍ عن محمد بن عبد الرحمن عن طيسلة عن ابن عمر، قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: من قال في دبر الصلوات، وإذا أخذ مضجعه: الله أكبر كبيراً، عدد الشفع والوتر، وكلمات الله الطيبات المباركات ثلاثاً، ولا إله إلا الله مثل ذلك. كنَّ له في القبر نوراً، وعلى الحشر نوراً، وعلى الصراط نوراً، حتى يدخل الجنة.
وخَّرجه أيضاً بلفظ آخر، وهو: سبحان الله عدد الشفع والوتر، وكلمات ربي الطيبات التامات المباركات ثلاثاً. والحمد لله، والله أكبر، ولا إله إلا الله.
وذكر الإسماعيلي: أنَّ محمد بن عبد الرحمن، هو: مولى آل طلحة، وهو ثقةٌ مشهورٌ، وخرّج له مسلمٌ ، وطيسلة، وثقه ابن معينٍ، هو: ابن علي اليمامي، ويقال: ابن مياسٍ، وجعلهما ابن حبان اثنين، وذكرهما في ثقاته، وذكر أنهما يرويان عن ابن عمر.
وخرّجه ابن أبي شيبة في كتابه عن يزيد بن هارون، عن مسعر بهذا الإسناد - موقوفاً على ابن عمر. وأنكر عبيدة السلماني على مصعب بن الزبير تكبيره عقب السلام، وقال: قاتله الله، نعَّار بالبدع، واتباع السنة أولى.
وروى ابن سعدٍ في طبقاته بإسناده عن عمر بن عبد العزيز، أنه كان يُكبِّر: الله أكبر ولله الحمد ثلاثاً دبر كل صلاةٍ. انتهى كلام ابن رجب.
وقوله (ورواه الإمام أحمد) أي حديث ابن عباس حديث الباب. وقد أخرجه مسلم أيضاً عن سفيان كما ذكرت في تخريجه.
وروى ابن أبي شيبة في " المصنف "(3104) والبيهقي في " معرفة السنن والآثار "(989) عن يحيى بن سعيد قال: ذكرتُ للقاسم عن رجلٍ من أهل اليمن، أنه قال: ذُكر لي أنَّ الناس، كانوا إذا سلَّم الإمام من صلاته المكتوبة، كبَّروا ثلاث تكبيرات، أو تهليلات. فقال القاسم: والله إنْ كان ابن الزبير ليصنعه. وإستاده صحيح.